يعملُ الأميركيون بسرعة خاطفة على تأسيس آليات جديدة لنشرها من جنوب سورية الى شمالها مع تحديث القديم منها لتأمين أربعة أهداف دفعة واحدة.

 

يتربّع على رأسها الإمساك بالحدود السورية العراقية والسيطرة على آبار النفط والغاز فيها، وإرجاء حلّ الأزمة السورية حتى إشعار أميركي آخر، وأخيراً منعُ الروس من الخروج الى الإقليم من البوابة السورية وطرد الإيرانيين من بلاد الشام.

 

لذلك تزداد الضغوط الأميركية على الدولة السورية وآخرها مصادرة ناقلة نفط إيرانية كانت في طريقها من مضيق جبل طارق الى بانياس بوسيلة عسكرية بريطانية تعجز عن إخفاء التورّط الأميركي الواضح.

 

لجهة الحدود فللمرة الأولى في تاريخ المستعمرين يعلن الجيش الأميركي من قاعدة التنف التي يحتلها عند نقطة التقاطع الحدودية بين سورية والأردن والعراق عن حاجته لمنتسبين سوريين «برواتب جيدة»، وذلك في خطوة لحلّ مشكلة الإرهابيين المعسكرين حتى اليوم قرب قاعدة التنف أيّ بجوار مخيم الركبان وللمزيد من محاولة جذب شبان سوريين لا مأوى لهم ويعانون من الجوع، أشار البيان الأميركي الى أنّ تدريبهم في الأردن آمن وفي أجواء صحية.

 

فهل سبَقَ لمستعمر أن قام بخطوة مماثلة؟

 

ما يشير إلى حالة إحباط كبيرة تستوطن المشروع الأميركي من ضعف الآليات المحلية من جهة، وعجزهم عن إعادة جنود أميركيين الى شرقي الفرات مجدّداً، فهذا من شأنه تأليب المعارضة على الرئيس الأميركي ترامب فيخسر أصواتاً إضافية في المعركة الرئاسية المقبلة في 2020.

 

ماذا يريد الأميركيون من هذا الإعلان؟

 

يتحدثون عن آلية مزعومة أسموها زوراً «جيش سورية الجديد» التي يقودها مهنّد الطلاع من محافظة دير الزور.

 

لذلك يستعمل الأميركيون عناصر الرواتب المرتفعة والتأثير الأردني على عشائر شرقي الفرات والأنبار العراقية والدور السعودي الناشر للذهب الرنان في سبيل تنظيم قوة كردية عشائرية تلبّي الخطة الأميركية العاملة على تقليص نفوذ الدولة السورية ومحاربة النفوذ التركي الاخواني.

 

أما الأميركيون فيتركّز همّهم هنا على السيطرة بإحكام على الحدود السورية العراقية مع السماح بفتح بعض الفتحات الصغيرة للزوم حركة الانتقال بإشراف من قوات مهنّد الطلاع، فليس من قبيل المصادفة ان يرتفع الحديث عن سكك حديد تربط سورية بالعراق والأردن وصولاً إلى إيران وروسيا، ويرسل الجيش العراقي قواته لإنهاء بؤر داعش عند حدوده مع سورية. ليس صدفة أن يسارع الأميركيون لمحاولة الإمساك بهذه الحدود وبناء قواعد عسكرية لهم في معظم حقول محافظة دير الزور، خصوصاً حقل العمر، ما يدلّ على أنّ رواتب المرتزقة هي من عائدات النفط السوري والسعودي. وهذا يؤكد أيضاً على الاهتمام الأميركي بمناطق في شرقي الفرات تقول شركات الطاقة الغربية إنها تحتوي على مصادر طاقة من الغاز والنفط أغزر من مثيلاتها الخليجية والقبرصية.

 

وهناك اتجاهات أميركية أخرى للمزيد من تعقيد الأزمة السورية، يكفي أنّ الأميركيين طلبوا من الألمان إرسال قوات عسكرية بصفات قتالية واستشارية ومهام مدنية الى شرقي الفرات لكن المانيا رفضت، ملوّحين للفرنسيين فيها بأدوار عسكرية، وبالتالي اقتصادية، أما بريطانيا فلا تحتاج لتلويح وغمز وإيماءات، فهي حاضرة لكلّ ما يطلبه منها معلمها الأميركي مقابل ما يتساقط منه من فتات الغاز والنفط لتبرير التدخل الانجليزي أمام المعارضة الرافضة لدور بلادها الاستعماري في سورية.

 

هناك أيضاً بعض بلدان أوروبا الشرقية والوسطى التي لا تنفك ترسل كتائب قليلة العدد، تغطي الأميركيين سياسياً في سورية كما تحظى في المقابل بحماية الأميركيين من الصعود الروسي، وتزيد بالتالي تعقيد الأزمة السورية، هذا ما تريده واشنطن وأنقرة وأصحاب «العرضة» في السعودية وحليفتهم «إسرائيل».

 

لجهة الهدف من إرجاء الأزمة السورية فيعتقد الأميركيون أنه ناتج عن إمساكهم بشرقي الفرات الى الشمال الحدودي، مراهنين على مراوغات تركية تلعب في كلّ اتجاه للاستمرار باحتلال إدلب وعفرين والشريط الحدودي مسهّلين لتركيا رعايتها للعديد من التنظيمات الإرهابية وممسكين بورقة «قسد» الكردية و»جيش سورية الجديد» المثير للسخرية وبعض قيادات العشائر الانتهازية التي اعتادت الترقب لإعلان الولاء لصاحب الحظ الأقوى.

 

لذلك يعكف الأميركيون على أسباب «ملفقة» تتغطى بـ «قانون تحت الطلب» لتعطيل الاتجاه نحو اللجنة الدستورية والتمسك بقاعدة التنف ومراقبة الحدود وبذلك يرتاحون من هم صعود الدولة السورية وما يستتبعه من خروج روسي منطقي إلى الإقليم.

 

أما بالنسبة للوجود الإيراني في سورية، فالأميركيون مدركون تماماً انّ الدولة السورية هي الوحيدة التي تستطيع إخراجهم من سورية بشكل حبّي وودود، لأنه دخل إليها بطلب سوري ويخرج منها أيضاً بطلب سوري. في المقابل لا تأبه الدولة السورية لهذه المحاولات الأميركية التي اعتادت على ما يشابهها منذ ستّ سنوات متتالية، وتمرّست في هزيمتها تدريجياً، ألم يكن الإرهاب بمئات الألوف من المجنّدين صناعة أميركية تركية خليجية إسرائيلية وتمكن الجيش السوري من إلحاق أكبر هزيمة تاريخية به، ألم يتراجع الكيان الاسرائيلي المحتلّ الى حدود 1967، بالقوة متخلياً عن الإرهابيين الذين كان يدعمهم؟ وكذلك حال الأردن والسعودية، حتى انّ تركيا توقفت بالقوة عن مشروع السيطرة على كامل الدولة السورية في دمشق الى المرابطة بصعوبة عند حدود إدلب.

 

وفيما يواصل الأميركيون والأتراك مخططاتهم في سورية، يستمرّ الجيش السوري في مهاجمة أرياف حماة وحلب ومحافظة إدلب من دون كلل أو ملل، وتستقبل الدولة السورية وزير خارجية عُمان، هذه الدولة التي ما كان وزير منها يأتي الى دمشق من دون إحساسه بموازين القوى المائلة لناحية الدولة السورية.

 

وهذا حال التاريخ، يهزم السوريون مستعمراً فيأتي آخر بما يؤكد على الأهمية السورية والإقليمية والدولية لبلد مُصرّ على الربط بين الكرامة والصراع مع المستعمرين.

  • فريق ماسة
  • 2019-07-08
  • 11382
  • من الأرشيف

إحباط أميركي في شرقي الفرات السوري؟

يعملُ الأميركيون بسرعة خاطفة على تأسيس آليات جديدة لنشرها من جنوب سورية الى شمالها مع تحديث القديم منها لتأمين أربعة أهداف دفعة واحدة.   يتربّع على رأسها الإمساك بالحدود السورية العراقية والسيطرة على آبار النفط والغاز فيها، وإرجاء حلّ الأزمة السورية حتى إشعار أميركي آخر، وأخيراً منعُ الروس من الخروج الى الإقليم من البوابة السورية وطرد الإيرانيين من بلاد الشام.   لذلك تزداد الضغوط الأميركية على الدولة السورية وآخرها مصادرة ناقلة نفط إيرانية كانت في طريقها من مضيق جبل طارق الى بانياس بوسيلة عسكرية بريطانية تعجز عن إخفاء التورّط الأميركي الواضح.   لجهة الحدود فللمرة الأولى في تاريخ المستعمرين يعلن الجيش الأميركي من قاعدة التنف التي يحتلها عند نقطة التقاطع الحدودية بين سورية والأردن والعراق عن حاجته لمنتسبين سوريين «برواتب جيدة»، وذلك في خطوة لحلّ مشكلة الإرهابيين المعسكرين حتى اليوم قرب قاعدة التنف أيّ بجوار مخيم الركبان وللمزيد من محاولة جذب شبان سوريين لا مأوى لهم ويعانون من الجوع، أشار البيان الأميركي الى أنّ تدريبهم في الأردن آمن وفي أجواء صحية.   فهل سبَقَ لمستعمر أن قام بخطوة مماثلة؟   ما يشير إلى حالة إحباط كبيرة تستوطن المشروع الأميركي من ضعف الآليات المحلية من جهة، وعجزهم عن إعادة جنود أميركيين الى شرقي الفرات مجدّداً، فهذا من شأنه تأليب المعارضة على الرئيس الأميركي ترامب فيخسر أصواتاً إضافية في المعركة الرئاسية المقبلة في 2020.   ماذا يريد الأميركيون من هذا الإعلان؟   يتحدثون عن آلية مزعومة أسموها زوراً «جيش سورية الجديد» التي يقودها مهنّد الطلاع من محافظة دير الزور.   لذلك يستعمل الأميركيون عناصر الرواتب المرتفعة والتأثير الأردني على عشائر شرقي الفرات والأنبار العراقية والدور السعودي الناشر للذهب الرنان في سبيل تنظيم قوة كردية عشائرية تلبّي الخطة الأميركية العاملة على تقليص نفوذ الدولة السورية ومحاربة النفوذ التركي الاخواني.   أما الأميركيون فيتركّز همّهم هنا على السيطرة بإحكام على الحدود السورية العراقية مع السماح بفتح بعض الفتحات الصغيرة للزوم حركة الانتقال بإشراف من قوات مهنّد الطلاع، فليس من قبيل المصادفة ان يرتفع الحديث عن سكك حديد تربط سورية بالعراق والأردن وصولاً إلى إيران وروسيا، ويرسل الجيش العراقي قواته لإنهاء بؤر داعش عند حدوده مع سورية. ليس صدفة أن يسارع الأميركيون لمحاولة الإمساك بهذه الحدود وبناء قواعد عسكرية لهم في معظم حقول محافظة دير الزور، خصوصاً حقل العمر، ما يدلّ على أنّ رواتب المرتزقة هي من عائدات النفط السوري والسعودي. وهذا يؤكد أيضاً على الاهتمام الأميركي بمناطق في شرقي الفرات تقول شركات الطاقة الغربية إنها تحتوي على مصادر طاقة من الغاز والنفط أغزر من مثيلاتها الخليجية والقبرصية.   وهناك اتجاهات أميركية أخرى للمزيد من تعقيد الأزمة السورية، يكفي أنّ الأميركيين طلبوا من الألمان إرسال قوات عسكرية بصفات قتالية واستشارية ومهام مدنية الى شرقي الفرات لكن المانيا رفضت، ملوّحين للفرنسيين فيها بأدوار عسكرية، وبالتالي اقتصادية، أما بريطانيا فلا تحتاج لتلويح وغمز وإيماءات، فهي حاضرة لكلّ ما يطلبه منها معلمها الأميركي مقابل ما يتساقط منه من فتات الغاز والنفط لتبرير التدخل الانجليزي أمام المعارضة الرافضة لدور بلادها الاستعماري في سورية.   هناك أيضاً بعض بلدان أوروبا الشرقية والوسطى التي لا تنفك ترسل كتائب قليلة العدد، تغطي الأميركيين سياسياً في سورية كما تحظى في المقابل بحماية الأميركيين من الصعود الروسي، وتزيد بالتالي تعقيد الأزمة السورية، هذا ما تريده واشنطن وأنقرة وأصحاب «العرضة» في السعودية وحليفتهم «إسرائيل».   لجهة الهدف من إرجاء الأزمة السورية فيعتقد الأميركيون أنه ناتج عن إمساكهم بشرقي الفرات الى الشمال الحدودي، مراهنين على مراوغات تركية تلعب في كلّ اتجاه للاستمرار باحتلال إدلب وعفرين والشريط الحدودي مسهّلين لتركيا رعايتها للعديد من التنظيمات الإرهابية وممسكين بورقة «قسد» الكردية و»جيش سورية الجديد» المثير للسخرية وبعض قيادات العشائر الانتهازية التي اعتادت الترقب لإعلان الولاء لصاحب الحظ الأقوى.   لذلك يعكف الأميركيون على أسباب «ملفقة» تتغطى بـ «قانون تحت الطلب» لتعطيل الاتجاه نحو اللجنة الدستورية والتمسك بقاعدة التنف ومراقبة الحدود وبذلك يرتاحون من هم صعود الدولة السورية وما يستتبعه من خروج روسي منطقي إلى الإقليم.   أما بالنسبة للوجود الإيراني في سورية، فالأميركيون مدركون تماماً انّ الدولة السورية هي الوحيدة التي تستطيع إخراجهم من سورية بشكل حبّي وودود، لأنه دخل إليها بطلب سوري ويخرج منها أيضاً بطلب سوري. في المقابل لا تأبه الدولة السورية لهذه المحاولات الأميركية التي اعتادت على ما يشابهها منذ ستّ سنوات متتالية، وتمرّست في هزيمتها تدريجياً، ألم يكن الإرهاب بمئات الألوف من المجنّدين صناعة أميركية تركية خليجية إسرائيلية وتمكن الجيش السوري من إلحاق أكبر هزيمة تاريخية به، ألم يتراجع الكيان الاسرائيلي المحتلّ الى حدود 1967، بالقوة متخلياً عن الإرهابيين الذين كان يدعمهم؟ وكذلك حال الأردن والسعودية، حتى انّ تركيا توقفت بالقوة عن مشروع السيطرة على كامل الدولة السورية في دمشق الى المرابطة بصعوبة عند حدود إدلب.   وفيما يواصل الأميركيون والأتراك مخططاتهم في سورية، يستمرّ الجيش السوري في مهاجمة أرياف حماة وحلب ومحافظة إدلب من دون كلل أو ملل، وتستقبل الدولة السورية وزير خارجية عُمان، هذه الدولة التي ما كان وزير منها يأتي الى دمشق من دون إحساسه بموازين القوى المائلة لناحية الدولة السورية.   وهذا حال التاريخ، يهزم السوريون مستعمراً فيأتي آخر بما يؤكد على الأهمية السورية والإقليمية والدولية لبلد مُصرّ على الربط بين الكرامة والصراع مع المستعمرين.

المصدر : الماسة السورية/ البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة