دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كتب المفكر والإعلامي العربي سامي كليب:
بعد إحياء الإمارات العربية المتحدة عيدها الوطني في دمشق للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، تفيد المعلومات أن رسائل سعودية بلغت دمشق لا تمانع عودة سورية إلى جامعة الدول العربية وإعادة إستئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، وأن قطر أبلغت إنسحابها من الملف السوري.
إحياء العيد الوطني الثامن والأربعين لدولة الإمارات أمس (الإثنين) في فندق داما روز الدمشقي قد تضمن إشارات هامة حول انتقال الاتصالات العربية مع سوريا الى مرحلة العلن، وذلك بعد فترة طويلة من الاتصالات البعيدة عن الأضواء، شارك في معظمها رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك عبر زيارات مباشرة الى الامارات.
وحملت كلمة كل من القائم بالأعمال الإماراتي المستشار عبد الحكيم إبراهيم النعيمي ونائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، مضموناً إيجابياً يشي بفتح صفحة جديدة بين دمشق وعدد من دول الخليج، خصوصا أن خطاب النعيمي تضمن معان لافتة للإنتباه كقوله إن “الأمل بعودة الأمن والأمان إلى ربوع سورية في ظل القيادة الحكيمة للرئيس بشار الأسد”، ما يعني عمليا انتفاء المشكلة الخليجية مع شخص الرئيس الأسد والقيادة السورية.
كما ان هذا الاحتفال المعلن والأول من نوعه منذ بداية الحرب السورية في العام 2011، جاء في ظل تطورات كثيرة في المنطقة وعلى الساحة السورية، وخصوصا منها تدهور سعر الليرة السورية والتململ الاقتصادي، ما يجعل هذا الانفتاح الخليجي فرصة لتخفيف التأزم الاقتصادي، لكن لا شيء معروفا حتى الآن عن مساهمة إماراتية محتملة لدعم الاقتصاد السوري.
ووفق معلومات موثوقة، فإن السعودية كانت ستخطو هي الأخرى خطوات إيجابية حيال دمشق قبل تدخل واشنطن للجم أي اندفاعة عربية حيال القيادة السورية قبل تحقيق مطالب سياسية تتعلق بمستقبل الحل السياسي لسورية واتضاح مستقبل الوجود الإيراني على الأراضي السورية. أو بمعنى آخر، قبل معرفة مآلات الصدام أو التفاوض بين إيران وأميركا ومعطيات أخرى على خط موسكو ـــ واشنطن.
وفي المعلومات أيضاً، ان اتصالات عربية (على الأرجح فلسطينية) حصلت قبل فترة مع موسكو بغية العمل على إعادة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وترجمت بمساع مباشرة قام بها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في إتجاه الرياض، فكان جواب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن السعودية لا تمانع عودة سورية إلى مقعدها إذا حصل توافق عربي على ذلك، وان لا مشكلة لدى بلاده من استعادة العلاقات مع دمشق لكن بشرط المباشرة بتخفيف الوجود الإيراني في سورية وإظهار رسائل إيجابية بالاتجاه نفسه، وهو الموقف نفسه الذي أبلغه بن سلمان للوزير اللبناني الأسبق عبد الرحيم مراد ونقله قبل أكثر من عامين إلى القيادة السورية.
وغداة الاجتماعات الروسية ـ السعودية، ناقش الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، فكرة إعادة سورية إلى مقعدها، فوافق الأخير على الأمر وطلب من وزير خارجيته متابعة الأمر مع الجانب الفلسطيني ومع أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط.
وبما أن اقتراح الإعادة يجب أن تتقدم به دولة عربية، وأخرى تقوم بتزكيته، فقد حصل تواصل بين السلطة الفلسطينية والجزائر من أجل تبادل الدورين وصولاً إلى طرح الموضوع في الجامعة العربية. وعُقد لقاء لهذه الغاية مع أبو الغيط الذي قال إن الأمر يحتاج إلى إجماع في الجامعة، فقيل له أن الإجماع غير مطلوب خصوصا أن تعليق المشاركة السورية لم يحصل على الإجماع وهناك دول عارضته.
كانت الأمور تسير بالمنحى الايجابي، قبل حصول تدخل أميركي (وبريطاني) مباشر، على أساس أن أي انفتاح عربي على سورية حاليا يعني تعزيز قناعة الأسد برفض تقديم أي تنازلات سياسية، ويعني أن إيران لن تكون على عجلة من أمرها للخروج من سورية وستتعامل هي ومحورها مع الأمر بوصفه “إنتصاراً”، وان روسيا ستشعر أيضا بثبات موقفها في الساحة السورية.
هذه الضغوط دفعت دولا عربية للتراجع والإعلان عن أن الوقت لم يحن بعد لإعادة سورية إلى مقعدها وكذلك لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج ودمشق. مع ذلك، يبدو أن الاتصالات تجددت في الأسابيع الماضية بغية إعادة تحريك عجلة المساعي خصوصا أن القواسم المشتركة بين دمشق ودول الخليج صارت متعددة وأبرزها العلاقة الممتازة مع روسيا، والعداء المشترك لتركيا والإخوان المسلمين، فيما تراجع الوجود الإيراني المباشر على الساحة السورية، حتى يكاد ينحصر ببعض المستشارين.
ترافق ذلك مع رسائل أميركية صوب دمشق تفيد عن استعداد لإيفاد مسؤول أميركي كبير الى العاصمة السورية بذريعة استعادة مناقشة ملف الأميركيين المفقودين في سوريا والتنسيق بشأن ما تصفه واشنطن بـ”القنبلة الموقوتة”، أي مصير الإرهابيين الغربيين الموقوفين على أرض سوريا، ناهيك عن آفاق الاستثمار في مجالات الطاقة في سوريا وعند شواطئ البحر الأبيض المتوسط. لم تحصل واشنطن بعد على جواب إيجابي، ذلك ان دمشق تشدد على ضرورة ان تتم الاتصالات تحت غطاء دبلوماسي واضح وليس فقط من خلال قنوات امنية، مباشرة أو غير مباشرة، ثم ان هكذا أمر بحاجة الى تنسيق روسي ـ سوري.
هذا التنسيق الروسي ـ السوري، قد يفضي قريبا الى اجتماعات أمنية تركية ـ سورية علنية في سياق المرحلة المقبلة المتعلقة بشرق الفرات إذا بقيت الاتصالات الروسية مع الطرفين التركي والكردي تسلك منحاها الايجابي الحالي.
يذكر أن مراكز دراسات ايرانية – تركية – عراقية قريبة جدا من مراكز القرار عقدت مؤخرا ثلاث حلقات مغلقة ناقشت خلالها قضايا اقليمية متعددة، وطرح خلالها الخبراء الايرانيون ضرورة توسعة اللقاءات الثلاثية لتصبح رباعية بحضور سوريا، وحظي الإقتراح بترحيب الخبراء العراقيين، ولم تتحفظ المراكز التركية الا على علانيته. كما أن طهران تشهد هذا الأسبوع إجتماعات على مستوى الخبراء الشرق أوسطيين في مقر وزارة الخارجية الإيرانية لمناقشة ملفات إقليمية، بينها ملفات العراق وسوريا ولبنان ومستقبل العلاقة مع دول الخليج.
وبرغم هذه الصورة الايجابية، الا ان الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الاميركية تبقى محفوفة بالمخاطر في الساحات الثلاث: العراق وسوريا ولبنان. لذلك، تبقى المخاطر قائمة وكذلك الضغوط، وليس ادل على ذلك أكثر من الضغط الاقتصادي الخطير االذي تواجهه هذه الساحات الثلاث معا، ومعها إيران.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة