في أول رد فعل من جانبها على مقتل العشرات من جنودها في قصف جوي في إدلب، أعلنت تركيا فتح حدودها أمام اللاجئين السوريين للعبور إلى أوروبا، الأمر الذي قد يعطي صورة كاملة للفكر السياسي التركي في ظل حكم “حزب العدالة والتنمية” المرتبط بجماعة “الإخوان المسلمين”، والقائم على الابتزاز واستغلال كل ما يمكن استغلاله من أحداث، حتى وإن كان هذا الحدث دماء تركية سالت، ومازالت تسيل، لتحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية، تدعم بمجملها المشروع “العثماني” الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.

 

أنا أفضل الموجود”… وفق هذه المعادلة، سوّق إردوغان نفسه، وحزبه، لتقوية علاقاته بروسيا، بحثاً عن شراكة اقتصادية وسياسية، تضمن له تحقيق مكاسب ميدانية في الساحة السورية دون عناء الدخول في أية مواجهات مع قوى دولية فاعلة في الساحة السورية.

 

بعد حادثة اسقاط طائرة روسية بنيران تركية في العام 2015، وبعد حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف، وجد اردوغان الأرض ممهدة بشكل كبير لتنمية العلاقات مع الجار اللدود، فارتفع حجم التنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي، وتمكنت تركيا من فرض نفسها لاعباً مهماً على الطاولة السورية، خصوصاً أن المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الروسية – التركية قد لا يكون مسبوقاً، في ظل ميل القوى السياسية التركية إلى الاتحاد الأوروبي و”الناتو”.

 

وتتويجاً لهذه العلاقات، وقعت تركيا عقد شراء منظومة “أس-400” الروسية، كبديل عن نظام “باتريوت” الذي رفضت الولايات المتحدة الأميركية بيعه لتركيا، الأمر الذي وضع تركيا في إطار المواجهة السياسية مع الشركاء في “الناتو” الذين وجدوا أن أحد أخطر الأسلحة الروسية على سلاحهم الجوي سيزرع في أرض ثاني أكبر قوة عسكرية في هذا التحالف.

 

ضمن هذه الظروف، تمكنت تركيا من نسج سلسلة من العلاقات المتشابكة بين الأضداد، خصوصاً مع تنمية تركيا علاقاتها مع قوى سياسية معادية لروسيا في محيطها وضمن مجال أمنها القومي، الأمر الذي مهد لها الأرض لتعلب دوراً أكبر مع مرور الوقت في ملفات إقليمية ودولية عدة، سواء في البلقان وأوكرانيا، أو في الساحة السورية، وصولاً إلى إفريقيا، وليبيا النفطية، والتقلب بين خيارين متاحين في أي ملف، تارة نداً، وتارة حليفا قوياً.

 

تراجعت أسهم “حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي مع مرور الوقت، بالتزامن مع نمو قوى سياسية تركية ذات ميول مختلفة، الأمر الذي استغله اردوغان بشكل جيد، للتسويق مجدداً لفكرة “أنا أفضل، وتراجع سلطتي يعني ظهور قوى من شأنها أن تشكل خطراً على هذه التحالفات”.

 

هذا “الكارت” السياسي حاول إردوغان تفعيله بشكل كبير في نسج العلاقات مع روسيا، خصوصاً أن معظم القوى السياسية النامية في تركيا تميل إلى العودة إلى “حضن الناتو”، وترى الشراكة مع روسيا، التي تعتبر عدواً تاريخياً، مغامرة غير محسوبة النتائج.

 

في هذا السياق، يشرح الصحافي السوري المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان أن إردوغان وحزبه استثمر فكرة “أنا أفضل الموجود” إلى أبعد حد، سواء في علاقة تركيا مع روسيا، أو علاقتها مع إيران التي ساهمت الخلفية الدينية لحزبه في تقويتها، موضحاً أن إردوغان حاول تحقيق توازن بين هذه القوى، إلا أنه أخطأ في النهاية في ابتزاز روسيا، فهي ليست “الناتو”.

 

السوريون.. “بعبع أوروبا

 

على الجانب الآخر من العلاقات التركية، مع دول الاتحاد الأوروبي، عموماً، وحلفاء “الناتو” على وجه الخصوص، تمكن إردوغان من تسويق نفسه حامياً لهذه الدول من خطر “النزوح السوري”، وموجات اللاجئين التي تمكن من ضبطها عن طريق إغلاق حدود بلاده، بعد سلسلة من الصفقات مع شركائه في هذا الحلف الذي عانى على مدار ثلاثة أعوام (من العام 2012 إلى العام 2015) من موجات لجوء سورية متواصلة.

 

تمكنت تركيا العام 2016 من إجبار الاتحاد الأوروبي إلى توقيع عقد أقرب ما يكون إلى عقد “الإذعان”، عن طريق منح الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو مقابل إغلاق تركيا حدودها أمام اللاجئين السوريين.

 

وفي العام الماضي 2019، عادت تركيا لابتزاز أوروبا مرة أخرى، بعد إعلانها أن الاتحاد الأوروبي لم يقم بدفع المستحقات المفروضة عليه وفق الاتفاق، وسط مساع تركية جديدة لتحديث هذا الاتفاق بحثاً عن مبالغ إضافية، خصوصاً مع إعلان تركيا المتكرر أن موجات النزوح السورية الجديد المتوقعة جراء المعارك الدائرة في إدلب تفوق قدرتها على مواجهتها.

 

ومع النجاح المتكرر لاستعمال تركيا أزمة اللاجئين السوريين عنصر ضغط على الاتحاد الأوروبي، عادت تركيا مرة أخرى لاستعماله على نطاق أوسع، بعدما رفضت دول “الناتو” الانخراط في حرب قد تكون مفتوحة مع روسيا، إثر مقتل عشرات الجنود في إدلب.

 

وركّزت وسائل الإعلام التركية اليوم على تحركات اللاجئين السوريين، والموجات المتتالية التي بدأت تصل إلى اليونان، الأمر الذي اعتبره الصحافي قصارجان “السلاح الأكثر تأثيراً من آلتها العسكرية، ومن شأنه أن يدفع الاتحاد الأوروبي والناتو إلى زيادة الضغوط على سوريا وحليفتها روسيا”.

 

الدين والقومية

 

إضافة إلى ما سبق، سوق حزب “العدالة والتنمية” خلال السنوات الماضية فكرة “تركيا الإسلامية” البديل الأفضل للعالم من “الإسلام المتشدد”، فنشّطت تركيا من تحركاتها الدينية في أوروبا، وساهمت ببناء عدد كبير من المساجد والمراكز الدينية، معتمدة في ذلك على المد التركي الموجود أصلاً في عمق أوروبا، والجالية التركية الكبيرة.

 

ولا يخشى الاتحاد الأوروبي فقط من موجات اللجوء السورية، وإنما ما يثير قلقه تسلل “الإرهابيين” و”المتشددين” إلى أوروبا عن طريق هذه الموجات، الأمر الذي سيضرب عمق الأمن القومي الأوروبي، وهو ما يعرفه إردوغان بشكل جيد، ويمعن في استثماره.

 

كذلك، يراهن إردوغان على الوجود التاريخي لأعراق مرتبطة بتركيا في مناطق أوروبية عدة، وحتى داخل روسيا ومحيطها الذي يشكل جزءاً من أمنها القومي، الأمر الذي لوحت تركيا أكثر من مرة بإمكانية استثماره لتحقيق مكاسب سياسية في ملفات عدة.

 

الخطأ الكبير

 

أمام نجاح “الوصفة” التركية لتحقيق مكاسب متتالية عن طريق الابتزاز، على مسارات عدة، وبشكل خاص فيما يتعلق بالناتو والاتحاد الأوروبي، وحتى روسيا التي مهدت الأرض بشكل كبير لتقوية العلاقات مع أنقرة، يبدو أن اردوغان وقع في خطأ تقديري كبير حول روسيا، فهي ليست كغيرها، خصوصاً أن سقف المطالب التركية كان مرتفعاً بشكل كبير هذه المرة ويمس بصورة روسيا باعتبارها دولة عظمى.

 

وأمهل إردوغان دمشق وحلفاءها فرصة حتى نهاية الشهر الحالي للتراجع إلى خلف حدود اتفاقية “سوتشي” الموقعة بين روسيا وتركيا العام 2018، مهدداً باستعمال القوة ضد الجيش السوري في حال لم يتم تنفيذ ذلك، الأمر الذي ردت عليه كل من دمشق وموسكو بتحقيق تقدم ميداني جديد، مع تأكيد روسيا أن هذه العملية جاءت تنفيذا لاتفاقية سوتشي التي لم تلتزم بها تركيا.

 

ونصت الاتفاقية على أن تقوم تركيا بفتح طريقي حلب – دمشق وحلب اللاذقية قبل نهاية العام 2018، وتفكيك التنظيمات “الإرهابية” المنتشرة في إدلب، وهو ما لم تنفذه تركيا، ما دفع للقيام بهذه العملية العسكرية، التي تمكنت خلالها القوات السورية، بدعم روسي، من تأمين كامل محيط حلب، وفتح طريق حلب – دمشق، وتتابع عملياتها لفتح طريق حلب – اللاذقية.

 

وقامت تركيا خلال الأسبوعين الماضيين بإدخال قوات تركية إضافية، بالإضافة إلى أسلحة متنوعة إلى إدلب، بهدف منع تقدم قوات الجيش السوري بقوة السلاح، وعمدت إلى تقديم دعم كبير للفصائل المسلحة لشن هجمات على مواقع الجيش السوري، كما حاولت استهداف الطائرات السورية والروسية، حيث أظهرت تسجيلات مصورة عدة محاولات جنود أتراك استهداف الطائرات، الأمر الذي نوهت إليه روسيا بشكل مباشر أمس، قبل أن يتم استهداف أحد المواقع الذي خرجت منه القذائف الصاروخية، ما تسبب بمقتل وإصابة هذا العدد الكبير من الجنود الأتراك.

وأمام المأزق الجديد، يبدو أن إردوغان وحزبه وسلطته أمام اختبار يمس وجوده بشكل مباشر، في ظل عدم قدرة تركيا على مواجهة روسيا عسكرياً، ورفض “الناتو” الانخراط في هذه المعركة، وعدم قدرة إردوغان تنفيذ وعوده التي قطعها طيلة الفترة الماضية، الأمر الذي زاد من ورطته الدماء التي سالت، خصوصاً أن هذه الأحداث مجتمعة تأتي في وقت يشهد فيه “حزب العدالة والتنمية” تراجعاً متواصلاً في شعبيته، وسط نهوض وتنامي قوى سياسية جديدة، فكيف سيخرج إردوغان من ورطته الجديدة؟

  • فريق ماسة
  • 2020-02-28
  • 10481
  • من الأرشيف

سلاح اردوغان في الحرب السورية… “أنا أفضل الموجود”

في أول رد فعل من جانبها على مقتل العشرات من جنودها في قصف جوي في إدلب، أعلنت تركيا فتح حدودها أمام اللاجئين السوريين للعبور إلى أوروبا، الأمر الذي قد يعطي صورة كاملة للفكر السياسي التركي في ظل حكم “حزب العدالة والتنمية” المرتبط بجماعة “الإخوان المسلمين”، والقائم على الابتزاز واستغلال كل ما يمكن استغلاله من أحداث، حتى وإن كان هذا الحدث دماء تركية سالت، ومازالت تسيل، لتحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية، تدعم بمجملها المشروع “العثماني” الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.   “أنا أفضل الموجود”… وفق هذه المعادلة، سوّق إردوغان نفسه، وحزبه، لتقوية علاقاته بروسيا، بحثاً عن شراكة اقتصادية وسياسية، تضمن له تحقيق مكاسب ميدانية في الساحة السورية دون عناء الدخول في أية مواجهات مع قوى دولية فاعلة في الساحة السورية.   بعد حادثة اسقاط طائرة روسية بنيران تركية في العام 2015، وبعد حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف، وجد اردوغان الأرض ممهدة بشكل كبير لتنمية العلاقات مع الجار اللدود، فارتفع حجم التنسيق الأمني والعسكري والاقتصادي، وتمكنت تركيا من فرض نفسها لاعباً مهماً على الطاولة السورية، خصوصاً أن المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الروسية – التركية قد لا يكون مسبوقاً، في ظل ميل القوى السياسية التركية إلى الاتحاد الأوروبي و”الناتو”.   وتتويجاً لهذه العلاقات، وقعت تركيا عقد شراء منظومة “أس-400” الروسية، كبديل عن نظام “باتريوت” الذي رفضت الولايات المتحدة الأميركية بيعه لتركيا، الأمر الذي وضع تركيا في إطار المواجهة السياسية مع الشركاء في “الناتو” الذين وجدوا أن أحد أخطر الأسلحة الروسية على سلاحهم الجوي سيزرع في أرض ثاني أكبر قوة عسكرية في هذا التحالف.   ضمن هذه الظروف، تمكنت تركيا من نسج سلسلة من العلاقات المتشابكة بين الأضداد، خصوصاً مع تنمية تركيا علاقاتها مع قوى سياسية معادية لروسيا في محيطها وضمن مجال أمنها القومي، الأمر الذي مهد لها الأرض لتعلب دوراً أكبر مع مرور الوقت في ملفات إقليمية ودولية عدة، سواء في البلقان وأوكرانيا، أو في الساحة السورية، وصولاً إلى إفريقيا، وليبيا النفطية، والتقلب بين خيارين متاحين في أي ملف، تارة نداً، وتارة حليفا قوياً.   تراجعت أسهم “حزب العدالة والتنمية في الشارع التركي مع مرور الوقت، بالتزامن مع نمو قوى سياسية تركية ذات ميول مختلفة، الأمر الذي استغله اردوغان بشكل جيد، للتسويق مجدداً لفكرة “أنا أفضل، وتراجع سلطتي يعني ظهور قوى من شأنها أن تشكل خطراً على هذه التحالفات”.   هذا “الكارت” السياسي حاول إردوغان تفعيله بشكل كبير في نسج العلاقات مع روسيا، خصوصاً أن معظم القوى السياسية النامية في تركيا تميل إلى العودة إلى “حضن الناتو”، وترى الشراكة مع روسيا، التي تعتبر عدواً تاريخياً، مغامرة غير محسوبة النتائج.   في هذا السياق، يشرح الصحافي السوري المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان أن إردوغان وحزبه استثمر فكرة “أنا أفضل الموجود” إلى أبعد حد، سواء في علاقة تركيا مع روسيا، أو علاقتها مع إيران التي ساهمت الخلفية الدينية لحزبه في تقويتها، موضحاً أن إردوغان حاول تحقيق توازن بين هذه القوى، إلا أنه أخطأ في النهاية في ابتزاز روسيا، فهي ليست “الناتو”.   السوريون.. “بعبع أوروبا”   على الجانب الآخر من العلاقات التركية، مع دول الاتحاد الأوروبي، عموماً، وحلفاء “الناتو” على وجه الخصوص، تمكن إردوغان من تسويق نفسه حامياً لهذه الدول من خطر “النزوح السوري”، وموجات اللاجئين التي تمكن من ضبطها عن طريق إغلاق حدود بلاده، بعد سلسلة من الصفقات مع شركائه في هذا الحلف الذي عانى على مدار ثلاثة أعوام (من العام 2012 إلى العام 2015) من موجات لجوء سورية متواصلة.   تمكنت تركيا العام 2016 من إجبار الاتحاد الأوروبي إلى توقيع عقد أقرب ما يكون إلى عقد “الإذعان”، عن طريق منح الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو مقابل إغلاق تركيا حدودها أمام اللاجئين السوريين.   وفي العام الماضي 2019، عادت تركيا لابتزاز أوروبا مرة أخرى، بعد إعلانها أن الاتحاد الأوروبي لم يقم بدفع المستحقات المفروضة عليه وفق الاتفاق، وسط مساع تركية جديدة لتحديث هذا الاتفاق بحثاً عن مبالغ إضافية، خصوصاً مع إعلان تركيا المتكرر أن موجات النزوح السورية الجديد المتوقعة جراء المعارك الدائرة في إدلب تفوق قدرتها على مواجهتها.   ومع النجاح المتكرر لاستعمال تركيا أزمة اللاجئين السوريين عنصر ضغط على الاتحاد الأوروبي، عادت تركيا مرة أخرى لاستعماله على نطاق أوسع، بعدما رفضت دول “الناتو” الانخراط في حرب قد تكون مفتوحة مع روسيا، إثر مقتل عشرات الجنود في إدلب.   وركّزت وسائل الإعلام التركية اليوم على تحركات اللاجئين السوريين، والموجات المتتالية التي بدأت تصل إلى اليونان، الأمر الذي اعتبره الصحافي قصارجان “السلاح الأكثر تأثيراً من آلتها العسكرية، ومن شأنه أن يدفع الاتحاد الأوروبي والناتو إلى زيادة الضغوط على سوريا وحليفتها روسيا”.   الدين والقومية   إضافة إلى ما سبق، سوق حزب “العدالة والتنمية” خلال السنوات الماضية فكرة “تركيا الإسلامية” البديل الأفضل للعالم من “الإسلام المتشدد”، فنشّطت تركيا من تحركاتها الدينية في أوروبا، وساهمت ببناء عدد كبير من المساجد والمراكز الدينية، معتمدة في ذلك على المد التركي الموجود أصلاً في عمق أوروبا، والجالية التركية الكبيرة.   ولا يخشى الاتحاد الأوروبي فقط من موجات اللجوء السورية، وإنما ما يثير قلقه تسلل “الإرهابيين” و”المتشددين” إلى أوروبا عن طريق هذه الموجات، الأمر الذي سيضرب عمق الأمن القومي الأوروبي، وهو ما يعرفه إردوغان بشكل جيد، ويمعن في استثماره.   كذلك، يراهن إردوغان على الوجود التاريخي لأعراق مرتبطة بتركيا في مناطق أوروبية عدة، وحتى داخل روسيا ومحيطها الذي يشكل جزءاً من أمنها القومي، الأمر الذي لوحت تركيا أكثر من مرة بإمكانية استثماره لتحقيق مكاسب سياسية في ملفات عدة.   الخطأ الكبير   أمام نجاح “الوصفة” التركية لتحقيق مكاسب متتالية عن طريق الابتزاز، على مسارات عدة، وبشكل خاص فيما يتعلق بالناتو والاتحاد الأوروبي، وحتى روسيا التي مهدت الأرض بشكل كبير لتقوية العلاقات مع أنقرة، يبدو أن اردوغان وقع في خطأ تقديري كبير حول روسيا، فهي ليست كغيرها، خصوصاً أن سقف المطالب التركية كان مرتفعاً بشكل كبير هذه المرة ويمس بصورة روسيا باعتبارها دولة عظمى.   وأمهل إردوغان دمشق وحلفاءها فرصة حتى نهاية الشهر الحالي للتراجع إلى خلف حدود اتفاقية “سوتشي” الموقعة بين روسيا وتركيا العام 2018، مهدداً باستعمال القوة ضد الجيش السوري في حال لم يتم تنفيذ ذلك، الأمر الذي ردت عليه كل من دمشق وموسكو بتحقيق تقدم ميداني جديد، مع تأكيد روسيا أن هذه العملية جاءت تنفيذا لاتفاقية سوتشي التي لم تلتزم بها تركيا.   ونصت الاتفاقية على أن تقوم تركيا بفتح طريقي حلب – دمشق وحلب اللاذقية قبل نهاية العام 2018، وتفكيك التنظيمات “الإرهابية” المنتشرة في إدلب، وهو ما لم تنفذه تركيا، ما دفع للقيام بهذه العملية العسكرية، التي تمكنت خلالها القوات السورية، بدعم روسي، من تأمين كامل محيط حلب، وفتح طريق حلب – دمشق، وتتابع عملياتها لفتح طريق حلب – اللاذقية.   وقامت تركيا خلال الأسبوعين الماضيين بإدخال قوات تركية إضافية، بالإضافة إلى أسلحة متنوعة إلى إدلب، بهدف منع تقدم قوات الجيش السوري بقوة السلاح، وعمدت إلى تقديم دعم كبير للفصائل المسلحة لشن هجمات على مواقع الجيش السوري، كما حاولت استهداف الطائرات السورية والروسية، حيث أظهرت تسجيلات مصورة عدة محاولات جنود أتراك استهداف الطائرات، الأمر الذي نوهت إليه روسيا بشكل مباشر أمس، قبل أن يتم استهداف أحد المواقع الذي خرجت منه القذائف الصاروخية، ما تسبب بمقتل وإصابة هذا العدد الكبير من الجنود الأتراك. وأمام المأزق الجديد، يبدو أن إردوغان وحزبه وسلطته أمام اختبار يمس وجوده بشكل مباشر، في ظل عدم قدرة تركيا على مواجهة روسيا عسكرياً، ورفض “الناتو” الانخراط في هذه المعركة، وعدم قدرة إردوغان تنفيذ وعوده التي قطعها طيلة الفترة الماضية، الأمر الذي زاد من ورطته الدماء التي سالت، خصوصاً أن هذه الأحداث مجتمعة تأتي في وقت يشهد فيه “حزب العدالة والتنمية” تراجعاً متواصلاً في شعبيته، وسط نهوض وتنامي قوى سياسية جديدة، فكيف سيخرج إردوغان من ورطته الجديدة؟

المصدر : الماسة السورية/علاء حلبي-180 بوست


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة