بينما يُعدّ لبنان من أكثر دول جوار سوريا تضرراً من النزوح السوري إلى أرضه، ثمّة من قرّر بأن يكون حضوره في المؤتمر الذي تنظمه روسيا على الأرض السورية لإعادتهم إلى بلادهم، خجولاً. فهل يحمِل هذا القرار في خلفيته مسايرة لواشنطن وخوفاً من العقوبات وطلباً لودّ عربي مفقود؟

 

تترقّب بيروت مُنتصف الأسبوع المُقبل محطة بالغة الأهمية تتمثّل بانعقاد المؤتمر الدولي لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، والذي تشارك روسيا في تنظيمه في دمشق في 11 و12 الشهر الجاري. هذا المؤتمر الذي دعَت الولايات المتحدة الأميركية الى مُقاطعته، واعتبر سفيرها لدى الأمم المتحدة أن «من غير المناسب بأن تشرف روسيا عليه بما أنها من الداعمين للرئيس بشار الأسد»، وُجهت دعوات الى 108 دول لحضوره، لكن التركيز جرى على دول الجوار التي ينتشر فيها العدد الأكبر من النازحين. وتكمن أهمية هذا المؤتمر في كونه تفعيلاً للمبادرة الروسية السابقة ووضع آلية تنفيذية لعودة النازحين، وانطلاقة لإعادة الإعمار في سوريا. ونظراً إلى هذه الأهمية، شُكّل وفد روسي رفيع المستوى جال على الدول لتشجيعها ودفعها للحضور لما فيه مصلحة لها ولسوريا. ورغم محاولات نقل مكان المؤتمر الى عاصمة أخرى، كان هناك إصرار على إبقائه في دمشق، لدحض كل المزاعم التي تتحدث عن رفض الدولة السورية لعودتهم، ولأن سوريا هي المكان الطبيعي لإقامة المؤتمر.

 

لبنان واحد من الدول المدعوّة، التي زارها الوفد الروسي لتسليمها الدعوة، حيث التقى المسؤولين الذين أكدوا جميعهم ومن دون استثناء على أهمية هذه العودة وضرورتها. لكن المفاجأة كانت بأن ثمة من قرر خفض تمثيل لبنان في المؤتمر، رغم أن الوفد الروسي سبق أن تمنّى في لقاءاته بأن يكون التمثيل على مستوى وزاري. فهل من مبرر لهذا القرار، علماً بأن لبنان من دول الجوار الأكثر تضرراً في ملف النزوح، وفشل هكذا مؤتمر سيعود عليه بارتدادات كارثية؟

 

منذُ سنوات، لم تتوقّف صرخات الاستغاثة التي تُطلِقها القوى السياسية لمساعدة لبنان على تفادي انفجار «لُغم» اللاجئين السوريين. لكنّ، هذه القوى، وما إن تَحين ساعة الحقيقة، حتى يتبيّن بأن أقوالها لا تتوافق ونواياها. وإن كانَت الدولة اللبنانية برمتها تتحمّل واجباً تجاه هذه القضية، إلى أن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ يتقدّمان عليها، وهما كانَا سباقين في أخذ شؤونها على عاتقها.

 

لم يترُك هذا التيار مناسبة إلا رمى في خلالها مسؤولية تردّي الأوضاع والانهيار الاقتصادي والاجتماعي وأحياناً الأمني على ظهر اللاجئين. استخدَم ملفهم كحاجة وضرورة بالنسبة إليه، وزايَد به على كل القوى الأخرى، حتّى إن بعض وزرائه كانوا يعتبرون بأن اللاجئين هم سبب الخراب في البنى التحتية من انقطاع المياه والكهرباء. ولم يتوقّف الاستثمار العوني عند هذه الحدود، إذ زُجّ باللاجئين في ملفات سياسية. يومَ اختطاف رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري في الرياض، قال الوزير جبران باسيل آنذاك: «لا تخافوا على الاستقرار، لأن وجود اللاجئين يُشكّل مظلّة حمائية للبلد، ولا أحد من المجتمع الدولي سيقبَل بحصول اهتزاز أمني خوفاً من تدفّق اللاجئين إلى أوروبا».

 

لكن التيار الذي يؤكّد على الدفع باتجاه معالجة هذا الملف، لم يُقدِم على أي خطوة حقيقية. عام 2018، طرحت موسكو مبادرة لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. آنذاك، استجاب لبنان استجابة خجولة، ودخلَ الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري في حسابات متضاربة حول من يكون عرّابها، فضاعَت المبادرة. واليوم مع تجديد موسكو لمبادرتها من خلال محاولة عقد مؤتمر دولي على الأرض السورية، يقع لبنان في الخطأ نفسه. فقد علمت «الأخبار» أنه وبعد أيام قليلة على مغادرة الوفد الروسي الذي زارَ البلاد أخيراً لتسليم لبنان دعوة لحضور المؤتمر، جرى تبليغه رسمياً بأن لبنان لن يشارك على مستوى سياسي رفيع، وهو سيكون ممثلاً عبر سفيره في سوريا سعد زخيا. وما يسري على التيار ينطبق على باقي الأحزاب والتيارات في عدم تحمل مسؤوليتها كاملةً، لا على الجانب الإنساني ولا على الجانب السياسي أو جانب المسؤولية الوطنية التي يفرضها العمل، بعيداً عن أي حسابات سياسية موالية أو معارضة في التعاطي مع مشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم.

 

وهذه مشكلة تطرَح أسئلة كثيرة حول من هو المسؤول عن اتخاذ قرار كهذا؟ وهل إذا ما كانَ في خلفيته خشية من العقوبات الأميركية؟ أم سعي لكسب ودّ عربيّ مفقود، ومحاولة لإبقاء لبنان في ركب الدول المُمتنعة عن الانفتاح على سوريا وتحسين العلاقات معها إلا بعد الموافقة الأميركية؟

 

التذرّع بغياب الحكومة لخفض مستوى التمثيل في دمشق لم يشمل المفاوضات مع العدو!

 

تتقاذف القوى السياسية مسؤولية القرار. ففيما يؤكّد البعض بأنه «يجب أن يتخذ بالشراكة بينَ رئيسَي الجمهورية والحكومة»، تتذرع مصادر قريبة منهما بأن «مثل هذا القرار يحتاج الى حكومة، والحكومة لم تتألف بعد». بالطبع تسقط هذه الذريعة أمام المنطق الذي يقول بأن «من اتخذ قرار بحجم التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية في ظل غياب الحكومة، قادر على أن يفعل ذلك بشأن مؤتمر النازحين». وفي الإطار، تستغرب أوساط سياسية رفيعة المستوى «عدم ضمّ وزيرَي الخارجية وشؤون النازحين إلى الوفد»، كما «استبعاد اللواء عباس إبراهيم باعتباره من يدير هذا الملف بالتنسيق مع السلطات السورية»، ووفقَ المعلومات «لم يتحدث أحد مع إبراهيم في هذا الأمر، ولم يُعرف كيف جرى التنسيق أو الوصول الى اتفاق في هذا الشأن». وقالت الأوساط إن «لبنان هو له مصلحة في هذا المؤتمر أكثر من الدولة السورية، وسيتسبب فشله بضرر كبير علينا»، معتبرة أن «أولى صور الفشل هي حجم الحضور ونوعه». وقالت المصادر إنه «كانَ بالإمكان إرسال مبعوث رئاسي بالحد الأدنى لإعطاء إشارة إيجابية والتأكيد على جدية المعنيين في محاولاتهم لحل هذه القضية». وتساءلت المصادر: «لمصلحة مَن هذا القرار؟ ومسايرة لأيّ جهة؟ فهناك دول كثيرة ستتمثل بوفد وزاري، كما أن معارضين سوريين سيكونون حاضرين، فهل نكون نحن ملكيين أكثر من الملك»؟ وذكّرت الأوساط بالكلام الكثير عن خطورة بقاء النازحين وما يتصل بهم من مشاريع توطين. فهل يدفَع ذلك رئيس الجمهورية إلى إعادة النظر في هذا القرار وتصحيح الخطأ؟

 

  • فريق ماسة
  • 2020-11-05
  • 9480
  • من الأرشيف

لبنان يخفّض تمثيله في مؤتمر النازحين في دمشق: خوف من العقوبات!

بينما يُعدّ لبنان من أكثر دول جوار سوريا تضرراً من النزوح السوري إلى أرضه، ثمّة من قرّر بأن يكون حضوره في المؤتمر الذي تنظمه روسيا على الأرض السورية لإعادتهم إلى بلادهم، خجولاً. فهل يحمِل هذا القرار في خلفيته مسايرة لواشنطن وخوفاً من العقوبات وطلباً لودّ عربي مفقود؟   تترقّب بيروت مُنتصف الأسبوع المُقبل محطة بالغة الأهمية تتمثّل بانعقاد المؤتمر الدولي لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، والذي تشارك روسيا في تنظيمه في دمشق في 11 و12 الشهر الجاري. هذا المؤتمر الذي دعَت الولايات المتحدة الأميركية الى مُقاطعته، واعتبر سفيرها لدى الأمم المتحدة أن «من غير المناسب بأن تشرف روسيا عليه بما أنها من الداعمين للرئيس بشار الأسد»، وُجهت دعوات الى 108 دول لحضوره، لكن التركيز جرى على دول الجوار التي ينتشر فيها العدد الأكبر من النازحين. وتكمن أهمية هذا المؤتمر في كونه تفعيلاً للمبادرة الروسية السابقة ووضع آلية تنفيذية لعودة النازحين، وانطلاقة لإعادة الإعمار في سوريا. ونظراً إلى هذه الأهمية، شُكّل وفد روسي رفيع المستوى جال على الدول لتشجيعها ودفعها للحضور لما فيه مصلحة لها ولسوريا. ورغم محاولات نقل مكان المؤتمر الى عاصمة أخرى، كان هناك إصرار على إبقائه في دمشق، لدحض كل المزاعم التي تتحدث عن رفض الدولة السورية لعودتهم، ولأن سوريا هي المكان الطبيعي لإقامة المؤتمر.   لبنان واحد من الدول المدعوّة، التي زارها الوفد الروسي لتسليمها الدعوة، حيث التقى المسؤولين الذين أكدوا جميعهم ومن دون استثناء على أهمية هذه العودة وضرورتها. لكن المفاجأة كانت بأن ثمة من قرر خفض تمثيل لبنان في المؤتمر، رغم أن الوفد الروسي سبق أن تمنّى في لقاءاته بأن يكون التمثيل على مستوى وزاري. فهل من مبرر لهذا القرار، علماً بأن لبنان من دول الجوار الأكثر تضرراً في ملف النزوح، وفشل هكذا مؤتمر سيعود عليه بارتدادات كارثية؟   منذُ سنوات، لم تتوقّف صرخات الاستغاثة التي تُطلِقها القوى السياسية لمساعدة لبنان على تفادي انفجار «لُغم» اللاجئين السوريين. لكنّ، هذه القوى، وما إن تَحين ساعة الحقيقة، حتى يتبيّن بأن أقوالها لا تتوافق ونواياها. وإن كانَت الدولة اللبنانية برمتها تتحمّل واجباً تجاه هذه القضية، إلى أن رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ يتقدّمان عليها، وهما كانَا سباقين في أخذ شؤونها على عاتقها.   لم يترُك هذا التيار مناسبة إلا رمى في خلالها مسؤولية تردّي الأوضاع والانهيار الاقتصادي والاجتماعي وأحياناً الأمني على ظهر اللاجئين. استخدَم ملفهم كحاجة وضرورة بالنسبة إليه، وزايَد به على كل القوى الأخرى، حتّى إن بعض وزرائه كانوا يعتبرون بأن اللاجئين هم سبب الخراب في البنى التحتية من انقطاع المياه والكهرباء. ولم يتوقّف الاستثمار العوني عند هذه الحدود، إذ زُجّ باللاجئين في ملفات سياسية. يومَ اختطاف رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري في الرياض، قال الوزير جبران باسيل آنذاك: «لا تخافوا على الاستقرار، لأن وجود اللاجئين يُشكّل مظلّة حمائية للبلد، ولا أحد من المجتمع الدولي سيقبَل بحصول اهتزاز أمني خوفاً من تدفّق اللاجئين إلى أوروبا».   لكن التيار الذي يؤكّد على الدفع باتجاه معالجة هذا الملف، لم يُقدِم على أي خطوة حقيقية. عام 2018، طرحت موسكو مبادرة لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. آنذاك، استجاب لبنان استجابة خجولة، ودخلَ الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري في حسابات متضاربة حول من يكون عرّابها، فضاعَت المبادرة. واليوم مع تجديد موسكو لمبادرتها من خلال محاولة عقد مؤتمر دولي على الأرض السورية، يقع لبنان في الخطأ نفسه. فقد علمت «الأخبار» أنه وبعد أيام قليلة على مغادرة الوفد الروسي الذي زارَ البلاد أخيراً لتسليم لبنان دعوة لحضور المؤتمر، جرى تبليغه رسمياً بأن لبنان لن يشارك على مستوى سياسي رفيع، وهو سيكون ممثلاً عبر سفيره في سوريا سعد زخيا. وما يسري على التيار ينطبق على باقي الأحزاب والتيارات في عدم تحمل مسؤوليتها كاملةً، لا على الجانب الإنساني ولا على الجانب السياسي أو جانب المسؤولية الوطنية التي يفرضها العمل، بعيداً عن أي حسابات سياسية موالية أو معارضة في التعاطي مع مشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم.   وهذه مشكلة تطرَح أسئلة كثيرة حول من هو المسؤول عن اتخاذ قرار كهذا؟ وهل إذا ما كانَ في خلفيته خشية من العقوبات الأميركية؟ أم سعي لكسب ودّ عربيّ مفقود، ومحاولة لإبقاء لبنان في ركب الدول المُمتنعة عن الانفتاح على سوريا وتحسين العلاقات معها إلا بعد الموافقة الأميركية؟   التذرّع بغياب الحكومة لخفض مستوى التمثيل في دمشق لم يشمل المفاوضات مع العدو!   تتقاذف القوى السياسية مسؤولية القرار. ففيما يؤكّد البعض بأنه «يجب أن يتخذ بالشراكة بينَ رئيسَي الجمهورية والحكومة»، تتذرع مصادر قريبة منهما بأن «مثل هذا القرار يحتاج الى حكومة، والحكومة لم تتألف بعد». بالطبع تسقط هذه الذريعة أمام المنطق الذي يقول بأن «من اتخذ قرار بحجم التفاوض غير المباشر مع العدو الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية في ظل غياب الحكومة، قادر على أن يفعل ذلك بشأن مؤتمر النازحين». وفي الإطار، تستغرب أوساط سياسية رفيعة المستوى «عدم ضمّ وزيرَي الخارجية وشؤون النازحين إلى الوفد»، كما «استبعاد اللواء عباس إبراهيم باعتباره من يدير هذا الملف بالتنسيق مع السلطات السورية»، ووفقَ المعلومات «لم يتحدث أحد مع إبراهيم في هذا الأمر، ولم يُعرف كيف جرى التنسيق أو الوصول الى اتفاق في هذا الشأن». وقالت الأوساط إن «لبنان هو له مصلحة في هذا المؤتمر أكثر من الدولة السورية، وسيتسبب فشله بضرر كبير علينا»، معتبرة أن «أولى صور الفشل هي حجم الحضور ونوعه». وقالت المصادر إنه «كانَ بالإمكان إرسال مبعوث رئاسي بالحد الأدنى لإعطاء إشارة إيجابية والتأكيد على جدية المعنيين في محاولاتهم لحل هذه القضية». وتساءلت المصادر: «لمصلحة مَن هذا القرار؟ ومسايرة لأيّ جهة؟ فهناك دول كثيرة ستتمثل بوفد وزاري، كما أن معارضين سوريين سيكونون حاضرين، فهل نكون نحن ملكيين أكثر من الملك»؟ وذكّرت الأوساط بالكلام الكثير عن خطورة بقاء النازحين وما يتصل بهم من مشاريع توطين. فهل يدفَع ذلك رئيس الجمهورية إلى إعادة النظر في هذا القرار وتصحيح الخطأ؟  

المصدر : الماسة السورية/الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة