دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
هزيمة «داعش» في غرب الفرات بمدى يصل الى مئة ألف كيلومتر مربع، أنهت وظيفته الدولية والإقليمية، وعجّلت في الاستثمار الأميركي الجديد بقوات قسد الكردية في شرقي سورية.
هذا يشجّع على القول انّ مشروع الخلافة الداعشية في سورية والعراق سقط فعلياً. وبالإمكان القضاء عليه في بعض المناطق المتناثرة التي لا يزال يسيطر عليها في هذين البلدين بعد سقوطه شرقي الفرات بواسطة تحالف غربي مع قوات قسد الكردية.
لكن هناك ثلاث عقبات فعلية لإعلان الهزيمة النهائية للإرهاب الداعشي: الأولى هي القضاء على بؤره في سورية والعراق واليمن وليبيا، وباكستان وأفغانستان، أما الثانية فوقف الاستثمار الأميركي في الإرهاب بنقل الآلاف من عناصره الى مناطق جديدة للاستثمار فيها كما يجري حالياً.
إلا أنّ النقطة الثالثة هي الأصعب والأخطر وتتعلق بتجفيف منابعه الفكرية، ما يستتبع إلغاء الأدوار اللوجيستية والتمويلية والتسليحية للعديد من أجهزة الاستخبارات الغربية والتركية والخليجية ومصادرة مئات المراكز المنتشرة عالمياً التي تسوِّق للفكر الإرهابي تحت ستار الإسلام.
على مستوى العقبة الأولى فتحتاج الى تنسيق بين محاور أميركية وروسية وإيرانية متصارعة، والدليل أنَّ ما كان يسمّيه الغربيون والخليجيون «المعارضة المعتدلة»، تبيّن إنه إرهاب عالمي لا مثيل له منذ الحرب العالمية الأولى، كما اتضح أنّ قوى حزب الله والحشد الشعبي وأنصار الله المتهمين من المحور الغربي ـ الخليجي ـ «الإسرائيلي» بالإرهاب، هو الذي حارب القوى الإرهابية وهزمها في جنوب اليمن والعراق وسورية إلى لبنان.
فهل هناك خلاف في تفسير مفهوم الإرهاب؟
تجمع مراكز التحليل الغربية والشرقية على أنّ الإرهاب حركة فكرية لتدمير وحدة الاجتماع الإنساني وإرهاب الجماعة معنوياً ومادياً.
أين المشكلة إذاً؟ هي في استثماره من قبل قوى عالمية تفتح له طرقه ومسالكه، وتترك له موارد مالية مع سهولة التسلح والانتشار وذلك لتحقيق الفوضى وتصديع الوحدة الاجتماعية وإضعاف الأطراف الدولية والداخلية.
وما أن يتحقق قسمٌ من مشاريعها حتى تنقضَّ على الإرهاب وتزعم أنها هي التي أنهته «أيّ على الطريقة الترامبية».
توجد إذا صعوبة نسبية في إنهاء الإرهاب في مناطق انتشاره إلى جانب تعذّر إلغاء الاستثمار فيه من قبل أجهزة الاستخبارات ووقف كامل لتمويله، فهذه مسائل تجري وسط كتمان كامل، ولا تظهر إلا في ميادين القتال مباشرة.
وإذا كانت النقطتان الأولى والثانية قابلتين للبحث والتدقيق فإنّ النقطة الثالثة شبه مستحيلة وتتطلب إسقاط نظامين سياسيين كاملين، وهما نظاما آل سعود الوهابي وأردوغان بحزبه العدالة والتنمية الذي يستمدّ جذوره من الاخوان المسلمين، لجهة آل سعود فهم يستعملون المذهب الوهابي لإخضاع الناس لهم باعتبار أنهم أولياء الأمور. ويستندون إلى أقوال يزعمون أنها مقدّسة، وتدعو إلى طاعة ولي الأمر حتى ولو «ضربك على ظهرك أو زنى».
يبدو هذا الأمر مسألة داخلية، تُروِّجُ لنظام ديكتاتوري بحركة علاقته داخل بلاده. لكن خطورة الوهابية أنها آلية فكرية رافضة لكلّ القراءات الدينية الأخرى في الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والكونفوشوسية، والنظريات الفلسفية والسياسية، وكلّ ما هو حديث، ولا تقتصر خطورتها على «استعبادها» للداخل، بل في تقاطعها مع إمكانات نفطية هائلة من جهة وسيطرتها على الحرمين الشريفين من جهة ثانية، فبقسم بسيط من عائداتهما، تمكّنت السعودية من بناء مراكز لنشر الوهابية الإرهابية في أوروبا والعالم الإسلامي وأميركا الشمالية والجنوبية والشرق الأقصى.
فنجحت في تعميم الإرهاب فكرياً، وبالتالي ميدانياً، هذا ليس إتهاماً، لأنّ الدلائل عليه منتشرة في مراكز التقييم الرسمية والخاصة في العالم، ألم يتهم أوباما وترامب السعودية بنشر الإرهاب ودعمهما في اتهاماتهما رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم؟
الرئيس التركي أردوغان المتحدّر من حزب العدالة والتنمية ايّ اخوان مسلمي تركيا، يدعم كونفدرالية عالمية للاخوان المسلمين تقوم على أنّ العالم مقسوم إلى دار السلام وهم الاخوان حصراً ودار الحرب وهم كلّ من لا ينتمي الى الاخوان..
هؤلاء الاخوان ينتمون إلى المجموعات الإرهابية التي ترفض الآخر وتدعم منظمة القاعدة وإفرازاتها من هيئة تحرير الشام الى النصرة وأنصار الدين يكفي أنّ مشروعهم يسعى إلى بناء خلافة للاخوان المسلمين مداها العالم الاسلامي او ما يتيسّر من البلدان العربية المحيطة بتركيا.
قد يقول قائل إنّ الرئيس التركي أردوغان لا يطبّق مشاريع الاخوان على بلده تركيا، التي يسودها نظام فيه ملامح مدنية.. لكن الإجابة بسيطة فتركيا ومنذ تأسيسها تخضع لنفوذ غربي أصبح أطلسياً وأميركياً بالكامل.
لكن حزب العدالة والتنمية لم يصل إلى السلطة، إلا بعد نمو الفكر الأصولي القاعدي في مطلع هذا القرن، ووجد نفسه مضطراً إلى القبول بالنمط الغربي لنظامه التركي إلى مرحلة يتمكّن فيها من الإمساك بقوة على عنق النظام المدني التركي.
وإذا كان مضطراً للتمسكن لأسباب غربية، فإنه سارع الى تطبيق نظرياته في سورية والعراق وليبيا وتونس ومصر واليمن، بتوفير دعم كامل فيها للإرهاب الاخواني المسلح.
وهنا يمكن العودة الى الإعلام الغربي الذي يؤكد على الدور الإرهابي التركي وخصوصاً في سورية والعراق المستمرّ حتى هذه المرحلة.
انّ هذه المعلومات تدفع الى التساؤل عن كيفية القضاء على إرهاب لا تزال جذوره الفكرية المستندة على أجهزة مخابرات تركية وسعودية، تعمل على نشر ثقافة إرهابها في كلّ مكان، فما هو الفارق بين داعش المتحدّر بدوره من «القاعدة» وبين منظمة النصرة سليلة القاعدة نفسها، علماً أنّ «القاعدة» نمت وطفت بدعم من المخابرات السعودية والتركية والاميركية.
فكيف يقضي الإرهاب من يدعمه؟ هنا تكمن الإشكالية التي تدعو الدول المستقلة الى القضاء على الإرهاب بالقضاء على منابعه الفكرية أيّ عند محمد بن سلمان وأردوغان معاً.
المصدر :
البناء /د. وفيق إبراهيم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة