شهران يتيمان كان عمر قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سورية. شهران فقط قبل أن تستطيع ˝الدولة العميقة˝ أو ˝صقور المحافظين الجدد˝ إفراغه من مضمونه بشكل لا يحفظ حتى ماء وجه رئيس أقوى الدول في العالم. 200 أو 400 أو حتى ألفا عنصرٍ أمريكي في سورية، ليس هنالك فرق، فالوجود الأمريكي باقٍ. وهو، رغم اعتراضنا عليه كسوريين، القرار الأكثر منطقية وربما صواباً، إذا ما قاربنا الأمور من المنظور الأمريكي.

في سورية، هُزم ترامب مرتين، مرة عندما قرّر الانسحاب، وأخرى عندما عاد وقرّر البقاء.

قرار البقاء كما قرار الانسحاب، جاء بعد حديث هاتفيّ مطوّل بين الرئيسين الأمريكي والتركي، تتغامز مراكز التفكير كثيراً حول هذا التفصيل، لكنها في العموم راضية عنه، بل وتريد زيادة عدد الباقين من القوات، وهو أمر لن يكون مستبعداً ضمن السياق الذي تأخذه السياسات الأمريكية حالياً، والتقلقل وعدم الثبات، وأحياناً التناقض في المواقف والتصريحات.

على سبيل المثال، التناقض في الحديث عن ˝داعش˝ داخل مراكز الأبحاث الأمريكية بات مفضوحاً، فهي ترى أن التنظيم قائم، وأنه مستعد للعودة متى سحبت القوات الأمريكية قواتها، في حيت تعلن ˝قوات سوريا الديمقراطية˝ في عمليتها التي تجري حالياً أنها تهاجم آخر الجيوب المتبقية للتنظيم.

لا تتسق المواقف والتصريحات الأمريكية إلا فيما يتعلق بمعاداة إيران، وكأنها منذ البداية الثابت الوحيد في سياسة ترامب، ونقطة الاتفاق الوحيدة مع الأجهزة الأمريكية الأخرى، ولا يعني هذا التماسك نجاح السياسات أو تحقيقها لأهدافها المرجوة، فالعقوبات والتضييق، كلها لم تستطع إجبار إيران على إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، أو على تغيير سياساتها في الشرق الأوسط أو في سورية على وجه الخصوص. ويتم اليوم تداول الحديث عن حرب مع إيران. هل ستقدم الولايات المتحدة على خطوة رعناء كهذه، وهل ستشارك فيها ˝إسرائيل˝ رغم معارضة معظم الإسرائيليين لها، وهل سيدفع الخليجيون فاتورتها، وأي مصلحة ستكون لهم في مثل هكذا حرب؟

البقاء في سورية بحجة احتواء إيران غير قانوني حتى بالنسبة للولايات المتحدة، التي خلقت مراراً ˝شرعية˝ أو ˝غطاءً قانونياً˝ تبرر فيه لنفسها العمليات العسكرية في الخارج. لكن هل الهدف في الحقيقة احتواء إيران أم احتواء روسيا؟

روسيا اليوم هي الحلقة الأقوى في كل ملفات الحدث السورية تقريباً، وحتى في امتداداته في الإقليم، وربما تكون صفقة منظومة S 400 المتوقعة مع تركيا هي إحدى دوافع بقاء أمريكيا في سورية ومحاباتها لأنقرة، فهي تعني وجود أفراد من سلاح الجو الروسي في صفوف الجيش التركي، ثاني أكبر جيوش الناتو. أمر لا تريده أمريكا، وقد تراهن عليه روسيا، رهانٌ في الغالب غير صحيح حتى وإن أثمر على المدى القريب، فتركيا، حتى لو اضطرتها ظروف الحرب السورية إلى الاقتراب من محور موسكو، إلا أنها تظل أمريكية الهوى، وغربية الطموح. والأفضل بالنسبة لروسيا أن تكون أكثر حزماً وحسماً فيما يتعلق بأطماع أنقرة، في منبج، أو أي مفصل من مفاصل التدخل التركي في سورية.

سريعةٌ جداً هي الوتيرة التي قد تتصاعد فيها الأحداث في ساحة معركة معقدة للغاية، مثل شمال سورية وشرقها، خاصة مع وجود أطراف لا تفكر بالوصول سريعاً إلى النهايات، بل تفكر حتى بزيادة الأطراف والفواعل المشارِكة في المشهد، إذ تطالب مراكز أبحاث وازنة من أمريكا دعوة حلفاء ˝موثوقين˝ لها إلى نقل قواتهم إلى سورية، مثل أستراليا وكندا ونيوزيلندا، لتستفيد من بُعدهم الجغرافي عن سورية (وعن إيران وتركيا وروسيا)، ما يسمح لهم بمزيد من حرية الحركة دون الخشية مثلاً من نزوح موجات من اللاجئين إلى بلادهم، كما هي الحال مع دول أوروبا.

ليس بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها اليوم حسم نتائج الحرب في سورية لصالحهم، لذلك فهم لا يريدون لها أن تنتهي، لأن نهايتها على ما هي عليه الآن تعني فيما تعنيه انتصاراً لمحور موسكو، العدو الرئيس، القديم المتجدد، للولايات المتحدة.

عما سبق، وعن قضايا أخرى كثيرة، تقرؤون في هذا العدد من تقرير «سورية في عيون مراكز الدراسات العالمية»، والذي تغطي مقالاته التعاطي مع الشأن السوري في مراكز الأبحاث العالمية خلال شهر شباط/فبراير 2019، مقسمة إلى أربعة محاور رئيسة، هي:

أولاً- روسيا، القوى الإقليمية، والأهداف في سورية

رغم الدور التركي، والوجود الإيراني، تبقى روسيا هي الفاعل الأهم في الملف السوري، خاصة في الشمال والشرق، وهي قادرة على اتخاذ خطوات حاسمة فيما يتعلق بالمطامع التركية، خاصة مع غياب الرؤية التركية الاستراتيجية في سورية، وسياساتها الإثنية التقسيمية. هذه الأفكار وغيرها، ناقشتها مقالات المحور الأول.

ثانياً- الدولة العميقة، التراجع عن الانسحاب، والحرب على إيران.

تتناول مقالات هذا المحور البقاء الأمريكي في سورية، على اعتبار أنه انتصار للدولة العميقة على ترامب، وكيف يمكن أن يكون شكله، وهل سيمكّن الولايات المتحدة من احتواء إيران بالفعل، أم سيدفع إلى حرب معها.

ثالثاً- "داعش"، الحدود في الشمال والشرق، وتنازع الفراغ

يتطرق هذا المحور إلى تنظيم "داعش" كونه الذريعة الأساس للوجود الأمريكي في سورية، وماذا سيحدث إذا ما انتهى فعلياً، وإذا ما خرجت القوات الأمريكية، من منطقة خارطتها الجغرافية والسياسية بالغة التعقيد والحساسية، مثل الحدود السورية-العراقية، أو حتى الشمال والشرق السوري بالعموم.

رابعاً- إعادة الإعمار، الأمن الغذائي، واللاجئون

يتداخل الإنساني بالاقتصادي في هذا المحور، إذ تتناول مقالاته إمكانية إعادة بناء سورية التي مزّقتها الحرب دونَ مساعدةٍ غربيّة، وهل سيلعب استئناف التجارة الغذائية في المنطقة دوراً في إعادة الإعمار هذه. وأخيراً يتحدث عن محاولات تركيا الحصول على اتفاق تجارة تفضيلية مع أوروبا بحجة اللاجئين السوريين فيها.

 

  • فريق ماسة
  • 2019-03-05
  • 13124
  • من الأرشيف

القرارات المفرغة: هزيمة ترامب الثانية في سورية....

شهران يتيمان كان عمر قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سورية. شهران فقط قبل أن تستطيع ˝الدولة العميقة˝ أو ˝صقور المحافظين الجدد˝ إفراغه من مضمونه بشكل لا يحفظ حتى ماء وجه رئيس أقوى الدول في العالم. 200 أو 400 أو حتى ألفا عنصرٍ أمريكي في سورية، ليس هنالك فرق، فالوجود الأمريكي باقٍ. وهو، رغم اعتراضنا عليه كسوريين، القرار الأكثر منطقية وربما صواباً، إذا ما قاربنا الأمور من المنظور الأمريكي. في سورية، هُزم ترامب مرتين، مرة عندما قرّر الانسحاب، وأخرى عندما عاد وقرّر البقاء. قرار البقاء كما قرار الانسحاب، جاء بعد حديث هاتفيّ مطوّل بين الرئيسين الأمريكي والتركي، تتغامز مراكز التفكير كثيراً حول هذا التفصيل، لكنها في العموم راضية عنه، بل وتريد زيادة عدد الباقين من القوات، وهو أمر لن يكون مستبعداً ضمن السياق الذي تأخذه السياسات الأمريكية حالياً، والتقلقل وعدم الثبات، وأحياناً التناقض في المواقف والتصريحات. على سبيل المثال، التناقض في الحديث عن ˝داعش˝ داخل مراكز الأبحاث الأمريكية بات مفضوحاً، فهي ترى أن التنظيم قائم، وأنه مستعد للعودة متى سحبت القوات الأمريكية قواتها، في حيت تعلن ˝قوات سوريا الديمقراطية˝ في عمليتها التي تجري حالياً أنها تهاجم آخر الجيوب المتبقية للتنظيم. لا تتسق المواقف والتصريحات الأمريكية إلا فيما يتعلق بمعاداة إيران، وكأنها منذ البداية الثابت الوحيد في سياسة ترامب، ونقطة الاتفاق الوحيدة مع الأجهزة الأمريكية الأخرى، ولا يعني هذا التماسك نجاح السياسات أو تحقيقها لأهدافها المرجوة، فالعقوبات والتضييق، كلها لم تستطع إجبار إيران على إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، أو على تغيير سياساتها في الشرق الأوسط أو في سورية على وجه الخصوص. ويتم اليوم تداول الحديث عن حرب مع إيران. هل ستقدم الولايات المتحدة على خطوة رعناء كهذه، وهل ستشارك فيها ˝إسرائيل˝ رغم معارضة معظم الإسرائيليين لها، وهل سيدفع الخليجيون فاتورتها، وأي مصلحة ستكون لهم في مثل هكذا حرب؟ البقاء في سورية بحجة احتواء إيران غير قانوني حتى بالنسبة للولايات المتحدة، التي خلقت مراراً ˝شرعية˝ أو ˝غطاءً قانونياً˝ تبرر فيه لنفسها العمليات العسكرية في الخارج. لكن هل الهدف في الحقيقة احتواء إيران أم احتواء روسيا؟ روسيا اليوم هي الحلقة الأقوى في كل ملفات الحدث السورية تقريباً، وحتى في امتداداته في الإقليم، وربما تكون صفقة منظومة S 400 المتوقعة مع تركيا هي إحدى دوافع بقاء أمريكيا في سورية ومحاباتها لأنقرة، فهي تعني وجود أفراد من سلاح الجو الروسي في صفوف الجيش التركي، ثاني أكبر جيوش الناتو. أمر لا تريده أمريكا، وقد تراهن عليه روسيا، رهانٌ في الغالب غير صحيح حتى وإن أثمر على المدى القريب، فتركيا، حتى لو اضطرتها ظروف الحرب السورية إلى الاقتراب من محور موسكو، إلا أنها تظل أمريكية الهوى، وغربية الطموح. والأفضل بالنسبة لروسيا أن تكون أكثر حزماً وحسماً فيما يتعلق بأطماع أنقرة، في منبج، أو أي مفصل من مفاصل التدخل التركي في سورية. سريعةٌ جداً هي الوتيرة التي قد تتصاعد فيها الأحداث في ساحة معركة معقدة للغاية، مثل شمال سورية وشرقها، خاصة مع وجود أطراف لا تفكر بالوصول سريعاً إلى النهايات، بل تفكر حتى بزيادة الأطراف والفواعل المشارِكة في المشهد، إذ تطالب مراكز أبحاث وازنة من أمريكا دعوة حلفاء ˝موثوقين˝ لها إلى نقل قواتهم إلى سورية، مثل أستراليا وكندا ونيوزيلندا، لتستفيد من بُعدهم الجغرافي عن سورية (وعن إيران وتركيا وروسيا)، ما يسمح لهم بمزيد من حرية الحركة دون الخشية مثلاً من نزوح موجات من اللاجئين إلى بلادهم، كما هي الحال مع دول أوروبا. ليس بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها اليوم حسم نتائج الحرب في سورية لصالحهم، لذلك فهم لا يريدون لها أن تنتهي، لأن نهايتها على ما هي عليه الآن تعني فيما تعنيه انتصاراً لمحور موسكو، العدو الرئيس، القديم المتجدد، للولايات المتحدة. عما سبق، وعن قضايا أخرى كثيرة، تقرؤون في هذا العدد من تقرير «سورية في عيون مراكز الدراسات العالمية»، والذي تغطي مقالاته التعاطي مع الشأن السوري في مراكز الأبحاث العالمية خلال شهر شباط/فبراير 2019، مقسمة إلى أربعة محاور رئيسة، هي: أولاً- روسيا، القوى الإقليمية، والأهداف في سورية رغم الدور التركي، والوجود الإيراني، تبقى روسيا هي الفاعل الأهم في الملف السوري، خاصة في الشمال والشرق، وهي قادرة على اتخاذ خطوات حاسمة فيما يتعلق بالمطامع التركية، خاصة مع غياب الرؤية التركية الاستراتيجية في سورية، وسياساتها الإثنية التقسيمية. هذه الأفكار وغيرها، ناقشتها مقالات المحور الأول. ثانياً- الدولة العميقة، التراجع عن الانسحاب، والحرب على إيران. تتناول مقالات هذا المحور البقاء الأمريكي في سورية، على اعتبار أنه انتصار للدولة العميقة على ترامب، وكيف يمكن أن يكون شكله، وهل سيمكّن الولايات المتحدة من احتواء إيران بالفعل، أم سيدفع إلى حرب معها. ثالثاً- "داعش"، الحدود في الشمال والشرق، وتنازع الفراغ يتطرق هذا المحور إلى تنظيم "داعش" كونه الذريعة الأساس للوجود الأمريكي في سورية، وماذا سيحدث إذا ما انتهى فعلياً، وإذا ما خرجت القوات الأمريكية، من منطقة خارطتها الجغرافية والسياسية بالغة التعقيد والحساسية، مثل الحدود السورية-العراقية، أو حتى الشمال والشرق السوري بالعموم. رابعاً- إعادة الإعمار، الأمن الغذائي، واللاجئون يتداخل الإنساني بالاقتصادي في هذا المحور، إذ تتناول مقالاته إمكانية إعادة بناء سورية التي مزّقتها الحرب دونَ مساعدةٍ غربيّة، وهل سيلعب استئناف التجارة الغذائية في المنطقة دوراً في إعادة الإعمار هذه. وأخيراً يتحدث عن محاولات تركيا الحصول على اتفاق تجارة تفضيلية مع أوروبا بحجة اللاجئين السوريين فيها.  

المصدر : الماسة السورية/ مركز دمشق للابحاث والدراسات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة