دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بالرغم من ان الاقتصاد الاميركي والاوروبي استطاع مواجهة واحتواء الازمة المالية ـ الاقتصادية التي انفجرت سنة 2008، الا ان مفاعيلها انعكست بشكل كارثي على بعض البلدان، كاليونان مثلا التي وقفت على حافة الانهيار. كما انها زعزعت اسس الوحدة الاوروبية، وهو ما تجلى بشكل خاص في الخروج المزمع لبريطانيا من الاتحاد الاوروبي وهو ما يسمى الان عملية “بريكسيت”. كما ادت الى اندلاع الاضطرابات الاجتماعية والاضرابات والمظاهرات العمالية، خصوصا في فرنسا؛ وانطلاق الموجة اليمينية العنصرية المعادية للاجئين الشرقيين، الهاربين من الحروب او المجاعات في بلدانهم. ولكن برغم جميع الصعوبات فإن الحكومات الاوروبية والبنوك المركزية والتكتلات المالية والبيزنسمانية استطاعت ان تمنع التدهور التام وانفجار الاوضاع الشامل في اوروبا، الا ان الازمة لا تزال تفعل فعلها، وفرضت نوعا من الركود الدائم والمتزامن في الاقتصاد العالمي.
وقد اصدر صندوق النقد الدولي تقريره حول نسبة نمو الاقتصاد العالمي، مخفضا للمرة الثالثة على التوالي تقديراته حول نسبة النمو هذه السنة، الا انه احتفظ بتقديراته حول السنة القادمة. ويتوقع الصندوق ان معدل نمو الناتج المحلي القائم للعالم خلال سنة 2019 يمكن ان ينخفض الى مستوى سنة 2016 الذي كان هو الادنى منذ سنة 2009. واسباب مخاوف الصندوق تبقى هي ذاتها منذ مطلع السنة الماضية: التوتر التجاري بين الاقتصادات العالمية الكبرى، الفوضى حول مسألة “بريكسيت” (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي)، وتباطؤ نمو بلدان مثل الصين والمانيا. ولكن في تقدير الصندوق ان تباطؤ النمو في اوروبا وبعض الاسواق المتقدمة سوف يجري تحسينه الى حد ما في النصف الثاني من السنة الجارية.
وحسب تقديرات الصندوق فإن النسبة العامة للنمو للسنة القادمة تبقى حتى الان بدون تعديل وهي 3.6% (بما فيها الصين ذات النسبة الاعلى). ولكن مصادر صندوق النقد الدولي اعلنت انه اخذا بالاعتبار العوامل التي تدفع الصندوق لتغيير توقعاته، فمن الممكن جدا انه حتى نهاية السنة الجارية ان يتم تخفيض التوقعات. فاحتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، باتفاق او بدون اتفاق، والذي يسبب الصداع للحكومات وقطاع البيزنس وخبراء الاقتصاد، يمكن ان يمثل مشكلة كبيرة، كما جاء في توقعات الصندوق.
ويرى الصندوق ان الاقتصاد الاوروبي الثالث من حيث الحجم، وهو الاقتصاد الايطالي، قد دخل في مرحلة من الركود منذ ثلاث سنوات،. فيما الاقتصاد الاكبر، وهو الالماني، اخذ يخفض نموه كل ثلاثة اشهر، وبسرعة كبيرة. وحسب تقديرات الصندوق ان المانيا يمكن ان تلجأ الى اشكال مختلفة من الحوافز المالية. وقد اعلن البنك المركزي الاوروبي عن خطته للعودة الى طباعة الاوراق النقدية وذلك بعد اشهر قليلة فقط من ايقافه مثل هذا الاجراء.
وبشكل عام خفض الصندوق توقعاته لنسبة نمو الاقتصاد في منطقة اليورو، وتنبئ توقعاته للناتج المحلي القائم لمنطقة اليورو بنسبة نمو لا تتجاوز 1.3% لهذه السنة، بينما كانت 1.8% في السنة الماضية. وقد توقع الصندوق ان يكون النمو في الولايات المتحدة الاميركية هذه السنة 1.9%، بينما كان 3% في السنة الماضية. اما الاقتصاد الصيني الذي يعاني صعوبات كبيرة بسبب الحرب التجارية الاميركية، فيتوقع الصندوق ان تكون نسبة النمو فيه 6.3%.
وفي التقدير العام لصندوق النقد الدولي ان الاقتصاد العالمي دخل في مرحلة من “التباطؤ المتزامن” العام، وهو ما يؤكد عليه المؤشر المشترك لمؤسسة Brookings Institution و Financial Times.
في هذه الاجواء القاتمة، بكل المقاييس الاقتصادية التي تعتمدها المؤسسات الدولية، باشرت ادارة ترامب بشن حرب تجارية جديدة، ضد دول الاتحاد الاوروبي هذه المرة. وكان دونالد ترامب قد كتب في تغريدة له في تويتر “ان الاتحاد الاوروبي يستغل التجارة مع الولايات المتحدة الاميركية منذ سنوات طويلة. وهذا ينبغي ان يتوقف بسرعة!”. واعلنت الدوائر الاميركية المختصة لائحة ضرائب جمركية جديدة ستفرض على سلع تستورد من الـ 28 دولة الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، بمبلغ كبير وقدره 11.2 مليار دولار. وتتضمن لائحة السلع التي ستشملها الضرائب الجديدة شرائح السمك، الاجبان والالبان، زيت الزيتون والخمور، والدراجات النارية. وتبحث المراجع المختصة في فرض الضرائب ايضا على السيارات الاوروبية. والحجة الرئيسية التي تتذرع بها المراجع الاميركية لفرض هذه الضرائب هي ان الاتحاد الاوروبي قدم لسنوات المنح التشجيعية للشركة الاوروبية العملاقة لصناعة الطائرات “ايرباص” (المنافس الرئيسي لشركة “بوينغ” الاميركية) مما ادى الى هبوط مبيعات بوينغ في السنوات الاخيرة. ورد الناطقون باسم الاتحاد الاوروبي ان الولايات المتحدة الاميركية قامت هي ايضا بتقديم المنح التشجيعية لشركة بوينغ، وان سبب انخفاض مبيعات بوينغ يعود الى الحوادث التي تعرضت لها طائراتها، بسبب عيوب تقنية. وهم يؤكدون ان “الاتحاد” لن يقف مكتوف الايدي، بل سيرد على الاجراءات الاميركية “غير المبررة والمبالغ فيها” باجراءات مضادة. وتبحث الدوائر الاميركية في ان تفرض ضرائب اضافية على السلع فيما اذا كانت من انتاج فرنسا، المانيا، اسبانيا وبريطانيا، اي الدول الرئيسية المساهمة في شركة “ايرباص” لصناعة الطائرات.
ان اي تحليل موضوعي ومنطقي لهذه الاوضاع يقودنا الى الاستنتاجات التالية:
ـ1ـ ان هذه الحرب التجارية الجديدة بين “الحلفاء” ستؤدي الى مزيد من التدهور في الوضع الاقتصادي العالمي.
ـ2ـ ان الذي يدفع اميركا الى شن هذه الحرب على حلفائها التقليديين والتاريخيين، هو فشلها في تحقيق اهدافها من الحرب التجارية والعقوبات والحصار والتصعيد السياسي والعسكري ضد خصومها، كروسيا والصين وايران وكوريا الشمالية وحزب الله.
ـ3ـ ان هذه الحرب وعواقبها ستسهم في زعزعة اسس الزعامة الاميركية للعالم الغربي، اكثر مما تسهم في مساعدة اميركا على حل ازمتها الاقتصادية والسياسية الداخلية.
ـ4ـ ان الدول الاوروبية، منفردة ومجتمعة، ستكون مدفوعة اكثر من اي وقت مضى للتمسك بمصالحها القومية والاقليمية، وللتفتيش عن شركاء ماليين وتجاريين آخرين، خارج دائرة النفوذ الاميركي.
ـ5ـ لدى انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، انبرى غربان البروباغندا الامبريالية الغربية واذناب السعودية وشيوخ النفط، وملأوا الدنيا نعيقا حول “السقوط النهائي” للمفاهيم الاشتراكية والانسانية والتحررية والثورية، وحول “ازلية” النظام الرأسمالي الامبريالي ـ اليهودي العالمي، القائم على “المبادرة الخاصة” و”الديموقراطية” و”حقوق الانسان” و”حق تقرير المصير للشعوب”، وحول الدور الطليعي والنموذجي لاميركا في حل أزماتها الخاصة والازمات والمشكلات الدولية.
وتأتي هذه الحرب التجارية الجديدة، في سياق السياسة العدوانية العامة لاميركا، لتؤكد ان الرأسمالية الامبريالية ـ اليهودية ليست هي الحل، بل هي اساس المشكلة الانسانية، وان الولايات المتحدة الاميركية هي عدو لجميع بلدان وشعوب العالم، بما في ذلك حلفاؤها الاوروبيون بالذات.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة