آذار/مارس شهر ˝الواقعة˝، أتمّت الأزمة/الحرب السورية عامها الثامن، ولاتزال الضبابية أو اللايقين السمة التي تغلِّفُ أفق الحل، أو حتى سبل الوصول إلى النهايات. ويعود ذلك بقسمه الأكبر إلى أدوار خصوم سورية، الدوليين بخاصة، وفي بعض الأحيان حلفاؤها.

خصوم سورية، وأمريكا في طليعتهم، لا يعوزهم الابتكار في إيجاد الوسائل لمحاربتها في الميدان وفي السياسة وفي الاقتصاد، خصوصاً مع وجود شخص، ليست متلازمة ˝البطل˝ النرجسية Hero Narcissist Syndrome أعقد صفاته النفسية، كدونالد ترامب ممسكاً بزمام قيادة الولايات المتحدة.

سحب ترامب ˝بجعة سوداء˝ جديدة من قبعته، مساء الاثنين 25 آذار/مارس 2019، مؤكداً للجميع، شاؤوا أم أبوا، أن ما قبل ترامب ليس كما بعده. حيث وقّع في البيت الأبيض، وثيقة تتضمن اعتراف الولايات المتحدة بـ ˝سيادة إسرائيل على الجولان˝، بحضور رئيس وزراء الكيان.

لم ينقضِ بعدُ عامٌ على العدوان الثلاثي الذي قادته الولايات المتحدة على سورية، لتعود بعدوان جديد، مختلف بالشكل ومشابه بالوقاحة والغطرسة والضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية والإجماع الدولي.

رونالد ريغان، أشد رؤساء أمريكا ˝جمهوريةً˝، إن جاز التعبير، لم يُقدم عام 1981 على خطوة كهذه!

قد تكون قيمة هذا الاعتراف القانونية صفراً، لكن التبعات التي ستترتب عليه لها من الأهمية مكان. فلا يمر تغيير أيُّ ˝أمرٍ واقعٍ˝ في السياسة دون أثمان.

إذا ما نظرنا إلى التقلقل وعدم الثبات في السياسة الخارجية الأمريكية في الأعوام الأخيرة، يأتي الإعلان دليلاً لا يشوبه شكٌّ على أن ˝إسرائيل˝ مازالت حجر الزاوية الذي تُبنى عليه سياسات أمريكا في منطقةٍ لا يُراد لدولها إلا الخضوع، أو الفوضى. ورغم الاختلافات الكبرى التي شهدناها مؤخراً بين ترامب، وممثلي الدولة العميقة في الولايات المتحدة، تظلُّ ˝إسرائيل˝ محلَّ اتفاقٍ واتساق. لقد بدا جون بولتون في غاية السعادة من خلف ترامب وهو يوقع إعلانه المخزي.

عدَّ كثيرون هذا الإعلان هدية قدمها ترامب لنتنياهو قُبيل الانتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان/أبريل. وليس على ذلك اختلاف، لكن الفائدة الانتخابية التي سيجنيها ترامب من هذا ˝الاعتراف˝ قد تفوق بأشواط ما سيحصّله نتنياهو. موجة كبيرة من ˝معاداة إسرائيل˝ يتردد صداها داخل الحزب الديمقراطي، تجلَّت واضحةً بالتصريحات الغاضبة للمستشارين والسياسيين الديمقراطيين، فيما تلا إعلان ترامب، ومقاطعتهم اجتماع ˝لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية˝. وكما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، يستطيع رئيسٌ ديمقراطيٌ إلغاء هذا الإعلان، وبسهولة أكبر.

ستحرص ˝إسرائيل˝ على رؤية ترامب في المكتب البيضاوي لأربع سنوات قادمة.

لا يقتصر العدوان الأمريكي الحالي على السياسة وحسب، بل يستخدم الاقتصاد وسيلة يضغط فيها على دمشق إلى الحدود القصوى، وقائمة ما يسميه ˝عقوبات اقتصادية˝ جاهزة لتستقبل اسم أي مستثمر، سوريٍّ كان أم أجنبي، فرداً كان أم شركة أم دولة، ليضمن عرقلة إعادة الإعمار، علَّها تكون الورقة الرابحة التي سيحقق من خلالها ما لم تحققه له ˝المعارضة˝ أو التنظيمات المسلحة أو حتى الضربات العسكرية المباشرة.

سورية سوق استثمار واعد، واحتمالات النمو الاقتصادي عالية، كما توقعت صحفية ˝الاقتصادي˝، لكن الولايات المتحدة تحرص على منع أي محاولات للمشاركة في عملية إعادة الإعمار، وقد شهدنا مؤخراً تراجع الموجة العربية الهادفة لإعادة سورية إلى ˝الحضن˝ العربي. وجرى الحديث عن تهديدات أمريكية صريحة بهذا الخصوص. أمور تزيد من الضغوط، الكبيرة أصلاً، التي يعيشها السوريون. ضغوطٌ لا يسهم الحلفاء كثيراً في تخفيفها، ولا حتى بعض السياسات الداخلية.

الحرب على سورية استحالت حروباً، ˝إسرائيل˝ في الجنوب، تركيا في الشمال، بقايا الإرهاب ومعاقله الأخيرة، القوات الأمريكية التي ترفض الخروج متذرعة بفلول ˝داعش˝، ومتناسية آلاف الإرهابيين المدعومين من حليفتها تركيا في إدلب. وفي آخر الأمر، تسمع من مراكز الأبحاث الغربية أن سورية تمنع اللاجئين من العودة! أليست أمريكا من يمنع لاجئي مخيم الركبان من العودة إلى بلادهم؟

في مشهد التعقيد والضبابية السائد لاتزال هنالك مسلمات، بطبيعة الحال، يمكن ويجب أن يُبنى عليها: الجولان سوريٌّ منذ بداية وحتى نهاية الأزمان، الولايات المتحدة لم ولن تكون وسيط سلام، و˝إسرائيل˝ ليست من دعاة السلام، من يُحارَب في سيادته واقتصاده وحياة شعبه وقوته ليس لديه كثيرٌ بعد ليخسره، ووضوح التحالف في ميدان وفي مواجهة الإرهاب يجب أن ينسحب إلى السياسة والاقتصاد، فركائز الصمود كلٌّ متكامل، ولا يقوم على إحداها دون الأخرى. هذه المسلمة الأخيرة من الضروري أن تكون واضحة في ذهن كل من يريد لسورية الانتصار ليجني كل المرابح المتأتية عن ذلك.

هذه المواضيع وغيرها، يعرض لها عدد شهر آذار/مارس 2019 من تقرير «سورية في عيون مراكز الدراسات العالمية»، المتضمن أهم منشورات مراكز التفكير الكبرى التي تناولت الحدث السوري، مقسمة إلى المحاور الآتية:

المحور الأول- الجولان السوري: مفاعيل الإعلان الأمريكي

تتناول مقالات هذا المحور وضع نتنياهو قبل الانتخابات ونقاط قوته وضعفه على اعتبار أن لإعلان ترامب في هذا التوقيت بالذات نواياه بمساعدة نتنياهو في معركته الانتخابية القادمة، كما يعرض قراءة قانونية للإعلان الأمريكي بشأن الجولان السوري.

المحور الثاني- عام الحرب الثامن: أين نقف اليوم؟

تنقل مقالات هذا المحور النظرة الغربية الحالية لسورية بعد ثماني أعوام طويلة من الحرب. وتظهر فيها بعض النوايا، الأمريكية خصوصاً، على الاستمرار في معاداة سورية ومنعها من الدخول فعلياً في مرحلة ما بعد الحرب.

المحور الثالث- اقتصاد ما بعد الحرب: النفوذ والضغط والإعمار

تعرض مقالات هذا المحور لما نشره معهد تشاثام هاوس من مقارنة بين وضع الاقتصاد السوري التقديري لعام 2030، وما كان سيكون حاله لولا حدوث الأزمة؛ وكذلك لدراسة نشرها المعهد ذاته حول النفوذ الاقتصادي في سورية.

المحور الرابع- تركيا أردوغان: المطامع والالتزامات

تبحث مقالات هذا المحور في طبيعة علاقة الغرب مع تركيا أردوغان في ظل مطامعه ودعمه للمتطرفين، في سورية على وجه الخصوص، وكذلك تبحث في مآلات الاتفاقات التي دخلتها تركيا ومدى التزامها بما تمليه عليها من شروط.

المحور الخامس- بقايا الإرهاب والمعاقل الأخيرة

يناقش هذا المحور في مقالاته أوضاع المتبقي من التنظيمات الإرهابية، ˝داعش˝ و˝النصرة˝ وغيرهما، في المعاقل التي مازالوا يسيطرون عليها، في إدلب خاصة، وفي ريف حلب ومناطق من شمال سورية الشرقي، والسيناريوهات المستقبلية المتوقعة لهم.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2019-04-07
  • 11231
  • من الأرشيف

دبلوماسية الغطرسة: الأوجه المتجددة للعدوان على سورية

آذار/مارس شهر ˝الواقعة˝، أتمّت الأزمة/الحرب السورية عامها الثامن، ولاتزال الضبابية أو اللايقين السمة التي تغلِّفُ أفق الحل، أو حتى سبل الوصول إلى النهايات. ويعود ذلك بقسمه الأكبر إلى أدوار خصوم سورية، الدوليين بخاصة، وفي بعض الأحيان حلفاؤها. خصوم سورية، وأمريكا في طليعتهم، لا يعوزهم الابتكار في إيجاد الوسائل لمحاربتها في الميدان وفي السياسة وفي الاقتصاد، خصوصاً مع وجود شخص، ليست متلازمة ˝البطل˝ النرجسية Hero Narcissist Syndrome أعقد صفاته النفسية، كدونالد ترامب ممسكاً بزمام قيادة الولايات المتحدة. سحب ترامب ˝بجعة سوداء˝ جديدة من قبعته، مساء الاثنين 25 آذار/مارس 2019، مؤكداً للجميع، شاؤوا أم أبوا، أن ما قبل ترامب ليس كما بعده. حيث وقّع في البيت الأبيض، وثيقة تتضمن اعتراف الولايات المتحدة بـ ˝سيادة إسرائيل على الجولان˝، بحضور رئيس وزراء الكيان. لم ينقضِ بعدُ عامٌ على العدوان الثلاثي الذي قادته الولايات المتحدة على سورية، لتعود بعدوان جديد، مختلف بالشكل ومشابه بالوقاحة والغطرسة والضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية والإجماع الدولي. رونالد ريغان، أشد رؤساء أمريكا ˝جمهوريةً˝، إن جاز التعبير، لم يُقدم عام 1981 على خطوة كهذه! قد تكون قيمة هذا الاعتراف القانونية صفراً، لكن التبعات التي ستترتب عليه لها من الأهمية مكان. فلا يمر تغيير أيُّ ˝أمرٍ واقعٍ˝ في السياسة دون أثمان. إذا ما نظرنا إلى التقلقل وعدم الثبات في السياسة الخارجية الأمريكية في الأعوام الأخيرة، يأتي الإعلان دليلاً لا يشوبه شكٌّ على أن ˝إسرائيل˝ مازالت حجر الزاوية الذي تُبنى عليه سياسات أمريكا في منطقةٍ لا يُراد لدولها إلا الخضوع، أو الفوضى. ورغم الاختلافات الكبرى التي شهدناها مؤخراً بين ترامب، وممثلي الدولة العميقة في الولايات المتحدة، تظلُّ ˝إسرائيل˝ محلَّ اتفاقٍ واتساق. لقد بدا جون بولتون في غاية السعادة من خلف ترامب وهو يوقع إعلانه المخزي. عدَّ كثيرون هذا الإعلان هدية قدمها ترامب لنتنياهو قُبيل الانتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان/أبريل. وليس على ذلك اختلاف، لكن الفائدة الانتخابية التي سيجنيها ترامب من هذا ˝الاعتراف˝ قد تفوق بأشواط ما سيحصّله نتنياهو. موجة كبيرة من ˝معاداة إسرائيل˝ يتردد صداها داخل الحزب الديمقراطي، تجلَّت واضحةً بالتصريحات الغاضبة للمستشارين والسياسيين الديمقراطيين، فيما تلا إعلان ترامب، ومقاطعتهم اجتماع ˝لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية˝. وكما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، يستطيع رئيسٌ ديمقراطيٌ إلغاء هذا الإعلان، وبسهولة أكبر. ستحرص ˝إسرائيل˝ على رؤية ترامب في المكتب البيضاوي لأربع سنوات قادمة. لا يقتصر العدوان الأمريكي الحالي على السياسة وحسب، بل يستخدم الاقتصاد وسيلة يضغط فيها على دمشق إلى الحدود القصوى، وقائمة ما يسميه ˝عقوبات اقتصادية˝ جاهزة لتستقبل اسم أي مستثمر، سوريٍّ كان أم أجنبي، فرداً كان أم شركة أم دولة، ليضمن عرقلة إعادة الإعمار، علَّها تكون الورقة الرابحة التي سيحقق من خلالها ما لم تحققه له ˝المعارضة˝ أو التنظيمات المسلحة أو حتى الضربات العسكرية المباشرة. سورية سوق استثمار واعد، واحتمالات النمو الاقتصادي عالية، كما توقعت صحفية ˝الاقتصادي˝، لكن الولايات المتحدة تحرص على منع أي محاولات للمشاركة في عملية إعادة الإعمار، وقد شهدنا مؤخراً تراجع الموجة العربية الهادفة لإعادة سورية إلى ˝الحضن˝ العربي. وجرى الحديث عن تهديدات أمريكية صريحة بهذا الخصوص. أمور تزيد من الضغوط، الكبيرة أصلاً، التي يعيشها السوريون. ضغوطٌ لا يسهم الحلفاء كثيراً في تخفيفها، ولا حتى بعض السياسات الداخلية. الحرب على سورية استحالت حروباً، ˝إسرائيل˝ في الجنوب، تركيا في الشمال، بقايا الإرهاب ومعاقله الأخيرة، القوات الأمريكية التي ترفض الخروج متذرعة بفلول ˝داعش˝، ومتناسية آلاف الإرهابيين المدعومين من حليفتها تركيا في إدلب. وفي آخر الأمر، تسمع من مراكز الأبحاث الغربية أن سورية تمنع اللاجئين من العودة! أليست أمريكا من يمنع لاجئي مخيم الركبان من العودة إلى بلادهم؟ في مشهد التعقيد والضبابية السائد لاتزال هنالك مسلمات، بطبيعة الحال، يمكن ويجب أن يُبنى عليها: الجولان سوريٌّ منذ بداية وحتى نهاية الأزمان، الولايات المتحدة لم ولن تكون وسيط سلام، و˝إسرائيل˝ ليست من دعاة السلام، من يُحارَب في سيادته واقتصاده وحياة شعبه وقوته ليس لديه كثيرٌ بعد ليخسره، ووضوح التحالف في ميدان وفي مواجهة الإرهاب يجب أن ينسحب إلى السياسة والاقتصاد، فركائز الصمود كلٌّ متكامل، ولا يقوم على إحداها دون الأخرى. هذه المسلمة الأخيرة من الضروري أن تكون واضحة في ذهن كل من يريد لسورية الانتصار ليجني كل المرابح المتأتية عن ذلك. هذه المواضيع وغيرها، يعرض لها عدد شهر آذار/مارس 2019 من تقرير «سورية في عيون مراكز الدراسات العالمية»، المتضمن أهم منشورات مراكز التفكير الكبرى التي تناولت الحدث السوري، مقسمة إلى المحاور الآتية: المحور الأول- الجولان السوري: مفاعيل الإعلان الأمريكي تتناول مقالات هذا المحور وضع نتنياهو قبل الانتخابات ونقاط قوته وضعفه على اعتبار أن لإعلان ترامب في هذا التوقيت بالذات نواياه بمساعدة نتنياهو في معركته الانتخابية القادمة، كما يعرض قراءة قانونية للإعلان الأمريكي بشأن الجولان السوري. المحور الثاني- عام الحرب الثامن: أين نقف اليوم؟ تنقل مقالات هذا المحور النظرة الغربية الحالية لسورية بعد ثماني أعوام طويلة من الحرب. وتظهر فيها بعض النوايا، الأمريكية خصوصاً، على الاستمرار في معاداة سورية ومنعها من الدخول فعلياً في مرحلة ما بعد الحرب. المحور الثالث- اقتصاد ما بعد الحرب: النفوذ والضغط والإعمار تعرض مقالات هذا المحور لما نشره معهد تشاثام هاوس من مقارنة بين وضع الاقتصاد السوري التقديري لعام 2030، وما كان سيكون حاله لولا حدوث الأزمة؛ وكذلك لدراسة نشرها المعهد ذاته حول النفوذ الاقتصادي في سورية. المحور الرابع- تركيا أردوغان: المطامع والالتزامات تبحث مقالات هذا المحور في طبيعة علاقة الغرب مع تركيا أردوغان في ظل مطامعه ودعمه للمتطرفين، في سورية على وجه الخصوص، وكذلك تبحث في مآلات الاتفاقات التي دخلتها تركيا ومدى التزامها بما تمليه عليها من شروط. المحور الخامس- بقايا الإرهاب والمعاقل الأخيرة يناقش هذا المحور في مقالاته أوضاع المتبقي من التنظيمات الإرهابية، ˝داعش˝ و˝النصرة˝ وغيرهما، في المعاقل التي مازالوا يسيطرون عليها، في إدلب خاصة، وفي ريف حلب ومناطق من شمال سورية الشرقي، والسيناريوهات المستقبلية المتوقعة لهم.    

المصدر : الماسة السورية/ مركز دمشق للابحاث والدراسات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة