يلتمسُ السوريون هلالَ شهر رمضان المبارك لهذا العام وفي جوفهم صراع ٌداخلي لا تقلُّ رحاه عن الصراع الحاصل على أرض وطنهم , فما بين شوق لشهر الطاعة لله جلَّ جلاله وتسامحٍ بين العباد, ودعوات السوريين بخلاصٍ قريب, يجد المواطن نفسه يرزح تحت وطأة ثلة من التجّار واللصوص ممن لا تعرف روزناماهم شهراً فضيلاً ولا يطلع قمر رمضان على ظلام ليلهم الدامس, فيتلاعبون بلقمة عيش إخوانهم ضاربين أسعارهم بأرقام خيالية, متسترين بعباءة سعر الصرف التي باتت فضفاضة بما يكفي لتبرير أي سلوك خاطئ.

وهنا لا ننكر الدور الجوهري الذي يلعبه استقرار سعر الصرف في ثبات المستوى العام للأسعار , وكبح جماح التضخم ذي الوتيرة المتسارعة خلال سنين الحرب, وانطلاقاً من الإيمان بهذا الدور يطلّ مصرفنا المركزي بين الفينة والأخرى " بكلمات طيبة " متذكّراً أنه المعني الأساسي بالتدهور الحاصل في سعر الصرف , مدّعياً أنه يتخذ ما يكفي من الإجراءات لضمان الاستقرار النقدي , واعداً بمستقبل مشرق سماؤه صافية وعصافيره تزقزق!!

وهنا يحقُّ لنا أن نطرح العديد من التساؤلات , آملين بإيجاد أجوبة شافية , علًّنا نفتح بصيرة المصرف المركزي على ما يبدو أنه غافل عنه حتى الآن :

1- لقد تحدث حاكم مصرف سورية المركزي السابق الدكتور دريد درغام مراراً وتكراراً عن إبصار مشروع الدفع الالكتروني للنور مع بداية العام 2019 , والجميع يدرك أن مشروعاً كهذا من شأنه الحد من التهرب الضريبي الذي قدره أحد المعنيين بـ 1750 مليار ليرة سورية في العام 2016 معظمها من كبار التجار, فهل تغيير الحاكم استلزم تغيير النهج الذي كان يسير نحوه المصرف المركزي؟! أم أن مؤسسات قطاعنا العام مازالت غير مطلعة بعد على النظريات الحديثة بالإدارة ومازالت تُدار بعقلية "الحجي" ؟! والأهم من هذا وذاك, أين هو مشروع الدفع الالكتروني في سورية بعد انتهاء الثلث الأول من العام 2019؟!

2- بهدف ردع عمليات المضاربة, انتهجت إدارتنا النقدية في بداية الحرب سياسة التدخل في السوق لمكافحة الارتفاع المضطرد لسعر صرف الدولار , إذ كان المصرف يدعو من خلال جلسات التدخل هذه المواطنين لشراء الدولار " ملبياً " طلب السوق , راجياً من الله انخفاض سعر الصرف بفعل قانون العرض والطلب , وهو ما لم يحدث أبداً!! لتأتي بعد ذلك إدارة جديدة للمصرف المركزي وتوقف جلسات التدخل هذه , مؤكدة أن السوق لا يعاني من انخفاض في المعروض من القطع الأجنبي, إنما عدم كفاءة في تتبع مسار القطع الأجنبي الموجود والذي عاث به المضاربون فسادا, فكانت القيود على شركات الصرافة, وضوابط تمويل المستوردات , وتثبيت سعر الصرف عند مستوى معين – فاق في بعض الأحيان سعر السوق السوداء – مما أدى إلى استقرار ملحوظ في سعر الصرف والمستوى العام للأسعار دام قرابة العام عند مستوى الـ500 ليرة سورية وعند مستوى الـ434 عاماً آخر. والسؤال هنا ما هي السياسة التي يتبعها مصرفنا المركزي اليوم أمام التدهور الملحوظ في سعر الصرف؟ ما يبدو واضحاً حتى الآن أن السياسة المتبعة هي سياسة عدم انتهاج أي سياسة!! أو سياسة " ادعم الليرة ولو بكلمة طيبة "

3- مع صدور القانون رقم 18 لعام 2001 والقاضي بإيجاز تأسيس مصارف على شكل شركات مساهمة مغفلة سورية خاصة أو على شكل شركات مشتركة مساهمة مغفلة سورية, بدأت المصارف الخاصة عملها في سورية في العام 2003 بإدارات معظمها غير سورية وقد كان ذلك بحجة عدم توافر الكفاءات السورية اللازمة لإدارة هذا النوع من المصارف, وقد تضمن النظام الداخلي للمصارف المذكورة خطة إحلال وإبدال للمدراء الأجانب بمدراء سوريين, خلال جدول زمني محدد, اليوم وبعد مضي ما يزيد عن الـ 15 عام , أين نقف من خطة الإحلال والإبدال هذه؟! علماً أن التقارير الإعلامية تؤكد مراراً وتكراراً سوء معاملة الموظفين السوريين من قبل الإدارات الأجنبية في هذه المصارف في الوقت الذي يتقاضى هؤلاء المدراء من (لبنانيين وأردنيين..الخ) رواتب شهرية تجاوزت الـ30 ألف دولار بحسب هذه التقارير!! ألا تعتبر هذه الرواتب استنزافاً وضياعاً للقطع الأجنبي في سورية؟ وأين يقف المصرف المركزي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حيال هذه المعاملة السيئة مع العاملين السوريين في المصارف الخاصة؟!!

إن طرحاً لهذا النوع من التساؤلات لا يتنافى مع اعتزازنا وانتماءنا لـ ليرتنا السورية, ولا ينكر صمودها أمام كل ما تعرضت وتتعرض له من ضغوط (1), كان آخرها قانون سيزر ( والذي يحمل في طياته الكثير من التعنيف الواضح ضد اقتصادنا الوطني بما لا يدعو مجالاً للشك أن المستهدف ليس " النظام " وإنما المواطن السوري المكافح )(2) . إنما نقول قولنا هذا وكلنا ثقة بأن بلداً كسورية, فيه أشباه أنبياء كرجال الجيش العربي السوري, وأساطير صمود كمواطني الجمهورية العربية السورية, لا بد له وأن يحظى بإدارة نقدية ترقى لمستوى الصعوبات الراهنة, وتجد حلولاً ناجعة تنقذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد بلدنا المنكوب.

________________________________________________

(1) تذخر التجارب الاقتصادية للدول بمعاناة اقتصاداتها وانهيار عملاتها بعد أي حرب أهلية كانت أم دولية , إحدى هذه الأمثلة هي التجربة الألمانية في فترة ما بين الحربين حيث بلغ سعر الدولار الأمريكي قبل الحرب العالمية الأولى (1914م) حوالي 4 مارك ليبلغ في العام 1923 أي بعد 9 سنوات فقط حوالي 4 تريليون مارك ألماني (كل 1 دولار = 4 تريليون مارك ألماني 1 وجانبه 12 صفر!!) وما نراه اليوم في فنزويلا حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ نسبة التضخم في فنزويلا في نهاية العام 2019 حوالي 10 مليون %.. أمام هذا كله لا يمكن إنكار أنه وبعد سنوات ثمان من الحرب وتدمير لكافة وسائل الإنتاج والبنى التحتية فإن ليرتنا صمدت وقاومت بما أوتيت من قوة.

(2) رابط قانون سيزر المخيف لما فيه من عقوبات قاسية تستهدف كل من الحكومة السورية (بما في ذلك أي كيان تملكه أو تسيطر عليه حكومة سورية) أو شخصية سياسية بارزة في الحكومة السورية ؛ بالإضافة إلى أي شخص أجنبي متعاقد عسكرياً أو قوة شبه عسكرية تعمل عن عمد بقدرة عسكرية داخل سوريا لصالح أو نيابة عن حكومة سورية أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران , وأي شخص أجنبي يخضع لعقوبات وفقًا لقانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة (US 50 1701 وما بعدها) فيما يتعلق بسورية أو أي حكم آخر من أحكام القانون يفرض عقوبات على سورية https://www.congress.gov/…/116th-congress/house-bill/31/text

  • فريق ماسة
  • 2019-05-05
  • 14218
  • من الأرشيف

ليرتنا تٌستنزف والمركزي يكتفي بالكلمة الطيبة!!..........

يلتمسُ السوريون هلالَ شهر رمضان المبارك لهذا العام وفي جوفهم صراع ٌداخلي لا تقلُّ رحاه عن الصراع الحاصل على أرض وطنهم , فما بين شوق لشهر الطاعة لله جلَّ جلاله وتسامحٍ بين العباد, ودعوات السوريين بخلاصٍ قريب, يجد المواطن نفسه يرزح تحت وطأة ثلة من التجّار واللصوص ممن لا تعرف روزناماهم شهراً فضيلاً ولا يطلع قمر رمضان على ظلام ليلهم الدامس, فيتلاعبون بلقمة عيش إخوانهم ضاربين أسعارهم بأرقام خيالية, متسترين بعباءة سعر الصرف التي باتت فضفاضة بما يكفي لتبرير أي سلوك خاطئ. وهنا لا ننكر الدور الجوهري الذي يلعبه استقرار سعر الصرف في ثبات المستوى العام للأسعار , وكبح جماح التضخم ذي الوتيرة المتسارعة خلال سنين الحرب, وانطلاقاً من الإيمان بهذا الدور يطلّ مصرفنا المركزي بين الفينة والأخرى " بكلمات طيبة " متذكّراً أنه المعني الأساسي بالتدهور الحاصل في سعر الصرف , مدّعياً أنه يتخذ ما يكفي من الإجراءات لضمان الاستقرار النقدي , واعداً بمستقبل مشرق سماؤه صافية وعصافيره تزقزق!! وهنا يحقُّ لنا أن نطرح العديد من التساؤلات , آملين بإيجاد أجوبة شافية , علًّنا نفتح بصيرة المصرف المركزي على ما يبدو أنه غافل عنه حتى الآن : 1- لقد تحدث حاكم مصرف سورية المركزي السابق الدكتور دريد درغام مراراً وتكراراً عن إبصار مشروع الدفع الالكتروني للنور مع بداية العام 2019 , والجميع يدرك أن مشروعاً كهذا من شأنه الحد من التهرب الضريبي الذي قدره أحد المعنيين بـ 1750 مليار ليرة سورية في العام 2016 معظمها من كبار التجار, فهل تغيير الحاكم استلزم تغيير النهج الذي كان يسير نحوه المصرف المركزي؟! أم أن مؤسسات قطاعنا العام مازالت غير مطلعة بعد على النظريات الحديثة بالإدارة ومازالت تُدار بعقلية "الحجي" ؟! والأهم من هذا وذاك, أين هو مشروع الدفع الالكتروني في سورية بعد انتهاء الثلث الأول من العام 2019؟! 2- بهدف ردع عمليات المضاربة, انتهجت إدارتنا النقدية في بداية الحرب سياسة التدخل في السوق لمكافحة الارتفاع المضطرد لسعر صرف الدولار , إذ كان المصرف يدعو من خلال جلسات التدخل هذه المواطنين لشراء الدولار " ملبياً " طلب السوق , راجياً من الله انخفاض سعر الصرف بفعل قانون العرض والطلب , وهو ما لم يحدث أبداً!! لتأتي بعد ذلك إدارة جديدة للمصرف المركزي وتوقف جلسات التدخل هذه , مؤكدة أن السوق لا يعاني من انخفاض في المعروض من القطع الأجنبي, إنما عدم كفاءة في تتبع مسار القطع الأجنبي الموجود والذي عاث به المضاربون فسادا, فكانت القيود على شركات الصرافة, وضوابط تمويل المستوردات , وتثبيت سعر الصرف عند مستوى معين – فاق في بعض الأحيان سعر السوق السوداء – مما أدى إلى استقرار ملحوظ في سعر الصرف والمستوى العام للأسعار دام قرابة العام عند مستوى الـ500 ليرة سورية وعند مستوى الـ434 عاماً آخر. والسؤال هنا ما هي السياسة التي يتبعها مصرفنا المركزي اليوم أمام التدهور الملحوظ في سعر الصرف؟ ما يبدو واضحاً حتى الآن أن السياسة المتبعة هي سياسة عدم انتهاج أي سياسة!! أو سياسة " ادعم الليرة ولو بكلمة طيبة " 3- مع صدور القانون رقم 18 لعام 2001 والقاضي بإيجاز تأسيس مصارف على شكل شركات مساهمة مغفلة سورية خاصة أو على شكل شركات مشتركة مساهمة مغفلة سورية, بدأت المصارف الخاصة عملها في سورية في العام 2003 بإدارات معظمها غير سورية وقد كان ذلك بحجة عدم توافر الكفاءات السورية اللازمة لإدارة هذا النوع من المصارف, وقد تضمن النظام الداخلي للمصارف المذكورة خطة إحلال وإبدال للمدراء الأجانب بمدراء سوريين, خلال جدول زمني محدد, اليوم وبعد مضي ما يزيد عن الـ 15 عام , أين نقف من خطة الإحلال والإبدال هذه؟! علماً أن التقارير الإعلامية تؤكد مراراً وتكراراً سوء معاملة الموظفين السوريين من قبل الإدارات الأجنبية في هذه المصارف في الوقت الذي يتقاضى هؤلاء المدراء من (لبنانيين وأردنيين..الخ) رواتب شهرية تجاوزت الـ30 ألف دولار بحسب هذه التقارير!! ألا تعتبر هذه الرواتب استنزافاً وضياعاً للقطع الأجنبي في سورية؟ وأين يقف المصرف المركزي ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حيال هذه المعاملة السيئة مع العاملين السوريين في المصارف الخاصة؟!! إن طرحاً لهذا النوع من التساؤلات لا يتنافى مع اعتزازنا وانتماءنا لـ ليرتنا السورية, ولا ينكر صمودها أمام كل ما تعرضت وتتعرض له من ضغوط (1), كان آخرها قانون سيزر ( والذي يحمل في طياته الكثير من التعنيف الواضح ضد اقتصادنا الوطني بما لا يدعو مجالاً للشك أن المستهدف ليس " النظام " وإنما المواطن السوري المكافح )(2) . إنما نقول قولنا هذا وكلنا ثقة بأن بلداً كسورية, فيه أشباه أنبياء كرجال الجيش العربي السوري, وأساطير صمود كمواطني الجمهورية العربية السورية, لا بد له وأن يحظى بإدارة نقدية ترقى لمستوى الصعوبات الراهنة, وتجد حلولاً ناجعة تنقذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد بلدنا المنكوب. ________________________________________________ (1) تذخر التجارب الاقتصادية للدول بمعاناة اقتصاداتها وانهيار عملاتها بعد أي حرب أهلية كانت أم دولية , إحدى هذه الأمثلة هي التجربة الألمانية في فترة ما بين الحربين حيث بلغ سعر الدولار الأمريكي قبل الحرب العالمية الأولى (1914م) حوالي 4 مارك ليبلغ في العام 1923 أي بعد 9 سنوات فقط حوالي 4 تريليون مارك ألماني (كل 1 دولار = 4 تريليون مارك ألماني 1 وجانبه 12 صفر!!) وما نراه اليوم في فنزويلا حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن تبلغ نسبة التضخم في فنزويلا في نهاية العام 2019 حوالي 10 مليون %.. أمام هذا كله لا يمكن إنكار أنه وبعد سنوات ثمان من الحرب وتدمير لكافة وسائل الإنتاج والبنى التحتية فإن ليرتنا صمدت وقاومت بما أوتيت من قوة. (2) رابط قانون سيزر المخيف لما فيه من عقوبات قاسية تستهدف كل من الحكومة السورية (بما في ذلك أي كيان تملكه أو تسيطر عليه حكومة سورية) أو شخصية سياسية بارزة في الحكومة السورية ؛ بالإضافة إلى أي شخص أجنبي متعاقد عسكرياً أو قوة شبه عسكرية تعمل عن عمد بقدرة عسكرية داخل سوريا لصالح أو نيابة عن حكومة سورية أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران , وأي شخص أجنبي يخضع لعقوبات وفقًا لقانون الصلاحيات الاقتصادية الدولية الطارئة (US 50 1701 وما بعدها) فيما يتعلق بسورية أو أي حكم آخر من أحكام القانون يفرض عقوبات على سورية https://www.congress.gov/…/116th-congress/house-bill/31/text

المصدر : خاص الماسة السورية-حسام يونس مصطفى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة