أعلن الرئيس العراقي في القمة العربية التي عُقدت في نهاية شهر آذار الماضي أنّ العراق لا ينتمي إلى أيّ محور من المحاور المتصارعة في المنطقة، ويقصد أنّ العراق ليس جزءاً من محور الممانعة الذي يضمّ إيران وروسيا وسورية، وكذلك ليس عضواً في المحور الذي يضمّ الولايات المتحدة والحكومات الغربية ودول في المنطقة في مقدّمتها المملكة العربية السعودية.

 

لا شك أنّ واقع العراق السياسي الحالي وتوزع القوى فيه يفرض إطلاق مثل هذه المواقف، وما يسري على العراق يسري على لبنان، ولذلك تماثل التوصيف لوضعيتهما إزاء المحاور والمعسكرات، إذ أنّ لبنان يعتمد شعارات وسياسات تشبه الشعارات والسياسات التي ينادي بها المسؤولون الرسميون في العراق، ولكن عبر تسمية أخرى، هي النأي بالنفس عن المحاور. لكن ذلك فقط عبر الشعارات وليس على الأرض ومن خلال الواقع والديناميات الحتمية التي تحكم هذا الواقع على الأرض والواقع يشير إلى أنّ هناك صراعاً بين المحورين أو المعسكرين، الصراع يشمل قضايا داخلية، تخصّ العراق ولبنان، وقضايا أخرى إقليمية ودولية، وهذا الصراع لا يمكن تسويته إطلاقاً وتحت أيّ ظرف كان داخل البلدين، ولا بدّ أن يحسم هذا الصراع عاجلاً أو آجلاً لأنّ التعايش بين المعسكرين ومصالحهما ورؤيتهما المتعارضة أمر مستحيل.

 

 

الولايات المتحدة تعلن ليلاً نهاراً أنها تريد محاصرة النفوذ الإيراني في العراق، كما أنها تعلن أنّ تقدّم الحضور الروسي في الإقليم وعلى مستوى العالم يكون على حساب الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، وهي لن تقبل بذلك وتسعى جاهدة لمحاربة الحضور الإيراني والروسي في العراق وفي سورية وتبذل كلّ ما بوسعها لتحقيق هذا الهدف. وبديهي جهود الولايات المتحدة على هذا الصعيد، حتى لو قبلت موسكو وطهران التعايش مع الحضور والنفوذ الأميركي في العراق، يقود إلى تصعيد التوترات، وتحوّلها آجلاً أو عاجلاً إلى مواجهات متقطعة أو مفتوحة من أجل حسم هذا الصراع، وبالتالي تثبيت سيطرة المحور والمعسكر الذي سوف يفوز في نهاية المطاف في هذه المواجهة.

 

في لبنان لا يختلف الأمر كثيراً عن الوضع في العراق. تضع الولايات المتحدة من بين أولوياتها محاصرة حزب الله وحلفائه وتسعى للانفراد بالسلطة، ولكن حجم المصالح الأميركية في لبنان، وهي مصالح محدودة بالمقارنة مع مصالحها في العراق، وحساسية وضع لبنان الذي يقع على الحدود مع فلسطين، والخوف من أن يقود التصعيد والحسم في مواجهة حزب الله إلى ما من شأنه أن يقود إلى سيطرة حزب الله وحلفائه بالكامل على السلطة، وبالتالي تشكيل تهديد كبير للكيان الصهيوني في ضوء ما يملكه حزب الله من قدرات، يدفع الولايات المتحدة إلى قبول التعايش وعدم اللجوء إلى التصعيد وتفجير الأوضاع والوصول إلى مرحلة المواجهة والاكتفاء باستخدام الضغوط الاقتصادية والسياسية، ولكن الوضع في العراق الذي بات مرتبطاً ارتباطاً شديداً بالأوضاع في سورية وإيران هو أبعد ما يكون من قبول الولايات المتحدة لمبدأ وفكرة التعايش طويل الأمد مع الواقع المزدوج القائم الآن، لأنّ هذا الواقع لا يعمل في مصلحة الطموحات الأميركية ويلبي الأهداف التي وضعتها إدارة ترامب لسياساتها إزاء سورية والعراق وإيران وروسيا.

 

هذا الواقع يؤكد أنّ التوترات الراهنة إنْ داخل العراق، أو بين الولايات المتحدة وإيران، أو داخل سورية ستقود إلى مواجهة قد تحدث في وقت غير بعيد، لأنه من الصعب، بل المستحيل أن يستمرّ العراق في وضعية التأرجح بين المحاور والمعسكرات المتصارعة.

 

  • فريق ماسة
  • 2019-04-03
  • 12030
  • من الأرشيف

حول دور العراق

أعلن الرئيس العراقي في القمة العربية التي عُقدت في نهاية شهر آذار الماضي أنّ العراق لا ينتمي إلى أيّ محور من المحاور المتصارعة في المنطقة، ويقصد أنّ العراق ليس جزءاً من محور الممانعة الذي يضمّ إيران وروسيا وسورية، وكذلك ليس عضواً في المحور الذي يضمّ الولايات المتحدة والحكومات الغربية ودول في المنطقة في مقدّمتها المملكة العربية السعودية.   لا شك أنّ واقع العراق السياسي الحالي وتوزع القوى فيه يفرض إطلاق مثل هذه المواقف، وما يسري على العراق يسري على لبنان، ولذلك تماثل التوصيف لوضعيتهما إزاء المحاور والمعسكرات، إذ أنّ لبنان يعتمد شعارات وسياسات تشبه الشعارات والسياسات التي ينادي بها المسؤولون الرسميون في العراق، ولكن عبر تسمية أخرى، هي النأي بالنفس عن المحاور. لكن ذلك فقط عبر الشعارات وليس على الأرض ومن خلال الواقع والديناميات الحتمية التي تحكم هذا الواقع على الأرض والواقع يشير إلى أنّ هناك صراعاً بين المحورين أو المعسكرين، الصراع يشمل قضايا داخلية، تخصّ العراق ولبنان، وقضايا أخرى إقليمية ودولية، وهذا الصراع لا يمكن تسويته إطلاقاً وتحت أيّ ظرف كان داخل البلدين، ولا بدّ أن يحسم هذا الصراع عاجلاً أو آجلاً لأنّ التعايش بين المعسكرين ومصالحهما ورؤيتهما المتعارضة أمر مستحيل.     الولايات المتحدة تعلن ليلاً نهاراً أنها تريد محاصرة النفوذ الإيراني في العراق، كما أنها تعلن أنّ تقدّم الحضور الروسي في الإقليم وعلى مستوى العالم يكون على حساب الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، وهي لن تقبل بذلك وتسعى جاهدة لمحاربة الحضور الإيراني والروسي في العراق وفي سورية وتبذل كلّ ما بوسعها لتحقيق هذا الهدف. وبديهي جهود الولايات المتحدة على هذا الصعيد، حتى لو قبلت موسكو وطهران التعايش مع الحضور والنفوذ الأميركي في العراق، يقود إلى تصعيد التوترات، وتحوّلها آجلاً أو عاجلاً إلى مواجهات متقطعة أو مفتوحة من أجل حسم هذا الصراع، وبالتالي تثبيت سيطرة المحور والمعسكر الذي سوف يفوز في نهاية المطاف في هذه المواجهة.   في لبنان لا يختلف الأمر كثيراً عن الوضع في العراق. تضع الولايات المتحدة من بين أولوياتها محاصرة حزب الله وحلفائه وتسعى للانفراد بالسلطة، ولكن حجم المصالح الأميركية في لبنان، وهي مصالح محدودة بالمقارنة مع مصالحها في العراق، وحساسية وضع لبنان الذي يقع على الحدود مع فلسطين، والخوف من أن يقود التصعيد والحسم في مواجهة حزب الله إلى ما من شأنه أن يقود إلى سيطرة حزب الله وحلفائه بالكامل على السلطة، وبالتالي تشكيل تهديد كبير للكيان الصهيوني في ضوء ما يملكه حزب الله من قدرات، يدفع الولايات المتحدة إلى قبول التعايش وعدم اللجوء إلى التصعيد وتفجير الأوضاع والوصول إلى مرحلة المواجهة والاكتفاء باستخدام الضغوط الاقتصادية والسياسية، ولكن الوضع في العراق الذي بات مرتبطاً ارتباطاً شديداً بالأوضاع في سورية وإيران هو أبعد ما يكون من قبول الولايات المتحدة لمبدأ وفكرة التعايش طويل الأمد مع الواقع المزدوج القائم الآن، لأنّ هذا الواقع لا يعمل في مصلحة الطموحات الأميركية ويلبي الأهداف التي وضعتها إدارة ترامب لسياساتها إزاء سورية والعراق وإيران وروسيا.   هذا الواقع يؤكد أنّ التوترات الراهنة إنْ داخل العراق، أو بين الولايات المتحدة وإيران، أو داخل سورية ستقود إلى مواجهة قد تحدث في وقت غير بعيد، لأنه من الصعب، بل المستحيل أن يستمرّ العراق في وضعية التأرجح بين المحاور والمعسكرات المتصارعة.  

المصدر : البناء / حميدي العبدالله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة