ملامح عمل مقاوم ظهرت الأسبوع الماضي مع خبر أوردته وكالة “سانا” السورية الرسمية عن هجوم نفذه مجهولون على قاعدة أميركية قرب حقل العمر النفطي تزامناً مع وصول رتل أميركي مكون من 25 شاحنة إلى القاعدة.

لم يضف الرئيس الأميركي دونالد ترامب جديداً في تصريحه المستفز عن النفط السوري على هامش قمة “الناتو” الأخيرة في لندن. قال ترامب إن “النفط السوري في أيدينا ويمكننا أن نفعل به ما نشاء”.

جملة نقلت واشنطن من منطق تقديم تطمينات إلى حلفائها الكرد إلى واقع تشديد حربها على دمشق من البوابة الاقتصادية وزيادة الخناق على الاقتصاد السوري في مرحلة تترقب فيها دمشق انفراجات كبيرة من بوابة الثروات النفطية، التي خصّصت واشنطن أكثر من 500 جندي أميركي لتأمين حقولها في ريفي الحسكة ودير الزور.

جوهر التصريح لا يحمل أي تغيير في واقع خروج تلك الثروة عن سيطرة الدولة. خرجت حقول النفط عن السيطرة منذ بدء الحرب قبل ثمان سنوات تدريجياً بصرف النظر عن القوى التي توالت السيطرة عليها، بدءاً بـ”الجيش الحر”، ثم “جبهة النصرة”، ثم “داعش”، وصولاً إلى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي باتت تسيطر على كامل حقول النفط في ريف دير الزور الشرقي والحسكة، بما يشكل نحو 90 % من الثروات النفطية السورية بدعم أميركي معلن.

اختار الجيش الأميركي مواقع انتشاره بعد الانسحاب من قواعده في منبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي وخراب عشق شمالي الرقة، في حقول نفطية رئيسية أبرزها: العمر والتنك في ريف دير الزور الشرقي، وحقول الرميلان والسويدية في الحسكة.

حقل العمر كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً، فيما كان حقل التنك ينتج نحو 40 ألف برميل يومياً قبل الحرب. أما بخصوص حقول الرميلان فكانت تنتج نحو 90 ألف برميل يومياً.

تلك الحقول لم تعد إلى سيطرة الدولة منذ سيطرة المسلحين عليها بالتدريج منذ عام 2012.

حجم التعويل على تلك الثروات يمكن مقاربته من خلال تتبع خسائر قطاع النفط السوري خلال تلك السنوات المقدرة بأكثر من 74 مليار دولار بحسب أرقام رسمية.

دمّر المسلّحون و”التحالف الدولي” حقول نفط مع تجهيزاتها بالكامل فيما وقعت أضرار مباشرة في حقول أخرى جراء التكرير البدائي قبل تهريبها إلى شمال العراق أو تركيا.

وهبط الانتاج بحدة من نحو 385 ألف برميل قبل الحرب إلى نحو 100 ألف برميل حالياً بحسب التقديرات، من حقول خارج سيطرة الدولة، فيما باتت الخزينة السورية تتكبد نحو 200 مليون دولار شهرياً ثمن استيراد المشتقات النفطية، وهي تبعات جديدة على الاقتصاد بعدما كان النفط مصدراً مهما للدخل القومي.

تبعات عاشها السوريون في معاناة نقص وقود التدفئة وبنزين السيارات وحتى الغاز المنزلي خلال الأعوام الثلاثة الماضية بشكل خاص.

هذه المعطيات تجعل من استعادة حقول النفط وقد تحولت شريان حياة للاقتصاد السوري أولوية قصوى. ويدرك كل اللاعبين تلك الأهمية بمن فيهم الأميركيين الذين باتوا يستخدمون النفط سلاحاً مباشراً ضد دمشق، فيما لم تتوان موسكو عن وصف السلوك الأميركي بالسرقة التي لا تصب في مصلحة التسوية السياسية بل تشكل تهديداً خطيراً لسوريا حسب وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

استعادة هذه الحقول ليست يسيرة عندما يكون العدو قوة بحجم الولايات المتحدة وفي ظل تداخل العلاقات شمالاً بين القوى الكردية والأميركيين، وغياب أي رد فعل حتى على المستوى الشعبي ضد الوجود الأميركي. على العكس من ذلك كانت صور المدنيين وهم يرمون الأميركيين المنسحبين بالحجارة احتجاجاً على خذلانهم للكرد بليغة في معانيها ودلالاتها.

في المقابل لا تبدو الصورة بهذه السوداوية في ظل أرضية تزداد صلابة للحوار بين مجلس سورية الديمقراطية (مسد) والحكومة السورية.

حوار عززه الهجوم التركي على الأراضي السورية وتوج بانتشار الجيش السوري شمالي شرق البلاد برعاية روسية، بموازاة تفاهم مع (قسد) على قضية الحدود مع تركيا وعلى طريق إم 4. يضاف إلى ذلك توالي تصريحات مشجعة من شخصيات كردية تعلن رفض الكرد سيطرة الولايات المتحدة على النفط شمالي سوريا كما جاء على لسان الرئيس التنفيذي في (مسد) إلهام أحمد.

خطوات يُبنى عليها بالتأكيد إلا أنها لا تبدو كافية لطرد الأميركيين من تلك الحقول، خصوصاً أنهم لم يدفعوا أي تكلفة بالمعنى المادي مع تولي دول أخرى دفع تكاليف الوجود الأميركي، كما لم يدفعوا أي كلفة بشرية مع غياب أي مقاومة جدية لهم جراء دخولهم الأراضي السورية.

ملامح عمل مقاوم ظهرت الأسبوع الماضي مع خبر أوردته وكالة “سانا” السورية الرسمية عن هجوم نفذه مجهولون على قاعدة أميركية قرب حقل العمر النفطي تزامناً مع وصول رتل أميركي مكون من 25 شاحنة إلى القاعدة.

ورغم نفي مصادر كردية ذلك الهجوم وتصويره على أنه مناورات لقوات “التحالف الدولي” في المنطقة، إلا أن حجم التفاعل الشعبي معه يشير إلى مناخ عام مهيئ لإطلاق مقاومة شعبية ضد الأميركيين.

وقد لوّح الرئيس السوري بشار الأسد بهذه المقاومة خلال مقابلته مع قناة “روسيا 24” محذراً من أن “الوجود الأميركي في سوريا سوف يولد مقاومة عسكرية تؤدي إلى خسائر بين الأميركيين” وبالتالي إلى خروجهم من سوريا.

 

  • فريق ماسة
  • 2019-12-13
  • 8110
  • من الأرشيف

نفط سورية.. هل يشعل المقاومة الشعبية بوجه الأميركيين؟

ملامح عمل مقاوم ظهرت الأسبوع الماضي مع خبر أوردته وكالة “سانا” السورية الرسمية عن هجوم نفذه مجهولون على قاعدة أميركية قرب حقل العمر النفطي تزامناً مع وصول رتل أميركي مكون من 25 شاحنة إلى القاعدة. لم يضف الرئيس الأميركي دونالد ترامب جديداً في تصريحه المستفز عن النفط السوري على هامش قمة “الناتو” الأخيرة في لندن. قال ترامب إن “النفط السوري في أيدينا ويمكننا أن نفعل به ما نشاء”. جملة نقلت واشنطن من منطق تقديم تطمينات إلى حلفائها الكرد إلى واقع تشديد حربها على دمشق من البوابة الاقتصادية وزيادة الخناق على الاقتصاد السوري في مرحلة تترقب فيها دمشق انفراجات كبيرة من بوابة الثروات النفطية، التي خصّصت واشنطن أكثر من 500 جندي أميركي لتأمين حقولها في ريفي الحسكة ودير الزور. جوهر التصريح لا يحمل أي تغيير في واقع خروج تلك الثروة عن سيطرة الدولة. خرجت حقول النفط عن السيطرة منذ بدء الحرب قبل ثمان سنوات تدريجياً بصرف النظر عن القوى التي توالت السيطرة عليها، بدءاً بـ”الجيش الحر”، ثم “جبهة النصرة”، ثم “داعش”، وصولاً إلى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي باتت تسيطر على كامل حقول النفط في ريف دير الزور الشرقي والحسكة، بما يشكل نحو 90 % من الثروات النفطية السورية بدعم أميركي معلن. اختار الجيش الأميركي مواقع انتشاره بعد الانسحاب من قواعده في منبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي وخراب عشق شمالي الرقة، في حقول نفطية رئيسية أبرزها: العمر والتنك في ريف دير الزور الشرقي، وحقول الرميلان والسويدية في الحسكة. حقل العمر كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً، فيما كان حقل التنك ينتج نحو 40 ألف برميل يومياً قبل الحرب. أما بخصوص حقول الرميلان فكانت تنتج نحو 90 ألف برميل يومياً. تلك الحقول لم تعد إلى سيطرة الدولة منذ سيطرة المسلحين عليها بالتدريج منذ عام 2012. حجم التعويل على تلك الثروات يمكن مقاربته من خلال تتبع خسائر قطاع النفط السوري خلال تلك السنوات المقدرة بأكثر من 74 مليار دولار بحسب أرقام رسمية. دمّر المسلّحون و”التحالف الدولي” حقول نفط مع تجهيزاتها بالكامل فيما وقعت أضرار مباشرة في حقول أخرى جراء التكرير البدائي قبل تهريبها إلى شمال العراق أو تركيا. وهبط الانتاج بحدة من نحو 385 ألف برميل قبل الحرب إلى نحو 100 ألف برميل حالياً بحسب التقديرات، من حقول خارج سيطرة الدولة، فيما باتت الخزينة السورية تتكبد نحو 200 مليون دولار شهرياً ثمن استيراد المشتقات النفطية، وهي تبعات جديدة على الاقتصاد بعدما كان النفط مصدراً مهما للدخل القومي. تبعات عاشها السوريون في معاناة نقص وقود التدفئة وبنزين السيارات وحتى الغاز المنزلي خلال الأعوام الثلاثة الماضية بشكل خاص. هذه المعطيات تجعل من استعادة حقول النفط وقد تحولت شريان حياة للاقتصاد السوري أولوية قصوى. ويدرك كل اللاعبين تلك الأهمية بمن فيهم الأميركيين الذين باتوا يستخدمون النفط سلاحاً مباشراً ضد دمشق، فيما لم تتوان موسكو عن وصف السلوك الأميركي بالسرقة التي لا تصب في مصلحة التسوية السياسية بل تشكل تهديداً خطيراً لسوريا حسب وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. استعادة هذه الحقول ليست يسيرة عندما يكون العدو قوة بحجم الولايات المتحدة وفي ظل تداخل العلاقات شمالاً بين القوى الكردية والأميركيين، وغياب أي رد فعل حتى على المستوى الشعبي ضد الوجود الأميركي. على العكس من ذلك كانت صور المدنيين وهم يرمون الأميركيين المنسحبين بالحجارة احتجاجاً على خذلانهم للكرد بليغة في معانيها ودلالاتها. في المقابل لا تبدو الصورة بهذه السوداوية في ظل أرضية تزداد صلابة للحوار بين مجلس سورية الديمقراطية (مسد) والحكومة السورية. حوار عززه الهجوم التركي على الأراضي السورية وتوج بانتشار الجيش السوري شمالي شرق البلاد برعاية روسية، بموازاة تفاهم مع (قسد) على قضية الحدود مع تركيا وعلى طريق إم 4. يضاف إلى ذلك توالي تصريحات مشجعة من شخصيات كردية تعلن رفض الكرد سيطرة الولايات المتحدة على النفط شمالي سوريا كما جاء على لسان الرئيس التنفيذي في (مسد) إلهام أحمد. خطوات يُبنى عليها بالتأكيد إلا أنها لا تبدو كافية لطرد الأميركيين من تلك الحقول، خصوصاً أنهم لم يدفعوا أي تكلفة بالمعنى المادي مع تولي دول أخرى دفع تكاليف الوجود الأميركي، كما لم يدفعوا أي كلفة بشرية مع غياب أي مقاومة جدية لهم جراء دخولهم الأراضي السورية. ملامح عمل مقاوم ظهرت الأسبوع الماضي مع خبر أوردته وكالة “سانا” السورية الرسمية عن هجوم نفذه مجهولون على قاعدة أميركية قرب حقل العمر النفطي تزامناً مع وصول رتل أميركي مكون من 25 شاحنة إلى القاعدة. ورغم نفي مصادر كردية ذلك الهجوم وتصويره على أنه مناورات لقوات “التحالف الدولي” في المنطقة، إلا أن حجم التفاعل الشعبي معه يشير إلى مناخ عام مهيئ لإطلاق مقاومة شعبية ضد الأميركيين. وقد لوّح الرئيس السوري بشار الأسد بهذه المقاومة خلال مقابلته مع قناة “روسيا 24” محذراً من أن “الوجود الأميركي في سوريا سوف يولد مقاومة عسكرية تؤدي إلى خسائر بين الأميركيين” وبالتالي إلى خروجهم من سوريا.  

المصدر : الميادين /محمد الخضر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة