يتمسّك الجيش السوري باستعادة كامل سيطرته على الجنوب عبر القوّة العسكرية أو بالمفاوضات، لعدّة اعتبارات، أهمّها تحصين أمن دمشق جغرافيّاً وعسكرياً، والعودة إلى تخوم الجولان المحتل. أما إسرائيل، فتحاول انتزاع ضمانات بإبعاد قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله عن الجنوب

 

عاد الجنوب السوري ليكون قبلة الاهتمام بعد هدوء نسبي دام منذ آخر فشل لفصائل المعارضة في معارك «عاصفة الجنوب»، وعجزها في صيف عام 2015 عن إسقاط مدينة درعا، المدينة التي انطلقت منها شرارة الحرب السورية. على مدى سنوات، حافظ الجنوب على استقراره، مع تمسّك الجيش بمواقعه واقتناع داعمي المسلّحين بصعوبة تغيير المعادلات العسكرية، ما انعكس تفكّكاً وضعفاً في جسم التنظيمات الإرهابية وانكشافها أمام المزاج الشعبي الحوراني الذي يتوق الآن لعودة مؤسسات الدولة بعد سنوات من الفوضى

 

تتّجه دمشق نحو تحريك آلتها العسكرية والسياسية في جنوب البلاد متمسّكة باستعادة السيطرة على المنطقة عبر القوّة أو المفاوضات(أ ف ب )

 

وبعد عشرة أشهر على اتفاق «خفض التصعيد» الذي عُقد برعاية روسية ــ أميركية ــ أردنية، بدأ الجيش السوري حشد قوّاته في الجنوب، تمهيداً لاستعادة سيطرته على كامل محافظتي درعا والقنيطرة، بالتوازي مع حملة ضغوط أميركية وإسرائيلية وتلويح بالتدخل للدفاع عن المجموعات المسلّحة.

 

 

يتمسّك السوريون باستعادة السيطرة على كل شبرٍ من الجنوب في هذه المرحلة بالذات من الحرب، لعدّة اعتبارات. في الجغرافيا، يشكّل مثلث جبل العرب ــ حوران ــ جبل الشيخ، خطّ الدفاع الجنوبي الأوّل عن دمشق، ولطالما راهن أعداء سوريا وخططوا وحاولوا تنفيذ إسقاط دمشق من الجنوب، قبل أن يشنّ الجيش هجومه مع حلفائه على منطقة «مثلّث الموت» في شباط 2014، وضرب مشروع إسقاط العاصمة من جنوبها في مهده. وبالتالي، إن أي حكم لا يستقر في دمشق، ما دام الجنوب ليس خاضعاً لحكم الدولة المركزية، وما دامت المواقع الاستراتيجية في تلال حوران، لم تعد لسيطرة الدولة. في الأمن، ومع توسّع سيطرة الجيش عن المساحة التي كان يسيطر عليها في عام 2013 وتبدّل رقعة الانتشار تدريجاً، يصبح أسهل على الخلايا الإرهابية شنّ عمليات أمنية ضد القوات المسلّحة والمدنيين حتى في قلب دمشق، إذ يتخذ بعض من هذه الجماعات قرى الجنوب ملاذاً آمناً لها بعد هزيمتها في ريف العاصمة، فضلاً عن أن الاختراق الإسرائيلي بات كبيراً جدّاً للجماعات المسلّحة، وما حصل على طريق السويداء قبل أسبوعين، بعد استهداف مجموعة من «جبهة النصرة» بعبوة وضعت على جانب الطريق باص مبيت لجنود وضباط سوريين من مرتبات الفوج 150 دفاع جوي، يؤكّد تحوّل هذه الجماعات إلى ذراع أمنية لاستخبارات جيش العدو العسكرية وتنفيذها عمليات تستفيد منها إسرائيل حصراً. فكان الاستهداف للجنود والضباط السوريين الذين يشغّلون منظومات الدفاع الجوي التي تتعامل مع طائرات العدو وصواريخه، مكمّلاً لما عجزت عن فعله إسرائيل من الجو خلال «ليلة الصواريخ» الأخيرة

 

وما ليس خافياً، هو العمل الأميركي ـ البريطاني الحثيث منذ سنوات، ثم الإسرائيلي، على تشكيل إدارات محليّة في قرى الجنوب السوري، وتدريب عناصر «الشرطة الحرّة»، لفرض معادلة الإدارات الذاتية على دمشق، على غرار ما يحصل في الشمال الغربي والشرقي لسوريا. وبدا واضحاً في الأشهر الماضية، تسريع وتيرة تدريب العناصر في الأردن بإشراف مدرّبين أميركيين، لتولّيها إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرة المسلّحين، وتشكّل لاحقاً امراً واقعاً تضطر الحكومة السورية التعامل معه في حال حصول تسوية، أو تبقى نواةً لإقليم مستقلّ في حال فشل التسوية، يشكّل شوكةً في خاصرة دمشق الجنوبية. وهذه الإدارات تروّج منذ أشهر في قرى درعا أنها ستكون الجهة التي ستدير معبر نصيب مع الأردن، الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به دمشق تحت أي شرط. ووسط رفض سوريا لهذه الطروحات، يبدو الموقف الأردني الأكثر تضرراًَ من استمرار إغلاق المعبر، في ظلّ حالة الانهيار الاقتصادي التي يعاني منها مع غياب الدعم الخليجي وخسارة عائدات الترانزيت التي كان يدرّها المعبر شهريّاً، فضلاً عن المعاناة الأمنية التي بدأت تنعكس على الشمال الأردني جراء تفلّت الجنوب السوري، من عمليات تهريب المخدّرات وانتشار العصابات المسلحة في مدن الشمال، ولا سيّما المفرق وإربد وعجز أجهزة الأمن الأردنية عن التعامل معها. ومع أن غرفة «الموك» لا تزال تدار من الأردن، إلّا أن الانكفاء الأردني عن دعم المسلحين صار ملموساً بالتوازي مع المحاولات الأردنية لإعادة خطوط التواصل مع سوريا، ما ترك الساحة الأمنية والعسكرية مشرّعة أمام الدور الإسرائيلي.

تسارعت وتيرة تدريب «الشرطة الحرة» بإشراف مدربين أميركيين

 

ولعل العامل السياسي الأهم، في استعادة الدولة سيطرتها في الجنوب والحدود مع الجولان المحتل، هو إصرار دمشق على الدفاع عن حقوقها في استعادة أراضي الجولان، مع المحاولات الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة والدول الغربية، لفرض إعلان اعتراف دولي بـ«السيادة» الإسرائيلية على الجولان المحتل، بذريعة أن الدولة السورية لم تعد على تماس معه، وبدل ذلك تنتشر فصائل معارضة مسلّحة تتلقّى الدعم المالي والتسليحي من الفرقة الإقليمية 210 في جيش الاحتلال، لتشكّل حزاماً أمنياً إسرائيلياً على غرار جماعة سعد حداد وأنطوان لحد في جنوب لبنان.

 

 

وأمام هذه العوامل، تصبح العملية العسكرية المرتقبة في الجنوب، أمراً واقعاً سورياً في مقابل الضغوط الأميركية والإسرائيلية. غير أن إسرائيل، التي تدرك أن عودة الجيش السوري إلى الجنوب باتت مسألة وقت، تحاول «تقريش» ضغوطها على روسيا، بالدفع نحو حصولها على تعهدات بخروج قوات الحرس الثوري الإيراني والمقاومة اللبنانية من الجنوب السوري، وهو الأمر الذي لطالما طالب به رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو خلال عشر زيارات لموسكو ولقاءات مع الرئيس فلاديمير بوتين. ويمكن القول إن أكثر من خطّ للتفاوض تعمل الآن، ولا سيّما الاجتماعات الثلاثيّة الأردنية ــ الأميركية ــ الروسية في عمّان، التي عُقد أحدها أمس، لإيجاد مخارج تحفظ حقوق دمشق في استعادتها السيطرة على الجنوب، ولا تعطي ذريعة لإسرائيل للتدخّل المباشر وعرقلة عملية الجيش، بما يؤدّي إلى تصعيد إقليمي كبير.

 

 

أمّا على الأرض، فيمكن الإشارة إلى النقاط الآتية: أوّلاً، لم تكتمل بعد حشود الجيش، وبحسب المعلومات فإن الهدف الميداني الأوّل هو فتح طريق السويداء ــ إزرع وعزل منطقة اللجاة وبلدة بصرى الحرير، وبالتوازي تحرّك الجيش من مدينة درعا عبر النعيمة ومحيطها، بما يضع كامل الريف الشرقي تحت الضغط العسكري، وما يتبعه من اضطرار المسلحين للدخول في تسويات مع الجيش، وإخراج من لا يغرب بالتسوية إلى إدلب. ومن المؤكّد أن إرهابيي «جبهة النصرة» سيلتحقون بزملائهم في الشمال السوري، فيما يخطّط بعض قادة المسلّحين في الريف الشرقي للهرب عبر الأردن إلى السعودية، الحاضن الأوّل لهؤلاء. ثانياً، تحاول الفصائل رفع معنويات المسلحين عبر الترويج لطمأنات أردنية تجافي ما يعرب عنه الأردنيون عبر القنوات مع الروس والسوريين. وخلال الأيام الماضية، أعلنت غالبية الفصائل رفضها المصالحة مع الدولة، وأكّدت استعدادها للمواجهة، الأمر الذي ثبت عدم جدواه أمام آلة الجيش العسكرية، والمزاج الشعبي الذي تحوّل لمصلحة الجيش. ثالثاً، فعّلت الدولة تواصلها مع عدد كبير من فعاليات الجنوب، وبات الكثير من هؤلاء في انتظار قوّات الجيش لإعلان رفضهم للوجود المسلح ورفع العلم السوري، كما حصل في الغوطة الشرقية. فضلاً عن أن عدداً كبيراً من مفاتيح المسلحين بات على اتصال بأجهزة الأمن السورية معلنين استعدادهم للانقلاب على الفصائل والتعاون مع قوات الجيش. وما حصل في القنيطرة أمس، بعد محاولة فرار المدعو «أبو المجد» أحد قادة «أنصار الإسلام»، أثار موجة من الهلع بين الفصائل، خشية بدء قيادات المسلحين بالفرار بالتنسيق مع القوات السورية.

 

وترجّح مصادر أمنية سورية رفيعة المستوى رضوخ الجميع للخيار السوري باستعادة السيطرة في الجنوب، وتسليم الفصائل المسلحة أسلحتها الثقيلة، والوصول إلى معبر نصيب الحدودي على الأقل في المرحلة الأولى، على أن يجري العمل على تفكيك الفصائل المسلّحة في المرحلة التالية. وليس واضحاً بعد، كيفية التعامل مع الجيب الذي يسيطر عليه تنظيم «داعش» في حوض اليرموك. فعلى الرغم من هجوم الفصائل المسلحة اليومي على «جيش خالد بن الوليد»، لم تستطع الفصائل تحقيق أي تقدّم يذكر خلال أشهر من المعارك، فيما يستمر «جيش خالد» بدفع الرواتب لعناصره والحصول على الأسلحة للمواجهة، ما يعزّز الشبهات بوجود دعم إسرائيلي يحظى به التنظيم، ليبقى «فزّاعة» تبرّر التدخّل في منطقة حوض اليرموك، في مسعىً واضح للسيطرة على واحد من أبرز مصادر المياه السورية

 

  • فريق ماسة
  • 2018-05-30
  • 10016
  • من الأرشيف

الجيش السوري يستعد للسيطرة على الجنوب.. عبر القوّة العسكرية أو بالمفاوضات

 يتمسّك الجيش السوري باستعادة كامل سيطرته على الجنوب عبر القوّة العسكرية أو بالمفاوضات، لعدّة اعتبارات، أهمّها تحصين أمن دمشق جغرافيّاً وعسكرياً، والعودة إلى تخوم الجولان المحتل. أما إسرائيل، فتحاول انتزاع ضمانات بإبعاد قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله عن الجنوب   عاد الجنوب السوري ليكون قبلة الاهتمام بعد هدوء نسبي دام منذ آخر فشل لفصائل المعارضة في معارك «عاصفة الجنوب»، وعجزها في صيف عام 2015 عن إسقاط مدينة درعا، المدينة التي انطلقت منها شرارة الحرب السورية. على مدى سنوات، حافظ الجنوب على استقراره، مع تمسّك الجيش بمواقعه واقتناع داعمي المسلّحين بصعوبة تغيير المعادلات العسكرية، ما انعكس تفكّكاً وضعفاً في جسم التنظيمات الإرهابية وانكشافها أمام المزاج الشعبي الحوراني الذي يتوق الآن لعودة مؤسسات الدولة بعد سنوات من الفوضى   تتّجه دمشق نحو تحريك آلتها العسكرية والسياسية في جنوب البلاد متمسّكة باستعادة السيطرة على المنطقة عبر القوّة أو المفاوضات(أ ف ب )   وبعد عشرة أشهر على اتفاق «خفض التصعيد» الذي عُقد برعاية روسية ــ أميركية ــ أردنية، بدأ الجيش السوري حشد قوّاته في الجنوب، تمهيداً لاستعادة سيطرته على كامل محافظتي درعا والقنيطرة، بالتوازي مع حملة ضغوط أميركية وإسرائيلية وتلويح بالتدخل للدفاع عن المجموعات المسلّحة.     يتمسّك السوريون باستعادة السيطرة على كل شبرٍ من الجنوب في هذه المرحلة بالذات من الحرب، لعدّة اعتبارات. في الجغرافيا، يشكّل مثلث جبل العرب ــ حوران ــ جبل الشيخ، خطّ الدفاع الجنوبي الأوّل عن دمشق، ولطالما راهن أعداء سوريا وخططوا وحاولوا تنفيذ إسقاط دمشق من الجنوب، قبل أن يشنّ الجيش هجومه مع حلفائه على منطقة «مثلّث الموت» في شباط 2014، وضرب مشروع إسقاط العاصمة من جنوبها في مهده. وبالتالي، إن أي حكم لا يستقر في دمشق، ما دام الجنوب ليس خاضعاً لحكم الدولة المركزية، وما دامت المواقع الاستراتيجية في تلال حوران، لم تعد لسيطرة الدولة. في الأمن، ومع توسّع سيطرة الجيش عن المساحة التي كان يسيطر عليها في عام 2013 وتبدّل رقعة الانتشار تدريجاً، يصبح أسهل على الخلايا الإرهابية شنّ عمليات أمنية ضد القوات المسلّحة والمدنيين حتى في قلب دمشق، إذ يتخذ بعض من هذه الجماعات قرى الجنوب ملاذاً آمناً لها بعد هزيمتها في ريف العاصمة، فضلاً عن أن الاختراق الإسرائيلي بات كبيراً جدّاً للجماعات المسلّحة، وما حصل على طريق السويداء قبل أسبوعين، بعد استهداف مجموعة من «جبهة النصرة» بعبوة وضعت على جانب الطريق باص مبيت لجنود وضباط سوريين من مرتبات الفوج 150 دفاع جوي، يؤكّد تحوّل هذه الجماعات إلى ذراع أمنية لاستخبارات جيش العدو العسكرية وتنفيذها عمليات تستفيد منها إسرائيل حصراً. فكان الاستهداف للجنود والضباط السوريين الذين يشغّلون منظومات الدفاع الجوي التي تتعامل مع طائرات العدو وصواريخه، مكمّلاً لما عجزت عن فعله إسرائيل من الجو خلال «ليلة الصواريخ» الأخيرة   وما ليس خافياً، هو العمل الأميركي ـ البريطاني الحثيث منذ سنوات، ثم الإسرائيلي، على تشكيل إدارات محليّة في قرى الجنوب السوري، وتدريب عناصر «الشرطة الحرّة»، لفرض معادلة الإدارات الذاتية على دمشق، على غرار ما يحصل في الشمال الغربي والشرقي لسوريا. وبدا واضحاً في الأشهر الماضية، تسريع وتيرة تدريب العناصر في الأردن بإشراف مدرّبين أميركيين، لتولّيها إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرة المسلّحين، وتشكّل لاحقاً امراً واقعاً تضطر الحكومة السورية التعامل معه في حال حصول تسوية، أو تبقى نواةً لإقليم مستقلّ في حال فشل التسوية، يشكّل شوكةً في خاصرة دمشق الجنوبية. وهذه الإدارات تروّج منذ أشهر في قرى درعا أنها ستكون الجهة التي ستدير معبر نصيب مع الأردن، الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به دمشق تحت أي شرط. ووسط رفض سوريا لهذه الطروحات، يبدو الموقف الأردني الأكثر تضرراًَ من استمرار إغلاق المعبر، في ظلّ حالة الانهيار الاقتصادي التي يعاني منها مع غياب الدعم الخليجي وخسارة عائدات الترانزيت التي كان يدرّها المعبر شهريّاً، فضلاً عن المعاناة الأمنية التي بدأت تنعكس على الشمال الأردني جراء تفلّت الجنوب السوري، من عمليات تهريب المخدّرات وانتشار العصابات المسلحة في مدن الشمال، ولا سيّما المفرق وإربد وعجز أجهزة الأمن الأردنية عن التعامل معها. ومع أن غرفة «الموك» لا تزال تدار من الأردن، إلّا أن الانكفاء الأردني عن دعم المسلحين صار ملموساً بالتوازي مع المحاولات الأردنية لإعادة خطوط التواصل مع سوريا، ما ترك الساحة الأمنية والعسكرية مشرّعة أمام الدور الإسرائيلي. تسارعت وتيرة تدريب «الشرطة الحرة» بإشراف مدربين أميركيين   ولعل العامل السياسي الأهم، في استعادة الدولة سيطرتها في الجنوب والحدود مع الجولان المحتل، هو إصرار دمشق على الدفاع عن حقوقها في استعادة أراضي الجولان، مع المحاولات الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة والدول الغربية، لفرض إعلان اعتراف دولي بـ«السيادة» الإسرائيلية على الجولان المحتل، بذريعة أن الدولة السورية لم تعد على تماس معه، وبدل ذلك تنتشر فصائل معارضة مسلّحة تتلقّى الدعم المالي والتسليحي من الفرقة الإقليمية 210 في جيش الاحتلال، لتشكّل حزاماً أمنياً إسرائيلياً على غرار جماعة سعد حداد وأنطوان لحد في جنوب لبنان.     وأمام هذه العوامل، تصبح العملية العسكرية المرتقبة في الجنوب، أمراً واقعاً سورياً في مقابل الضغوط الأميركية والإسرائيلية. غير أن إسرائيل، التي تدرك أن عودة الجيش السوري إلى الجنوب باتت مسألة وقت، تحاول «تقريش» ضغوطها على روسيا، بالدفع نحو حصولها على تعهدات بخروج قوات الحرس الثوري الإيراني والمقاومة اللبنانية من الجنوب السوري، وهو الأمر الذي لطالما طالب به رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو خلال عشر زيارات لموسكو ولقاءات مع الرئيس فلاديمير بوتين. ويمكن القول إن أكثر من خطّ للتفاوض تعمل الآن، ولا سيّما الاجتماعات الثلاثيّة الأردنية ــ الأميركية ــ الروسية في عمّان، التي عُقد أحدها أمس، لإيجاد مخارج تحفظ حقوق دمشق في استعادتها السيطرة على الجنوب، ولا تعطي ذريعة لإسرائيل للتدخّل المباشر وعرقلة عملية الجيش، بما يؤدّي إلى تصعيد إقليمي كبير.     أمّا على الأرض، فيمكن الإشارة إلى النقاط الآتية: أوّلاً، لم تكتمل بعد حشود الجيش، وبحسب المعلومات فإن الهدف الميداني الأوّل هو فتح طريق السويداء ــ إزرع وعزل منطقة اللجاة وبلدة بصرى الحرير، وبالتوازي تحرّك الجيش من مدينة درعا عبر النعيمة ومحيطها، بما يضع كامل الريف الشرقي تحت الضغط العسكري، وما يتبعه من اضطرار المسلحين للدخول في تسويات مع الجيش، وإخراج من لا يغرب بالتسوية إلى إدلب. ومن المؤكّد أن إرهابيي «جبهة النصرة» سيلتحقون بزملائهم في الشمال السوري، فيما يخطّط بعض قادة المسلّحين في الريف الشرقي للهرب عبر الأردن إلى السعودية، الحاضن الأوّل لهؤلاء. ثانياً، تحاول الفصائل رفع معنويات المسلحين عبر الترويج لطمأنات أردنية تجافي ما يعرب عنه الأردنيون عبر القنوات مع الروس والسوريين. وخلال الأيام الماضية، أعلنت غالبية الفصائل رفضها المصالحة مع الدولة، وأكّدت استعدادها للمواجهة، الأمر الذي ثبت عدم جدواه أمام آلة الجيش العسكرية، والمزاج الشعبي الذي تحوّل لمصلحة الجيش. ثالثاً، فعّلت الدولة تواصلها مع عدد كبير من فعاليات الجنوب، وبات الكثير من هؤلاء في انتظار قوّات الجيش لإعلان رفضهم للوجود المسلح ورفع العلم السوري، كما حصل في الغوطة الشرقية. فضلاً عن أن عدداً كبيراً من مفاتيح المسلحين بات على اتصال بأجهزة الأمن السورية معلنين استعدادهم للانقلاب على الفصائل والتعاون مع قوات الجيش. وما حصل في القنيطرة أمس، بعد محاولة فرار المدعو «أبو المجد» أحد قادة «أنصار الإسلام»، أثار موجة من الهلع بين الفصائل، خشية بدء قيادات المسلحين بالفرار بالتنسيق مع القوات السورية.   وترجّح مصادر أمنية سورية رفيعة المستوى رضوخ الجميع للخيار السوري باستعادة السيطرة في الجنوب، وتسليم الفصائل المسلحة أسلحتها الثقيلة، والوصول إلى معبر نصيب الحدودي على الأقل في المرحلة الأولى، على أن يجري العمل على تفكيك الفصائل المسلّحة في المرحلة التالية. وليس واضحاً بعد، كيفية التعامل مع الجيب الذي يسيطر عليه تنظيم «داعش» في حوض اليرموك. فعلى الرغم من هجوم الفصائل المسلحة اليومي على «جيش خالد بن الوليد»، لم تستطع الفصائل تحقيق أي تقدّم يذكر خلال أشهر من المعارك، فيما يستمر «جيش خالد» بدفع الرواتب لعناصره والحصول على الأسلحة للمواجهة، ما يعزّز الشبهات بوجود دعم إسرائيلي يحظى به التنظيم، ليبقى «فزّاعة» تبرّر التدخّل في منطقة حوض اليرموك، في مسعىً واضح للسيطرة على واحد من أبرز مصادر المياه السورية  

المصدر : الماسة السورية/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة