من المعيب على من يتعامل في السياسة ان يعرف معنى الدهشة ومعنى المفاجأة .. فكل من يفتح فمه مذهولا امام اي موقف او تصريح عليه ان يستقيل ويصبح موظفا من موظفي الجزيرة ويعمل في الاتجاه المعاكس برتبة مذهول.. حيث يمارس الدهشة والادهاش وليس السياسة ..

نحن في السياسة تمرسنا على كل أنواع المفاجآت القاسية.. فقد فاجأنا أنور السادات يوما بقرار ايقاف الهجوم بعد العبور دون مبرر عسكري .. وفاجأنا بقرار تطوير الهجوم ثم فاجأنا بقرار السلام وهو الذي ذهبنا معه الى الحرب وفق ميثاق شرف واتفاق نحارب معا ونسالم معا ..

ونحن فاجأنا قرار ياسر عرفات بأنه قرر التوقيع على اتفاق اوسلو من وراء ظهرنا رغم اننا رفضنا كل شيء من أجل الا يوقع ..وفاجأنا الاسلاميون الذين كانوا يطحنون الكلام عن فلسطين وعن العدو “اليهودي وأحفاد خيبر” وعندما وصلوا الى السلطة قالوا عن أحفاد خيبر انهم اصدقاؤهم الأوفياء وأعلنوا الجهاد على الشيعة وحزب الله وسورية وايران..

ونحن فاجأنا المثقفون العرب الذين كانوا يملؤون أقلامهم من حبرنا ويغمسون ادمغتهم وألسنتهم في قواميسنا ويعجنون خبزهم في خميرة الصمود و شعارات الشعب الذي يريد الحياة .. فاذا بهم يريدون الموت لاوطانهم من اجل حفنة من السلطة والدولارات ونحن فاجأنا السافل خالد مشعل الذي كان صلى معنا صلاة العيد في الاموي وخرج من المسجد الاموي ليرفع علم الاحتلال الفرنسي ويصلي العشاء في “ابا صوفيا” ..

ونحن فاجأنا يوسف القرضاوي الذي كان بكبل المديح لنا ويبكي وهو يقول انه يرى العالم يتآمر علينا .. فاذا به يدري بالمؤامرة ويقود المؤامرة ..

وفاجأنا السلطان اردوغان الذي كان يحتضننا كما كان النبي يحتضن عليا فاذا بالنبي التركي يحتضن أبا جهل وأم جهل وأبالهب ولهب وـأم لهب ..ويصبح صبر السلطان لايقدر ولابتحمل الا ان يصلبنا في الجامع الاموي وهو يصلي على جثثنا وجثة الوليد بن عبد الملك تحت نعل السلطان ..

لذلك نحن لانعترف بالدهشة في اي موقف.. وخنجر بروتوس هو أول درس يجب ان بتعلمه اهل السياسة .. ونحن لم نبن سياستنا مع أحد على أساس اننا سذج واننا نتعامل مع الحلفاء على انهم نحن .. فهم لن يكونوا نحن .. ونحن لن نكون هم قطعا .. والسياسة تلقت دروسها منذ قبلة يهوذا .. يهوذا كان بجلس على نفس المائدة في العشاء الاخير مع السيد المسيح.. كان على المائدة والوليمة الخاصة لابن الانسان .. وكان على نفس المائدة بطرس الذي أنكر معلمه لاحقا ثلاث مرات قبل ان يصيح الديك حتى انه اثار دهشة نفسه .. وكانت السياسة في عهد النبي العربي وفي حياته ومماته مليئة بالخيبات والمفاجآت .. فنصف أصحابه خذلوه وتركوه يموت ولم يحضروا دفنه لانهم كانوا يتقاتلون في السقيفة وقبلها كانوا يقولون بأبي أنت وأمي يارسول الله.. ونصفهم طعنوا جمهوريته الفاضلة من يعده وحولوها الى مملكة وراثية

 

فهل فاجأنا الروس بعد كل هذا في قضية رفاة باومل؟؟ والجواب ببساطة هو .. لا ..

ليس لأن الروس بمسكون خنجر بروتوس وليس لأنهم أحفاد بطرس الأكير فأنكرونا قبل صياح الديك كما انكر بطرس الاول المسيح .. وهم ليسوا يهوذا الاسخريوطي الذي باعنا بثلاثين قطعة من الفضة .. ولكن ماالذي حدث حتى يتصرف الروس على هذا النحو الذي كانت فيه اهانة كبيرة وسلوك أقل مايقال فيه انه سيكون ذخيرة للاسرائيليين وابواقهم الذين يريدون اخراج روسيا من سورية ومن نفوس السوريين لأنه سيتم تقديمها على انها تتصرف كقوة احتلال لاتستشير الدولة التي تحتلها في قرار سيادي حساس جدا ….

 

يصعب على الساسة في الغرب ان يقرؤا فلاديمير بوتين ولكن يصعب على الانسان ان يصدق ان بوتين الذي أنقذ روسيا والذي دوّخ الغرب ونشر سلاح روسيا من الشرق الأوسط الى فنزويلا .. كيف يغامر هذه المغامرة مع الإسرائيليين .. بوتين ليس بالرجل السهل ولا الساذج وهو من الدهاء بحيث انه لايمكن ان يقع في فخ إسرائيلي نصب له في سورية والمنطقة .. لأن هذه الخطوة سيستثمرها خصومه في الحرب السورية كثيرا للتقليل من احترام السوريين لما فعلته روسيا لايقاف الهجوم الغربي والعثماني عليها .. فهؤلاء سيقولون ان روسيا أبعدت الغرب لتحل محله كسلطة احتلال تصادر القرار السياسي والسيادي .. وتتصرف بأملاك الشعب السوري وتبيعها وكأنها ممتلكات بطرس الأكبر وكاترينا .. بل ان الموقف الروسي سبؤلم العسكريين الروس الذي يعلمون ان رفاقهم في طائرة ايل قتلوا بخسة ونذالة في فخ إسرائيلي .. وهناك من يعلم ان العديد من الروس كان يتم استهداف وجودهم في سورية من قبل الموساد منذ الثمانينات عندما هاجم الاخوان المسلمون أبنية الخبراء الروس في دمشق دون ان يكونوا طرفا في النزاع كما عاودوا نفس الهجوم على قواعد الصواريخ والدفاع الجوي بحجة انها تهدد المتظاهرين السلميين وتبين انها تهدد إسرائيل .. والموساد نفسه شريك في احداث أوكرانيا وفي ابخازيا واوسيتيا وذلك بعلم المخابرات الروسية ..

والسؤال الذي توقفت عنده وطرحه الاسرائيليون قبلي عندما رأيت هذه الاحتفالية في موسكو في تسليم رفاة الجندي الإسرائيلي هو: ماهو الثمن الذي دفعه نتنياهو لبوتين لقاء هذا المشهد السريالي الغريب ؟؟ نتنياهو قبل أشهر تسبب في مقتل 15 جنديا روسيا على متن الطائرة الروسية ايل في غارة اللاذقية الشهيرة .. واليوم يقدم له بوتين تراب جندي إسرائيلي بمودة وحرارة وتكريم .. أهي خدعة ام هي صفقة ام هي مناورة .. لاشك ان نتنياهو دفع ثمنا باهظا لبوتين .. رغم ان مايجري يكاد يبدو صاروخا اسرائيليا يريد اسقاط عاصفة السوخوي وتدمير اس 300 ..

 

لاتزال كل التفاسير ناقصة وغير متكاملة .. ولاتزال ردود الفعل خاضعة للانفعالات المتسرعة .. وانا شخصيا لايمكن ان أقبل الخطوة الروسية لكنني أميل الى انها تمت في سياق صفقة لدعم بنيامين نتنباهو انتخابيا .. وهي لاتختلف عن المصافحة الخاصة والحارة التي منحها بوتين لمحمد بن سلمان في ذروة الهجوم العالمي عليه في قضية الخاشقجي رغم ان السعودية هي رأس الحربة ضد سورية وروسيا في الحرب ابان الربيع العربي .. مصافحة ربما سيقبض ثمنها في المسرح السوري او غيره .. فتوقبت اعلان عملية كاومل بهذا الشكل الاحتفالي الذي اعتنى به المخرجون بشدة لاظهار نتنياهو بطلا لايشك احد انه لاحداث صدمة إيجابية في إسرائيل للتمديد له في الانتخابات كرئيس وزراء لأن شعبية رئيس الوزراء لم تعد في قدرته على حلب اميريكا وجلبها الى صف إسرائيل .. فكل اميريكا تعمل في خدمة إسرائيل ولا يقدم أي رئيس وزراء جديدا في استقدام مزيد من الدعم الاميريكي .. فكل رئيس امريكي يقدم كل ما يستطيع ويزيد حتى ان بوش ادخل اميريكا حربا وضحى بآلاف الجنود وبلايين الدولارات من اجل إسرائيل .. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأقوى الآن هو من يحيّد روسيا في المنطقة .. ونتنياهو ظهر في سنوات الحرب على سورية على انه رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تسبب في اعقد وضع واخطر وضع لإسرائيل على عكس ماظنه الإسرائيليون لأنه فتح صندوق الرعب المغلق .. فرغم انه أنجز لإسرائيل الربيع العربي وأهم ما فيه تحييد القوة السورية لادخالها في الانهيار اثر تدمير الدولة والجيش فيها .. الا ان نتنياهو وجد انه وضع إسرائيل في أخطر موقف وهو ان ايران صارت على الحدود بجنرالاتها .. وحزب الله يستنسخ نفسه في الجولان وهناك انتظار قلق لحزب الله الجولاني .. وفوق ذلك يحدث الجيش الروسي ترسانته وتأتي روسيا بسلاحها لتحييد تفوق الجيش الإسرائيلي .. ولذلك كان نتنياهو مهتما جدا بصوره وهو يغزو العواصم العربية فاتحا ومطمئنا الإسرائيليين لالهائهم عن الوضع الجديد في الشمال واغوائهم بالسياحة في عواصم العرب الا دمشق .. الا ان كل ذلك لايساوي اسقاط دمشق او طهران او ابعاد موسكو .. ولذلك فان نتنياهو قرر ان يخوض معركته الانتخابية من موسكو ففيها اما ان ينجح او ان يسقط .. وقد استوقفني كلام بوتين وهو يقول ان صفقة الرفاة كانت بتعاون من السوريين .. ولكن السوريين لايمكن ان يدخلوا في أي صفقة من هذا النوع وهم معروفون بحذرهم الشديد في الصفقات وخاصة ذات الرائحة السرية ويتجنبونها لانهم يعرفون انها ستسرب عمدا مهما كانت سرية .. والسوريون سادة التفاوض والمقايضات الباردة ولكن المثمرة .. فكيف يقدمون شيئا مجانيا لإسرائيل .. بل ويظهرون وكأنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا وهذه اول مرة في تاريخهم السياسي؟؟ .. فكل ماقيل سابقا وسرب عن اتصالات سرية وعن مفاوضات في الظلام منذ 40 سنة لم يثبت منها أي شيء وتبين انها كانت فخاخا سياسية لتوريط العرب او لتبرير الخيانات العربية .. فادعاء ان سورية قاب قوسين او ادنى من اتفاق مع إسرائيل عجّل باتفاق أوسلو لأن عرفات خدع وظن ان السوريين تركوه وحيدا .. وروّج الاميريكيون كثيرا لأخبار اتفاقات وصفقات يرعونها سرا مع السوريين ولم تكن الا قصصا هوليوودية ذات خيال خصب .. أكثر خصوبة من خيال التوراة والثورة السورية ..

 

ولمحاولة فهم مايجري دعونا نعود الى زمن كثيرا ماكنا فيه لانفهم تفاهمات بوتين في مناطق خفض التصعيد مع الغرب ومع الاتراك .. ولم نفهم كذلك خطوته في اقتراح تسليم السلاح الكيماوي في أصعب لحظة كان السلاح الكيماوي اهم ورقة لدينا .. وتبين ان الخطوة كانت فيها مقايضة .. فقد تخلينا عن سلاح لايمكننا استخدامه في الظروف العالمية الحالية وقبضنا من بوتين ثمن السلاح الكيماوي سلاحا نوعيا وتعهدا روسيا لخوض الحرب بسلاح روسي وبالجيش الروسي اذا ماطلب منهم ذلك ..

 

ونتذكر أننا كنا لانفهم كثيرا مجارات الروس لهموم تركيا العدو القديم والجديد والأصيل في الناتو والمخلص للناتو .. ولكن صبر بوتين كان يفاجئنا انه خبأ شيئا لم نتوقعه وكانت التهدئة والانتظار في صالح معاركنا واستعداداتها ..

 

أنا لست موظفا عند أحد ولا أكتب لتبييض صفحة أحد فأنا لست عضو كنيست إسرائيلي .. وأنا لست عزمي بشارة .. ولن أكون .. ولست عضوا في مجلس الدوما الروسي .. ولكن بوتين ليس بالرجل الهين والسهل كي يقبل بالظهور امام حلفائه بهذا الشكل المحيّر .. وأن يغفل عن تبعات هذه الخطيئة وآثارها النفسية على السوريين وغيرهم التي سيستثمرها الإسرائيليون – قبل غيرهم – مع الاعلام العربي التابع لهم في الخليج للاضرار بوضع روسيا في سورية والمنطقة .. وتحول كل انجاز روسيا في سورية الى طبق من الحلوى الذي لعقه كلب اسمه نتنياهو أو شوهد عليه بيت عنكبوت ..

 

حتى اللحظة لاأحد يعرف ماهية الامر بالضبط ولكني لاأقبل ان أرمي التحالف الروسي السوري بالاتهامات وأن أطلق النار على حليف اذا كان أخطأ .. وطالما أنني لاأعرف كيف تمت الصفقة الروسية الإسرائيلية بالتفصيل .. واذا أردت ان أصدق الاخبار فان الروس تصرفوا دون استشارتنا لأول مرة في قضية حساسة جدا ومهينة جدا .. وغير ذلك فان التفسير الوحيد لتصريح بوتين انه تعاون مع السوريين لانجاز ذلك هو افتراض ان الروس في غمار المعارك في الجنوب (او الشرق) ربما أرادوا تحييد الاميريكيين والإسرائيليين فطلبوا من السوريين تفويضا محدودا بإدارة المفاوضات مع إسرائيل لتحسين شروط المعركة لتحرير المناطق المحتلة السورية من الإرهاب .. فوافق السوريون .. وهذه الموافقة ليست شيكا على بياض ولكنه رصيد محدود وهامش مناورة ضئيل في التفويض حيث يستطيع الروس ان يفهموا انه ضمنيا يمكن تفسيره على انه قد يعني ترك التفاصيل للجانب الروسي وابلاغ السوريين بنتيجة المفاوضات لاعفائهم من التزامات مسبقة .. وهذه مناورة ديبلوماسية روسية حصلت من خلالها على تفويض بالتفاوض من اجل معركة بعينها .. واختارت ابلاغ الحليف السوري بعد انتهاء الاتفاق .. واعتبره بوتين تعاونا مشكورا .. وهذا تخمين وحسب ..

وطبعا سنسمع في هذه الفترة كلاما كثيرا عن التحالف الروسي الاسرائيلي وعن اولوية اسرائيل في روسيا وعن البهود الروس الذين يفضلهم بوتين وعن مئة الف اسرائيلي في روسيا وهؤلاء يساوون 150 مليون روسي .. ومصلحة روسيا وسلاحها وسمعتها ..

 

حتى الآن لاأستطييع ابتلاع هذه التفاسير لأننا اذا قبلنا ان روسيا دولة عظمى فان هذا التفسير الساذج لاينسجم مع سلوك دولة عظمى لأن اسرائيل لاتقاس بروسيا التي تستطيع تدمير العالم عدة مرات وتجتاح الفضاء .. فيما اسرائيل عاجزة عن معالجة مشكلة غزة او اقتحام قرية صغيرة مثل مارون الراس .. ولكن يجب النظر الى ان روسيا تعتبر اسرائيل على انها أرض من اراضي الولايات المتحدة الامريكية التي ترعاها عبر المحيطات كما ترعى آلاسكا وتعتبرها جزءا منها .. ولذلك فان الروسي يفاوض الاميريكيي عبر الاسرائيليينن وعلاقته بهم هي من ذات المعيار .. فالروسي يدرك ان اميريكا تحاصره بالقواعد والدروع الصاروخية وتشدد عليه الخناق والعقوبات وتحاول تفكيك ترسانته وخلق المشاكل له في اوكرانيا وغيرها وهي التي تسببت في تدمير امبراطوريته السوفييتية عبر حلفائها العرب والاسرائيليين .. كما ان اسرائيل تحمل مسؤولية ومهمة تدمير سمعة السلاح الروسي في حروبها الماضية التي تستخدم فيها سلاحا اميريكيا ضد العرب الذين استخدموا سلاحا روسيا وتكون احدى مهام الحروب سرقة التقنيات الروسية مثل طائرة ميغ 21 والدبابة ت 72 وتجريب التقنيات الامريكية ضد الروسية مثل صواريخ شرايك التي دمرت قواعد صواريخ السام في البقاع عام 82 .. ومع هذا فانه يخاطب الاميريكيين بـ “الشركاء” .. ويكون حريصا على عدم التصادم معهم وابقاء شعرة معاوية بينه وبينهم.. وهو يعلم ان الاسرائيلي هو سفير اميريكي في المنطقة ويداريه الى حد انه لايوصل الأمر الى صدام لأنه يعلم انه في النهاية سيواجه الكونغرس وليس الكنيست.. وان اسرائيل جزء من الحرب عليه اذا ماوقعت مواجهة مع اميريكا .. ولايمكن فهم التدخل الروسي في سورية على انه تنسيق مع اسرائيل والا فانه كان بامكانه تقديم غطاء او تغاض روسي في مجلس الامن لضرب سورية من قبل الناتو او تسهيل تدمير سورية عام 2013 يحجة كيماوي الغوطة او عام 2015 عندما كان الوضع الميداني متوترا جدا .. وتم اجتياح الشمال السوري من قبل الارهابيين المدعومين من قبل الاتراك والناتو .. الروس غالبا وضعوا تفاهمات لايسمحون للاميريكيين والاسرائيليين بتجاوزها في سورية التي هي معركتهم ونافذة نفوذهم في العالم .. ولكن في مقابل الا يتجاوز الروس حدا معينا في التسليح وفي الاقتراب من الامن الاسرائيلي الذي هو أمن اميريكي .. وهنا يترك الهامش لمحور المقاومة الذي لايترك للروس التحكم في حركتهم العسكرية والرافضة في هذا الهامش .. والروسي يترك هذا الهامش ليتجنب الحرج .. فهو لايستطيع ان يقول ان على حزب الله عدم تهديد اسرائيل ..

 

من كل ذلك فان الخطوة الروسية غير مقبولة وسيجد الروس انهم مضطرون لتفسيرها تفسيرا مقنعا وسيكون هناك تحرك ديبلوماسي لامتصاص الخيبة في الشارع السوري وسنسمع بعد حين التسريبات عن حقيقة ماقدمه ياهو النتن للقيصر بوتين.. ولكن يجب الأخذ بالاعتبار انه اما أنه تم قبض الثمن في سورية من خلال اذعان اسرائيل وسحبها لقواتها “الاسلامية” مثل جبهة النصرة من الجنوب وتجنيب الجميع مواجهة واسعة .. أو أن الثمن ستدفعه اميريكا نيابة عن اسرائيل في المنطقة الشرقية حيث ستترك اميريكا الاكراد وغيرهم وتبيعهم بتراب جندي اسرائيلي وعظامه .. واشك ان روسيا ستغامر بهذه الصفقة من أجل مصالح خاصة بها في انابيب الغاز الاسرائيلية او اوكرانيا لأنها تدرك انها لن تبقى في حميميم بعد ذلك كثيرا .. فالسوريون تحمسوا لروسيا واذا فقد الحماس الشعبي وانطفأ المزاج .. صار الوجود الروسي في سورية عبئا عليهم لايشبه وجودهم في أفغانستان حتما لكنه قد يتطور لتصبح العلاقة الروسية بالشرق مشوشة ..

 

كثير من الصداقات العظيمة قتلتها كلمة واحدة .. وكثير من العداوات قتلتها ايضا كلمة واحدة ..ونحن لن نفرط بصداقة عمرها خمسة عقود ولايمكن اهانتها بالشك واطلاق النار والكلمات على صديق كان يطلق النار معنا على اعدائنا ..

لذلك سأنتظر الاسرار التي تجيب عن هذه القضية .. وانا مدرك ان السياسة الروسية ليست مراهقة ولن تغامر بأهم انجاز لها وهو ان البوابة التي عادت منها الى العالم هي البوابة السورية .. وهي تدرك ان انتصارها في سورية لم يكن الطيران الروسي ليحققه من دون رجالنا على الأرض الذين حققوا للسوخوي انتصارا لايضاهى .. لذلك فان عودة مكانة روسيا صنعها الجيش السوري مع طائرات السوخوي .. وأمن سورية دعمها الموقف الروسي وسلاحه للجيش السوري .. لذلك هذا نصر مشترك لنا فيه ما للروس ولهم مالنا .. ولن نكون ناكرين للجميل ولاانفعاليين ولن نستدرج للغضب وصفع الأصدقاء .. كما ان تحالفنا مع الروس لم يكن تحالف التخمينات والاذعانات والاشتراطات بل تحالفا علميا ومدروسا وواقعيا ندرك فيه مالنا وماعلينا .. وندرك ماللروس وماعليهم .. وندرك جدودنا معهم ويدركون حدودهم معنا .. وغير ذلك فهو ليس تحالفا ..

 

ونحن لم ندهش ولم تصعقنا الصور .لأننا نعرف اين نقف بالضبط .. صحيح اننا عاتبون .. وصحيح اننا مخلصون .. وصحيح اننا منزعجون .. ولكن أنا أتمنى ان يقدم بوتين للشعب السوري أخبارا سارة في مكان ما.. تكون بمثابة عربون الصداقة وتثبيتا لمودتنا له وصداقتنا له.. وبرهانا لكل من يريد ان يزرع الشقاق بيننا وبين الروس ان روسيا شريك حقيقي وهي لايمكن ان تتصرف كما تتصرف اميريكا .. وانا شخصيا أثق بالزعيم بوتين وأدرك انه زعيم استثنائي.. واستثنائيته تكمن انه يتقن فن المناورات ويعطي الخصم بعض مايريد .. بعد ان يعصره الى آخر قطرة .. وآمل ان يكون نتنياهو عاد من موسكو بحفنة تراب ولكنه سلم شيئا كبيرا سيعطيه الروس للسوريين اخذوه من نتنياهو عنوة .. ولاأظن ان صاروخ باوميل أصاب سوخوي بوتين على الاطلاق ..

  • فريق ماسة
  • 2019-04-07
  • 9012
  • من الأرشيف

صديقنا بوتين ليس بروتوس حتما ..فهل أفلح نتنياهو في اسقاط السوخوي بصاروخ باوميل؟؟

من المعيب على من يتعامل في السياسة ان يعرف معنى الدهشة ومعنى المفاجأة .. فكل من يفتح فمه مذهولا امام اي موقف او تصريح عليه ان يستقيل ويصبح موظفا من موظفي الجزيرة ويعمل في الاتجاه المعاكس برتبة مذهول.. حيث يمارس الدهشة والادهاش وليس السياسة .. نحن في السياسة تمرسنا على كل أنواع المفاجآت القاسية.. فقد فاجأنا أنور السادات يوما بقرار ايقاف الهجوم بعد العبور دون مبرر عسكري .. وفاجأنا بقرار تطوير الهجوم ثم فاجأنا بقرار السلام وهو الذي ذهبنا معه الى الحرب وفق ميثاق شرف واتفاق نحارب معا ونسالم معا .. ونحن فاجأنا قرار ياسر عرفات بأنه قرر التوقيع على اتفاق اوسلو من وراء ظهرنا رغم اننا رفضنا كل شيء من أجل الا يوقع ..وفاجأنا الاسلاميون الذين كانوا يطحنون الكلام عن فلسطين وعن العدو “اليهودي وأحفاد خيبر” وعندما وصلوا الى السلطة قالوا عن أحفاد خيبر انهم اصدقاؤهم الأوفياء وأعلنوا الجهاد على الشيعة وحزب الله وسورية وايران.. ونحن فاجأنا المثقفون العرب الذين كانوا يملؤون أقلامهم من حبرنا ويغمسون ادمغتهم وألسنتهم في قواميسنا ويعجنون خبزهم في خميرة الصمود و شعارات الشعب الذي يريد الحياة .. فاذا بهم يريدون الموت لاوطانهم من اجل حفنة من السلطة والدولارات ونحن فاجأنا السافل خالد مشعل الذي كان صلى معنا صلاة العيد في الاموي وخرج من المسجد الاموي ليرفع علم الاحتلال الفرنسي ويصلي العشاء في “ابا صوفيا” .. ونحن فاجأنا يوسف القرضاوي الذي كان بكبل المديح لنا ويبكي وهو يقول انه يرى العالم يتآمر علينا .. فاذا به يدري بالمؤامرة ويقود المؤامرة .. وفاجأنا السلطان اردوغان الذي كان يحتضننا كما كان النبي يحتضن عليا فاذا بالنبي التركي يحتضن أبا جهل وأم جهل وأبالهب ولهب وـأم لهب ..ويصبح صبر السلطان لايقدر ولابتحمل الا ان يصلبنا في الجامع الاموي وهو يصلي على جثثنا وجثة الوليد بن عبد الملك تحت نعل السلطان .. لذلك نحن لانعترف بالدهشة في اي موقف.. وخنجر بروتوس هو أول درس يجب ان بتعلمه اهل السياسة .. ونحن لم نبن سياستنا مع أحد على أساس اننا سذج واننا نتعامل مع الحلفاء على انهم نحن .. فهم لن يكونوا نحن .. ونحن لن نكون هم قطعا .. والسياسة تلقت دروسها منذ قبلة يهوذا .. يهوذا كان بجلس على نفس المائدة في العشاء الاخير مع السيد المسيح.. كان على المائدة والوليمة الخاصة لابن الانسان .. وكان على نفس المائدة بطرس الذي أنكر معلمه لاحقا ثلاث مرات قبل ان يصيح الديك حتى انه اثار دهشة نفسه .. وكانت السياسة في عهد النبي العربي وفي حياته ومماته مليئة بالخيبات والمفاجآت .. فنصف أصحابه خذلوه وتركوه يموت ولم يحضروا دفنه لانهم كانوا يتقاتلون في السقيفة وقبلها كانوا يقولون بأبي أنت وأمي يارسول الله.. ونصفهم طعنوا جمهوريته الفاضلة من يعده وحولوها الى مملكة وراثية   فهل فاجأنا الروس بعد كل هذا في قضية رفاة باومل؟؟ والجواب ببساطة هو .. لا .. ليس لأن الروس بمسكون خنجر بروتوس وليس لأنهم أحفاد بطرس الأكير فأنكرونا قبل صياح الديك كما انكر بطرس الاول المسيح .. وهم ليسوا يهوذا الاسخريوطي الذي باعنا بثلاثين قطعة من الفضة .. ولكن ماالذي حدث حتى يتصرف الروس على هذا النحو الذي كانت فيه اهانة كبيرة وسلوك أقل مايقال فيه انه سيكون ذخيرة للاسرائيليين وابواقهم الذين يريدون اخراج روسيا من سورية ومن نفوس السوريين لأنه سيتم تقديمها على انها تتصرف كقوة احتلال لاتستشير الدولة التي تحتلها في قرار سيادي حساس جدا ….   يصعب على الساسة في الغرب ان يقرؤا فلاديمير بوتين ولكن يصعب على الانسان ان يصدق ان بوتين الذي أنقذ روسيا والذي دوّخ الغرب ونشر سلاح روسيا من الشرق الأوسط الى فنزويلا .. كيف يغامر هذه المغامرة مع الإسرائيليين .. بوتين ليس بالرجل السهل ولا الساذج وهو من الدهاء بحيث انه لايمكن ان يقع في فخ إسرائيلي نصب له في سورية والمنطقة .. لأن هذه الخطوة سيستثمرها خصومه في الحرب السورية كثيرا للتقليل من احترام السوريين لما فعلته روسيا لايقاف الهجوم الغربي والعثماني عليها .. فهؤلاء سيقولون ان روسيا أبعدت الغرب لتحل محله كسلطة احتلال تصادر القرار السياسي والسيادي .. وتتصرف بأملاك الشعب السوري وتبيعها وكأنها ممتلكات بطرس الأكبر وكاترينا .. بل ان الموقف الروسي سبؤلم العسكريين الروس الذي يعلمون ان رفاقهم في طائرة ايل قتلوا بخسة ونذالة في فخ إسرائيلي .. وهناك من يعلم ان العديد من الروس كان يتم استهداف وجودهم في سورية من قبل الموساد منذ الثمانينات عندما هاجم الاخوان المسلمون أبنية الخبراء الروس في دمشق دون ان يكونوا طرفا في النزاع كما عاودوا نفس الهجوم على قواعد الصواريخ والدفاع الجوي بحجة انها تهدد المتظاهرين السلميين وتبين انها تهدد إسرائيل .. والموساد نفسه شريك في احداث أوكرانيا وفي ابخازيا واوسيتيا وذلك بعلم المخابرات الروسية .. والسؤال الذي توقفت عنده وطرحه الاسرائيليون قبلي عندما رأيت هذه الاحتفالية في موسكو في تسليم رفاة الجندي الإسرائيلي هو: ماهو الثمن الذي دفعه نتنياهو لبوتين لقاء هذا المشهد السريالي الغريب ؟؟ نتنياهو قبل أشهر تسبب في مقتل 15 جنديا روسيا على متن الطائرة الروسية ايل في غارة اللاذقية الشهيرة .. واليوم يقدم له بوتين تراب جندي إسرائيلي بمودة وحرارة وتكريم .. أهي خدعة ام هي صفقة ام هي مناورة .. لاشك ان نتنياهو دفع ثمنا باهظا لبوتين .. رغم ان مايجري يكاد يبدو صاروخا اسرائيليا يريد اسقاط عاصفة السوخوي وتدمير اس 300 ..   لاتزال كل التفاسير ناقصة وغير متكاملة .. ولاتزال ردود الفعل خاضعة للانفعالات المتسرعة .. وانا شخصيا لايمكن ان أقبل الخطوة الروسية لكنني أميل الى انها تمت في سياق صفقة لدعم بنيامين نتنباهو انتخابيا .. وهي لاتختلف عن المصافحة الخاصة والحارة التي منحها بوتين لمحمد بن سلمان في ذروة الهجوم العالمي عليه في قضية الخاشقجي رغم ان السعودية هي رأس الحربة ضد سورية وروسيا في الحرب ابان الربيع العربي .. مصافحة ربما سيقبض ثمنها في المسرح السوري او غيره .. فتوقبت اعلان عملية كاومل بهذا الشكل الاحتفالي الذي اعتنى به المخرجون بشدة لاظهار نتنياهو بطلا لايشك احد انه لاحداث صدمة إيجابية في إسرائيل للتمديد له في الانتخابات كرئيس وزراء لأن شعبية رئيس الوزراء لم تعد في قدرته على حلب اميريكا وجلبها الى صف إسرائيل .. فكل اميريكا تعمل في خدمة إسرائيل ولا يقدم أي رئيس وزراء جديدا في استقدام مزيد من الدعم الاميريكي .. فكل رئيس امريكي يقدم كل ما يستطيع ويزيد حتى ان بوش ادخل اميريكا حربا وضحى بآلاف الجنود وبلايين الدولارات من اجل إسرائيل .. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأقوى الآن هو من يحيّد روسيا في المنطقة .. ونتنياهو ظهر في سنوات الحرب على سورية على انه رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تسبب في اعقد وضع واخطر وضع لإسرائيل على عكس ماظنه الإسرائيليون لأنه فتح صندوق الرعب المغلق .. فرغم انه أنجز لإسرائيل الربيع العربي وأهم ما فيه تحييد القوة السورية لادخالها في الانهيار اثر تدمير الدولة والجيش فيها .. الا ان نتنياهو وجد انه وضع إسرائيل في أخطر موقف وهو ان ايران صارت على الحدود بجنرالاتها .. وحزب الله يستنسخ نفسه في الجولان وهناك انتظار قلق لحزب الله الجولاني .. وفوق ذلك يحدث الجيش الروسي ترسانته وتأتي روسيا بسلاحها لتحييد تفوق الجيش الإسرائيلي .. ولذلك كان نتنياهو مهتما جدا بصوره وهو يغزو العواصم العربية فاتحا ومطمئنا الإسرائيليين لالهائهم عن الوضع الجديد في الشمال واغوائهم بالسياحة في عواصم العرب الا دمشق .. الا ان كل ذلك لايساوي اسقاط دمشق او طهران او ابعاد موسكو .. ولذلك فان نتنياهو قرر ان يخوض معركته الانتخابية من موسكو ففيها اما ان ينجح او ان يسقط .. وقد استوقفني كلام بوتين وهو يقول ان صفقة الرفاة كانت بتعاون من السوريين .. ولكن السوريين لايمكن ان يدخلوا في أي صفقة من هذا النوع وهم معروفون بحذرهم الشديد في الصفقات وخاصة ذات الرائحة السرية ويتجنبونها لانهم يعرفون انها ستسرب عمدا مهما كانت سرية .. والسوريون سادة التفاوض والمقايضات الباردة ولكن المثمرة .. فكيف يقدمون شيئا مجانيا لإسرائيل .. بل ويظهرون وكأنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا وهذه اول مرة في تاريخهم السياسي؟؟ .. فكل ماقيل سابقا وسرب عن اتصالات سرية وعن مفاوضات في الظلام منذ 40 سنة لم يثبت منها أي شيء وتبين انها كانت فخاخا سياسية لتوريط العرب او لتبرير الخيانات العربية .. فادعاء ان سورية قاب قوسين او ادنى من اتفاق مع إسرائيل عجّل باتفاق أوسلو لأن عرفات خدع وظن ان السوريين تركوه وحيدا .. وروّج الاميريكيون كثيرا لأخبار اتفاقات وصفقات يرعونها سرا مع السوريين ولم تكن الا قصصا هوليوودية ذات خيال خصب .. أكثر خصوبة من خيال التوراة والثورة السورية ..   ولمحاولة فهم مايجري دعونا نعود الى زمن كثيرا ماكنا فيه لانفهم تفاهمات بوتين في مناطق خفض التصعيد مع الغرب ومع الاتراك .. ولم نفهم كذلك خطوته في اقتراح تسليم السلاح الكيماوي في أصعب لحظة كان السلاح الكيماوي اهم ورقة لدينا .. وتبين ان الخطوة كانت فيها مقايضة .. فقد تخلينا عن سلاح لايمكننا استخدامه في الظروف العالمية الحالية وقبضنا من بوتين ثمن السلاح الكيماوي سلاحا نوعيا وتعهدا روسيا لخوض الحرب بسلاح روسي وبالجيش الروسي اذا ماطلب منهم ذلك ..   ونتذكر أننا كنا لانفهم كثيرا مجارات الروس لهموم تركيا العدو القديم والجديد والأصيل في الناتو والمخلص للناتو .. ولكن صبر بوتين كان يفاجئنا انه خبأ شيئا لم نتوقعه وكانت التهدئة والانتظار في صالح معاركنا واستعداداتها ..   أنا لست موظفا عند أحد ولا أكتب لتبييض صفحة أحد فأنا لست عضو كنيست إسرائيلي .. وأنا لست عزمي بشارة .. ولن أكون .. ولست عضوا في مجلس الدوما الروسي .. ولكن بوتين ليس بالرجل الهين والسهل كي يقبل بالظهور امام حلفائه بهذا الشكل المحيّر .. وأن يغفل عن تبعات هذه الخطيئة وآثارها النفسية على السوريين وغيرهم التي سيستثمرها الإسرائيليون – قبل غيرهم – مع الاعلام العربي التابع لهم في الخليج للاضرار بوضع روسيا في سورية والمنطقة .. وتحول كل انجاز روسيا في سورية الى طبق من الحلوى الذي لعقه كلب اسمه نتنياهو أو شوهد عليه بيت عنكبوت ..   حتى اللحظة لاأحد يعرف ماهية الامر بالضبط ولكني لاأقبل ان أرمي التحالف الروسي السوري بالاتهامات وأن أطلق النار على حليف اذا كان أخطأ .. وطالما أنني لاأعرف كيف تمت الصفقة الروسية الإسرائيلية بالتفصيل .. واذا أردت ان أصدق الاخبار فان الروس تصرفوا دون استشارتنا لأول مرة في قضية حساسة جدا ومهينة جدا .. وغير ذلك فان التفسير الوحيد لتصريح بوتين انه تعاون مع السوريين لانجاز ذلك هو افتراض ان الروس في غمار المعارك في الجنوب (او الشرق) ربما أرادوا تحييد الاميريكيين والإسرائيليين فطلبوا من السوريين تفويضا محدودا بإدارة المفاوضات مع إسرائيل لتحسين شروط المعركة لتحرير المناطق المحتلة السورية من الإرهاب .. فوافق السوريون .. وهذه الموافقة ليست شيكا على بياض ولكنه رصيد محدود وهامش مناورة ضئيل في التفويض حيث يستطيع الروس ان يفهموا انه ضمنيا يمكن تفسيره على انه قد يعني ترك التفاصيل للجانب الروسي وابلاغ السوريين بنتيجة المفاوضات لاعفائهم من التزامات مسبقة .. وهذه مناورة ديبلوماسية روسية حصلت من خلالها على تفويض بالتفاوض من اجل معركة بعينها .. واختارت ابلاغ الحليف السوري بعد انتهاء الاتفاق .. واعتبره بوتين تعاونا مشكورا .. وهذا تخمين وحسب .. وطبعا سنسمع في هذه الفترة كلاما كثيرا عن التحالف الروسي الاسرائيلي وعن اولوية اسرائيل في روسيا وعن البهود الروس الذين يفضلهم بوتين وعن مئة الف اسرائيلي في روسيا وهؤلاء يساوون 150 مليون روسي .. ومصلحة روسيا وسلاحها وسمعتها ..   حتى الآن لاأستطييع ابتلاع هذه التفاسير لأننا اذا قبلنا ان روسيا دولة عظمى فان هذا التفسير الساذج لاينسجم مع سلوك دولة عظمى لأن اسرائيل لاتقاس بروسيا التي تستطيع تدمير العالم عدة مرات وتجتاح الفضاء .. فيما اسرائيل عاجزة عن معالجة مشكلة غزة او اقتحام قرية صغيرة مثل مارون الراس .. ولكن يجب النظر الى ان روسيا تعتبر اسرائيل على انها أرض من اراضي الولايات المتحدة الامريكية التي ترعاها عبر المحيطات كما ترعى آلاسكا وتعتبرها جزءا منها .. ولذلك فان الروسي يفاوض الاميريكيي عبر الاسرائيليينن وعلاقته بهم هي من ذات المعيار .. فالروسي يدرك ان اميريكا تحاصره بالقواعد والدروع الصاروخية وتشدد عليه الخناق والعقوبات وتحاول تفكيك ترسانته وخلق المشاكل له في اوكرانيا وغيرها وهي التي تسببت في تدمير امبراطوريته السوفييتية عبر حلفائها العرب والاسرائيليين .. كما ان اسرائيل تحمل مسؤولية ومهمة تدمير سمعة السلاح الروسي في حروبها الماضية التي تستخدم فيها سلاحا اميريكيا ضد العرب الذين استخدموا سلاحا روسيا وتكون احدى مهام الحروب سرقة التقنيات الروسية مثل طائرة ميغ 21 والدبابة ت 72 وتجريب التقنيات الامريكية ضد الروسية مثل صواريخ شرايك التي دمرت قواعد صواريخ السام في البقاع عام 82 .. ومع هذا فانه يخاطب الاميريكيين بـ “الشركاء” .. ويكون حريصا على عدم التصادم معهم وابقاء شعرة معاوية بينه وبينهم.. وهو يعلم ان الاسرائيلي هو سفير اميريكي في المنطقة ويداريه الى حد انه لايوصل الأمر الى صدام لأنه يعلم انه في النهاية سيواجه الكونغرس وليس الكنيست.. وان اسرائيل جزء من الحرب عليه اذا ماوقعت مواجهة مع اميريكا .. ولايمكن فهم التدخل الروسي في سورية على انه تنسيق مع اسرائيل والا فانه كان بامكانه تقديم غطاء او تغاض روسي في مجلس الامن لضرب سورية من قبل الناتو او تسهيل تدمير سورية عام 2013 يحجة كيماوي الغوطة او عام 2015 عندما كان الوضع الميداني متوترا جدا .. وتم اجتياح الشمال السوري من قبل الارهابيين المدعومين من قبل الاتراك والناتو .. الروس غالبا وضعوا تفاهمات لايسمحون للاميريكيين والاسرائيليين بتجاوزها في سورية التي هي معركتهم ونافذة نفوذهم في العالم .. ولكن في مقابل الا يتجاوز الروس حدا معينا في التسليح وفي الاقتراب من الامن الاسرائيلي الذي هو أمن اميريكي .. وهنا يترك الهامش لمحور المقاومة الذي لايترك للروس التحكم في حركتهم العسكرية والرافضة في هذا الهامش .. والروسي يترك هذا الهامش ليتجنب الحرج .. فهو لايستطيع ان يقول ان على حزب الله عدم تهديد اسرائيل ..   من كل ذلك فان الخطوة الروسية غير مقبولة وسيجد الروس انهم مضطرون لتفسيرها تفسيرا مقنعا وسيكون هناك تحرك ديبلوماسي لامتصاص الخيبة في الشارع السوري وسنسمع بعد حين التسريبات عن حقيقة ماقدمه ياهو النتن للقيصر بوتين.. ولكن يجب الأخذ بالاعتبار انه اما أنه تم قبض الثمن في سورية من خلال اذعان اسرائيل وسحبها لقواتها “الاسلامية” مثل جبهة النصرة من الجنوب وتجنيب الجميع مواجهة واسعة .. أو أن الثمن ستدفعه اميريكا نيابة عن اسرائيل في المنطقة الشرقية حيث ستترك اميريكا الاكراد وغيرهم وتبيعهم بتراب جندي اسرائيلي وعظامه .. واشك ان روسيا ستغامر بهذه الصفقة من أجل مصالح خاصة بها في انابيب الغاز الاسرائيلية او اوكرانيا لأنها تدرك انها لن تبقى في حميميم بعد ذلك كثيرا .. فالسوريون تحمسوا لروسيا واذا فقد الحماس الشعبي وانطفأ المزاج .. صار الوجود الروسي في سورية عبئا عليهم لايشبه وجودهم في أفغانستان حتما لكنه قد يتطور لتصبح العلاقة الروسية بالشرق مشوشة ..   كثير من الصداقات العظيمة قتلتها كلمة واحدة .. وكثير من العداوات قتلتها ايضا كلمة واحدة ..ونحن لن نفرط بصداقة عمرها خمسة عقود ولايمكن اهانتها بالشك واطلاق النار والكلمات على صديق كان يطلق النار معنا على اعدائنا .. لذلك سأنتظر الاسرار التي تجيب عن هذه القضية .. وانا مدرك ان السياسة الروسية ليست مراهقة ولن تغامر بأهم انجاز لها وهو ان البوابة التي عادت منها الى العالم هي البوابة السورية .. وهي تدرك ان انتصارها في سورية لم يكن الطيران الروسي ليحققه من دون رجالنا على الأرض الذين حققوا للسوخوي انتصارا لايضاهى .. لذلك فان عودة مكانة روسيا صنعها الجيش السوري مع طائرات السوخوي .. وأمن سورية دعمها الموقف الروسي وسلاحه للجيش السوري .. لذلك هذا نصر مشترك لنا فيه ما للروس ولهم مالنا .. ولن نكون ناكرين للجميل ولاانفعاليين ولن نستدرج للغضب وصفع الأصدقاء .. كما ان تحالفنا مع الروس لم يكن تحالف التخمينات والاذعانات والاشتراطات بل تحالفا علميا ومدروسا وواقعيا ندرك فيه مالنا وماعلينا .. وندرك ماللروس وماعليهم .. وندرك جدودنا معهم ويدركون حدودهم معنا .. وغير ذلك فهو ليس تحالفا ..   ونحن لم ندهش ولم تصعقنا الصور .لأننا نعرف اين نقف بالضبط .. صحيح اننا عاتبون .. وصحيح اننا مخلصون .. وصحيح اننا منزعجون .. ولكن أنا أتمنى ان يقدم بوتين للشعب السوري أخبارا سارة في مكان ما.. تكون بمثابة عربون الصداقة وتثبيتا لمودتنا له وصداقتنا له.. وبرهانا لكل من يريد ان يزرع الشقاق بيننا وبين الروس ان روسيا شريك حقيقي وهي لايمكن ان تتصرف كما تتصرف اميريكا .. وانا شخصيا أثق بالزعيم بوتين وأدرك انه زعيم استثنائي.. واستثنائيته تكمن انه يتقن فن المناورات ويعطي الخصم بعض مايريد .. بعد ان يعصره الى آخر قطرة .. وآمل ان يكون نتنياهو عاد من موسكو بحفنة تراب ولكنه سلم شيئا كبيرا سيعطيه الروس للسوريين اخذوه من نتنياهو عنوة .. ولاأظن ان صاروخ باوميل أصاب سوخوي بوتين على الاطلاق ..

المصدر : نارام سرجون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة