دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كما هو متوقّع، بعد إنجاز الجيش السوري والحلفاء تحرير جنوب سورية وإنهاء وجود الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة الأكثر حساسية في الحرب الوطنية السورية ضدّ وكلاء أميركا وكيان العدو الصهيوني من الإرهابيين التكفيرييين،
لم يعُد أمام سورية وحلفائها سوى التوجه شمالاً إلى محافظة إدلب وشرق الفرات في الشرق لتحريرهما من آخر بقايا الإرهاب الذي تجمّع في هذه المناطق، ما يعني أنّ سورية باتت تقف فعلياً على أعتاب تحقيق النصر النهائي ضدّ أشرس حرب إرهابية كونية استعمارية تعرّضت لها دولة في التاريخ الإنساني، الأمر الذي يشكّل انتصاراً تاريخياً واستراتيجياً ما كان ليتحقق لولا الصمود الأسطوري للقيادة والجيش والشعب في سورية ودعم الحلفاء الذي عزّز هذا الصمود ومكّن سورية من الانتقال إلى الهجوم واستعادة المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون الواحدة تلو الأخرى.
ولهذا فإنّ استحقاق تحرير ما تبقى من محافظة إدلب وشرق الفرات إنما هو استحقاق داهم لا يقبل التأجيل، فإما يتمّ ذلك عبر القوة العسكرية أو عبر التسوية والمصالحة، أو كلتيهما معاً على غرار ما حصل في جنوب سورية. وليس هناك من إمكانية لأيّ مساومة في هذا الأمر من قبل الدولة الوطنية السورية كما أعلن أكثر من مرة الرئيس بشار الأسد بتأكيد التصميم على استعادة سيادة سورية على كامل أراضيها وصولاً إلى فرض رحيل القوات الأجنبية المحتلة لأجزاء من الأرض السورية بلا قيد ولا شرط.
ويبدو من خلال قراءة المشهد في الشمال والشرق، أنّ جميع الأطراف الإرهابية والدولية الداعمة لها في وضع المأزوم والفاقد للقدرة على منع أو إعاقة قرار الدولة السورية في تحقيق هدفها بتحرير هذه المناطق بعد أن أصبحت في وضع مَن يقرّر مسار الأمور في الميدان والسياسة، بما ينسجم مع مصالح سورية الوطنية بعدم التنازل عن حقها في الحفاظ على استقلالية قرارها الوطني من ناحية، ورفض أيّ تسوية سياسية لا تحترم إرادة وحق الشعب السوري في تقرير مصيره بعيداً عن اي تدخل خارجي من ناحية ثانية.
هذا الاستنتاج يستند إلى العوامل التالية:
العامل الأول: الجماعات الإرهابية في إدلب وشرق الفرات باتت تعاني من الإحباط واليأس من إمكانية الصمود في مواجهة أيّ هجوم للجيش العربي السوري والحلفاء، وانّ المعركة ميؤوس منها. فيما الرهان على الدعم الأميركي أو التركي في الميدان لصدّ هجوم الجيش السوري تلاشى لا سيما بعد أن شاهدت هذه الجماعات كيف تخلت الإدارة الأميركية عن دعم إرهابيّيها في الجنوب السوري، حيث أولوية أولويات واشنطن، وهي حماية أمن الكيان الصهيوني، ولهذا فإنّ ذلك ترك قناعة لدى الجماعات الإرهابية بأنّ واشنطن لن تسارع إلى التدخل العسكري لمواجهة هجوم الجيش السوري عندما يبدأ في الشمال والشرق.
العامل الثاني: فقدان الجماعات المسلحة لأيّ تأييد شعبي في مناطق سيطرتها، بل إنها بدأت تواجه ضغطاً شعبياً، على غرار الجنوب، يطالب هذه الجماعات بالدخول في التسوية والمصالحة مع الدولة السورية لتجنيب بلداتهم وقراهم الدمار وخوض معركة نتيجتها محسومة سلفاً لمصلحة الجيش السوري وحلفائه.
العامل الثالث: الورقه الكردية التي كان يراهن عليها المحتلّ الأميركي للاتكاء عليها للضغط على الدولة السورية ومحاولة انتزاع تنازلات تمسّ سيادة واستقلال سورية تشير المعطيات والوقائع إلى أنها قد سحبت من يد الأميركي بعد أن ضاقت الخيارات وأدرك الأكراد مصلحتهم بالعودة إلى كنف الدولة السورية وعدم المراهنة على الدعم الأميركي لا سيما في ظلّ مشهد التخلي الأميركي عن الإرهابيين في الجنوب السوري اثر الحوار الذي أجرته الأحزاب الكردية وفاعليات المناطق الشمالية في الحسكة والقامشلي وغيرها مع الحكومة السورية في دمشق…
العامل الرابع: ستكون واشنطن بعد تحرير الجنوب السوري وتراجعها عن ترجمة تهديداتها بالتدخل لمنع هجوم الجيش السوري والحلفاء، ستكون أقلّ حماسة للتورّط والتدخل ضدّ أيّ هجوم مماثل للجيش السوري في شرق الفرات والشمال، لأنّ الإدارة الأميركية لا تسعى إلى التورّط في حرب برية واسعة ضدّ سورية وحلفائها، وتدرك سلفاً أنها ستعرّض قواتها وقواعدها وكيان العدو الصهيوني لمخاطر كبيرة، ولن تقود بالنهاية إلى انتصار أميركي.. عدا عن الأعباء والأكلاف المالية الكبيرة لمثل هكذا حرب واسعة… ليس بمقدور أميركا تحمّلها… ولهذا فإنّ الاحتمال الأرجح أن تسعى واشنطن عبر روسيا إلى البحث عن مخرج لسحب قواتها من سورية يحفظ لها ماء الوجه بأن تظهر وكأنها شاركت في القضاء على داعش وأنهت مهمتها…
العامل الخامس: أما تركيا التي هدّد رئيسها رجب أردوغان سورية وحذرها من مغبّة الإقدام على عملية عسكرية في إدلب فهي ليست أفضل حالاً من واشنطن… التي أطلقت مثل هذه التهديدات عشية بدء الجيش السوري هجومه لتحرير جنوب سورية، واضطرت إلى التراجع عنها تحت إصرار القيادة السورية وتصميمها على العملية العسكرية وبدعم من حلفائها في محور المقاومة وروسيا. وهو ما يُتوقع تكراره في الشمال أيضاً لا سيما أنّ تركيا أردوغان لا تملك أيّ مبرّرات أو ذرائع لمواصلة تدخلها العسكري في سورية واستمرار احتلال أجزاء من الأرض السورية بعد أن اتفقت الأحزاب الكردية مع الحكومة السورية على عودة الدولة إلى مناطق سيطرتها، وبالتالي إنهاء أيّ وجود مسلح خارج سيطرة الدولة وقواها المسلحة.. وإذا ما أخذنا بالاعتبار حاجة تركيا إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا وإيران، وكذلك حاجتها إلى إعادة مدّ الجسور مع سورية وفتح خط الترانزيت من تركيا إلى الأردن والخليج عبر سورية، فإنه لن يكون من خيار أمام أردوغان سوى التسليم بفشل أهدافه ومشاريعه في سورية وعودة الدولة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد إلى فرض سيطرتها على كامل الحدود مع تركيا، وبالتالي سحب القوات التركية إلى الداخل التركي وكذلك سحب العناصر الإرهابية غير السورية من إدلب لاستخدامها في جبال قنديل في مواجهة حزب العمال الكردستاني، كما تحدثت بعض المعلومات.
في كلّ الأحوال فإنّ معركة نهاية الحرب الإرهابية على سورية باتت في آخر مرحلة بعد تحرير الجنوب وتحديداً محافظة درعا الشرارة التي انطلقت منها الحرب، ولهذا فإنّ معركة استعادة ما تبقى من مناطق في الشمال والشرق لنفس قد دنت ليعلن بعدها الانتصار النهائي لسورية وحلفائها وولادة مرحلة جديدة سورياً وعربياً وإقليمياً ودولياً من هذا الانتصار التاريخي والاستراتيجي الذي غيّر المعادلات وموازين القوى لمصلحة محور المقاومة والدول الإقليمية والدولية الساعة إلى إعادة بناء النظام الدولي على أسس من التعددية والتعاون واحترام سيادة واستقلال الدول وحق شعوبها بتقرير مصيرها بعيداً عن الهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية.
المصدر :
البناء /حسن حردان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة