كيف ظهرت صورةُ المشروعِ الكرديِّ في شرق الفرات، بوصفه قوة يمكن التعويل عليها في محاربة الإرهاب، وفاعلاً يمكن أن يقيم كيانيةً وإدارةً وبنى حكمٍ على الأرض؛ ثم كيف تحول ذلك المشروع إلى صورة افتراضية مخيالية ومشروع سياسيّ يتجاوز بنيته وقوته ودافعيته الكرديّة وحتى الجهويّة (شرق الفرات) إلى المجالين السوريّ والإقليميّ؟

أثار الإعلانُ الأمريكيُّ عن الانسحابِ من شرق الفرات تقديراتٍ متزايدةً بأنَّ ساعةَ تفكيك أو انهيار "فدرالية الجزيرة" ومشروع "قوات سوريا الديمقراطية" قد أزفت، أو أنها قريبة جداً من ذلك، بسبب فقدان أو تراجع "الظهير" الدوليّ، عسكرياً ولوجستياً وحتى سياسياً. وذهبت التقديرات للقول: إنَّ الولايات المتحدة ربما رجحت مصالحها مع تركيا على حساب المشروع الكرديّ أو مشروع الكيانيّةِ الكرديّة-العربيّة في شرق الفرات. وكان بإمكان الولايات المتحدة أن "تُوازِنَ" بين حليفيها اللدودين، تركيا والكرد، ولديها خبرة طويلة في ذلك، لو أرادت.

منطقة شرق الفرات، أمام احتمال لإنشاء أو تخليق وهندسة صور مختلفة وبديلة عن تلك التي انهارت أو ماتت، بالمعنى الوارد في النصّ، وربما –وهذا هو المرجّح– "إعادة إنتاج" صور جديدة مختلفة للمشهد في تلك المنطقة، وانطلاقاً منها إلى سورية والإقليم.

قام مشروعُ "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة اختصاراً باسم "قسد" في الفضاء السياسيّ والإعلاميّ صورةً أكثر منه واقعاً، وقامت الولايات المتحدة بهندسة صورة فائقة له، بهدف تهيئة المخيال السياسيّ الغربيّ والعالميّ لقبول كيانية ما أو مشروع كيانية تقودها "قسد"، بوصفها بديلاً قائماً أو محتملاً في سورية. وبرزت صورة "قسد" بمثابة صناعة عسكرية أمريكية ثقيلة، إذ تم تخصيص الكثير من الموارد في سبيل ذلك، وهذا أمر تقديريّ، ولا توجد معطيات يمكن الركون إليها بهذا الخصوص، ويأتي ذلك في إطار الحرب النفسية أو "الحرب الهجينة".

ثمة مرتابون كثيرون ممّا تفعله الولايات المتحدة، مثلاً كيف يتلقّى السوريون والروس مشروع "قوات سوريا الديمقراطية"، وهم يعلمون نوايا أصحابه ورهاناتهم، هل تعني لهم صورة الفاعل الحداثيّ التعدديّ الديمقراطيّ شيئاً، وهو يسابقهم للسيطرة على حقوق النفط والغاز، ويتحرّك بأوامر أمريكية حصرية تقريباً؟

الفواعل الكردية وفواعل "قوات سوريا الديمقراطية" في مأزق بالفعل، كلّ ما فعلته يتحول ضدها، لأنه أمسى تعبيراً عن مشيئة خارجية ولا يتصل كثيراً بأولويات كرد سورية، وقد ذهبت الفواعل المذكورة بعيداً في "تخيّل" أو "تصوّر" مشروع بديل لمنطقة شرق الفرات ولسورية ككل، مرتبط بالولايات المتحدة، وقد يكون من الأصح القول: إنَّ الأخيرة هي التي دفعت تلك الفواعل لذلك، ورطتها، أو أن الفواعل المذكورة "تمثلت" ما أرادته الولايات المتحدة.

ثمة فرصة –ولكن من دون مؤشرات عمليّة مشجعة حتى الآن– لـ "إعادة إنتاج" صورة مختلفة للمشهد في شرق الفرات، وهذا يتوقف –في جانب كبير منه– على طبيعة استجابة الفواعل الكردية وشركائها من العرب وغير العرب للموقف في تلك المنطقة، وقدرة الدولة السورية وحلفائها على إدارة الموقف بقوة وفعالية، ذلك أنَّ خط دمشق-القامشلي وحتى خط دمشق-قنديل، قد يمثل فرصة جِدِّيّةً لتغيير الصورة في المنطقة المذكورة وفي المشهد السورية ككل، مع كل التداعيات المحتملة على المشهدين الإقليميّ والعالميّ.

ثمة بُعد كافكاويّ (من كافكا) في علاقة "قسد" بصورتها، إذ تتحول الصورة السابقة إلى عبء ثقيل، بل إلى إخفاق وعجز، بل إلى "رمل وموت" بتعبير مستعار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والفواعل الكردية وفواعل "قسد" أمام تحدٍّ كبير وغير مسبوق، وقد تكون الاستجابة الأفضل هي أن يعيدوا النظر فيما هم فيه، وأن يستمعوا –بتعبير مستعار من إريك فروم– إلى "ندائهم الخاص الذي يهيب بهم أن يعودوا إلى ذواتهم".

تتألف الورقة من مقدّمة وسبعة محاور: أولاً، في المقاربة؛ ثانياً، الكرديّ الجيد، والكردي الخطر! ثالثاً، الاستلاب الكرديّ؛ رابعاً، أولوية الصورة، ويتضمن صناعة عسكريّة ثقيلة، وصورة أقوى من الواقع؛ خامساً، صورة هجينة ويتضمن مرة أخرى: استلاب الصورة؛ سادساً، ارتياب؛ سابعاً، الإشارات والتنبيهات، وأخيراً الخاتمة.

 

  • فريق ماسة
  • 2019-01-19
  • 16661
  • من الأرشيف

استلابُ الكُرد: صورةُ مشروعِ (قوات سوريا الديمقراطيّة)، ولادتها وموتها!.

كيف ظهرت صورةُ المشروعِ الكرديِّ في شرق الفرات، بوصفه قوة يمكن التعويل عليها في محاربة الإرهاب، وفاعلاً يمكن أن يقيم كيانيةً وإدارةً وبنى حكمٍ على الأرض؛ ثم كيف تحول ذلك المشروع إلى صورة افتراضية مخيالية ومشروع سياسيّ يتجاوز بنيته وقوته ودافعيته الكرديّة وحتى الجهويّة (شرق الفرات) إلى المجالين السوريّ والإقليميّ؟ أثار الإعلانُ الأمريكيُّ عن الانسحابِ من شرق الفرات تقديراتٍ متزايدةً بأنَّ ساعةَ تفكيك أو انهيار "فدرالية الجزيرة" ومشروع "قوات سوريا الديمقراطية" قد أزفت، أو أنها قريبة جداً من ذلك، بسبب فقدان أو تراجع "الظهير" الدوليّ، عسكرياً ولوجستياً وحتى سياسياً. وذهبت التقديرات للقول: إنَّ الولايات المتحدة ربما رجحت مصالحها مع تركيا على حساب المشروع الكرديّ أو مشروع الكيانيّةِ الكرديّة-العربيّة في شرق الفرات. وكان بإمكان الولايات المتحدة أن "تُوازِنَ" بين حليفيها اللدودين، تركيا والكرد، ولديها خبرة طويلة في ذلك، لو أرادت. منطقة شرق الفرات، أمام احتمال لإنشاء أو تخليق وهندسة صور مختلفة وبديلة عن تلك التي انهارت أو ماتت، بالمعنى الوارد في النصّ، وربما –وهذا هو المرجّح– "إعادة إنتاج" صور جديدة مختلفة للمشهد في تلك المنطقة، وانطلاقاً منها إلى سورية والإقليم. قام مشروعُ "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة اختصاراً باسم "قسد" في الفضاء السياسيّ والإعلاميّ صورةً أكثر منه واقعاً، وقامت الولايات المتحدة بهندسة صورة فائقة له، بهدف تهيئة المخيال السياسيّ الغربيّ والعالميّ لقبول كيانية ما أو مشروع كيانية تقودها "قسد"، بوصفها بديلاً قائماً أو محتملاً في سورية. وبرزت صورة "قسد" بمثابة صناعة عسكرية أمريكية ثقيلة، إذ تم تخصيص الكثير من الموارد في سبيل ذلك، وهذا أمر تقديريّ، ولا توجد معطيات يمكن الركون إليها بهذا الخصوص، ويأتي ذلك في إطار الحرب النفسية أو "الحرب الهجينة". ثمة مرتابون كثيرون ممّا تفعله الولايات المتحدة، مثلاً كيف يتلقّى السوريون والروس مشروع "قوات سوريا الديمقراطية"، وهم يعلمون نوايا أصحابه ورهاناتهم، هل تعني لهم صورة الفاعل الحداثيّ التعدديّ الديمقراطيّ شيئاً، وهو يسابقهم للسيطرة على حقوق النفط والغاز، ويتحرّك بأوامر أمريكية حصرية تقريباً؟ الفواعل الكردية وفواعل "قوات سوريا الديمقراطية" في مأزق بالفعل، كلّ ما فعلته يتحول ضدها، لأنه أمسى تعبيراً عن مشيئة خارجية ولا يتصل كثيراً بأولويات كرد سورية، وقد ذهبت الفواعل المذكورة بعيداً في "تخيّل" أو "تصوّر" مشروع بديل لمنطقة شرق الفرات ولسورية ككل، مرتبط بالولايات المتحدة، وقد يكون من الأصح القول: إنَّ الأخيرة هي التي دفعت تلك الفواعل لذلك، ورطتها، أو أن الفواعل المذكورة "تمثلت" ما أرادته الولايات المتحدة. ثمة فرصة –ولكن من دون مؤشرات عمليّة مشجعة حتى الآن– لـ "إعادة إنتاج" صورة مختلفة للمشهد في شرق الفرات، وهذا يتوقف –في جانب كبير منه– على طبيعة استجابة الفواعل الكردية وشركائها من العرب وغير العرب للموقف في تلك المنطقة، وقدرة الدولة السورية وحلفائها على إدارة الموقف بقوة وفعالية، ذلك أنَّ خط دمشق-القامشلي وحتى خط دمشق-قنديل، قد يمثل فرصة جِدِّيّةً لتغيير الصورة في المنطقة المذكورة وفي المشهد السورية ككل، مع كل التداعيات المحتملة على المشهدين الإقليميّ والعالميّ. ثمة بُعد كافكاويّ (من كافكا) في علاقة "قسد" بصورتها، إذ تتحول الصورة السابقة إلى عبء ثقيل، بل إلى إخفاق وعجز، بل إلى "رمل وموت" بتعبير مستعار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والفواعل الكردية وفواعل "قسد" أمام تحدٍّ كبير وغير مسبوق، وقد تكون الاستجابة الأفضل هي أن يعيدوا النظر فيما هم فيه، وأن يستمعوا –بتعبير مستعار من إريك فروم– إلى "ندائهم الخاص الذي يهيب بهم أن يعودوا إلى ذواتهم". تتألف الورقة من مقدّمة وسبعة محاور: أولاً، في المقاربة؛ ثانياً، الكرديّ الجيد، والكردي الخطر! ثالثاً، الاستلاب الكرديّ؛ رابعاً، أولوية الصورة، ويتضمن صناعة عسكريّة ثقيلة، وصورة أقوى من الواقع؛ خامساً، صورة هجينة ويتضمن مرة أخرى: استلاب الصورة؛ سادساً، ارتياب؛ سابعاً، الإشارات والتنبيهات، وأخيراً الخاتمة.  

المصدر : مداد / د. عقيل سعيد محفوض


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة