وكيف يَتناسى البَعض تَجارِب العُمَلاء السَّابِقين فِلسطينيين كانوا أم لُبنانيين والنِّهايات المُهينة والمُذِلَّة التي حَلَّت بِهِم؟

كَثيرةٌ هي الأخبار الصَّادِمة التي تَأتينا هَذهِ الأيّام مِن وَسَط أنقاض الأزمة السُّوريّة، بشقّيها الإنسانيّ والعَسكريّ، لكن بَعضها لا يَستطيع المُراقِب عدم التَّوقُّف عنده ليس لِغَرابَتِه، والمُفارَقات التي يَنطَوِي عليها فقط، وإنّما للدُّروس التي يُمْكِن استخلاصُها من ثَناياه.

أفيخاي أدرعي، المُتحدِّث باسم الجيش الإسرائيليّ، الذي يتْبَعه عشرات الآلاف مِن العَرب على “التويتر” قال أنّ حَواليّ 200 لاجِئ سوريّ وَصلوا صباح اليوم الثلاثاء إلى “حُدود إسرائيل” رافِعين الأعلام البَيضاء، ولكنٍهم تَفرّقوا”.

أمّا الخَبر الآخر اللافت والصَّادِم أيضًا، فهَو المَقطع الذي نشره الصَّحافي الإسرائيلي إيدي كوهين، الذي يُقيم صَداقاتٍ قَويّة مع صَحافيين ومُواطِنين عَرب، وظَهر فيه بِرفقَة المُعارض السُّوري عصام زيتون أثناء زِيارَة الأخير لتَل أبيب، تَوجيهه رِسالةً لوليّ العَهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان ناشَد فيها بِتَلبِية الدَّعوة وزيارة “إسرائيل”، والذَّهاب إلى الكنيست، مِثلَما دعا العَرب إلى زِيارتها أيضًا، والتَّعرُّف على شَعبِها الطَّيِّب.

أدرعي لم يَقُل أنّ "الجيش الإسرائيلي" أغلق الحُدود في وجه هؤلاء اللاجِئين وهدَّدَهم بإطلاقِ النَّار في حالِ مُحاوَلتهم اقتحامِها، الأمر الذي يَكشِف كَذِب مسلسلات التَّعاطُف الإسرائيليّة مع هَؤلاء وأقرانِهم طِوال السَّنوات السَّبع الماضِية، ومُحاوَلة إظهار دُوَل الاحتلال الإسرائيلي بأنّها الحَمَل الوَديع والحاضِنة الحَنون للاجِئين السُّوريين.

لا نَعرِف الأسباب التي دَفعَت هؤلاء إلى التَّوجُّه غَربًا إلى حُدود فِلسطين المُحتلَّة، ونَراها غير مُبرَّرة وغير مَقبولة أيًّا كانَت، خاصَّةً أنّ مِئات الآلاف من أبناء دَرعا والقنيطرة عادوا إلى مِظلَّة الوَطن الأُم، ومن حَمَل السِّلاح مِنهم أعلن توبته، وسَلَّم سِلاحه، وسَوَّى أوضاعه مع السُّلطات السُّوريّة.

هُناك عِدّة تفسيرات لهَذهِ الخَطوة المُستَهجنة، أبرزها وأكثَرها ترجيحًا أنّ هؤلاء ربّما اعتقدوا أنّ السُّلطات الإسرائيليّة ستُرَحِّب بِهِم مِثلَما رحَّبَت بحَواليّ ثلاثة آلاف جريح تلقّوا العِلاج في مُستَشفياتها، وحَظوا بزِيارةِ بنيامين نِتنياهو، ، والتقطوا الصُّوَر معه، ولم يَكونوا يَعرِفون أنّ هؤلاء الجَرحى كانوا ضحيّة حَملاتٍ دعائِيّةٍ هَدفها زَرْع الفِتنة، وتقديم صورة خائِطة ومُزوَّرة لهذا الكَيان إلى العالم، والرأي العام العَربيّ أيضًا، تقول بأنّه إنسانيٌّ ومُتسامِح.

من يَستخدِم الفُسفور الأبيض لحَرق الأطفال والنِّساء في قِطاع غزّة، ومن يَقتُل قنّاصته 130 من الفَتيات والفِتيان والأطفال تَظاهروا سِلميًّا على حُدود قِطاع غزّة مُطالَبين برَفع الحِصار وحَق العَودة، ومن يَقصِف مَقرًّا للأُمم المتحدة في قانا مَرّتين ويَقتُل المِئات من أبناء الجنوب الذين لجأوا إليه هَرَبًا من القَصف السِّجَّادي لقُراهَم من قِبَل الطائرات الإسرائيليّة، هذا العَدو لا يُمكِن أن يكون حَنونًا على اللاجئين السُّوريين العَرب والمُسلِمين، ويَتعاطَف مع مأساتِهم.

فتَغنِّي بعض المُعارضين السُّوريين بالعَدو الإسرائيليّ ومَواقِفه الإنسانيّة في مُقابَلاتِهم على شاشات التَّلفَزة وصَدر الصُّحف، ومُشارَكَتِهم في مُؤتَمرات في القُدس المُحتلَّة وتَل أبيب، وآخِرهم عصام زيتون، لم تُغَيِّر من هذه الحَقائِق، ولم تَسمَح للاجِئٍ سُوريٍّ واحِد باللُّجوء إلى فِلسطين المُحتلَّة.

جميع العُمَلاء الذين تَعاونوا مع أجهزة الاحتلال الإسرائيلي، سَواء كانوا فِلسطينيين أو سوريين أو لُبنانيين، واجَهوا كُل الاحتِقار والإذلال بعد خُروجِهم مع الدَّبّابات الإسرائيليّة المُنسَحِبة والمَهزومة، سِواء من قِطاع غزَّة، أو مِن جنوب لبنان، وانتهوا مَنبوذين من مُجَنِّديهم ومِن العَرب الشُّرَفاء الصَّامِدين في المَناطِق المُحتلَّة عام 1948، الذين رَفضوا وجودهم في قُراهَم وبَلداتِهم.

إسرائيل دَولة التَّمييز العُنصري لا يُمكِن أن تَقبَل لاجِئًا سُوريًّا واحِدًا، وهِي التي هَجَّرت وأبْعَدت مَلايين الفِلسطينيين، وتَبذُل حاليًّا جُهودًا جَبّارةً لتَرحيل بِضعَة آلاف من الأفارِقة الذين لَجأوا إليها عبر الحُدود المِصريّة وتَرفُض تَوطينَهم، بسبب لَونِهِم، وعدم يَهوديّتهم، لأنٍها يَجِب أن تَظَل دَولةً لليهود فقط.

المُواطنون السُّوريون الذين أدْرَكوا حَقيقة حَملات التَّضليل التي مُورِست عليهم في إطارِ مُؤامرةٍ عالميّةٍ شارَكت فيها دُوَل عربيّة وغَربيّة عُظمَى، لا يحتاجون إلى رفع الأعلام البَيضاء إذا ما توجَّهوا إلى المَناطِق التي يُسيطِر عليها جَيشِهم العَربيّ، ويَكفيهم فقط رَفع العلم السوريّ بألوانِه الحَمراء والسَّوداء والبَيضاء ونُجومِه الخُضر، اعتزازًا وافتخارًا واستعدادًا لفَتح صَفحةٍ جَديدةٍ، عُنوانها التَّعايُش والتَّسامُح والغُفران وَطيّ المَلفّات المُؤلِمة، وَبِدءْ صَفحةٍ جَديدةٍ.

  • فريق ماسة
  • 2018-07-17
  • 11290
  • من الأرشيف

لماذا أغْلَقَت “إسرائيل” حُدودَها في وَجه السُّوريين الذين حاوَلوا اللُّجوءَ إليها؟ وما هِي “العِبَر” المُستَخلَصة؟

وكيف يَتناسى البَعض تَجارِب العُمَلاء السَّابِقين فِلسطينيين كانوا أم لُبنانيين والنِّهايات المُهينة والمُذِلَّة التي حَلَّت بِهِم؟ كَثيرةٌ هي الأخبار الصَّادِمة التي تَأتينا هَذهِ الأيّام مِن وَسَط أنقاض الأزمة السُّوريّة، بشقّيها الإنسانيّ والعَسكريّ، لكن بَعضها لا يَستطيع المُراقِب عدم التَّوقُّف عنده ليس لِغَرابَتِه، والمُفارَقات التي يَنطَوِي عليها فقط، وإنّما للدُّروس التي يُمْكِن استخلاصُها من ثَناياه. أفيخاي أدرعي، المُتحدِّث باسم الجيش الإسرائيليّ، الذي يتْبَعه عشرات الآلاف مِن العَرب على “التويتر” قال أنّ حَواليّ 200 لاجِئ سوريّ وَصلوا صباح اليوم الثلاثاء إلى “حُدود إسرائيل” رافِعين الأعلام البَيضاء، ولكنٍهم تَفرّقوا”. أمّا الخَبر الآخر اللافت والصَّادِم أيضًا، فهَو المَقطع الذي نشره الصَّحافي الإسرائيلي إيدي كوهين، الذي يُقيم صَداقاتٍ قَويّة مع صَحافيين ومُواطِنين عَرب، وظَهر فيه بِرفقَة المُعارض السُّوري عصام زيتون أثناء زِيارَة الأخير لتَل أبيب، تَوجيهه رِسالةً لوليّ العَهد السعوديّ الأمير محمد بن سلمان ناشَد فيها بِتَلبِية الدَّعوة وزيارة “إسرائيل”، والذَّهاب إلى الكنيست، مِثلَما دعا العَرب إلى زِيارتها أيضًا، والتَّعرُّف على شَعبِها الطَّيِّب. أدرعي لم يَقُل أنّ "الجيش الإسرائيلي" أغلق الحُدود في وجه هؤلاء اللاجِئين وهدَّدَهم بإطلاقِ النَّار في حالِ مُحاوَلتهم اقتحامِها، الأمر الذي يَكشِف كَذِب مسلسلات التَّعاطُف الإسرائيليّة مع هَؤلاء وأقرانِهم طِوال السَّنوات السَّبع الماضِية، ومُحاوَلة إظهار دُوَل الاحتلال الإسرائيلي بأنّها الحَمَل الوَديع والحاضِنة الحَنون للاجِئين السُّوريين. لا نَعرِف الأسباب التي دَفعَت هؤلاء إلى التَّوجُّه غَربًا إلى حُدود فِلسطين المُحتلَّة، ونَراها غير مُبرَّرة وغير مَقبولة أيًّا كانَت، خاصَّةً أنّ مِئات الآلاف من أبناء دَرعا والقنيطرة عادوا إلى مِظلَّة الوَطن الأُم، ومن حَمَل السِّلاح مِنهم أعلن توبته، وسَلَّم سِلاحه، وسَوَّى أوضاعه مع السُّلطات السُّوريّة. هُناك عِدّة تفسيرات لهَذهِ الخَطوة المُستَهجنة، أبرزها وأكثَرها ترجيحًا أنّ هؤلاء ربّما اعتقدوا أنّ السُّلطات الإسرائيليّة ستُرَحِّب بِهِم مِثلَما رحَّبَت بحَواليّ ثلاثة آلاف جريح تلقّوا العِلاج في مُستَشفياتها، وحَظوا بزِيارةِ بنيامين نِتنياهو، ، والتقطوا الصُّوَر معه، ولم يَكونوا يَعرِفون أنّ هؤلاء الجَرحى كانوا ضحيّة حَملاتٍ دعائِيّةٍ هَدفها زَرْع الفِتنة، وتقديم صورة خائِطة ومُزوَّرة لهذا الكَيان إلى العالم، والرأي العام العَربيّ أيضًا، تقول بأنّه إنسانيٌّ ومُتسامِح. من يَستخدِم الفُسفور الأبيض لحَرق الأطفال والنِّساء في قِطاع غزّة، ومن يَقتُل قنّاصته 130 من الفَتيات والفِتيان والأطفال تَظاهروا سِلميًّا على حُدود قِطاع غزّة مُطالَبين برَفع الحِصار وحَق العَودة، ومن يَقصِف مَقرًّا للأُمم المتحدة في قانا مَرّتين ويَقتُل المِئات من أبناء الجنوب الذين لجأوا إليه هَرَبًا من القَصف السِّجَّادي لقُراهَم من قِبَل الطائرات الإسرائيليّة، هذا العَدو لا يُمكِن أن يكون حَنونًا على اللاجئين السُّوريين العَرب والمُسلِمين، ويَتعاطَف مع مأساتِهم. فتَغنِّي بعض المُعارضين السُّوريين بالعَدو الإسرائيليّ ومَواقِفه الإنسانيّة في مُقابَلاتِهم على شاشات التَّلفَزة وصَدر الصُّحف، ومُشارَكَتِهم في مُؤتَمرات في القُدس المُحتلَّة وتَل أبيب، وآخِرهم عصام زيتون، لم تُغَيِّر من هذه الحَقائِق، ولم تَسمَح للاجِئٍ سُوريٍّ واحِد باللُّجوء إلى فِلسطين المُحتلَّة. جميع العُمَلاء الذين تَعاونوا مع أجهزة الاحتلال الإسرائيلي، سَواء كانوا فِلسطينيين أو سوريين أو لُبنانيين، واجَهوا كُل الاحتِقار والإذلال بعد خُروجِهم مع الدَّبّابات الإسرائيليّة المُنسَحِبة والمَهزومة، سِواء من قِطاع غزَّة، أو مِن جنوب لبنان، وانتهوا مَنبوذين من مُجَنِّديهم ومِن العَرب الشُّرَفاء الصَّامِدين في المَناطِق المُحتلَّة عام 1948، الذين رَفضوا وجودهم في قُراهَم وبَلداتِهم. إسرائيل دَولة التَّمييز العُنصري لا يُمكِن أن تَقبَل لاجِئًا سُوريًّا واحِدًا، وهِي التي هَجَّرت وأبْعَدت مَلايين الفِلسطينيين، وتَبذُل حاليًّا جُهودًا جَبّارةً لتَرحيل بِضعَة آلاف من الأفارِقة الذين لَجأوا إليها عبر الحُدود المِصريّة وتَرفُض تَوطينَهم، بسبب لَونِهِم، وعدم يَهوديّتهم، لأنٍها يَجِب أن تَظَل دَولةً لليهود فقط. المُواطنون السُّوريون الذين أدْرَكوا حَقيقة حَملات التَّضليل التي مُورِست عليهم في إطارِ مُؤامرةٍ عالميّةٍ شارَكت فيها دُوَل عربيّة وغَربيّة عُظمَى، لا يحتاجون إلى رفع الأعلام البَيضاء إذا ما توجَّهوا إلى المَناطِق التي يُسيطِر عليها جَيشِهم العَربيّ، ويَكفيهم فقط رَفع العلم السوريّ بألوانِه الحَمراء والسَّوداء والبَيضاء ونُجومِه الخُضر، اعتزازًا وافتخارًا واستعدادًا لفَتح صَفحةٍ جَديدةٍ، عُنوانها التَّعايُش والتَّسامُح والغُفران وَطيّ المَلفّات المُؤلِمة، وَبِدءْ صَفحةٍ جَديدةٍ.

المصدر : رأي اليوم / عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة