السفير /ادمون صعب

إن القطيع الطائفي يتجمّع ويتقدّم بسرعة على حساب الدين وأهل الطائفة والوطن والمواطن. وهو يقول لكل منا: «إلحق حتى لا تُسحق». وأنا أفضّل أن أُسحق ولا ألحَق

هاني فحص/( في ندوة الحريات الدينية في لبنان- جامعة القديس يوسف ـ كانون الثاني 2010 )

أثارت «الحملة» على الرئيس ميشال سليمان الكثير من الدهشة، كما رافق مهرجان المبايعة لسيد بعبدا سيل من التساؤلات عمّا إذا كان تصريح لوزير سابق يستأهل كل هذه الضجة التي كادت أن تطغى على القضايا التي تهم اللبنانيين وأبرزها قانون الانتخابات البلدية، وإضراب الأساتذة الجامعيين والثانويين والموازنة التي لم تُنجز بعد. فضلاً عن التعيينات في الإدارة التي تنتظر منذ أشهر

إلا أن التصريح الذي انتقد أداء رئيس الجمهورية، ودعاه إلى الاستقالة، قد كشف هشاشة الوضع السياسي في البلاد، موحياً أن ثمة غيوماً متلبدة في الأجواء اللبنانية ـ السورية. وأن قرب صاحب التصريح من بعض الأوساط الرسمية السورية قد استوجب زيارة من السفير السوري في لبنان إلى بعبدا أكد خلالها السفير علي عبد الكريم «دعم سوريا لرئاسة الجمهورية والمؤسسات الدستورية وكذلك دعم لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية

وتدعيماً لهذا الموقع الذي هزّه تصريح، أوفدت طهران مستشار قائد الثورة الإيرانية رئيس مجلس استراتيجية العلاقات الخارجية كمال خرازي إلى لبنان، حيث قابل الرئيس ميشال سليمان وأشاد بـ»الدور الذي يضطلع به في سبيل ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وفي قيام حكومة الوحدة الوطنية

وكانت السفيرة الأميركية ميشيل سيسون سبقت عبد الكريم وخرازي إلى بعبدا وقامت بواجب مماثل، وربما أكثر، في سبيل تثبيت وضع الرئيس سليمان الذي أظهرت حملة التأييد له أنه ليس على ما يرام

وكان الرئيس سليمان وضع المشاريع التي جهّز لها المستشارين الدستوريين والقانونيين، على الرف بعدما شاهد ما حل بمشروعي الرئيس نبيه بري للجنة إلغاء الطائفية السياسية وخفض سن الاقتراع

وعلى رغم الإيحاءات التي رافقت دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستقالة بأنها رسالة سورية غير مباشرة إلى الرئيس تتعلق بجملة أمور بعضها يتعلق بالسياسة الخارجية وعدم التنسيق مع دمشق في شأنها، وخصوصاً لدى زيارة الرئيس سليمان للولايات المتحدة، وبعضها الآخر داخلي يتعلق باختيار المشاركين في طاولة الحوار، فضلاً عن توقيت عقد هذه الطاولة والذي صادف بعد ثلاثة أيام من قمة الأسد ـ نجاد ـ نصر الله في دمشق وما رافقها من كلام سلبي وخصوصاً من جانب بكركي ومسيحيي 14 آذار

 

وربما كانت نقطة الضعف الأساسية لدى سليمان هي عدم حصوله على دعم كاف من بكركي والمسيحيين المرتبطين بها في حركة 14 آذار، إذ لم يوفروه بانتقاداتهم في ما يتعلق بالعلاقات مع سوريا وفي موضوع المقاومة وسلاحها معتبرين أنه منحاز إلى «حزب الله» في هذا الموضوع. وفاقم هذا الوضع أن معظم الأطراف السياسيين قد أجروا مراجعة نقدية للمرحلة السابقة والعلاقات مع سوريا باستثناء بكركي ومسيحييها، وهذا من شأنه إضعاف موقع الرئاسة وإبقاء الوضع الداخلي هشاً، وخصوصاً أن سوريا «العائدة» إلى لبنان هي غير سوريا التي حكمته طوال ثلاثة عقود، وأن الموقف المسيحي مهم في هذا الشأن، نظراً إلى أن الحاجة إلى سوريا ضرورية، وضرورية جداً، في المرحلة المقبلة، إذا كان رئيس الجمهورية والمسيحيون عموماً يريدون تعديل الطائف من أجل استعادة بعض «الحقوق» التي أخذت منهم عنوة أو «قصاصاً» لهم جراء سوء تصرفهم في فترة ما بالقرار السياسي، وبلوغهم حداً في الصراع مع سوريا والفلسطينيين، أوصلهم إلى التعامل مع إسرائيل عدوة سوريا والفلسطينيين والعرب أجمعين

وإذا كان الوقت قد حان بالنسبة إلى الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون والنائب وليد جنبلاط لطي صفحة الماضي، وليس فتح صفحة جديدة مع دمشق فحسب، في ضوء المتغيرات المستجدة في لبنان والمنطقة، فإن بكركي والمسيحيين الذين يدورون في فلكها مدعوون إلى مراجعة نقدية للمرحلة الماضية، في سبيل الانتقال من قيادة خط الممانعة في وجه سوريا وما قيل عن أطماعها في لبنان، إلى المبادرة في مد يد التعاون معها على أساس الاحترام المتبادل لسيادة كل من لبنان وسوريا واستقلالهما، وخصوصاً بعدما سلّمت دمشق بنهائية الكيان اللبناني كما ورد في دستور الطائف، وأقامت علاقات دبلوماسية طبيعية بينها وبين لبنان، وهما المطلبان التاريخيان لبكركي وللمسيحيين منذ إعلان دولة لبنان الكبير و»سلخه» عن سوريا في العام 1920

إن بعبدا ستبقى معرضة للاهتزاز والزلزلة ما لم يشعر القائد المقيم فيها بأنه يحظى بدعم من وحدة اللبنانيين وتضامنهم وتصميمهم على الإصلاح الذي يشكّل المعبر الحقيقي إلى الدولة المدنية القوية والقادرة، التي ينشدها الجميع، دولة الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.

  • فريق ماسة
  • 2010-03-24
  • 10555
  • من الأرشيف

بكركي وسوريا وبعبدا

السفير /ادمون صعب إن القطيع الطائفي يتجمّع ويتقدّم بسرعة على حساب الدين وأهل الطائفة والوطن والمواطن. وهو يقول لكل منا: «إلحق حتى لا تُسحق». وأنا أفضّل أن أُسحق ولا ألحَق هاني فحص/( في ندوة الحريات الدينية في لبنان- جامعة القديس يوسف ـ كانون الثاني 2010 ) أثارت «الحملة» على الرئيس ميشال سليمان الكثير من الدهشة، كما رافق مهرجان المبايعة لسيد بعبدا سيل من التساؤلات عمّا إذا كان تصريح لوزير سابق يستأهل كل هذه الضجة التي كادت أن تطغى على القضايا التي تهم اللبنانيين وأبرزها قانون الانتخابات البلدية، وإضراب الأساتذة الجامعيين والثانويين والموازنة التي لم تُنجز بعد. فضلاً عن التعيينات في الإدارة التي تنتظر منذ أشهر إلا أن التصريح الذي انتقد أداء رئيس الجمهورية، ودعاه إلى الاستقالة، قد كشف هشاشة الوضع السياسي في البلاد، موحياً أن ثمة غيوماً متلبدة في الأجواء اللبنانية ـ السورية. وأن قرب صاحب التصريح من بعض الأوساط الرسمية السورية قد استوجب زيارة من السفير السوري في لبنان إلى بعبدا أكد خلالها السفير علي عبد الكريم «دعم سوريا لرئاسة الجمهورية والمؤسسات الدستورية وكذلك دعم لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية وتدعيماً لهذا الموقع الذي هزّه تصريح، أوفدت طهران مستشار قائد الثورة الإيرانية رئيس مجلس استراتيجية العلاقات الخارجية كمال خرازي إلى لبنان، حيث قابل الرئيس ميشال سليمان وأشاد بـ»الدور الذي يضطلع به في سبيل ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وفي قيام حكومة الوحدة الوطنية وكانت السفيرة الأميركية ميشيل سيسون سبقت عبد الكريم وخرازي إلى بعبدا وقامت بواجب مماثل، وربما أكثر، في سبيل تثبيت وضع الرئيس سليمان الذي أظهرت حملة التأييد له أنه ليس على ما يرام وكان الرئيس سليمان وضع المشاريع التي جهّز لها المستشارين الدستوريين والقانونيين، على الرف بعدما شاهد ما حل بمشروعي الرئيس نبيه بري للجنة إلغاء الطائفية السياسية وخفض سن الاقتراع وعلى رغم الإيحاءات التي رافقت دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستقالة بأنها رسالة سورية غير مباشرة إلى الرئيس تتعلق بجملة أمور بعضها يتعلق بالسياسة الخارجية وعدم التنسيق مع دمشق في شأنها، وخصوصاً لدى زيارة الرئيس سليمان للولايات المتحدة، وبعضها الآخر داخلي يتعلق باختيار المشاركين في طاولة الحوار، فضلاً عن توقيت عقد هذه الطاولة والذي صادف بعد ثلاثة أيام من قمة الأسد ـ نجاد ـ نصر الله في دمشق وما رافقها من كلام سلبي وخصوصاً من جانب بكركي ومسيحيي 14 آذار   وربما كانت نقطة الضعف الأساسية لدى سليمان هي عدم حصوله على دعم كاف من بكركي والمسيحيين المرتبطين بها في حركة 14 آذار، إذ لم يوفروه بانتقاداتهم في ما يتعلق بالعلاقات مع سوريا وفي موضوع المقاومة وسلاحها معتبرين أنه منحاز إلى «حزب الله» في هذا الموضوع. وفاقم هذا الوضع أن معظم الأطراف السياسيين قد أجروا مراجعة نقدية للمرحلة السابقة والعلاقات مع سوريا باستثناء بكركي ومسيحييها، وهذا من شأنه إضعاف موقع الرئاسة وإبقاء الوضع الداخلي هشاً، وخصوصاً أن سوريا «العائدة» إلى لبنان هي غير سوريا التي حكمته طوال ثلاثة عقود، وأن الموقف المسيحي مهم في هذا الشأن، نظراً إلى أن الحاجة إلى سوريا ضرورية، وضرورية جداً، في المرحلة المقبلة، إذا كان رئيس الجمهورية والمسيحيون عموماً يريدون تعديل الطائف من أجل استعادة بعض «الحقوق» التي أخذت منهم عنوة أو «قصاصاً» لهم جراء سوء تصرفهم في فترة ما بالقرار السياسي، وبلوغهم حداً في الصراع مع سوريا والفلسطينيين، أوصلهم إلى التعامل مع إسرائيل عدوة سوريا والفلسطينيين والعرب أجمعين وإذا كان الوقت قد حان بالنسبة إلى الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون والنائب وليد جنبلاط لطي صفحة الماضي، وليس فتح صفحة جديدة مع دمشق فحسب، في ضوء المتغيرات المستجدة في لبنان والمنطقة، فإن بكركي والمسيحيين الذين يدورون في فلكها مدعوون إلى مراجعة نقدية للمرحلة الماضية، في سبيل الانتقال من قيادة خط الممانعة في وجه سوريا وما قيل عن أطماعها في لبنان، إلى المبادرة في مد يد التعاون معها على أساس الاحترام المتبادل لسيادة كل من لبنان وسوريا واستقلالهما، وخصوصاً بعدما سلّمت دمشق بنهائية الكيان اللبناني كما ورد في دستور الطائف، وأقامت علاقات دبلوماسية طبيعية بينها وبين لبنان، وهما المطلبان التاريخيان لبكركي وللمسيحيين منذ إعلان دولة لبنان الكبير و»سلخه» عن سوريا في العام 1920 إن بعبدا ستبقى معرضة للاهتزاز والزلزلة ما لم يشعر القائد المقيم فيها بأنه يحظى بدعم من وحدة اللبنانيين وتضامنهم وتصميمهم على الإصلاح الذي يشكّل المعبر الحقيقي إلى الدولة المدنية القوية والقادرة، التي ينشدها الجميع، دولة الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة