دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
سيلومني البعض على صراحتي في التعبير وعلى قسوتي في استعمال لغة غليظة جدا في هذه المقالة .. وسيصاب بالخيبة أولئك الباحثون عن خلاصات العطور النقية .. وأولئك الذين يعصرون الكلام كحبات الزيتون ليضيئوا بالزيت قناديلهم .. أو اولئك الذين يطحنون الكلام كالقهوة العربية ليشربوها صباحا .. وربما يكتشفون انهم دخلوا حقلا من حقول النفط الثقيل او حقلا للألغام وهم يظنون أنهم دخلوا حقلا من حقول قصب السكر المسقي بجداول العسل وسواقي الشوكولاتة ..
لكن ماذا افعل ان كنت أكثر ماأبغض في الحياة النفاق .. لأنني سأخيب آمال هؤلاء جميعا .. اذ أحس بالحرج عندما يطلب مني ان أقول كلاما يسمونه ديبلوماسية لكنه في النهاية مثل بنات الهوى العائدات من مخادع الرذيلة ليدخلن في ثياب الراهبات الى الصلوات والقداديس وهن لايمانعن من الصلاة في ثياب الرقص الخليع .. وهذا الكلام المنافق الذي لاأجيده لايشبه الا الأغطية والشراشف التي تغطي الجروح المتقيحة لتخفيها ولكن الصديد يتسرب من خلالها والرائحة .. ولذلك فانني سأقول رأيي ومشاعري تجاه قضية أطلقها القضاء الامريكي بشأن صحفية قتلت في سورية .. وسأنزع الأغطية والملاءات غن الكلمات المتقيحة وأعرض رأيي وأنا في قلب الصلاة والقداس في محراب لاتدخله الغانيات ولا بنات الهوى والراقصات الخليعات ..
وقبل أن أبدأ عرض الحقيقة علينا ان نتفق ان الثقافة هي مجموعة القناعات والبدهيات والمنعكسات السلوكية التي ينتجها المجتمع ولذلك فهي تتحول الى طبع ونهج في المجتمع وعندما تتجذر وتصبح اقوى واصلب تتحول الى غريزة حيث لايقدر المجتمع على التخلص منها الا بنمو غريزة أخرى معاكسة .. أي ثقافة معاكسة اقوى تقلبها رأسا على عقب .. كما المعتقدات تقلب المعتقدات بعد صراع مرير بين الغرائز الجديدة والغرائز القديمة .. وهذا التداخل بين الغرائز الجمعية الثقافية وانفصالها وتحولها يشبه النظرية التي تفسر سبب التشابه الشديد بين الكلاب والذئاب .. وهي نظرية في علم الاحياء تقول ان الكلاب هي ذئاب انشقت عن قطعانها وقامت بعملية خيانة لغريزة البرية والتمتع بالحرية وارتضت عيش الكلاب ولعق العظام وصارت لها خصائص الذئاب “المعتدلة” مثل دول ” الاعتدال” العربي التي صارت تعيش في بيوت الساسة الاميريكيين مثل الكلاب في السلاسل .. وبعضها صار قططا أليفة تموء في البيت الأبيض بعد انشقت عن النمور والاسود وغريزة الملك في البراري .. وللاسف فان الحركة بالاتجاه المعاكس لا تحدث .. أي لا تتحول الكلاب الى ذئاب والقطط الى نمور اذا غيرت غريزتها أو ثقافتها الكلبية فالكلاب تبقى كلابا والنمور نمورا ..
واذا اردنا ان نعرف الثقافة الاميريكية واين فيها الغريزة فما علينا الا ان ننظر الى قضية “ماري كالفن” الصحفية (القرصان) التي قتلت في حمص بين المسلحين واتهمت الدولة السورية بقتلها وكأن على الدولة ان تشم الهواء كما تفعل الكلاب البوليسية وتحلله لتعرف ان كانت فيه انفاس امريكية تسللت في غفلة منا فلا تطلق النار في اتجاهها .. فتحويل القضية الى بزنس يدل على مكان الغريزة في الثقافة الأمريكية حيث تنغرز الرغبة في المال والسلب والنهب في عمق الروح الاميريكية كما تنغرز غريزة الذئب في سلوكه وعوائه .. وكل افلام الغرب الاميركي تمثل شرحا لهذه العقلية والثقافة .. فهي عن صراع بين لصوص وقطاع طرق من أجل حفنة من الدولارات .. انه صراع بين الذئاب والكلاب ..
سأقول انني وأنا أمام عائلة وأصدقاء ماري كولفين أريد ان أعزيهم بفقيدتهم الغالية على قلوبهم .. فهي تعني لهم الكثير طبعا .. ولايحق لنا ان نسخر من وجعهم ومن آلامهم على فقيدتهم .. فهذا ليس من شيمنا ولا من طبعنا .. ولكن عندما يحولون حزنهم على فقيدتهم الى حفنة من الدولارات .. فاننا الآن لانتحدث عن مشاعر انسانية وأخلاق فاضلة .. أو عن سيدة مسكينة قضت بسبب سوء الطالع .. بل عن كيس من الدولارات وغريزة الذئاب .. وعندما يحول أصحاب القضية قضيتهم الى عقار والى تحفة وكيس من الذهب فان كلمات التعازي والاحترام يجب ان تتحول الى مكاشفة لاتخلو من الخشونة والجدية ومنطق البزنس والتعامل مع نباح الكلاب .. والحقيقة هي اننا لانحس بالتعاطف مع سيدة تحولت من انسان لاحدود لقيمته برأينا الى علبة أو صندوق قيمته 300 مليون دولار يبحث عنه القراصنة وقطاع الطرق .. أنا لاأحس انني انظر الآن الى القضية نظرة انسانية وتتعذب بآلام بشرية بل أمامي كيس من الدولارات يصارعني وأصارعه .. وأنا الآن أمام كيس من الدولارات لاأقدر الا ان أنحّي مشاعري وقيمي الانسانية وأخاطب هذا الكيس وأصحابه بما يستحقه من كلام .. وصار الآن بوسعي ان أقول ان مجرد صورة هذه المرأة الكيس – للأسف – مثير للاشمئزاز وسيفشل اي انسان في ان يتعاطف معها ومع نظرتها من خلف عين القرصان .. بل يكفي اختيارها لمنظر القراصنة لتغطي اصابتها القديمة ليكون دليلا على اضطراب نفسي وعقدة قاسية لاترحم ولاتكترث بالناس بل وتحتقرهم وتتحداهم لأن الشكل الذي اختارته بارادتها – رغم كل وسائل التجميل المتاحة في اميريكا – شئنا أم ابينا صار رمزا للقراصنة .. تماما كما صار منظر البغدادي رمزا للارهاب .. وقد قدمت نفسها دون تردد خالية من الانوثة وأي ثمالة من النظرة الانثوية .. بل هي ترغم الناظر الى صورتها على ان لايقدر على ان يحبها ولاعلى أن يتعاطف معها .. فالمرأة القرصان تحولت في يد القراصنة الى صندوق من نوع آخر وهي ابتزاز وقح .. وقاحة لاتوجد بعدها وقاحة .. فهي تدخل بيتنا دون اذننا وتتسلل الى غرف نومنا مع اللصوص واذا أطلقنا النار على اللصوص واصبناها اعتبرنا العالم معتدين على جسد امرأة ..
القضية ليست مجرد نزاع قانوني بين دولتين بل نزاع حضاري وأخلاقي وانساني .. فقرار المحكمة الأمريكية احتقار لماري كولفين أولا لأنه قدر قيمتها ب 300 مليون دولار مثل اي ناقلة نفط او ديزل .. وهو احتقار لكل البشر على هذه الارض وهي ذروة العنصرية والاستعلاء العنصري لأنها أميريكا لم تتبرع بتعويض قدره 300 مليون دولار لأي انسان قتلته لتطالب بالمثل لأبنائها .. فهي ترى ان الانسان الامريكي هبة الله على الارض الذي ان مات بالصعقة الكهربائية في فندق من حقها ان تطلب من تلك الدولة تعويضا ب 300 مليون دولار لأنها أهملت خطوط الكهرباء التي قتلت مواطنها .. ولو عاملنا اميريكا بالمثل فان الضحايا الذين ماتوا بسبب اميريكا منذ اول هندي احمر الى آخر فلسطيني على حدود غزة بالامس لايحصون ولكان على الامريكيين ان يقدموا كل انتاجهم القومي كل الألفية الثالثة للتعويض عنهم ..
ولكن قبل ان يتبرع المعجبون بأميريكا التي تكرم مواطنيها وتحميهم وتضع لهم أسعارا خيالية على عكس الشعوب المتخلفة التي لاتبالي برعاياها .. قبل ان يهرولوا الى هذه المنصة ويقفوا عليها لتحدينا ندعوكم جميعا لتتذكروا ناشطة أميريكية أخرى تحمل الجنسية الاميريكية وجواز السفر نفسه قتلت امام الكاميرات بدم بارد .. ولكن اميريكا التي تغضب لم تسمع بها ولم ترها .. انها الناشطة راتشيل كوري التي سحقتها جرافة للجيش الاسرائيلي امام الكاميرات ولايملك احد اي شك ان الجريمة موثقة ولايمكن لقاض ان يتجاهلها وان ينكر ان فاعلها هو الجيش الاسرائيلي الذي لايمكن التستر عليه .. وللمفارقة نتذكر هنا كيف ان محكمة اسرائيلية نظرت في قضية الناشطة الاميريكية راتشيل كوري ابدت ببرود وبلادة اسفها للحادث ولكنها برأت الجيش الاسرائيلي من عملية القتل لأنها اعتبرت ان الموت وقع في منطقة “حرب” رغم ان راتشيل لم تكن تسللت بسرية مع مجموعة مسلحة – مثلما فعلت كالفن – بل وصلت بمعرفة كل الجهات القانونية والرسمية الى الاراضي المحتلة وكانت تدافع علنا امام عدسات العالم عن بيت فلسطيني اقتربت منه الجرافة لتهدمه وسحقت جسد راتشيل .. وصمتت اميريكا كلها ولم تعترض ولم تعصر مذيعات السي ان ان دموعهن على هذه الوحشية ..
الضحيتان اميريكيتان .. لكن ماري كولفين القرصانة تساوي 300 مليون دولار لأنها ماتت بين مجموعة مسلحة ارهابية في منطقة عمليات حربية ولاأحد يعلم كيف ماتت ولايوجد دليل على مصدر القذيفة التي قتلتها وربما ماتت حسب معلومات تحتاج توثيقا – أثناء تحضير عبوات ناسفة امامها لتصور للعالم كيف يصنع الثوار حريتهم بالقنابل .. اما راتشيل فهي اميريكة ماتت في منطقة سكنية فلسطينية امام الكاميرات بجرافة عسكرية سحقتها ولم تكلف محكمة امريكية نفسها مشقة تغريم الجيش الاسرائيلي حتى كلمة اعتذار ..
وأتمنى على من سينبري للدفاع عن نظام العدالة في اميريكا وتساوي المواطنين أمام القانون في عيون نخبة وقضاة المجتمع .. أتمنى منه ان يقبل مني هدية هي ان يضع عصبة قرصان على كل عين من عينيه لانه قرصان أعمى في عينيه .. لأنها ليست حالة الانكار والتخدير التي يعيشها بل هي حالة الاستحمار الذاتي .. فماحدث هو اكبر دليل على ان اميريكا ذاتها تفترس نفسها والقوي فيها يأكل الضعيف وان فيها تصنيف “خيار وفقوس” .. وان لعبة المساواة والعدالة بين المواطنين هي نكتة تنطلي على السذج .. لأن وجود هذا النموذج لايدل على استثناء بل يدل على ثقافة بزنس وعقلية تمييز عنصري وطبقي وانحياز لصالح الأقوياء في المجتمع وعقلية الابتزاز .. وأن غريزة الذئاب والكلاب هي مايحكم العقل الاميريكي حتى بين الاميريكيين ..
طبعا لانريد ان نأخذ هذه الحالة لنقيس بها المعايير المزدوجة التي تتعامل فيها اميريكا مع قضايا العالم لأن استعمال هذه الحادثة لدعم هذا الاتهام اهانة للعقل لأن مارأيناه من بلطجة ونفاق وتمييز عنصري واعتداء وسرقة ونهب اميريكي للعالم يجب ان يكون قد تحول الى جزء من ثقافة العالم ينغرس فيها كما انغرست ثقافة السلب والنهب في العقل والسلوك الاميريكي ..
ولاشك سيستعين البعض بقصص الانتخابات وحرية الصحافة وانتقاد الرؤساء ومحاكمتهم في اميريكا .. ولكن هذا كلام لايستعمله الا المستحمرون .. لأن السياسة التي تفرق بين الضحايا في نفس المجتمع هي السياسة التي تفشل اخلاقيا وتسقط وتظهر تمييزا عنصريا ولايمكن ان تنتج الا نظاما عنصريا ضد شعبه قبل أي شعب آخر ونظاما استبداديا رغم كل مايقال عن العدالة في اميريكا .. فمن يرى ان دم راتشيل لايساوي شيئا اما دم ماري فيساوي ناقلة نفط فانه يدل على ان قلب الأخلاق الامريكية كنظام وكيان وقانون مريض ومصاب بالفصام .. وأن النظام الاجتماعي الاميريكي مشطور في العمق رغم مظاهر العدالة في السطح .. ولو لم يصدر القضاء الاميريكي قراره بشأن الصحفية الاميريكية ماري كولفن والذي طالب بتعويض مالي قدره 300 مليون دولار .. لو لم يصدر الاميريكون هذا القرار لشككت في كل تصوراتي وأحكامي عن هذه الاميريكا التي أعرفها كما لاتعرف نفسها ..
قدرنا ان نعيش في عالم وقح وتديره قراصنة وأن نقاتل الوقاحة والقراصنة .. وكما ان الذئاب على أشكالها تقع .. فان الكلاب على أشكالها تقع .. وان القراصنة على أشكالها تقع .. فالاسرائيليون وهم قراصنة بالفطرة منذ أن قرصنوا أملاك الله وكلامه .. أخذوا كل فلسطين عنوة بالسيف وهاهم اليوم يعدون قائمة طويلة بمئات مليارات الدولارات للمطالبة بتعويضات عن أملاك اليهود العرب الذين غادروا الدول العربية اما الفلسطينيون فعليهم لن يقدموا تعويضات للشعب اليهودي انهم سكنوا عقاراته بين الفرات والنيل لآلاف السنين دون مقابل ودون اذن الرب ..
حقا ان الذئاب على أشكالها تقع وأن القراصنة على أشكالها تقع ..
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة