اسمعونا جيدا.. الولايات المتحدة الأمريكية خسرت الجولة الأولى في الحرب ضد إيران ومحورها، وخرجت محطمة نفسيا ومعنويا، وباتت قوة عظمى لا يمكن الاعتماد عليها في أعين حلفائها الإسرائيليين والعرب الخليجيين، فالرئيس ترامب رفع راية الاستسلام البيضاء في أول مواجهة حقيقية تمثلت في إسقاط طائرة التجسس العملاقة “غلوبال هوك” التي تعتبر درة تاج الصناعة التجسسية الأمريكية بصاروخ إيراني الصنع، وليس روسيا أو صينيا أو أمريكا، وجبن عن الإقدام على أي ضربة انتقامية خوفا ورعبا.

ظهور الرئيس ترامب بمظهر الرئيس الكاذب، الجبان، المتردد، في عيون أصدقائه قبل خصومه، هو أكبر خسارة لأمريكا كقوة عظمى، وقبل أن تبدأ الحرب الحقيقية الكبرى أو الصغرى، وكل ما ذكره عن إيقاف العملية الانتقامية بضرب ثلاثة أهداف إيرانية، قبل عشر دقائق هو مسرحية لا تقنع طفلا في العاشرة من عمره، إن لم يكن اصغر.

***

المحطة الأخيرة في مسلسل الكذب الأمريكي تجلت في أوضح صورها عندما أكدت المؤسسة العسكرية الأمريكية أن طائرة التجسس المستهدفة كانت تحلق في الأجواء الدولية، ولم تخترق الأجواء السيادية الإيرانية، ليخرج عليهم الإيرانيون بصور لبعض حطامها جرى انتشاله من شواطئهم بإحترافية عالية وسرعة قياسية مرفقة بصفعة قوية إلى مصداقيتهم تقول بالخط العريض: انتم كاذبون، وهذه هي الأدلة.

متى كانت أمريكا، التي قتلت الملايين جوعا وقصفا في العراق وفي أفغانستان، وقبلها في سورية وليبيا وفيتنام تهتم بأرواح البشر، مدنيين كانوا أو عسكريين، حتى يوقف رئيسها ترامب غزوة عسكرية انتقامية على إيران لتجنب قتل 150 إيرانيا وفي مواقع عسكرية؟ وإذا كان حريصا فعلا على أرواح الإيرانيين فلماذا يفرض حصار عليهم لتجويعهم حتى الموت؟

لنترك فذلكات المحلليين العسكريين جانبا، عربا كانوا أو أمريكيين أو إسرائيليين، ونبدأ بحقيقة ساطعة كالشمس، وهي أن إيران بانتشالها حطام هذه الطائرة، التي يبلغ طولها 14 مترا وارتفاعها أربعة أمتار، قد استولت على ثروة تجسسية الكترونية لا تقدر بثمن، مفرداتها الأبرز أجهزة تصوير فائقة الدقة ممكن أن تلتقط صورا على ارتفاع 20 كيلومترا، وأجهزة استشعار لا يملكها إلا هذا النوع من الطائرات، ومجسات متقدمة جدا، وسنرى هذه التكنولوجيا قريبا جدا في صناعة عسكرية إيرانية لطائرات مسيرة تحاكي نظيراتها الأمريكية في الكفاءة، ولا نستبعد أن تقدم طهران هذا الكنز لحلفائها في روسيا والصين، وكوريا الشمالية، مع كل التقدير والاعتراف في الجميل، تماما مثلما فعلت عندما استولت على حطام طائرة أمريكية مسيرة أخرى ولكنها اقل تقدما على حدودها مع أفغانستان ورفضت كل الضغوط الأمريكية لاستعادتها، وشاهدناها مجسدة في نسخة إيرانية جديدة في احد العروض العسكرية.

حلفاء أمريكا في تل أبيب وعواصم الخليج فتحوا بيوت العزاء لتلقي التعازي من جراء هذا المصاب الجلل، فالمسؤولون في هذه العواصم كانوا يفركون أيديهم فرحا استعدادا للاحتفال بأكبر انجاز لهم في القرن الحالي، أي ضربة تخلصهم، إلى الأبد من مرض “إيران فوبيا” المتأصل داخلهم واستخدام القوة الأمريكية الجبارة في تدمير إيران كليا، ناهيك عن تغيير النظام فيها.

 أمريكا تنتقل من كارثة إلى أخرى، وبشكل متسارع، وتنجر إلى حروب عسكرية واقتصادية في معظم أنحاء العالم، دون حلفاء أو أصدقاء، وتقود نفسها والعالم إلى الدمار والخراب مفتوحة الأعين، لأنها تسلم قيادتها إلى رئيس أرعن، محاطا بمجموعة من المستشارين الفاشلين المتضخمين ذاتيا بخبرات ضحلة ومزورة، وحلفاء مرعوبين في إسرائيل وبعض دول الخليج.

إيران خدعت أمريكا، وتفوقت عليها في أساليب التضليل والمناورة، واخفت عنها قدرات عسكرية عالية المستوى، واستعدت جيدا لأي مواجهة معها، وعملت طوال السنوات الماضية، بينما ينشغل ترامب بجلب الأموال من حلفاءه في الخليج، في بناء اذرع ضاربة من الحلفاء يحاصرونها، ويفشلون جميع مشاريعها في منطقة الشرق الأوسط، وصناعة عسكرية متطورة محاكية التجربتين الصينية والكورية الشمالية في الاعتماد على النفس.

الخديعة الأكبر كانت عند تلويح ايران بإغلاق مضيق هرمز، بينما كانت ترسم كل خططها، وتنفذ كل ضرباتها خارجة، أي خليج عمان، وتشعل فتيل حرب ناقلات تهدد الاقتصاد العالمي برمته، وتلوح برفع أسعار برميل النفط إلى أكثر من 300 دولار، ويرسل لحلفاؤها في اليمن صواريخهم المجنحة إلى مطارات ابها وجازان، تضرب طائراتهم المسيرة مضخات نفط أرامكو غرب الرياض.

 بعد إسقاط طائرة التجسس الأمريكية العملاقة، لم تعد إيران بحاجة إلى إغلاق مضيق هرمز، وباتت في انتظار الخطأ الأمريكي المقبل للتعاطي معه بأسلوب عالي المستوى في الرد، وايا كان هذا الخطأ، فبنك الأهداف الإيراني يمتد من سواحل الخليج حتى فلسطين المحتلة، ونترك لخيالك فهم ما نعنيه.

***

إيران تعيش أفضل أيامها، والفضل في ذلك يعود إلى قدراتها الذاتية ومشاريعها السياسية والعسكرية المدروسة مثلما يعود أيضا إلى خصومها الأغبياء المنفوخين بالاستعلاء والغرور والغطرسة وادعاءات  القوة الكاذبة، فالشعب كله أو معظمه، بات ملتفا حول قيادته التي أظهرت إدارة بالغة الذكاء في التعاطي مع كل جوانب المواجهة النفسية أو العسكرية مع أمريكا وهذا يكفيها في الوقت الراهن على الأقل.

ندرك جيدا أن أمريكا دولة عظمى تملك أربعة آلاف رأس نووي، و10 حاملات طائرات، ومليوني جندي، وستة أساطيل، ومئات السفن الحربية، وألفي طائرة، ولكننا ندرك أيضا أنها هُزمت في فيتنام والعراق وسورية، وأفغانستان، وستهزم في إيران.. وسينهار اقتصادها.. وسينتهي هيمنة دولارها.. فالقوة العسكرية الضاربة في الوقت الراهن ليست هي العنصر الحاسم رغم أهميتها، ولكن توفر الإدارة على اتخاذ قرار استخدامها ومحور المقاومة يملك هذا القرار.. والأيام بيننا.

  • فريق ماسة
  • 2019-06-21
  • 9417
  • من الأرشيف

الأمريكان كاذبون ...وهذه هي الأدلة

اسمعونا جيدا.. الولايات المتحدة الأمريكية خسرت الجولة الأولى في الحرب ضد إيران ومحورها، وخرجت محطمة نفسيا ومعنويا، وباتت قوة عظمى لا يمكن الاعتماد عليها في أعين حلفائها الإسرائيليين والعرب الخليجيين، فالرئيس ترامب رفع راية الاستسلام البيضاء في أول مواجهة حقيقية تمثلت في إسقاط طائرة التجسس العملاقة “غلوبال هوك” التي تعتبر درة تاج الصناعة التجسسية الأمريكية بصاروخ إيراني الصنع، وليس روسيا أو صينيا أو أمريكا، وجبن عن الإقدام على أي ضربة انتقامية خوفا ورعبا. ظهور الرئيس ترامب بمظهر الرئيس الكاذب، الجبان، المتردد، في عيون أصدقائه قبل خصومه، هو أكبر خسارة لأمريكا كقوة عظمى، وقبل أن تبدأ الحرب الحقيقية الكبرى أو الصغرى، وكل ما ذكره عن إيقاف العملية الانتقامية بضرب ثلاثة أهداف إيرانية، قبل عشر دقائق هو مسرحية لا تقنع طفلا في العاشرة من عمره، إن لم يكن اصغر. *** المحطة الأخيرة في مسلسل الكذب الأمريكي تجلت في أوضح صورها عندما أكدت المؤسسة العسكرية الأمريكية أن طائرة التجسس المستهدفة كانت تحلق في الأجواء الدولية، ولم تخترق الأجواء السيادية الإيرانية، ليخرج عليهم الإيرانيون بصور لبعض حطامها جرى انتشاله من شواطئهم بإحترافية عالية وسرعة قياسية مرفقة بصفعة قوية إلى مصداقيتهم تقول بالخط العريض: انتم كاذبون، وهذه هي الأدلة. متى كانت أمريكا، التي قتلت الملايين جوعا وقصفا في العراق وفي أفغانستان، وقبلها في سورية وليبيا وفيتنام تهتم بأرواح البشر، مدنيين كانوا أو عسكريين، حتى يوقف رئيسها ترامب غزوة عسكرية انتقامية على إيران لتجنب قتل 150 إيرانيا وفي مواقع عسكرية؟ وإذا كان حريصا فعلا على أرواح الإيرانيين فلماذا يفرض حصار عليهم لتجويعهم حتى الموت؟ لنترك فذلكات المحلليين العسكريين جانبا، عربا كانوا أو أمريكيين أو إسرائيليين، ونبدأ بحقيقة ساطعة كالشمس، وهي أن إيران بانتشالها حطام هذه الطائرة، التي يبلغ طولها 14 مترا وارتفاعها أربعة أمتار، قد استولت على ثروة تجسسية الكترونية لا تقدر بثمن، مفرداتها الأبرز أجهزة تصوير فائقة الدقة ممكن أن تلتقط صورا على ارتفاع 20 كيلومترا، وأجهزة استشعار لا يملكها إلا هذا النوع من الطائرات، ومجسات متقدمة جدا، وسنرى هذه التكنولوجيا قريبا جدا في صناعة عسكرية إيرانية لطائرات مسيرة تحاكي نظيراتها الأمريكية في الكفاءة، ولا نستبعد أن تقدم طهران هذا الكنز لحلفائها في روسيا والصين، وكوريا الشمالية، مع كل التقدير والاعتراف في الجميل، تماما مثلما فعلت عندما استولت على حطام طائرة أمريكية مسيرة أخرى ولكنها اقل تقدما على حدودها مع أفغانستان ورفضت كل الضغوط الأمريكية لاستعادتها، وشاهدناها مجسدة في نسخة إيرانية جديدة في احد العروض العسكرية. حلفاء أمريكا في تل أبيب وعواصم الخليج فتحوا بيوت العزاء لتلقي التعازي من جراء هذا المصاب الجلل، فالمسؤولون في هذه العواصم كانوا يفركون أيديهم فرحا استعدادا للاحتفال بأكبر انجاز لهم في القرن الحالي، أي ضربة تخلصهم، إلى الأبد من مرض “إيران فوبيا” المتأصل داخلهم واستخدام القوة الأمريكية الجبارة في تدمير إيران كليا، ناهيك عن تغيير النظام فيها.  أمريكا تنتقل من كارثة إلى أخرى، وبشكل متسارع، وتنجر إلى حروب عسكرية واقتصادية في معظم أنحاء العالم، دون حلفاء أو أصدقاء، وتقود نفسها والعالم إلى الدمار والخراب مفتوحة الأعين، لأنها تسلم قيادتها إلى رئيس أرعن، محاطا بمجموعة من المستشارين الفاشلين المتضخمين ذاتيا بخبرات ضحلة ومزورة، وحلفاء مرعوبين في إسرائيل وبعض دول الخليج. إيران خدعت أمريكا، وتفوقت عليها في أساليب التضليل والمناورة، واخفت عنها قدرات عسكرية عالية المستوى، واستعدت جيدا لأي مواجهة معها، وعملت طوال السنوات الماضية، بينما ينشغل ترامب بجلب الأموال من حلفاءه في الخليج، في بناء اذرع ضاربة من الحلفاء يحاصرونها، ويفشلون جميع مشاريعها في منطقة الشرق الأوسط، وصناعة عسكرية متطورة محاكية التجربتين الصينية والكورية الشمالية في الاعتماد على النفس. الخديعة الأكبر كانت عند تلويح ايران بإغلاق مضيق هرمز، بينما كانت ترسم كل خططها، وتنفذ كل ضرباتها خارجة، أي خليج عمان، وتشعل فتيل حرب ناقلات تهدد الاقتصاد العالمي برمته، وتلوح برفع أسعار برميل النفط إلى أكثر من 300 دولار، ويرسل لحلفاؤها في اليمن صواريخهم المجنحة إلى مطارات ابها وجازان، تضرب طائراتهم المسيرة مضخات نفط أرامكو غرب الرياض.  بعد إسقاط طائرة التجسس الأمريكية العملاقة، لم تعد إيران بحاجة إلى إغلاق مضيق هرمز، وباتت في انتظار الخطأ الأمريكي المقبل للتعاطي معه بأسلوب عالي المستوى في الرد، وايا كان هذا الخطأ، فبنك الأهداف الإيراني يمتد من سواحل الخليج حتى فلسطين المحتلة، ونترك لخيالك فهم ما نعنيه. *** إيران تعيش أفضل أيامها، والفضل في ذلك يعود إلى قدراتها الذاتية ومشاريعها السياسية والعسكرية المدروسة مثلما يعود أيضا إلى خصومها الأغبياء المنفوخين بالاستعلاء والغرور والغطرسة وادعاءات  القوة الكاذبة، فالشعب كله أو معظمه، بات ملتفا حول قيادته التي أظهرت إدارة بالغة الذكاء في التعاطي مع كل جوانب المواجهة النفسية أو العسكرية مع أمريكا وهذا يكفيها في الوقت الراهن على الأقل. ندرك جيدا أن أمريكا دولة عظمى تملك أربعة آلاف رأس نووي، و10 حاملات طائرات، ومليوني جندي، وستة أساطيل، ومئات السفن الحربية، وألفي طائرة، ولكننا ندرك أيضا أنها هُزمت في فيتنام والعراق وسورية، وأفغانستان، وستهزم في إيران.. وسينهار اقتصادها.. وسينتهي هيمنة دولارها.. فالقوة العسكرية الضاربة في الوقت الراهن ليست هي العنصر الحاسم رغم أهميتها، ولكن توفر الإدارة على اتخاذ قرار استخدامها ومحور المقاومة يملك هذا القرار.. والأيام بيننا.

المصدر : رأي اليوم/عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة