اذا ما استثنينا مناطق تواجد الكرد بشكل أساسي، سواء في الشمال أو الشرق، حيث تتوزع السيطرة بين تركيا والولايات المتحدة الاميركية، فان ادلب تمثل آخر مناطق سيطرة الجماعات المسلحة، لا سيما المصنفة منها ارهابية؛ كجبهة “النصرة” وحراس الدين وغيرهما، وبتحريرها تصبح الجغرافيا السورية بمعظمها بأيدي الجيش السوري بانتظار معالجة ملف شرق الفرات وبعض مناطق الشمال.

 

لكن ما يزيد من خصوصية الحالة الإدلبية هو تدخل معايير إقليمية ودولية؛ إذ تضع أنقرة ثقلها للحيلولة دون استرداد الجيش السوري للمحافظة، ولهذا الأمر يسعى الاميركي ايضاً، وان اختلفت الاهداف والغايات. ولئن كانت دوافع تركيا تتعلق برغبتها في فرض سيطرتها على إدلب من خلال إدارتها للفصائل العاملة هناك، ما يضمن لها إحباط أي مشروع كردي، فان الدوافع الاميركية تتعلق بإطالة أمد الصراع في ادلب ابعاداً لفتح ملف شرق الفرات. على أن إطالة أمد الحرب كانت هي الاستراتيجية الاميركية المعتمدة منذ الاقتناع بفشل خيار اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.

 

من وجهة النظر التركية، فإن تحرير إدلب يعني إحباط كل الجهود التركية التي بدأتها منذ 7 سنوات، في توسعة لواء الاسكندرون وضم مناطق سورية جديدة من ضمنها مناطق الكرد رغم زعمها أنها تعارض تقسيم سوريا.

 

أما الجانب الاميركي، فبحسب المعلومات فإنه لا يمانع من الدخول في تسوية سياسية، لكن شروطه للتسوية لا يقبل بها السوري ولا الروسي فضلا عن الايراني، وهي مطالب أقل ما يقال عنها أنها مطالب منتصر لا منهزم.

 

في المقابل، تصر الحكومة السورية، ومن خلفها روسيا وايران، على ضرورة تحرير المدينة، سواء بالأساليب السياسية أو العسكرية، وان كانت تفضل الاولى على الثانية.

 

في الواقع فان فشل لقاء طهران لم يكن مفاجئاً، على الاقل للجانبين الروسي والايراني، بسبب سلوك انقرة ومماطلاتها المتكررة في تنفيذ تعهداتها المتعلقة بفصل الجماعات المسلحة “المعتدلة” عن الجماعات الارهابية، ويُقصد بها خصوص “هيئة تحرير الشام”، وتاليا “حراس الدين” التنظيم القاعدي الرسمي في سوريا.

 

ومهما يكن من أمر فإن مصير ومكان انتشار الجماعات المصنفة ارهابية يرتبط برؤية وأولويات الدول الداعمة والراعية والحامية لها؛ فبينما تتبنى أمريكا سياسة الاحتفاظ بالإرهاب في معسكرات تدريب ومناطق خاضعة للحماية علّها تستدعيه في توظيفات لاحقة، تتبنى روسيا والصين وايران منطق القضاء عليه نهائيًّا داخل سوريا تفادياً لخطر محتمل قويا بنقلهم الى مناطق صينية او روسية، وتعود هذه الخشية المبررة الى وجود بضعة آلاف من المتطرفين الشيشانيين والصينيين من ذوي الأصول الأيغورية والذين انخرطوا في صفوف “داعش” و”القاعدة”.

 

أما تركيا، وبمعزل عن ما تقدم من مطامع، فإنها تتخوف من معركة إدلب لما ستنطوي عليه من عملية نزوح كبيرة، ليس فقط من المدنيين وانما ايضا من المسلحين الذين اذا ما رأوا الهزيمة تحوط بهم فإن الأراضي التركية ستكون ملاذهم الوحيد على بعض الجبهات. وهي أزمة متعددة الوجوه نظرا لانعكاس هذا النزوح على أوروبا، وهي ورقة سبق لتركيا أن لعبت بها مع أوروبا وجعلت منها ورقة ابتزاز.

 

وأمام هذه التصورات فإن ما ينتظر هذه الجماعات في ادلب هو أكثر من خيار، يختلف باختلاف جنسيتهم والجماعة التي ينتمون اليها، أو الكيان الذي يعملون فيه، والخلفيات التي ينطلقون منها، فهل يحمل خلفية دينية متشددة او ينطلق من مصالح سياسية او شخصية؟!

 

وعلى أي حال فانه يمكننا أن نتصور الخيارات التالية:

 

1- التصالح مع الدولة

 

ورغم أن هذا السيناريو مستبعد حدوثه على نطاق واسع، بسبب طبيعة التنظيمات والجماعات المتواجدة هناك، وهي بشكل لا بأس به عبارة عن جماعات سبق ورفضت التسوية واختارت ادلب مكانا لها بعد هزيمتها في انحاء متعددة من الجغرافيا السورية. وعليه، فان التسوية ربما تكون خيارا لبعض فصائل “حركة أحرار الشام” و”الجيش الحر” وبعض القوة المحلية والعشائرية. ومن المرجح انه اذا ما بدأت بعض عمليات التسوية والمصالحة، ان ينفرط عقد ما يسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”. وقد يساعد في اتساع مروحة المصالحات اذا ما قررت الحكومة السورية اعداد مراسيم عفو عام عن المسلحين ممن لم يثبت تورطهم في قضايا ارهابية وهو ما المح اليه رئيس المركز الوطني لإدارة الدفاع عن روسيا الاتحادية، اللواء “ميخائيل ميزينتسيف”.

 

2- التحول الى خلايا إرهابية

 

وهو احتمال يقارب التجربة الداعشية في العراق، الا أن البيئة السورية المختلفة عن البيئة العراقية لا تساعد عليه، خاصة وان الدولة السورية وأجهزة مخابراتها تملك بنكا من المعلومات والملفات الشخصية عن المسلحين. على أن التحول الى خلايا سرية ليس بالأمر السهل ما لم تكن الاراضي التركية هي المنطلق لهذه الجماعات. نعم يبدو هذا الامر متاحا للمسلحين من الجنسية غير السورية حيث الاحصاءات عنهم غير متوفرة بشكل دقيق. وقد يقوي من تحول هؤلاء الى خلايا سرية هو عدم اتاحة الفرصة لهم بالخروج ومغادرة البلاد. ولعل هذه النقطة تحديدا ستكون مورد اتفاق عند معظم الافرقاء باستثناء سوريا نفسها، اذ إن باقي الاطراف، لا سيما الدول التي يحمل المسلحون جنسيتها، ترى في عودتهم خطراً أمنيا كبيراً. وفي حال تم الاتفاق على ترحيلهم، فان الوجهة المقبلة يصعب الاتفاق عليها نظرا لاختلاف المشاريع والاولويات وهذا بحث آخر ليس هنا محله.

 

3- المواجهة الشاملة

 

وهو احتمال يسعى الجميع لتجنبه نظراً للأثمان الباهظة المترتبة عليه، وان كان هو الاحتمال الاقوى رغم اختلاف الغايات والاهداف منه؛ فالجيش السوري ومن ورائه روسيا وايران يهدفون منه للضغط نحو قبول التسوية، فيما يهدف التركي لتحويله الى استنزاف يدفع سوريا وروسيا نحو التنازل والقبول بهدن طويلة الاجل، وان كانت المواجهة الطويلة لا تخدم الاهداف التركية نظرا لما قد يترتب عليها من عمليات نزوح كبيرة ستؤرق الجانب التركي والاوروبي. أما الاميركي، فيرى مصلحة كبيرة في المواجهة الشاملة شرط أن يطول أمدها ولا يرى سببا للتدخل الا في حالة الانهيارات الكبيرة للجماعات المسلحة.

 

على أي حال، فإن “الجبهة الوطنية للتحرير” ستكون أول الكيانات المنهارة وربما قبل “هيئة تحرير الشام”؛ وذلك أنها مؤلفة من كيانات غير متجانسة وان برعاية تركية. أما “هيئة تحرير الشام” فإن قياداتها الاساسية لا خيار أمامها سوى القتال أو الرحيل.

 

ومهما يكن من أمر، فإن المواجهة هو الخيار الأقرب، لأن التسويات الكبرى لا تتم الا تحت النار، والمصالحات تحتاج الى دخان كثيف. والأرجح أن خيار المواجهة سيفضي الى تسوية سيكون ثمنها ليس أقل من رأس الجولاني وجماعته.

  • فريق ماسة
  • 2018-09-15
  • 19019
  • من الأرشيف

سيناريوهات ادلب ورأس الجولاني

اذا ما استثنينا مناطق تواجد الكرد بشكل أساسي، سواء في الشمال أو الشرق، حيث تتوزع السيطرة بين تركيا والولايات المتحدة الاميركية، فان ادلب تمثل آخر مناطق سيطرة الجماعات المسلحة، لا سيما المصنفة منها ارهابية؛ كجبهة “النصرة” وحراس الدين وغيرهما، وبتحريرها تصبح الجغرافيا السورية بمعظمها بأيدي الجيش السوري بانتظار معالجة ملف شرق الفرات وبعض مناطق الشمال.   لكن ما يزيد من خصوصية الحالة الإدلبية هو تدخل معايير إقليمية ودولية؛ إذ تضع أنقرة ثقلها للحيلولة دون استرداد الجيش السوري للمحافظة، ولهذا الأمر يسعى الاميركي ايضاً، وان اختلفت الاهداف والغايات. ولئن كانت دوافع تركيا تتعلق برغبتها في فرض سيطرتها على إدلب من خلال إدارتها للفصائل العاملة هناك، ما يضمن لها إحباط أي مشروع كردي، فان الدوافع الاميركية تتعلق بإطالة أمد الصراع في ادلب ابعاداً لفتح ملف شرق الفرات. على أن إطالة أمد الحرب كانت هي الاستراتيجية الاميركية المعتمدة منذ الاقتناع بفشل خيار اسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.   من وجهة النظر التركية، فإن تحرير إدلب يعني إحباط كل الجهود التركية التي بدأتها منذ 7 سنوات، في توسعة لواء الاسكندرون وضم مناطق سورية جديدة من ضمنها مناطق الكرد رغم زعمها أنها تعارض تقسيم سوريا.   أما الجانب الاميركي، فبحسب المعلومات فإنه لا يمانع من الدخول في تسوية سياسية، لكن شروطه للتسوية لا يقبل بها السوري ولا الروسي فضلا عن الايراني، وهي مطالب أقل ما يقال عنها أنها مطالب منتصر لا منهزم.   في المقابل، تصر الحكومة السورية، ومن خلفها روسيا وايران، على ضرورة تحرير المدينة، سواء بالأساليب السياسية أو العسكرية، وان كانت تفضل الاولى على الثانية.   في الواقع فان فشل لقاء طهران لم يكن مفاجئاً، على الاقل للجانبين الروسي والايراني، بسبب سلوك انقرة ومماطلاتها المتكررة في تنفيذ تعهداتها المتعلقة بفصل الجماعات المسلحة “المعتدلة” عن الجماعات الارهابية، ويُقصد بها خصوص “هيئة تحرير الشام”، وتاليا “حراس الدين” التنظيم القاعدي الرسمي في سوريا.   ومهما يكن من أمر فإن مصير ومكان انتشار الجماعات المصنفة ارهابية يرتبط برؤية وأولويات الدول الداعمة والراعية والحامية لها؛ فبينما تتبنى أمريكا سياسة الاحتفاظ بالإرهاب في معسكرات تدريب ومناطق خاضعة للحماية علّها تستدعيه في توظيفات لاحقة، تتبنى روسيا والصين وايران منطق القضاء عليه نهائيًّا داخل سوريا تفادياً لخطر محتمل قويا بنقلهم الى مناطق صينية او روسية، وتعود هذه الخشية المبررة الى وجود بضعة آلاف من المتطرفين الشيشانيين والصينيين من ذوي الأصول الأيغورية والذين انخرطوا في صفوف “داعش” و”القاعدة”.   أما تركيا، وبمعزل عن ما تقدم من مطامع، فإنها تتخوف من معركة إدلب لما ستنطوي عليه من عملية نزوح كبيرة، ليس فقط من المدنيين وانما ايضا من المسلحين الذين اذا ما رأوا الهزيمة تحوط بهم فإن الأراضي التركية ستكون ملاذهم الوحيد على بعض الجبهات. وهي أزمة متعددة الوجوه نظرا لانعكاس هذا النزوح على أوروبا، وهي ورقة سبق لتركيا أن لعبت بها مع أوروبا وجعلت منها ورقة ابتزاز.   وأمام هذه التصورات فإن ما ينتظر هذه الجماعات في ادلب هو أكثر من خيار، يختلف باختلاف جنسيتهم والجماعة التي ينتمون اليها، أو الكيان الذي يعملون فيه، والخلفيات التي ينطلقون منها، فهل يحمل خلفية دينية متشددة او ينطلق من مصالح سياسية او شخصية؟!   وعلى أي حال فانه يمكننا أن نتصور الخيارات التالية:   1- التصالح مع الدولة   ورغم أن هذا السيناريو مستبعد حدوثه على نطاق واسع، بسبب طبيعة التنظيمات والجماعات المتواجدة هناك، وهي بشكل لا بأس به عبارة عن جماعات سبق ورفضت التسوية واختارت ادلب مكانا لها بعد هزيمتها في انحاء متعددة من الجغرافيا السورية. وعليه، فان التسوية ربما تكون خيارا لبعض فصائل “حركة أحرار الشام” و”الجيش الحر” وبعض القوة المحلية والعشائرية. ومن المرجح انه اذا ما بدأت بعض عمليات التسوية والمصالحة، ان ينفرط عقد ما يسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”. وقد يساعد في اتساع مروحة المصالحات اذا ما قررت الحكومة السورية اعداد مراسيم عفو عام عن المسلحين ممن لم يثبت تورطهم في قضايا ارهابية وهو ما المح اليه رئيس المركز الوطني لإدارة الدفاع عن روسيا الاتحادية، اللواء “ميخائيل ميزينتسيف”.   2- التحول الى خلايا إرهابية   وهو احتمال يقارب التجربة الداعشية في العراق، الا أن البيئة السورية المختلفة عن البيئة العراقية لا تساعد عليه، خاصة وان الدولة السورية وأجهزة مخابراتها تملك بنكا من المعلومات والملفات الشخصية عن المسلحين. على أن التحول الى خلايا سرية ليس بالأمر السهل ما لم تكن الاراضي التركية هي المنطلق لهذه الجماعات. نعم يبدو هذا الامر متاحا للمسلحين من الجنسية غير السورية حيث الاحصاءات عنهم غير متوفرة بشكل دقيق. وقد يقوي من تحول هؤلاء الى خلايا سرية هو عدم اتاحة الفرصة لهم بالخروج ومغادرة البلاد. ولعل هذه النقطة تحديدا ستكون مورد اتفاق عند معظم الافرقاء باستثناء سوريا نفسها، اذ إن باقي الاطراف، لا سيما الدول التي يحمل المسلحون جنسيتها، ترى في عودتهم خطراً أمنيا كبيراً. وفي حال تم الاتفاق على ترحيلهم، فان الوجهة المقبلة يصعب الاتفاق عليها نظرا لاختلاف المشاريع والاولويات وهذا بحث آخر ليس هنا محله.   3- المواجهة الشاملة   وهو احتمال يسعى الجميع لتجنبه نظراً للأثمان الباهظة المترتبة عليه، وان كان هو الاحتمال الاقوى رغم اختلاف الغايات والاهداف منه؛ فالجيش السوري ومن ورائه روسيا وايران يهدفون منه للضغط نحو قبول التسوية، فيما يهدف التركي لتحويله الى استنزاف يدفع سوريا وروسيا نحو التنازل والقبول بهدن طويلة الاجل، وان كانت المواجهة الطويلة لا تخدم الاهداف التركية نظرا لما قد يترتب عليها من عمليات نزوح كبيرة ستؤرق الجانب التركي والاوروبي. أما الاميركي، فيرى مصلحة كبيرة في المواجهة الشاملة شرط أن يطول أمدها ولا يرى سببا للتدخل الا في حالة الانهيارات الكبيرة للجماعات المسلحة.   على أي حال، فإن “الجبهة الوطنية للتحرير” ستكون أول الكيانات المنهارة وربما قبل “هيئة تحرير الشام”؛ وذلك أنها مؤلفة من كيانات غير متجانسة وان برعاية تركية. أما “هيئة تحرير الشام” فإن قياداتها الاساسية لا خيار أمامها سوى القتال أو الرحيل.   ومهما يكن من أمر، فإن المواجهة هو الخيار الأقرب، لأن التسويات الكبرى لا تتم الا تحت النار، والمصالحات تحتاج الى دخان كثيف. والأرجح أن خيار المواجهة سيفضي الى تسوية سيكون ثمنها ليس أقل من رأس الجولاني وجماعته.

المصدر : الماسة السورية/ العهد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة