دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من منطقة قصر شيرين في محافظة كرمنشاه الإيرانية على الحدود مع العراق، التي ـــ للمفارقة ـــ كانت إحدى المناطق التي دخلها الجيش العراقي في الحرب على إيران قبل نحو 40 عاماً، تنطلق أعمال شقّ الطرقات وتوسيعها بين البلدين.
أعمالٌ هي جزء من مخطط شامل يستهدف ربط الدول الثلاث، إيران والعراق وسوريا، في ما بينها، في مشروع استراتيجي تعترضه عقبات وتحيط به تهديدات محتملة. اللقاء الذي جمع رئيسَي أركان الجيش العراقي عثمان الغانمي، والإيراني محمد باقري، إلى جانب وزير الدفاع السوري علي عبد الله أيوب، في دمشق الشهر الماضي، شكّل إشارة البدء في تنفيذ هذا المخطّط. إذ بحث اللقاء المذكور إعادة فتح المعابر بين العراق وسوريا، وتأهيلها وتوسيعها وتوفير الحماية اللازمة لها. وفي هذا السياق، شدّد رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية على أن فتح المنافذ الحدودية «أمر مهم وحساس للمبادلات التجارية، ولتنقل السياح والزوار الإيرانيين انطلاقاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى العراق، ومن العراق إلى سوريا». كذلك، أعلن رئيس أركان الجيش العراقي أن «الأيام المقبلة ستشهد فتح المعبر الحدودي بين سوريا والعراق (البوكمال ـــ القائم)، واستمرار الزيارات والتجارة المتبادلة».
أما الجانب السوري، فقد أبدى ــ بحسب ما تفيد به مصادر سورية مطلعة «الأخبار» ــ «تجاوبه الكامل والسريع مع مقترحات الجانبين الإيراني والعراقي». وتضيف المصادر أن «الحكومة السورية أبلغت ضيوفها أنها تحتاج إلى وقت ليس بطويل لإعادة تأهيل بعض الطرقات الرئيسة التي تتفرّع من معبر البوكمال ـــ القائم، بالإضافة إلى إجراء تقييم سريع للمعبر وأحواله ومدى جاهزيته للبناء عليه». واتُّفِق أيضاً، بحسب مصادر «الأخبار»، على عقد اجتماعات «تنسيقية» بين الجانبين العراقي والسوري لـ«بحث المتعلّقات الفنية، بالإضافة إلى تكثيف التنسيق الأمني والعسكري لحماية المعابر والطرقات من أي هجمات أو تهديدات».
سيناريوان للطريق البري
في شباط/ فبراير الماضي، أوضح وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، محمد إسلامي، خلال مراسم البدء بإنجاز الخط السريع بين كرمانشاه وبيستون وحميل (طريق داخلي يعتبر إنجازه ضرورياً لوصل الطريق السريع بين إيران والعراق)، أن هذا الخط «يشكّل قطعة مهمة من مشروع الربط بين المراقد المقدسة في إيران والعراق وسوريا لتسهيل الترانزيت»، معرباً عن أمله في «إنجاز هذه القطعة بنحو أسرع بمساعدة القطاع الخاص، وبموافقة البنوك على منح تريليون تومان من التسهيلات».
الوجود الأميركي في شرقيّ الفرات يمكن أن يعوق إتمام الخطة أو يعطل الاستفادة منها
لكن الخطة التي تبدو يسيرة على المقلب الإيراني، تظهر أكثر تعقيداً على الضفة العراقية، حيث يتداخل النفوذ السياسي والميداني للأطراف كافة، بِمَن فيها الأميركي الذي لن يسرّه مشروع من هذا النوع. انطلاقاً من ذلك، يجري الحديث عن خيارين اثنين لم يُحسم بعد أيّهما سيُستخدَم كطريق سريع للوصول إلى مدينة القائم العراقية على الحدود مع سوريا. الخيار الأول، هو طريق يمرّ أغلبه في وسط العراق وشماله، إذ ينطلق من قصر شيرين الإيرانية، نحو مدينة كلار العراقية، ثم إلى طوزخورماتو وتكريت وبيجي، قبل أن ينعطف نحو نهر الفرات ليستمرّ بمحاذاته نحو عنه وراوه والقائم. أما الخيار الثاني، فهو طريق ينطلق أيضاً من قصر شيرين الإيرانية نحو خانقين، ثم نزولاً نحو العاصمة بغداد، ليمرّ بمحاذاتها متجهاً نحو الفلوجة والرمادي، ثم بمحاذاة نهر الفرات، وصولاً إلى القائم.
ما بين الخيارين، ستكون المعطيات الأمنية هي العامل الحاسم. إذ تكشف مصادر ميدانية مطلعة على مسار المشروع، في حديثها إلى «الأخبار»، أنه «في الوقت الحالي، يُعمل على إجراء مسح كامل وشامل للميدان والتهديدات المحتملة، مع الأخذ بالاعتبار القواعد الأميركية المنتشرة في العراق، وتأثيرها على الطريق، والمجموعات الإرهابية التي ستسعى حتماً لاستهدافه إن لم تُفعَّل الإجراءات الأمنية والميدانية المطلوبة، وعلى أساس هذه الاعتبارات سيُختار الطريق الأنسب».
معبر بديل من «القائم»
على الجانب السوري، ثمة أيضاً عدة تهديدات للمشروع، لعلّ أبرزها تلك المنطلِقة من ناحية شرقي الفرات، حيث الوجود الأميركي الذي يمكن أن يعوق إتمام الخطة أو يعطل الاستفادة منها بعد إتمامها. خطرٌ يضاف إليه تهديد العدو الإسرائيلي الذي أشار مراراً إلى أنه لن يسمح لمشروع من هذا النوع (ربط هذه الدول) بأن يتمّ. وعليه، تفيد مصادر سورية مسؤولة بأن «معبر البوكمال ــــ القائم لا يزال مغلقاً أمام المدنيين، وهو لن يُفتح في وقت قريب، نظراً لحالته السيئة، ولعدم قدرته على تلبية المطلوب»، وذلك بناءً على تقييم أُجري عقب القمة الثلاثية العسكرية في دمشق. وفي المقابل، تؤكد هذه المصادر أن «هنالك قراراً قد اتخذ بفتح معبر رسمي مع العراق، غير معبر القائم، والعمل على ذلك قد انطلق فعلاً». وفي هذا الإطار، يكشف مصدر ميداني في المنطقة الحدودية لـ«الأخبار» أنه «يجري اليوم العمل على استحداث معبر جديد واسع لاستيعاب الآليات الضخمة والكبيرة، سيكون رسمياً ومؤمّناً من الجهتين العراقية والسورية، ويبعد نحو خمسة كيلومترات غربي معبر القائم الرسمي المعروف، باتجاه البادية السورية»، مبيناً أن «المعبر الذي يُستحدَث ستكون له قدرة استيعابية تصل إلى نحو 250 شاحنة كبيرة يومياً ذهاباً وإياباً».
وبالنسبة إلى الطريق الذي سيُعتمد داخل الأراضي السورية، تلفت المصادر إلى أنه سيكون «طريق دير الزور الرسمي، الذي يمرّ بالميادين ثم دير الزور وينعطف إلى السخنة ثم تدمر، ومن هناك يتفرّع إلى مختلف المحافظات والمناطق السورية»، ومنها اللاذقية، التي تفيد معلومات «الأخبار» بأن شركة إيرانية خاصة حصلت على عقد تسلّم إدارة محطة الحاويات في مينائها. هذه الطريق، التي يشكل ضيق خيارات طهران ودمشق البحرية دافعاً إضافياً للاتجاه نحو تفعيلها، تحيط بها تهديدات محتملة على رأسها «تهديد بين طريق السخنة وطريق المحطة الثالثة تشكله مجموعات قليلة من المسلحين الفارين وبقايا تنظيم داعش، وحالياً تجري مطاردتهم بنحو جدي ومستمر إلى حين القضاء على التهديد» بحسب ما تقوله المصادر السورية نفسها لـ«الأخبار»، متحدثة عن «إعداد خطة أمنية عسكرية لتأمين الحماية اللازمة للطريق». وبموازاة تلك الجهود، تشير معلومات بدأ التداول بها خلال اليومين الأخيرين في دمشق إلى أن الجانب الروسي «لمّح إلى تمكنه من الحصول على ضمانات من الأميركيين، بعدم التعرض لقوافل النفط التي من المتوقع أن تجتاز الحدود في وقت قريب عبر المعبر المستحدث نحو الأراضي السورية».
إسرائيل «قلقة»
على رغم عدم صدور مواقف رسمية إسرائيلية من مشروع الربط بين إيران وسوريا والعراق، إلا أن وسائل الإعلام العبرية لا تفتأ ترسل إشارات إلى ما يسبّبه هذا المشروع من أرق للكيان. خلال اليومين الأخيرين، تناولت العديد من وسائل الإعلام تلك، ولا سيما صحيفة «معاريف» وموقع «روتر نت»، موضوع «المخطط الإيراني» كما سمته، معتبرة أنه «تتويج لجهود إيران في سوريا». وأمس، نقلت القناة الثانية الإسرائيلية عن مصادر أمنية إعرابها عن «قلقها إزاء سكة القطار التي أُعلِن مشروعها أخيراً»، مشيرة إلى أن «الحديث عن مرحلة جديدة من إحكام القبضة الإيرانية على المنطقة، حيث إن هناك مخاوف إسرائيلية من استغلال هذه القطارات لنقل الأسلحة للنظام السوري وحزب الله». وفي وقت سابق، كان عدد من المسؤولين الإسرائيليين لوّحوا بـ«إمكانية ضرب أهداف في العراق»، في إطار محاربة الوجود الإيراني. وجاء آخر هذه التصريحات على لسان رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية، تامير هايمان، الذي رأى بداية العام أن «إيران يمكن أن تستخدم نفوذها المتزايد في العراق لتحويله إلى منصة لشن هجمات على إسرائيل»، معتبراً أن الإيرانيين يمكن أن «يروا العراق مسرحاً ملائماً للتمركز مماثلاً لما فعلوه في سوريا».
عوائد اقتصادية كبيرة للطريق البري
على رغم الأزمات العديدة التي مرّت بها العلاقات بين سوريا والعراق في العقود الخمسة الأخيرة، والتي نتج منها تعثّر بناء منظومة تبادل تجاري حقيقية بين البلدين، إلا أنه بمراجعة سريعة لأرقام التبادلات التجارية في المدة القصيرة التي انتظمت فيها العلاقات قبل احتدام الحرب في سوريا، ولاحقاً في العراق، تظهر الأهمية الكبرى لإعادة تفعيل هذا التبادل، سواء عبر تصدير السلع المختلفة واستيرادها، أو حتى استخدام المعابر للوصول إلى الخليج عبر العراق، أو المتوسط عبر السواحل السورية.
في عام 2015، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 280.44 مليون يورو، ثم انخفض في العام التالي إلى نحو 175.13 مليون يورو، وذلك بعد تمدّد «داعش»، فيما كان متوسط عدد الشاحنات التي تعبر الحدود يومياً من سوريا باتجاه العراق قبل سيطرة التنظيم على المعابر 200 شاحنة يومياً. لكن إعادة فتح الطريق البري ستسمح سريعاً باستئناف استيراد العراق لاحتياجاته عبر مرفأ طرطوس السوري، الأمر الذي يعني إعادة تشغيل أسطول الشاحنات السورية والعراقية من ناحية، واستفادة خزينة الدولة السورية من رسوم الترانزيت والاستيراد من ناحية ثانية، وتخفيض العراق تكلفة استيراد ما يحتاجه من سلع وبضائع من ناحية ثالثة.
المصدر :
الماسة السورية/ الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة