دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يعد خفياً على احد ان ازمة اللاجئين في اوروبا قد تفاقمت وباتت احدى المشاكل الاساسية التي تعترض الحكومات في القارة العجوز، وتتسبب بمشاكل كبيرة باتت تهدد اسس التوافق بين الاحزاب في الدولة الواحدة. واللافت في المسألة ان الدول المعنية لا تقتصر فقط على تلك المتشددة تجاه اللاجئين من اي بقعة من العالم اتوا، بل اصبحت تطال ايضاً الدول التي كانت معروفة تاريخياً بترحيبها باللاجئين نظراً الى طبيعتها الجغرافية القاسية على غرار الدول الاسكندنافية. فالسويد مثلاً اطلقت في الفترة الاخيرة مواقف توازي تلك اطلقتها دول على غرار المجر والنمسا والرافضة كلياً لاستقبال اللاجئين، وها هي المانيا التي كانت منذ ساعات قليلة على مشارف الطلاق الحزبي والحكومي، قبل ان تسفر المفاوضات اخيراً على حل وسطي يرضي الطرفين، ويزيح عن المانيا جزءاً من عبء النازحين من خلال اعادة قسم منهم الى الدول التي تسجّلوا فيها.
لا شك ان الازمة السورية والنزوح الهائل الّذي نتج عنها، اثار موجة “تسونامي” من المخاوف في اوروبا، كما ان “الدفع” الاميركي عبر الرئيس دونالد ترامب الذي “صبّ الزيت على النار” من خلال مواقفه العالية السقف من المهاجرين وما وصفهم به من اوصاف، ساهم بشكل مباشر في “حماسة” الرأي العام الاوروبي الذي اخذ موقفاً مماثلاً، وتحوّل المهاجرون الى اشخاص غير مرغوب فيهم.
اليوم، كثر الحديث عن الاجراءات التي اتخذتها اوروبا بشكل عام للحد من خطر الهجرة، وكان كلام عن انشاء شرطة حدود داخل القارة الاكثر تأثراً بالهجرة، وهنا يأتي منبع الخوف الحقيقي بالنسبة الى دول الشرق الاوسط وتحديداً لبنان ومصر والاردن وغيرها… فعندما كان الخلاف بين اوروبا والولايات المتحدة حول هذه المسألة، كان هناك نوع من الترضية والطمأنينة بالنسبة الى دول المنطقة من ان الحل لن يكون على حسابها، وان المفاوضات قد تصل الى حل يرضي الجميع ولن يكون ضد مصالح هذه الدول بشكل مطلق. ولكن، مع اعلان اوروبا نفض يديها من اللاجئين واعتبارهم عبئاً عليها لا يمكنها التعامل معه بعد الآن، وحين تتفق هذه الرؤية مع الرؤية الاميركية للادارة الحالية، فعندها على دول الشرق الاوسط وبعض دول القارة الافريقية ان تقلق بشكلٍ جدي، لان ملامح التوطين بدأت تتظهر بوضوح، والاخطر انها تتزامن مع التحضير الرسمي للاعلان عن “صفقة القرن” التي، وان تمت فعلاً، لن يكون بمقدور احد التراجع عنها، ولن تفيد بعدها الاموال والوعود بالنفوذ والسلطة، لأنّ أسس الدول التي ستستقبل اللاجئين على اراضيها ستهتزّ وقد تجد بعد سنوات قليلة أنّ ارضيتها غير ثابتة ووضعها الديموغرافي والجغرافي سيتغيّر بشكل جذري.
ان الحل الاوروبي لمشكلة اللاجئين، سيكون كارثة على الدول الاخرى في المنطقة، لان احداً لن يقبل -أقلّه في المدى المنظور- ان يعود الوضع الى ما كان عليه قبل موجات الهجرة، ان بالنسبة الى الدول “المصدّرة” لانها ستكون في طور اعادة البناء والاعمار والتطوير على غرار سوريا وليبيا، وهي مسيرة طويلة ستمتد حتماً لسنوات وسنوات، او بالنسبة الى اللاجئين انفسهم الذين سيستسيغون طعم الاجواء المغايرة لتلك التي اعتادوا عليها ولم يتقبّلوها في بلدانهم، او بالنسبة الى الدول “المستوردة” التي ستجد القطار قد فاتها لإصلاح الخطأ الذي وقعت فيه، اما عبر الترهيب او عبر الترغيب، ففي الحالتين النتيجة نفسها وهي مأساوية بالنسبة الى مواطنيها.
لا يمكن مقارنة موجات اللجوء الى دول غربية اوائل واواسط القرن الفائت بتلك السائدة حالياً، لان المعطيات مختلفة كلياً، فالدول الغربيّة كانت ترحب باللاجئين الذين عملوا على تطويرها وساهموا في بنائها وفي تحسين أسس عيشها، اما اللاجئون الحاليون فجلّهم من الذين يحملون معهم رواسب عادات وتقاليد بالية وتفسيرات “غبّ الطلب” للدين وممارساته وللنظرة الى تطور العلم والتكنولوجيا ووسائل الرفاهية والحياة الاجتماعية.
المصدر :
النشرة/ طوني خوري
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة