أرقام صادمة عن حجم الخسائر في قطاع النفط أرهقت الخزينة السورية وفرضت تقشفاً غير مسبوق على السوريين طيلة سبع سنوات. تحمل المواطن السوري والقطاعات المنتجة تراجعاً حاداً في المشتقات النفطية والتقنين الكهربائي ورفع الأسعار.. وهو ما بلغ ذروته مطلع 2019 مع دخول عامل تشديد العقوبات على إيران.

 

يردد السوريون جمل بليغة في خضم شكواهم من الحالة المعيشية الصعبة. يقولون: "لم نعش مثل هذه الظروف أوج فترة الحرب عامي 2014 و 2015، ولم تشهد سورية نقصاً بالمشتقات النفطية دفعة واحدة عندما تقطعت الطرق الرئيسية بين المحافظات، ويوم كان المسلحون يسيطرون على جغرافيا واسعة تضم ريف حمص وأحياء حلب الشرقية والمنطقة الجنوبية والغوطة الشرقية".

 

انتقلت الشكاوى من منصات التواصل الاجتماعي إلى مشهد الطوابير الطويلة أمام سيارات توزيع الغاز، التي شكلت ملمح الاختناق الأهم، الى جانب نقص حاد في مازوت التدفئة وتقنين في الكهرباء يصل إلى أكثر من 12 ساعة يومياً، وخصوصاً في الضواحي والأرياف.

 

بدت الحالة أكثر ضغطاً مع وفاة سبعة أطفال أشقاء يوم 23 كانون الثاني/ يناير الجاري جراء حريق التهم منزلهم في حي العمارة داخل دمشق القديمة.. تعاطف السوريون مع فجيعة تعددت أسبابها، إلا أن غياب وقود التدفئة والانقطاعات المتكررة للكهرباء في مقدمتها. تكررت الفجيعة في مناطق أخرى عبر وفيات نتجت عن ماس كهربائي في أجهزة التدفئة أو الاختناق بالغاز.. وغالباً ما جرى ربطها بعدم توفر الطاقة الكهربائية أو الغاز المنزلي.

 

معلومات قليلة تمّ تداولها عن أسباب الضائقة. أخبار تمحورت عن عدم تمكن بواخر تنقل الغاز إلى المرافئ السورية من الوصول إليها جراء الظروف المناخية شرق المتوسط، وأخرى عن تأثير العقوبات الغربية على توريد المشتقات النفطية إلى سوريا، لكنها تبريرات تمّ الجدل بشأنها انطلاقاً من أن تلك العقوبات لم تؤثر بهذه الحدة خلال الأعوام الماضية على واردات تلك المشتقات النفطية.

 

الجواب الحكومي جاء على لسان رئيس الحكومة عماد خميس الذي قدم من مجلس الشعب "الاعتذار من المواطن السوري الذي صمد خلال الحرب". أرجع المهندس خميس الذي تولى قبلاً وزارة الكهرباء لعقد من الزمن أزمة الطاقة إلى تشديد العقوبات الأميركية والغربية على المنطقة والأصدقاء، في إشارة إلى إيران التي بدت تعاني جراء العقوبات الأميركية، ومنع السفن من الوصول إلى السواحل السورية على مسافة 40 كم من ميناء طرطوس.

 

إنها العقوبات الغربية إذاّ على سوريا والأصدقاء معاً، شكلٌ آخر من أشكال الحرب بتأثير أكثر خطورة يطال السوريين في أساسيات حياتهم. وزير النفط علي غانم قدم تفاصيل أكثر في إحاطته أمام مجلس الشعب عن وضع المشتقات النفطية. ثمة عقود سنوية لتوريد النفط بقيمة 1.2 مليار دولار. وتتضمن 364 ألف طن غاز تعثرت بالعقوبات. بدأ التعثر منذ 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وتوقف التوريد فعلياً في 30 من الشهر ذاته وظهرت الأزمة بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018.

 

في المعلومات أيضاً أن وزارة النفط تمكنت من توريد 57 ألف طن من الغاز من إجمالي كمية التوريد خلال الفترة المذكورة والبالغة 85 ألف طن أي أن العجز بلغ 37 ألف طن أي 31 يوم عمل فعلي تم تغطيته من الاحتياطيات المتوافرة وعبر رفع كميات الانتاج من 390 طن الى 635 طن يومياً وبنسبة 50 في المائة من الاحتياج.

 

لم تختلف الصورة في إنتاج الكهرباء إذ انخفض الانتاج إلى 4100 ميغا، فيما تحتاج سوريا إلى 6 آلاف ميغا يومياً تكفي لتغذية كهربائية متواصلة لمدة 4 ساعات مقابل قطع لساعتين في جميع المحافظات. وزاد في وطأة الضغط تحول السوريين في ظل موجة البرد إلى الاعتماد على ما توفر من كهرباء، والتوسع في مد الشبكات الكهربائية إلى مناطق جرى تحريرها، وأعادت الحكومة ترميم البنى التحتية فيها بنسبة 60 في المائة.

 

وبلغ انتاج سوريا بحسب الأرقام الرسمية، أكثر من 350 ألف برميل يومياً قبل الحرب تصدر منها 145 ألف برميل يومياً والباقي للاستهلاك المحلي. وانخفض انتاج النفط من تلك الأرقام إلى نحو 24 ألف برميل يومياً حالياً. فيما انخفض انتاج الغازمن 21 مليون متر مكعب يومياً إلى 13.5 مليون متر مكعب.

 

وتستورد وزارة النفط السورية حالياً نحو مليوني برميل شهرياً من إيران عبر خط ائتماني.

 

أرقام صادمة عن حجم الخسائر في قطاع النفط أرهقت الخزينة السورية وفرضت تقشفاً غير مسبوق على السوريين طيلة سبع سنوات. تحمل المواطن السوري والقطاعات المنتجة تراجعاً حاداً في المشتقات النفطية والتقنين الكهربائي ورفع الأسعار.. وهو ما بلغ ذروته مطلع 2019 مع دخول عامل تشديد العقوبات على إيران.

 

في المقابل، ثمة إنفراجات متوقعة من عودة حقول النفط والغاز شرقي الفرات إلى الدولة السورية، خصوصاً وأن الجزء الرئيسي من الثروات النفطية والغازية تتركز في حقول شرقي الفرات: حقل العمر وحقل التنك الذي يضم نحو 150 بئر نفط، ومعمل غازكونيكو، وحتى حقول الجبسة والرميلان والشداداي في الحسكة. عودة تلك الحقول المتوقع نتيجة إطلاق حوارات بين القوى الكردية والدولة السورية كفيل بإنهاء الأزمة بالرغم من الاضرار التي طالت بعض الحقول جراء القصف الأميركي والتخريب من المجموعات الارهابية التي تتالت على نهب تلك الحقول.

 

وبالتأكيد فإن نجاح هذا الاحتمال كفيل بإنهاء الاختناقات النفطية والانطلاق نحو استثمار الثروات النفطية.

  • فريق ماسة
  • 2019-02-03
  • 16058
  • من الأرشيف

حقول شرقي الفرات كفيلة بإنهاء أزمة المشتقات النفطية

أرقام صادمة عن حجم الخسائر في قطاع النفط أرهقت الخزينة السورية وفرضت تقشفاً غير مسبوق على السوريين طيلة سبع سنوات. تحمل المواطن السوري والقطاعات المنتجة تراجعاً حاداً في المشتقات النفطية والتقنين الكهربائي ورفع الأسعار.. وهو ما بلغ ذروته مطلع 2019 مع دخول عامل تشديد العقوبات على إيران.   يردد السوريون جمل بليغة في خضم شكواهم من الحالة المعيشية الصعبة. يقولون: "لم نعش مثل هذه الظروف أوج فترة الحرب عامي 2014 و 2015، ولم تشهد سورية نقصاً بالمشتقات النفطية دفعة واحدة عندما تقطعت الطرق الرئيسية بين المحافظات، ويوم كان المسلحون يسيطرون على جغرافيا واسعة تضم ريف حمص وأحياء حلب الشرقية والمنطقة الجنوبية والغوطة الشرقية".   انتقلت الشكاوى من منصات التواصل الاجتماعي إلى مشهد الطوابير الطويلة أمام سيارات توزيع الغاز، التي شكلت ملمح الاختناق الأهم، الى جانب نقص حاد في مازوت التدفئة وتقنين في الكهرباء يصل إلى أكثر من 12 ساعة يومياً، وخصوصاً في الضواحي والأرياف.   بدت الحالة أكثر ضغطاً مع وفاة سبعة أطفال أشقاء يوم 23 كانون الثاني/ يناير الجاري جراء حريق التهم منزلهم في حي العمارة داخل دمشق القديمة.. تعاطف السوريون مع فجيعة تعددت أسبابها، إلا أن غياب وقود التدفئة والانقطاعات المتكررة للكهرباء في مقدمتها. تكررت الفجيعة في مناطق أخرى عبر وفيات نتجت عن ماس كهربائي في أجهزة التدفئة أو الاختناق بالغاز.. وغالباً ما جرى ربطها بعدم توفر الطاقة الكهربائية أو الغاز المنزلي.   معلومات قليلة تمّ تداولها عن أسباب الضائقة. أخبار تمحورت عن عدم تمكن بواخر تنقل الغاز إلى المرافئ السورية من الوصول إليها جراء الظروف المناخية شرق المتوسط، وأخرى عن تأثير العقوبات الغربية على توريد المشتقات النفطية إلى سوريا، لكنها تبريرات تمّ الجدل بشأنها انطلاقاً من أن تلك العقوبات لم تؤثر بهذه الحدة خلال الأعوام الماضية على واردات تلك المشتقات النفطية.   الجواب الحكومي جاء على لسان رئيس الحكومة عماد خميس الذي قدم من مجلس الشعب "الاعتذار من المواطن السوري الذي صمد خلال الحرب". أرجع المهندس خميس الذي تولى قبلاً وزارة الكهرباء لعقد من الزمن أزمة الطاقة إلى تشديد العقوبات الأميركية والغربية على المنطقة والأصدقاء، في إشارة إلى إيران التي بدت تعاني جراء العقوبات الأميركية، ومنع السفن من الوصول إلى السواحل السورية على مسافة 40 كم من ميناء طرطوس.   إنها العقوبات الغربية إذاّ على سوريا والأصدقاء معاً، شكلٌ آخر من أشكال الحرب بتأثير أكثر خطورة يطال السوريين في أساسيات حياتهم. وزير النفط علي غانم قدم تفاصيل أكثر في إحاطته أمام مجلس الشعب عن وضع المشتقات النفطية. ثمة عقود سنوية لتوريد النفط بقيمة 1.2 مليار دولار. وتتضمن 364 ألف طن غاز تعثرت بالعقوبات. بدأ التعثر منذ 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وتوقف التوريد فعلياً في 30 من الشهر ذاته وظهرت الأزمة بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018.   في المعلومات أيضاً أن وزارة النفط تمكنت من توريد 57 ألف طن من الغاز من إجمالي كمية التوريد خلال الفترة المذكورة والبالغة 85 ألف طن أي أن العجز بلغ 37 ألف طن أي 31 يوم عمل فعلي تم تغطيته من الاحتياطيات المتوافرة وعبر رفع كميات الانتاج من 390 طن الى 635 طن يومياً وبنسبة 50 في المائة من الاحتياج.   لم تختلف الصورة في إنتاج الكهرباء إذ انخفض الانتاج إلى 4100 ميغا، فيما تحتاج سوريا إلى 6 آلاف ميغا يومياً تكفي لتغذية كهربائية متواصلة لمدة 4 ساعات مقابل قطع لساعتين في جميع المحافظات. وزاد في وطأة الضغط تحول السوريين في ظل موجة البرد إلى الاعتماد على ما توفر من كهرباء، والتوسع في مد الشبكات الكهربائية إلى مناطق جرى تحريرها، وأعادت الحكومة ترميم البنى التحتية فيها بنسبة 60 في المائة.   وبلغ انتاج سوريا بحسب الأرقام الرسمية، أكثر من 350 ألف برميل يومياً قبل الحرب تصدر منها 145 ألف برميل يومياً والباقي للاستهلاك المحلي. وانخفض انتاج النفط من تلك الأرقام إلى نحو 24 ألف برميل يومياً حالياً. فيما انخفض انتاج الغازمن 21 مليون متر مكعب يومياً إلى 13.5 مليون متر مكعب.   وتستورد وزارة النفط السورية حالياً نحو مليوني برميل شهرياً من إيران عبر خط ائتماني.   أرقام صادمة عن حجم الخسائر في قطاع النفط أرهقت الخزينة السورية وفرضت تقشفاً غير مسبوق على السوريين طيلة سبع سنوات. تحمل المواطن السوري والقطاعات المنتجة تراجعاً حاداً في المشتقات النفطية والتقنين الكهربائي ورفع الأسعار.. وهو ما بلغ ذروته مطلع 2019 مع دخول عامل تشديد العقوبات على إيران.   في المقابل، ثمة إنفراجات متوقعة من عودة حقول النفط والغاز شرقي الفرات إلى الدولة السورية، خصوصاً وأن الجزء الرئيسي من الثروات النفطية والغازية تتركز في حقول شرقي الفرات: حقل العمر وحقل التنك الذي يضم نحو 150 بئر نفط، ومعمل غازكونيكو، وحتى حقول الجبسة والرميلان والشداداي في الحسكة. عودة تلك الحقول المتوقع نتيجة إطلاق حوارات بين القوى الكردية والدولة السورية كفيل بإنهاء الأزمة بالرغم من الاضرار التي طالت بعض الحقول جراء القصف الأميركي والتخريب من المجموعات الارهابية التي تتالت على نهب تلك الحقول.   وبالتأكيد فإن نجاح هذا الاحتمال كفيل بإنهاء الاختناقات النفطية والانطلاق نحو استثمار الثروات النفطية.

المصدر : الماسة السورية/ الميادين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة