“عون في دمشق” هاجسٌ لم يفارق يوميات من تبقى من فلول 14 آذار منذ أن اعتلى العماد ميشال عون كرسي قصر بعبدا، وهو الهاجس الذي بات أقرب للحقيقة مع مبادرة رئيس الجمهورية للاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام، لتبدأ مرحلة عض الأصابع لدى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس المكلف سعد الحريري اللذَين كانا جزءاً لا يتجزأ من التسوية الرئاسية التي أتت بعون رئيساً.

 

لا شيء في الواقع يمنع هذه الزيارة، فالعلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا قائمة، ونكرانها ليس إلا ضربٌ من الجنون، فهناك سفارتان وسفيران في الدولتين، وهناك موفد رئاسي رسمي شبه أسبوعي إلى دمشق عبر وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في حكومة تصريف الاعمال بيار رفول، وهناك مفوض رسمي لبناني لمتابعة قضية النازحين بين البلدين هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

 

لكن كل ما يمنع هذه الزيارة حتى الآن روادع معنوية مرتبطة بتاريخ الوجود السوري في لبنان، والذي تنظر إليه شريحة كبيرة من اللبنانيين على أنه تاريخٌ أسوَد صبغ حياة الكثير من العائلات اللبنانية بالمآسي، وفي مقدمتهم أهالي المفقودين في السجون السورية.

 

تأخذ مصادر 8 آذار على عون زيارته لعدد كبير من العواصم العربية واستثناء دمشق، علماً أن دمشق كانت قد رحبت بزيارة “حليفها” إليها بعدة مناسبات. وتبرر مصادر مقربة من بعبدا عدم شمل العاصمة السورية بجولاته العربية لسبب أول هو أمني، مرتبط بمحيط دمشق غير الآمن وقتها، وسبب آخر سياسي دبلوماسي لأن عون لا يريد إدخال لبنان في أتون صراع دبلوماسي عربي دولي، بسبب مقاطعة الدول الأجنبية والعربية لدمشق، إضافةً إلى أن جزء من القوى السياسية داخل لبنان تدور في الفلك نفسه، ما قد ينعكس سلباً على العهد، وهي الاسباب التي تفهمتها دمشق، وتم تعيين رفول يومها كموفد رسمي وقناة تواصل بين الرئاستين.

 

لماذا المجاهرة بالاتصال المباشر اليوم؟ الامر يعود الى قضايا ابعد من دافع نحو “التطبيع” كما يتردد، فقد علم “ليبانون ديبايت” أن موسكو دعت وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل خلال زيارته الاخيرة فتح باب التنسيق المباشر مع الحكومة السورية لحل أزمة النازحين، وعلى هذه الخلفية حصل الاتصال وتقصّد عون تعميمه، علماً أن لا شيء يؤكد أنه الاتصال الأول، بعد تولي عون رئاسة الجمهورية، ولكن يمكن الجزم أنه الاتصال الأول المعمّم.

 

وانسجاماً مع الجو السياسي الدولي الجديد تجاه دمشق، وانتفاء السبب الأمني بعد التطورات العسكرية الميدانية في سوريا لصالح النظام وحلفائه، ينتظر حلفاء دمشق من عون زيارة قريبة للعاصمة السورية، حتى المعارضين أنفسهم لتطبيع العلاقات بين الدولتين، يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذه الزيارة ستصبح أمراً واقعاً بعد نضوج الحل السياسي في سوريا، ولكن لا يريدون لرئيس لبنان أن يبادر إلى سابقة ويكون أول رئيس عربي يزور دمشق، فهل يفعلها عون قريباً أم يكسب مزيداً من الوقت بما يوفر عليه قليلاً من الحرج؟

 

يرفض النائب سمير الجسر الاجابة على هذا السؤال، والدخول في الفرضيات، ويطالب بتوجيه السؤال للرئيس عون، ويقول “إذا أراد عون زيارة دمشق، فهذا شأنه”. ويستنكر في حديث لـ”ليبانون ديبايت” الكلام عن عملية تطبيع مع السوريين، لأن التطبيع عادة يكون بين بلدين متعارضين أو بينهما قطيعة، “لكن بين لبنان وسوريا علاقات واتفاقيات وتبادل سفارات”، ويرى في اشتراط ما يسمونه التطبيع للتبادل التجاري، دعوة للإذعان والرضوخ ونوع من الاستثارة في ظروف معينة حساسة، تحاول إرجاع لبنان لسياسة المحاور، ولا تؤمن خلفية لعلاقات طبيعية حسنة فيما بعد.

 

وعن اتصال عون بالأسد يقول الجسر “الاتصال شيء والزيارة شيء آخر، لا أعرف سبب الاتصال ولا أريد التوقف عنده، أو تحويله لمشكلة” واكتفى بالسؤال إن كانت إثارة موضوع التطبيع أمر يصب بمصلحة البلد أم فقط يهدف لاستثارة الأفرقاء السياسيين في هذا الظرف بالذات، أثناء تشكيل الحكومة.

 

وبدوره يؤكد نائب تكتل “لبنان القوي” أسعد درغام أن الرئيس عون هو رئيس لكل لبنان، يقدر أن يحدد الخطوات التي يقوم بها ومدى أهميتها وإيجابيتها لمصلحة لبنان، ولديه الجرأة الكافية ليعلن عن زيارة سوريا في حال كان هناك زيارة.

 

ويلفت إلى أن أي شيء يتعلق بالعلاقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية تحدده الحكومة اللبنانية مجتمعة، والعهد متمسك بالعلاقة بين الجانبين عبر قنوات الاتصال لتأمين عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، وفتح المعابر البرية “فهل من فريق لبناني يقدر أن يقول أنه لا يريد فتح هذه المعابر وبالتالي وقف تصدير المنتجات اللبنانية من خلال المعابر البرية السورية الى الدول العربية”.

 

ويدعو درغام عبر “ليبانون ديبايت” لوضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار، وعدم التقيد بمصالح الدول الأخرى على حساب مصلحة لبنان، المعني أكثر من غيره بالعلاقة مع السوريين لجهة أزمة النازحين، والأعباء الاقتصادية والامنية والاجتماعية التي تترتب عليه. ويضع الاتصال بين الرئيس عون والرئيس السوري في الاطار الطبيعي طالما ان هناك علاقات دبلوماسية ومصالح ومشاكل مشتركة بين البلدين.

  • فريق ماسة
  • 2018-08-25
  • 6925
  • من الأرشيف

عون في دمشق؟

“عون في دمشق” هاجسٌ لم يفارق يوميات من تبقى من فلول 14 آذار منذ أن اعتلى العماد ميشال عون كرسي قصر بعبدا، وهو الهاجس الذي بات أقرب للحقيقة مع مبادرة رئيس الجمهورية للاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام، لتبدأ مرحلة عض الأصابع لدى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس المكلف سعد الحريري اللذَين كانا جزءاً لا يتجزأ من التسوية الرئاسية التي أتت بعون رئيساً.   لا شيء في الواقع يمنع هذه الزيارة، فالعلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا قائمة، ونكرانها ليس إلا ضربٌ من الجنون، فهناك سفارتان وسفيران في الدولتين، وهناك موفد رئاسي رسمي شبه أسبوعي إلى دمشق عبر وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في حكومة تصريف الاعمال بيار رفول، وهناك مفوض رسمي لبناني لمتابعة قضية النازحين بين البلدين هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.   لكن كل ما يمنع هذه الزيارة حتى الآن روادع معنوية مرتبطة بتاريخ الوجود السوري في لبنان، والذي تنظر إليه شريحة كبيرة من اللبنانيين على أنه تاريخٌ أسوَد صبغ حياة الكثير من العائلات اللبنانية بالمآسي، وفي مقدمتهم أهالي المفقودين في السجون السورية.   تأخذ مصادر 8 آذار على عون زيارته لعدد كبير من العواصم العربية واستثناء دمشق، علماً أن دمشق كانت قد رحبت بزيارة “حليفها” إليها بعدة مناسبات. وتبرر مصادر مقربة من بعبدا عدم شمل العاصمة السورية بجولاته العربية لسبب أول هو أمني، مرتبط بمحيط دمشق غير الآمن وقتها، وسبب آخر سياسي دبلوماسي لأن عون لا يريد إدخال لبنان في أتون صراع دبلوماسي عربي دولي، بسبب مقاطعة الدول الأجنبية والعربية لدمشق، إضافةً إلى أن جزء من القوى السياسية داخل لبنان تدور في الفلك نفسه، ما قد ينعكس سلباً على العهد، وهي الاسباب التي تفهمتها دمشق، وتم تعيين رفول يومها كموفد رسمي وقناة تواصل بين الرئاستين.   لماذا المجاهرة بالاتصال المباشر اليوم؟ الامر يعود الى قضايا ابعد من دافع نحو “التطبيع” كما يتردد، فقد علم “ليبانون ديبايت” أن موسكو دعت وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل خلال زيارته الاخيرة فتح باب التنسيق المباشر مع الحكومة السورية لحل أزمة النازحين، وعلى هذه الخلفية حصل الاتصال وتقصّد عون تعميمه، علماً أن لا شيء يؤكد أنه الاتصال الأول، بعد تولي عون رئاسة الجمهورية، ولكن يمكن الجزم أنه الاتصال الأول المعمّم.   وانسجاماً مع الجو السياسي الدولي الجديد تجاه دمشق، وانتفاء السبب الأمني بعد التطورات العسكرية الميدانية في سوريا لصالح النظام وحلفائه، ينتظر حلفاء دمشق من عون زيارة قريبة للعاصمة السورية، حتى المعارضين أنفسهم لتطبيع العلاقات بين الدولتين، يعلمون في قرارة أنفسهم أن هذه الزيارة ستصبح أمراً واقعاً بعد نضوج الحل السياسي في سوريا، ولكن لا يريدون لرئيس لبنان أن يبادر إلى سابقة ويكون أول رئيس عربي يزور دمشق، فهل يفعلها عون قريباً أم يكسب مزيداً من الوقت بما يوفر عليه قليلاً من الحرج؟   يرفض النائب سمير الجسر الاجابة على هذا السؤال، والدخول في الفرضيات، ويطالب بتوجيه السؤال للرئيس عون، ويقول “إذا أراد عون زيارة دمشق، فهذا شأنه”. ويستنكر في حديث لـ”ليبانون ديبايت” الكلام عن عملية تطبيع مع السوريين، لأن التطبيع عادة يكون بين بلدين متعارضين أو بينهما قطيعة، “لكن بين لبنان وسوريا علاقات واتفاقيات وتبادل سفارات”، ويرى في اشتراط ما يسمونه التطبيع للتبادل التجاري، دعوة للإذعان والرضوخ ونوع من الاستثارة في ظروف معينة حساسة، تحاول إرجاع لبنان لسياسة المحاور، ولا تؤمن خلفية لعلاقات طبيعية حسنة فيما بعد.   وعن اتصال عون بالأسد يقول الجسر “الاتصال شيء والزيارة شيء آخر، لا أعرف سبب الاتصال ولا أريد التوقف عنده، أو تحويله لمشكلة” واكتفى بالسؤال إن كانت إثارة موضوع التطبيع أمر يصب بمصلحة البلد أم فقط يهدف لاستثارة الأفرقاء السياسيين في هذا الظرف بالذات، أثناء تشكيل الحكومة.   وبدوره يؤكد نائب تكتل “لبنان القوي” أسعد درغام أن الرئيس عون هو رئيس لكل لبنان، يقدر أن يحدد الخطوات التي يقوم بها ومدى أهميتها وإيجابيتها لمصلحة لبنان، ولديه الجرأة الكافية ليعلن عن زيارة سوريا في حال كان هناك زيارة.   ويلفت إلى أن أي شيء يتعلق بالعلاقة بين الحكومتين اللبنانية والسورية تحدده الحكومة اللبنانية مجتمعة، والعهد متمسك بالعلاقة بين الجانبين عبر قنوات الاتصال لتأمين عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، وفتح المعابر البرية “فهل من فريق لبناني يقدر أن يقول أنه لا يريد فتح هذه المعابر وبالتالي وقف تصدير المنتجات اللبنانية من خلال المعابر البرية السورية الى الدول العربية”.   ويدعو درغام عبر “ليبانون ديبايت” لوضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار، وعدم التقيد بمصالح الدول الأخرى على حساب مصلحة لبنان، المعني أكثر من غيره بالعلاقة مع السوريين لجهة أزمة النازحين، والأعباء الاقتصادية والامنية والاجتماعية التي تترتب عليه. ويضع الاتصال بين الرئيس عون والرئيس السوري في الاطار الطبيعي طالما ان هناك علاقات دبلوماسية ومصالح ومشاكل مشتركة بين البلدين.

المصدر : نهلا ناصر الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة