دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تتواصل الاحتجاجات في مدينة بورت أو برانس عاصمة هايتي في البحر الكاريبي ضد رئيس الجمهورية جوفينيل مويس منذ 7 شباط/ فبراير الجاري. لسنا بصدد مناقشة الوضع الداخلي لهذه الدولة البعيدة، لكنّ المهم هو إعلان المتظاهرين عن معارضتهم للولايات المتحدة التي تدعم رئيسهم، وطلبهم من روسيا مساعدتهم في حل الأزمة، وإحراقهم العلم الأمريكي ورفعِ بعضهم لعلم روسيا؛ بكلام آخر يبدو وكأن هايتي تتمرد على واشنطن القريبة وتستنجد بموسكو البعيدة.
ليست هايتي وحدها التي تمردت وستتمرد على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية؛ الكثير من الدول تتمرد؛ الكبيرة منها مثل روسيا والصين تقود التمرد والتحدي، والمتوسطة مثل إيران وبعض الدول الأوروبية تتبعها، فيما تقاوم دول عديدة التدخل الأمريكي في شؤونها مثلما تفعل الجمهورية العربية السورية، ومثلما تفعل فنزويلا حالياً.
لم تعد أمريكا تحكم سيطرتها على العالم، حتى بعض أقرب حلفاء واشنطن تمردوا ضد سياساتها الهوجاء؛ الأحادية القطبية انتهت تقريباً؛ العالم المتعدد الأقطاب أصبح أكثر واقعية، فيما الحروب المختلفة الاقتصادية، السياسية، الإعلامية، والعسكرية غير المباشرة تدور هناك وهناك لتحديد الحصص وتثبيت المواقع الجديدة.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حذّر في كلمته خلال الجلسة الرئيسية بمؤتمر ميونيخ للأمن قبل يومين، من أن "تحديات العصر الراهن تفوق قدرة أي دولة، ودعا لتعزيز الجهود الدولية في مواجهتها". هذا كلام واقعي، بل عملي يلخّص الوضع الدولي الراهن؛ تحديات العصر الراهن، من المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض، إلى الفقر والجوع والأمراض، إلى مشاكل نقص الطاقة والإرهاب والشبكات الإجرامية العابرة للحدود الدولية، وصولاً إلى انتشار أكثر أنواع الأسلحة تعقيداً وتطوراً وفتكاً وتدميراً...، تحتاج ليس إلى الحروب الدولية لمواجهتها كما تدبّر الولايات المتحدة، بل إلى التعاون الدولي الواسع والبنّاء. كلام الرئيس المصري يعكس الفهم الدولي المتزايد لهذه الحاجة، وبالتالي حتمية قيام واشنطن، التي نحن بصدد الحديث عنها، بتغيير سلوكها وسياساتها الإنعزالية أو تخلي المجتمع الدولي عن التعاون معها.
إنّ "ضبابية" السياسات الأمريكية الخارجية أو سياسة "أمريكا أولاً" لا تقرّب الآخرين من العاصمة الأمريكية، بل تزيد مخاوفهم وقلقهم، وأول هؤلاء حلفاء الولايات المتحدة ولاسيما في أوروبا. لا نريد أن نتحدث عن انهيار الإمبراطوريات القديمة ودورة صعود الدول وسقوطها وأسباب ذلك، لكّن الأمر الواضح أنّ وضع الولايات المتحدة ليس بخير كما يشيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو كما يتمنّى، ولم ولن تستطيع واشنطن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؛ ويكفي أن نشير مرة ثانية إلى أنّ رئيس ما يفترض أنها أقوى دولة في العالم، أمضى نصف ولايته الرئاسية وهو متهمٌ في بلاده بأنه عميل لعدوه اللدود، أليس هذا بحدّ ذاته دليلا على بدء انحدار القوة الأكثر هيمنة في العالم؟!!
الرئيس الأمريكي هو نتاج الواقع الأمريكي المتراجع، كما حال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. هذا التراجع، حسبما يرى البعض، قد يدفع الولايات المتحدة إلى شنّ المزيد من الحروب الصغيرة أو بالواسطة، لكنّ الوضع الداخلي الأمريكي يقول عكس ذلك؛ صِدامُ الرئيس ترامب مع الكونغرس وفرض حالة الطوارئ لتمويل بناء جدار مع المكسيك أمثلةٌ تؤكد أنّ واشنطن لم تعد جاهزة للتدخل العسكري كما في السابق، ونرجّح، كما كثيرون، أنها لن تتدخل عسكرياً في فنزويلا، لاسيما إذا وضعت الصين وروسيا ـ بوتين ثقلهما خلف الرئيس الفنزويلي الشرعي نيكولاس مادورو، وأوقفتا البلطجة الأمريكية، كما ساعدا قبل ذلك في صمود سورية بوجه الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة عليها.
العالم كلّه بدأ يعي حقيقة تراجع الدور الأمريكي على الساحة الدولية مع بروز قوى جديدة جديرة بالاحترام والثقة، إلا بعض "الأشقاء" العرب؛ قبل أيام تم استدعاء هؤلاء من قبل الولايات المتحدة إلى اجتماع في وارسو قيل عن أهدافه وغاياته الكثير، لكنّ النتيجة الأكثر وضوحاً هي إظهار حقيقة مواقف هؤلاء تجاه العدو الصهيوني، وأنهم "طبّعوا" مع هذا العدو قبل وارسو بزمن بعيد، وأنّ ما حصل في واسو هو خطوة أخرى في إعلان وتسويق هذا التطبيع ليس أكثر.
السؤال البسيط حقيقة، هو لماذا تقديم الخدمات المجانية لهذا العدو الإسرائيلي ولرئيس وزراء الكيان المتغطرس؟! هل يشعر هؤلاء العرب بالفخر لقيامهم بالتطبيع وتناسي القضية الفلسطينية..؟! هل يمكن لوم واشنطن والكيان الإسرائيلي إن تعاملا معهم بفوقية بعد الآن وفرضا عليهم شروطاً وتنازلاتٍ جديدة؟! العالم يتمرّد على القيادة الأمريكية، فيما يتلحّفُ بعض العرب الرداء الأمريكي الممزق ويتلهّفون لتنفيذ التعليمات القادمة عبر البحار ويبحثون عن تبريرات لتصرفاتهم الشاذة الغريبة...!!
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة