ليس مستغرباً أن تصل تبعات التحوّلات الاستراتيجية الكبرى في غرب آسيا وشرق البحر المتوسط إلى الساحة الهندية لتوقظ نزاعاً تاريخياً وجغرافياً وسياسياً مريراً حول مصائر شعوب وأقوام شبه القارة الهندية من جديد…!

 

قد يكون العامل المباشر في التصعيد الجاري حالياً بين دولتي شبه القارة الهندية النوويتين هو التفجيرات الأخيرة التي حصلت في الهند والتي وجهت نيودلهي أصابع الاتهام فيها الى حكومة إسلام آباد، لكن هذا ليس هو أصل الحكاية، فالرواية الحقيقية لا تكتمل إلا بقراءة بعض فصولها المحجوبة عن الأنظار بسبب صراع الإرادات الإقليمية والدولية المحيطة بالدولتين اللدودتين…!

فرغم كلّ التعثر الذي يرافق إعادة صياغة السلطة في الباكستان على قواعد جديدة بعيدة عن المعسكر الوهابي الإرهابي إقليمياً والامبريالي دولياً من بعد فوز عمران خان برئاسة الحكومة هناك، فإنّ محاولة الصعود الباكستاني المستقلّ نسبياً عن دوائر القرار الدولي أثار ولا يزال حفيظة الهند الخصم اللدود لدولة المسلمين الجديدة الدخول الى نادي لعبة الأمم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية…!

فباكستان عمران خان التي استقبلت محمد بن سلمان أخيراً والتي يُراد لها من وجهة نظر أميركية وسعودية ان تصبح ولو في الظاهر «لاعباً إسلامياً» مناكفاً أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رافعة لواء المقاومة بوجه الإرهاب الوهابي ولاحتلال الصهيوني، باتت تشكل من جديد بالنسبة للهند قوة يُحسب لها حساب في الصراع الأميركي الروسي في شبه القارة الهندية، وهذا ما يثير حفيظة الهند الواقعة في المدار الروسي عملياً منذ عقود…!

ولأنّ حكومة عمران خان النازعة نحو استقلالية القرار النسبي عن واشنطن قامت مؤخراً في هذا السياق بتكثيف التنسيق السياسي مع الاتحاد الروسي في بعض الملفات الدولية، فإنّ ذلك زاد الطين بلة بالنسبة للهند التي تعتبر نفسها الدولة الأكثر رعاية لدى الروس منذ زمن الحرب الباردة الأميركية السوفياتية، فكيف تدخل الباكستان الى حرمها الدولي هذا دون استئذان…؟

من جهة أخرى فإنّ التحوّلات الجيو سياسية والجيواستراتيجية بين إسلام آباد وبكين إنْ من زاوية الطاقة أو الطرق والمواصلات براً وبحراً أو من زاوية تنامي المشاورات السياسية التي هي أصلاً محكمة بين الجانبين منذ أمد بعيد قد وضعت الباكستان من جديد حليفاً لا يمكن تجاهله للصين الصاعدة عالمياً فإنّ من شأن ذلك أن يثير حفيظة الهند أيضاً لأنها سترى نفسها بين كماشتي واشنطن وبكين من جديد…!

كلّ ذلك جعل نيودلهي أكثر تحفزاً لعمل أيّ شئ يوقف هذا الصعود الباكستاني الإقليمي والدولي المستفز…!

ثم انّ الهند التي تعتبر الباكستان في الأساس وليداً غير شرعي خرج من رحمها قسراً في نهاية الحرب الكونية الثانية، فكيف بها ان تتحمّل هذا الوليد وهو يتحوّل امام عينيها كائناً شرعياً بنظر الدول الكبرى، بل ولاعباً إقليمياً وقوة وازنة في الصراعات الدولية، إضافة إلى تقدّمه بخطى واعدة باتجاه أبواب الدخول لمجموعة بريكس ومنتدى شنغهاي اللذين تعتبرهما الهند جزءاً من الحيّز الحيوي لها دولياً…!

في مثل هذه اللحظة التاريخية الباكستانية الصاعدة يصبح من غير المهمّ لدولة تاريخية عريقة مثل الهند ان تظهر أمام العالم متهمة في كسر قواعد الاشتباك التاريخي – التي تمنع التفجير – والتي حكمت البلدين المتنازعين على الحدود منذ توقف القتال بينهما حول إقليم كشمير منذ عقود، ولتكون هي البادئة بالقصف الجوي على الأراضي الباكستانية لا سيما أنّ الذريعة جاءت مؤاتية، ايّ مكافحة الإرهاب وتحت مسمّى قصف معسكر «جيش محمد» الذي تتهمه نيودلهي بأنه يقف وراء تفجيرات الهند الأخيرة…!

انها لحظة تبدّل موازين القوى في أكثر من ساحة دولية وشبه القارة الهندية ليست استثناءً في هذا العالم المتحوّل في كلّ لحظة وكلّ حين…!

بعدنا طيّبين قولوا الله…

  • فريق ماسة
  • 2019-02-27
  • 11261
  • من الأرشيف

ارتجاجات شرق البحر المتوسط والعالم في شبه القارة الهندية...!

ليس مستغرباً أن تصل تبعات التحوّلات الاستراتيجية الكبرى في غرب آسيا وشرق البحر المتوسط إلى الساحة الهندية لتوقظ نزاعاً تاريخياً وجغرافياً وسياسياً مريراً حول مصائر شعوب وأقوام شبه القارة الهندية من جديد…!   قد يكون العامل المباشر في التصعيد الجاري حالياً بين دولتي شبه القارة الهندية النوويتين هو التفجيرات الأخيرة التي حصلت في الهند والتي وجهت نيودلهي أصابع الاتهام فيها الى حكومة إسلام آباد، لكن هذا ليس هو أصل الحكاية، فالرواية الحقيقية لا تكتمل إلا بقراءة بعض فصولها المحجوبة عن الأنظار بسبب صراع الإرادات الإقليمية والدولية المحيطة بالدولتين اللدودتين…! فرغم كلّ التعثر الذي يرافق إعادة صياغة السلطة في الباكستان على قواعد جديدة بعيدة عن المعسكر الوهابي الإرهابي إقليمياً والامبريالي دولياً من بعد فوز عمران خان برئاسة الحكومة هناك، فإنّ محاولة الصعود الباكستاني المستقلّ نسبياً عن دوائر القرار الدولي أثار ولا يزال حفيظة الهند الخصم اللدود لدولة المسلمين الجديدة الدخول الى نادي لعبة الأمم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية…! فباكستان عمران خان التي استقبلت محمد بن سلمان أخيراً والتي يُراد لها من وجهة نظر أميركية وسعودية ان تصبح ولو في الظاهر «لاعباً إسلامياً» مناكفاً أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رافعة لواء المقاومة بوجه الإرهاب الوهابي ولاحتلال الصهيوني، باتت تشكل من جديد بالنسبة للهند قوة يُحسب لها حساب في الصراع الأميركي الروسي في شبه القارة الهندية، وهذا ما يثير حفيظة الهند الواقعة في المدار الروسي عملياً منذ عقود…! ولأنّ حكومة عمران خان النازعة نحو استقلالية القرار النسبي عن واشنطن قامت مؤخراً في هذا السياق بتكثيف التنسيق السياسي مع الاتحاد الروسي في بعض الملفات الدولية، فإنّ ذلك زاد الطين بلة بالنسبة للهند التي تعتبر نفسها الدولة الأكثر رعاية لدى الروس منذ زمن الحرب الباردة الأميركية السوفياتية، فكيف تدخل الباكستان الى حرمها الدولي هذا دون استئذان…؟ من جهة أخرى فإنّ التحوّلات الجيو سياسية والجيواستراتيجية بين إسلام آباد وبكين إنْ من زاوية الطاقة أو الطرق والمواصلات براً وبحراً أو من زاوية تنامي المشاورات السياسية التي هي أصلاً محكمة بين الجانبين منذ أمد بعيد قد وضعت الباكستان من جديد حليفاً لا يمكن تجاهله للصين الصاعدة عالمياً فإنّ من شأن ذلك أن يثير حفيظة الهند أيضاً لأنها سترى نفسها بين كماشتي واشنطن وبكين من جديد…! كلّ ذلك جعل نيودلهي أكثر تحفزاً لعمل أيّ شئ يوقف هذا الصعود الباكستاني الإقليمي والدولي المستفز…! ثم انّ الهند التي تعتبر الباكستان في الأساس وليداً غير شرعي خرج من رحمها قسراً في نهاية الحرب الكونية الثانية، فكيف بها ان تتحمّل هذا الوليد وهو يتحوّل امام عينيها كائناً شرعياً بنظر الدول الكبرى، بل ولاعباً إقليمياً وقوة وازنة في الصراعات الدولية، إضافة إلى تقدّمه بخطى واعدة باتجاه أبواب الدخول لمجموعة بريكس ومنتدى شنغهاي اللذين تعتبرهما الهند جزءاً من الحيّز الحيوي لها دولياً…! في مثل هذه اللحظة التاريخية الباكستانية الصاعدة يصبح من غير المهمّ لدولة تاريخية عريقة مثل الهند ان تظهر أمام العالم متهمة في كسر قواعد الاشتباك التاريخي – التي تمنع التفجير – والتي حكمت البلدين المتنازعين على الحدود منذ توقف القتال بينهما حول إقليم كشمير منذ عقود، ولتكون هي البادئة بالقصف الجوي على الأراضي الباكستانية لا سيما أنّ الذريعة جاءت مؤاتية، ايّ مكافحة الإرهاب وتحت مسمّى قصف معسكر «جيش محمد» الذي تتهمه نيودلهي بأنه يقف وراء تفجيرات الهند الأخيرة…! انها لحظة تبدّل موازين القوى في أكثر من ساحة دولية وشبه القارة الهندية ليست استثناءً في هذا العالم المتحوّل في كلّ لحظة وكلّ حين…! بعدنا طيّبين قولوا الله…

المصدر : البناء /محمد صادق الحسيني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة