دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لقد أثبتت الوقائع وبما لا يقبل الشك، ان مسار الميدان في الحرب السورية هو المُحِرّك والموجِّه لسائر المسارات، وقد برهن الجيش العربي السوري وحلفاؤه ذلك، في جميع معارك التحرير التي خاضوها منذ بداية تلك الحرب الغريبة التي شنت على سوريا، وكانت نتيجة المعارك والتقدم في الميدان، هي التي تحدد أطر وتوقيتات ومراحل وشروط وبنود المفاوضات او التسويات او مشاريع الحلول السياسية.
المناورة الميدانية تتأثر بالعديد من المعطيات الاستراتيجية المتداخلة إقليميا ودولياً
في الوقت نفسه، كانت المناورة الميدانية تتأثر بالعديد من المعطيات الاستراتيجية المتداخلة إقليميا ودولياً، بالإضافة طبعاً إلى تأثرها بالاسس العسكرية للمعركة، من عديد وعتاد واسلحة ومعنويات وخطط وتكتيكات، فهل يمكن إيجاد مناورة مناسبة لتحرير الشمال السوري، تعتمد على المعطيات العسكرية وتكون قادرة على تجاوز المعطيات الاستراتيجية؟ وما العناصر المؤثرة بتلك المناورة ؟
ننطلق في تظهير ودراسة عناصر هذه المناورة من مقارنتها مع تلك التي تم فيها، وبنجاح لافت، تحرير الجنوب السوري مؤخراً، وذلك من خلال العوامل الميدانية والعسكرية والاستراتيجية المتداخلة مع بعضها، في الجنوب كما في الشمال، وذلك على الشكل التالي:
لناحية مفهوم خفض التصعيد، والذي هو نتيجة إتفاق أستانة بين روسيا وايران وتركيا، فصحيح انه يشمل منطقة أدلب الكبرى والتي تشمل (محافظة أدلب، والاقسام غير المحررة من محافظات حلب وحماه واللاذقية)، ولكن عمليا لم تتقيد به أغلب فصائل المجموعات المسلحة ـ الارهابية أو حتى غير الارهابية بمفهوم الاتفاق المذكور ـ كما ان تركيا لم تستطع تنفيذ التزاماتها لناحيته، والقاضية بفرض الأمن ووقف التقاتل الدموي بين تلك الفصائل، وبفصل المجموعات الإرهابية عن الاخرى، او بدمج وتذويب المجموعات غير الموافقة عليه مع تلك الموافقة عليه .
هذا المفهوم، كان سارياً ومطبقا كذلك ـ نظريا ـ في الغوطة الشرقية ومحيط العاصمة دمشق، بالإضافة إلى أنه كان معتمداً أيضاً في الجنوب السوري، وبضمانة أقوى، أي باتفاق روسي ـ اميركي، ومع كل ذلك، وضع الجيش العربي السوري هذا المفهوم النظري في خفض التصعيد جانباً، عندما رأى مصلحة الدولة السورية في تجاوزه، خاصة أنه كان يُعتمد من قبل المسلحين، فقط للاحتماء به واستغلاله للاعتداء على الدولة والجيش وعلى المواطنين.
مرحلة خفض التصعيد بالاساس، كانت عمليا مرحلة استثنائية، اعتمدت للانتقال الى الحل النهائي
حتى إن مرحلة خفض التصعيد بالاساس، كانت عمليا مرحلة استثنائية، اعتمدت للانتقال الى الحل النهائي ولاستيعاب تواجد المسلحين كأمر واقع يجب التخلص منه تباعا وبطريقة غير فجة او غير دموية، مع اعطائهم الفرصة للانخراط بالحل السياسي السلمي، وهي لذلك كانت مرتبطة بطريقة ضمنية بهذا الانخراط المطلوب حكما، وبفترة زمنية غير مفتوحة الى أجل غير محدد.
إذن، كما سقط مفهوم خفض التصعيد في الجنوب السوري وقبله في الغوطة الشرقية ومحيطها، لانه فقد مبرر وجوده، واستدعى الوضع العام ومصلحة الدولة والجيش تجاوزه، فتحررت تلك المناطق، ستخضع منطقة إدلب حكما للمنطق والتوجه نفسه، وربما اكثر من ذلك، لان (أدلب الكبرى) ما زالت تحضن اكثر من مجموعة ارهابية غير ملتزمة باتفاق خفض التصعيد، وما زالت تؤثر بامتياز في الميدان وفي تحكمها بخطوط المواجهات ضد الجيش العربي السوري، وليس فقط بمواجهة وحدات الاخير، بل ما زالت هذه المجموعة الإرهابية تطلق طائرات بدون طيار في محاولة استهداف الوحدات الروسية في مطار حميميم وفي قاعدة طرطوس.
لناحية التقييدات الخارجية، ربما كان الجنوب السوري من اكثر المناطق المرتبطة بالعوامل الاقليمية والدولية المقيدة لتمدد الدولة السورية، فبالاضافة لكونه كان يخضع لاتفاق روسي اميركي كمنطقة خارج العمليات العسكرية المباشرة، كان يعتبر نقطة الارتكاز الاخطر على دمشق وعلى الوسط السوري، لارتباط بعض مجموعاته المسلحة بالعدو الاسرائيلي عبر القنيطرة والجولان المحتل، ولارتباط البعض الاخر بالدول الاقليمية الراعية للحرب على سوريا، عبر الحدود مع الاردن من ناحية، وعبر ثغرة القاعدة الاميركية في التنف جنوب شرق سوريا من ناحية اخرى.
التقييدات الخارجية المتعلقة بالجنوب، والتي تجاوزها الجيش العربي السوري عبر فرضه معادلة ميدانية صاعقة، هي غير موجودة في (أدلب الكبرى)
هذه التقييدات الخارجية المتعلقة بالجنوب، والتي تجاوزها الجيش العربي السوري عبر فرضه معادلة ميدانية صاعقة، هي غير موجودة في (أدلب الكبرى)، وربما تنحصر فقط بتلك المتعلقة بالاتراك، والذين لن يستطيعوا المناورة عبرها لعدة أسباب ومنها، عجزهم عن تنفيذ التزاماتهم كما ذكرنا، ووجودهم غير المشروع كقوة احتلال، والأهم من ذلك، ارتياحهم للموضوع الكردي بعد احتلالهم لعفرين واحباط فكرة الانفصال او الاستقلال الكردي، خاصة في ظل الحديث عن تواصل كردي واسع مع الدولة السورية، يتعلق بعودتهم الى كنفها مع حصولهم على مطالب خاصة بثقافتهم او بمجتمعهم او بادارتهم، لا تتعارض بتاتا مع السيادة السورية، الامر الذي يخفف من اعتراض انقرة على اي تمدد للدولة السورية شمالا.
لا تختلف كثيرا معطيات الميدان في ادلب الكبرى عن الجنوب السوري المحرر مؤخراً
لناحية المناورة الميدانية، لا تختلف كثيرا معطيات الميدان في ادلب الكبرى عن الجنوب السوري المحرر مؤخراً، وحيث ان عدد المسلحين المنتشرين شمالا قد يشكل ضعف ما كان يتواجد جنوبا، ولكن تبقى المساحة الجغرافية شمالا أكبر، وقادرة على ان تستوعب مناورة واسعة للجيش العربي السوري، عمادها يكون بفصل ادلب الكبرى الى قسمين او ثلاثة اقسام، وبطريقة مماثلة لعملية تحرير الغوطة الشرقية أو الجنوب السوري، يجري التحرير تباعا لكل قسم على حدى، عبر الضغط العسكري المُرَكّز والمؤدي الى تفاوض فتسوية، وذلك بعد توجيه المدنيين الى القسم غير الخاضع للمهاجمة، وبطريقة التبادل في كل مرحلة.
وأخيراً… انطلاقا من هذه المعطيات، لناحية اتفاق خفض التصعيد او لناحية التقييدات الخارجية، أو لناحية المناورة الميدانية، ستكون عناصر نجاح معركة تحرير الشمال السوري مؤمنة، وحيث اصبحت قدرات الجيش العربي السوري وحلفائه واضحة في فعاليتها وفي قدرتها على الحسم، لا شك ان المعطيات الدولية والاقليمية التي لم تكن لصالح مسلحي الجنوب السوري، لن تختلف في ذلك عن مسلحي ادلب الكبرى.
المصدر :
شارل أبي نادر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة