لم يمهل المخرج المغربي الشاب محمد أشاور جمهور السينما في بلاده فرصة الاستئناس برؤيته الفنية واختياراته، بل أطل عليه عارياً منذ الفيلم الأول "فيلم..."، الذي قدم مادة سينمائية أطاحت بكل المحظورات الأدبية والقيمية داخل مجتمع محافظ، دافعاً بذلك إلى الخلف خطوط التماس مع الممنوع في السينما المغربية. 

مونولوجات داخلية أقرب إلى الهذيان، حوارات متدفقة، بلغة لم يتردد صف واسع من الجمهور وبعض النقاد في وصفها بـ "السوقية"، كونها تنهل من عامية القاع الشعبي. 

مشاهد ساخنة وأجواء سكر طبعت الجزء الأكبر من خلفية الحكاية...عناصر تضافرت لتجعل من "فيلم" زلزال الدورة الأخيرة لمهرجان السينما المغربية، ب (طنجة.)

والحال أن مضمون الفيلم في غاية الجدية، إنه رصد لحالة التشظي التي يعيشها المبدع السينمائي وهو يبحث عن مادة سردية يستند عليها سيناريو العمل الأول، الذي يحسم إلى حد كبير مستقبل المبدع ومدى تلقي اجتهاده الفني. 

قلق مستديم، فكرة تجب سابقتها، كتابة ثم محو ثم كتابة، خوف من الفشل، واستحضار لتجارب سينمائيين مرموقين وهم يحيون مخاض الولادة العسيرة، ومن هذه الزاوية لا يخلو الفيلم من عنصر بيوغرافي يستلهم التجربة الواقعية لمخرج العمل، محمد أشاور. 

وإن كانت الجرأة في المقاربة واللغة والأدوات باتت سمة للتجارب السينمائية المغربية بخاصة والمغاربية بصفة أعم، فإن سؤال الجرعة والخيط الرفيع بين البذاءة والجرأة واحتمال السقوط في المجانية ظل قائما حتى مع تبرير المخرج، الذي لعب أيضا بطولة الفيلم، لاختياره بطبيعة الفضاءات التي احتضنت الحوارات الداخلية داخل البيت، إما مع الذات أو مع الزوجة، أو الخارجية في الحانة مع الصديق. 

وفي خضم قلق البحث عن الفكرة الصائبة لمخاطبة الجمهور، ينصرف الفيلم، ثلاثي الشخصيات، الذي تدور أحداثه في 70 دقيقة، إلى طرح قضية الحرية والرقابة في التعامل مع الثالوث المحرم: الجنس، السياسة والدين.. ويصرف هواجسه بهذا الخصوص في مشاهد ساخرة قوية تخرق كل شيء.. تقريباً. 

والواقع أن الجدل الصاخب حول الجرأة اللغوية والبصرية للعمل لم يحجب قيمته الإبداعية متعددة الجوانب، خصوصا من حيث سلاسة السرد السينمائي والتلقائية الملفتة لشخوصه الثلاثة في أولى أعمالهم، وغنى الإحالات الخارجية الفنية والفلسفية، ما جعل العديد من النقاد يتنبأون بمستقبل واعد لمحمد أشاور، ضمن الجيل الجديد للمخرجين المغاربة. 

ووجد هذا الترحاب، النخبوي على الأقل، صداه في نتائج المهرجان القومي للسينما المغربية، حيث حصل "فيلم" على جائزتين، هما جائزة العمل الأول، وجائزة أفضل أداء رجالي ثانوي، للممثل فهد بن شمسي.

  • فريق ماسة
  • 2011-03-30
  • 12500
  • من الأرشيف

"فيلم" المغربي محمد أشاور... يعري قلق المبدع بجرأة صادمة

  لم يمهل المخرج المغربي الشاب محمد أشاور جمهور السينما في بلاده فرصة الاستئناس برؤيته الفنية واختياراته، بل أطل عليه عارياً منذ الفيلم الأول "فيلم..."، الذي قدم مادة سينمائية أطاحت بكل المحظورات الأدبية والقيمية داخل مجتمع محافظ، دافعاً بذلك إلى الخلف خطوط التماس مع الممنوع في السينما المغربية.  مونولوجات داخلية أقرب إلى الهذيان، حوارات متدفقة، بلغة لم يتردد صف واسع من الجمهور وبعض النقاد في وصفها بـ "السوقية"، كونها تنهل من عامية القاع الشعبي.  مشاهد ساخنة وأجواء سكر طبعت الجزء الأكبر من خلفية الحكاية...عناصر تضافرت لتجعل من "فيلم" زلزال الدورة الأخيرة لمهرجان السينما المغربية، ب (طنجة.) والحال أن مضمون الفيلم في غاية الجدية، إنه رصد لحالة التشظي التي يعيشها المبدع السينمائي وهو يبحث عن مادة سردية يستند عليها سيناريو العمل الأول، الذي يحسم إلى حد كبير مستقبل المبدع ومدى تلقي اجتهاده الفني.  قلق مستديم، فكرة تجب سابقتها، كتابة ثم محو ثم كتابة، خوف من الفشل، واستحضار لتجارب سينمائيين مرموقين وهم يحيون مخاض الولادة العسيرة، ومن هذه الزاوية لا يخلو الفيلم من عنصر بيوغرافي يستلهم التجربة الواقعية لمخرج العمل، محمد أشاور.  وإن كانت الجرأة في المقاربة واللغة والأدوات باتت سمة للتجارب السينمائية المغربية بخاصة والمغاربية بصفة أعم، فإن سؤال الجرعة والخيط الرفيع بين البذاءة والجرأة واحتمال السقوط في المجانية ظل قائما حتى مع تبرير المخرج، الذي لعب أيضا بطولة الفيلم، لاختياره بطبيعة الفضاءات التي احتضنت الحوارات الداخلية داخل البيت، إما مع الذات أو مع الزوجة، أو الخارجية في الحانة مع الصديق.  وفي خضم قلق البحث عن الفكرة الصائبة لمخاطبة الجمهور، ينصرف الفيلم، ثلاثي الشخصيات، الذي تدور أحداثه في 70 دقيقة، إلى طرح قضية الحرية والرقابة في التعامل مع الثالوث المحرم: الجنس، السياسة والدين.. ويصرف هواجسه بهذا الخصوص في مشاهد ساخرة قوية تخرق كل شيء.. تقريباً.  والواقع أن الجدل الصاخب حول الجرأة اللغوية والبصرية للعمل لم يحجب قيمته الإبداعية متعددة الجوانب، خصوصا من حيث سلاسة السرد السينمائي والتلقائية الملفتة لشخوصه الثلاثة في أولى أعمالهم، وغنى الإحالات الخارجية الفنية والفلسفية، ما جعل العديد من النقاد يتنبأون بمستقبل واعد لمحمد أشاور، ضمن الجيل الجديد للمخرجين المغاربة.  ووجد هذا الترحاب، النخبوي على الأقل، صداه في نتائج المهرجان القومي للسينما المغربية، حيث حصل "فيلم" على جائزتين، هما جائزة العمل الأول، وجائزة أفضل أداء رجالي ثانوي، للممثل فهد بن شمسي.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة