دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
انتقال نظام الحكم في تركيا إلى ما يسمى النظام الرئاسي، بحسب رغبة رجب طيّب إردوغان، هو أشبه بنظام يحكمه سلطان عثماني من دون امبراطورية وسلطنة. لكن الحاجز الذي قد يعترض سطوة سلطان أنقرة على تركيا في داخلها وخارجها، ربما يكون عند أوّل اختبار في الشمال السوري.
النظام الرئاسي الذي ابتدعه إردوغان لا يشبه أي نظام رئاسي في العالم
النظام الرئاسي الذي بات شريعة حكم في تركيا، لا يشبه أي نظام رئاسي آخر في المفاصل الأساسية لفقه النظام الرئاسي المتعارف عليه. فالنظام الرئاسي في فرنسا الذي يُعتبر شديد المركزية أسوة بالنظام الملكي القديم، يترك صلاحيات تنفيذية وازنة لرئاسة الحكومة وصلاحيات تشريعية حاسمة لمجلسي النواب والشيوخ. لكن النظام الرئاسي التركي يُلغي رئاسة الحكومة ويضع صلاحيات مجلس النواب التشريعية تحت وصاية الرئيس الذي يحق له الاحتفاظ برئاسة حزبه إلى جانب رئاسة الجمهورية.
النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية وهو نظام حكم امبراطوري، تتوازن فيه السلطات التشريعة مع السلطة التنفيذية للرئيس بالإضافة إلى استقلال واسع للولايات تحت إدارة مؤسسات النظام الفيدرالي. لكن في النظام الرئاسي التركي يتحكّم الرئيس بكل السلطات التنفيذية والتشريعية ولا يترك هامشاً بسيطاً للإدارات المحلية والقضاء والمؤسسات وقيادة الجيش. وكل ما يتحرك في تركيا هو تحت إمرة الرئيس وعسسَه بحكم القانون.
تغيير أسماء الوزارات واختصار عددها إلى النصف، عملية في هذا السياق لخضوعها إلى الحاكم بأمره وفق تشريع قانوني. فالمديرية العامة للصحافة والإعلام التي كانت تتمتع بحرية العمل وفق القوانين المرعية والعمل النقابي في تنظيم العمل المهني، تنتقل بجرّة قلم إلى ما يسمى إدارة الإعلام في رئاسة الجمهورية.
وعلى هذا المنوال تنتقل صلاحيات الوزارات إلى مجالس خاصة تابعة لرئاسة الجمهورية. وفي هذا المسار تتنافى رئاسة إردوغان مع نظام الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك والعودة إلى صلاحيات السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يجاهر بعدائيته لفكرة الدستور وفصل السلطات.
ما يشيعه الرئيس إردوغان وحزبه بأن هذا التشدّد العاري هو دليل قوّة خارقة وعظمة تؤدي بتركيا إلى مصاف الدول العشرة الكبرى، قد يكون عكسه هو الأصح.
فالاستقواء بالمكانة والنفوذ الصلف، يشير في أبعاده إلى قلق متقدّم وخوف عميق من الضعف وعدم الاستقرار. فعندما كان الرئيس إردوغان أكثر اطمئناناً إلى مستقبل حزبه اعتماداً على تطوّر تركيا في أفق "صفر مشاكل"، حصد إردوغان ثمار الازدهار السياسي في المنطقة وفي الانفتاح الداخلي لحل المشكلة الكردية وفي التقارب مع الحزب الجمهوري والأحزاب الديمقراطية والتباعد عن الحركات القومية والفاشية.
أزمة رهانات إردوغان على المكانة والنفوذ في إثر متغيرات المنطقة العام 2011 هي التي فجّرت الصراع في تركيا والصراع التركي ضد سوريا والمنطقة العربية. الرئيس التركي افتعل الصراع ضد الحركة الكردية لكسب الحركة القومية التركية، وافتعل الصراع ضد سوريا والعراق أملاً بتوسّع النفوذ والمصالح اعتماداً على دعم وتسليح ورعاية التنظيمات والمجموعات الإرهابية.
وعلى الرغم مما يعتقده إردوغان وحزبه بأن نجاح النظام الرئاسي في الانتخابات يؤمّن الحصانة المبتغاة، فإن المأزق في افتعال تفجير الصراعات الداخلية والاقليمية لا يزال كما كان في ذروة الأزمة التركية.
التوسّع التركي في منبج وعفرين لا يحققه الرئيس التركي بسلطانه بل بالتفاهم مع الإدارة الأميركية. وفي تنصيبه الحاكم المطلق في النظام الرئاسي يعود الفضل إلى الحركة القومية والفاشية التي تتنامى في تركيا وتحتل موقع الشريك الأول لحزب العدالة والتنمية في الحكم.
ولا تشير المعطيات والدلائل إلى أن الرئيس التركي يملك القدرة على تحقيق مراهنات التوسّع الداخلي ضد معارضات متعددة لا يفتتها القمع بل يؤججها. وفي هذا الإطار قد تكون المراهنة على نجاح التوسّع الاقليمي حلماً غابراً.
الدولة السورية التي تستعيد الأراضي السورية الجنوبية، ربما تحسم الاتجاه إلى إدلب والشمال السوري قبل أو بعد استعادة شرقي الفرات. ولا تملك تركيا وميض حظ للبقاء في الشمال السوري أو ضوءاً أخضراً من الإدارة الأميركية أو موسكو.
المصدر :
الماسة السورية/ الميادين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة