طُويت أمس صفحة «ولاية دمشق» التابعة لتنظيم «داعش» المتطرف في شكل نهائي، فيما أعلن الجيش محافظتي دمشق وريفها «محافظتين خاليتين من الإرهاب». وتتجه الأنظار إلى محافظة درعا بصفتها مؤشراً أساسيّاً لما يمكن أن يؤول إليه المشهد السوري في خلال الشهور المقبلة، في ظل استمرار الوضع في الشمال مضبوطاً وفق توافقات «أستانا» التي تعدُ بتطورات «إيجابيّة» مقبلة

لا شيء مفاجئٌ في ما شهدته العاصمة السوريّة أمس. ويمكن القول إنّ إعلان العاصمة وريفها محافظتين تحت سيطرة الجيش بالكامل جاء بمثابة «إشعار» رسميّ ببدء مرحلة جديدة في المشهد السوري، مرحلة كان الانعطاف نحوها أمراً مسلّماً به منذ انطلاق معركة غوطة دمشق الأخيرة. وكان من المنتظر أن تُعلن هزيمة «الرايات السود» في جنوب دمشق مع بداية شهر رمضان وفقاً لخطط الجيش السوري (راجع «الأخبار»، 12 أيار 2018). ولا تُشكّل الأيام الخمسة فارقاً كبيراً لا سيّما أنّ اليومين الأخيرين كانا شبهَ خاليين من المعارك، إفساحاً للمجال أمام التحضيرات اللوجستيّة لإخراج بقايا المسلّحين وفق «صيغة استسلام، لا اتفاق» على ما يؤكّده مصدر أمنيّ رفيع لـ«الأخبار». ويأتي خلوّ محافظتي دمشق (1599 كلم مربع) وريف دمشق (18.032 كلم مربع) من أي وجود عسكري مناوئ للدولة ليكمل ما بدأته اتفاقات حمص وحماة الأخيرة، ويمنح الجيش وحلفاءه أكبر رقعةٍ متصلة تخلو من المجموعات المسلّحة بمختلف مسميّاتها منذ سبعة أعوام. وعلى رغم الفاتورة الباهظة التي سدّدتها البلاد من ضحايا ونزف ديموغرافي وأكلاف اقتصاديّة ومجتمعيّة هائلة، فإنّه في حسابات العسكرة يعني أنّ الأمور اليوم «أفضل» حتى مما كانت عليه في عام 2012 من وجهة نظر دمشق. ولا تقتصرُ مقوّمات «الأفضليّة» على تنكيس كل الرايات «الفصائليّة» في أجزاء واسعة من البلاد، بل تتسع لتشمل انخفاض عدد اللاعبين الإقليميين القادرين على لعب ورقة «أمن العاصمة» بما تمثّله من رمزيّة، ومغادرة كلّ رافضي سلطة الدولة المركزيّة إلى أطراف البلاد الشماليّة. وإذا ما قُوّض للاتفاقات (غير المعلنة) التي تمخّضت عنها الجولة التاسعة من «أستانا» قبل أيّام، فمن المنتظر أن يشهد الشمال بدوره تطوّرات قريبة تتيح المزيد من التقاط الأنفاس لدمشق.

تسعى دمشق إلى الخروج بمكتسبات من أي «توافق» حول المنطقة الجنوبية

ويتحفّظ مصدر سوريّ رفيع تحدثت إليه «الأخبار» عن الإدلاء بأي توضيح يخصّ «أستانا»، ويكتفي بالقول إنّ «كلّ الأمور على خير ما يرام، وسيتذكّر السوريون طويلاً هذه السنة (2018) بصفتها سنة الخواتيم». ومن شأن الأيّام القليلة المقبلة أن تقدّم مؤشراتٍ على المسار الذي ستسلكه مجريات جنوب البلاد، في ظلّ مواصلة الجيش استعداداته اللوجستيّة تحسّباً لاحتمال فتح جبهة درعا من جديد. وفي خلال الأسبوعين الأخيرين حظي ملفّ درعا بحضور كبير على طاولات معظم القوى المنخرطة في المسألة السوريّة. وتدور نقاشات ومفاوضاتٌ شائكة وراء الأبواب المغلقة، سواء في ذلك ما يدور بين أطراف «حلف دمشق» وما يدور بين موسكو وكلّ من واشنطن وعمّان وباريس وحتى تل أبيب. وتشير معطيات متقاطعة إلى أنّ دمشق تسعى إلى الخروج بمكتسبات ميدانيّة من أي توافق تنجح موسكو في الوصول إليه مع اللاعبين المؤثرين في جبهات الجنوب. ويعني ذلك عدم الاكتفاء باتفاق موضعي يُدخل الجنوب في حالة «ستاتيكو» فحسب، بل يتضمن رسم خطوط سيطرة جديدة، وضمانات بإعادة فتح المعابر الحدوديّة مع الأردن تحت سلطة الحكومة السوريّة. وتسيطر المجموعات المسلّحة على قرابة 2500 كلم مربع من مساحة محافظة درعا، فيما يسيطر الجيش على قرابة 1200 كلم مربع تأخذ شكل لسان يمتّد من غباغب (ريف درعا الشمالي) إلى مدينة درعا (مركز المحافظة). وإضافة إلى درعا، تنحصر سيطرة المجموعات المسلّحة في أجزاء من محافظة القنيطرة (380 كلم مربع)، وفي قاعدة التنف تحت غطاء أميركي، إضافة إلى مثلث «مورك، كفر زيتا، اللطامنة» في ريف حماة الشمالي. كما تنتشر مجموعات مسلّحة في مناطق «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي بمساحة 2250 كلم مربع، ومناطق «غصن الزيتون» (عفرين ومحيطها) بمساحة 2280 كلم مربع. وتخضع أجزاء واسعة (5400 كلم مربع) من محافظة إدلب لسيطرة مجموعات معظمها «جهاديّة»، وتتصل بها حوالى 100 كلم مربع من ريف اللاذقية الشمالي.

فيما يسيطر الجيش وحلفاؤه على قرابة 650 كلم مربع من ريف إدلب الجنوبي الشرقي علاوة على بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين. وتتنازع «جبهة تحرير سوريا» و«جبهة النصرة» السيطرة على قرابة 2500 كلم مربع من مساحة محافظة حلب (الريف الغربي والشمالي الغربي). وما زالت هذه الخاصرة تشكّل مصدر خطر على سكّان حلب، وتواصل المجموعات استهداف المدينة بقذائف وصواريخ مستمرّة. وتفيد معلومات «الأخبار» بأنّ «حركة نور الدين زنكي» قد تلقّت أخيراً تحذيراً تركيّاً بضرورة «ضبط هذا المحور في شكل تام» بصفتها المجموعة الأكبر نفوذاً في ريف حلب الغربي. وتضمّن التحذير تلويحاً بـ«رفع الغطاء عن مناطقها، وإخراجها من قائمة التفاهمات المتفق عليها مع موسكو».

«داعش» بلا «ولايات»

خروج عناصر «داعش» في شكل نهائي من دمشق ومحيطها أفضى إلى خسارة التنظيم المتطرّف «ولاية دمشق». ونتيجة ذلك باتت تسمية «الولايات» أشبه بـ«حالة رمزيّة» تحضر في بيانات التنظيم ووسائل إعلامه فحسب. ويقتصر الوجود الميداني لـ«داعش» في الوقت الراهن على ثلاثة جيوب أصغرها لا تتعدى مساحته 250 كلم مربع في محافظة درعا، وأكبرها جيب كبير في البادية (نحو 7500 كلم مربع)، هو ما تبقى من «ولاية البادية». إضافة إلى جيب ثالث شرق الفرات بمساحة تقارب 5000 كلم مربع، هو بقايا «ولاية الخير». فيما تسيطر «قوات سوريا الديموقراطيّة» على ما يقارب 40.000 كلم مربع، محافظة بذلك على كونها ثاني قوّة مسيطرة في الجغرافيا السورية.

  • فريق ماسة
  • 2018-05-21
  • 18698
  • من الأرشيف

الحرب تغادر دمشق

طُويت أمس صفحة «ولاية دمشق» التابعة لتنظيم «داعش» المتطرف في شكل نهائي، فيما أعلن الجيش محافظتي دمشق وريفها «محافظتين خاليتين من الإرهاب». وتتجه الأنظار إلى محافظة درعا بصفتها مؤشراً أساسيّاً لما يمكن أن يؤول إليه المشهد السوري في خلال الشهور المقبلة، في ظل استمرار الوضع في الشمال مضبوطاً وفق توافقات «أستانا» التي تعدُ بتطورات «إيجابيّة» مقبلة لا شيء مفاجئٌ في ما شهدته العاصمة السوريّة أمس. ويمكن القول إنّ إعلان العاصمة وريفها محافظتين تحت سيطرة الجيش بالكامل جاء بمثابة «إشعار» رسميّ ببدء مرحلة جديدة في المشهد السوري، مرحلة كان الانعطاف نحوها أمراً مسلّماً به منذ انطلاق معركة غوطة دمشق الأخيرة. وكان من المنتظر أن تُعلن هزيمة «الرايات السود» في جنوب دمشق مع بداية شهر رمضان وفقاً لخطط الجيش السوري (راجع «الأخبار»، 12 أيار 2018). ولا تُشكّل الأيام الخمسة فارقاً كبيراً لا سيّما أنّ اليومين الأخيرين كانا شبهَ خاليين من المعارك، إفساحاً للمجال أمام التحضيرات اللوجستيّة لإخراج بقايا المسلّحين وفق «صيغة استسلام، لا اتفاق» على ما يؤكّده مصدر أمنيّ رفيع لـ«الأخبار». ويأتي خلوّ محافظتي دمشق (1599 كلم مربع) وريف دمشق (18.032 كلم مربع) من أي وجود عسكري مناوئ للدولة ليكمل ما بدأته اتفاقات حمص وحماة الأخيرة، ويمنح الجيش وحلفاءه أكبر رقعةٍ متصلة تخلو من المجموعات المسلّحة بمختلف مسميّاتها منذ سبعة أعوام. وعلى رغم الفاتورة الباهظة التي سدّدتها البلاد من ضحايا ونزف ديموغرافي وأكلاف اقتصاديّة ومجتمعيّة هائلة، فإنّه في حسابات العسكرة يعني أنّ الأمور اليوم «أفضل» حتى مما كانت عليه في عام 2012 من وجهة نظر دمشق. ولا تقتصرُ مقوّمات «الأفضليّة» على تنكيس كل الرايات «الفصائليّة» في أجزاء واسعة من البلاد، بل تتسع لتشمل انخفاض عدد اللاعبين الإقليميين القادرين على لعب ورقة «أمن العاصمة» بما تمثّله من رمزيّة، ومغادرة كلّ رافضي سلطة الدولة المركزيّة إلى أطراف البلاد الشماليّة. وإذا ما قُوّض للاتفاقات (غير المعلنة) التي تمخّضت عنها الجولة التاسعة من «أستانا» قبل أيّام، فمن المنتظر أن يشهد الشمال بدوره تطوّرات قريبة تتيح المزيد من التقاط الأنفاس لدمشق. تسعى دمشق إلى الخروج بمكتسبات من أي «توافق» حول المنطقة الجنوبية ويتحفّظ مصدر سوريّ رفيع تحدثت إليه «الأخبار» عن الإدلاء بأي توضيح يخصّ «أستانا»، ويكتفي بالقول إنّ «كلّ الأمور على خير ما يرام، وسيتذكّر السوريون طويلاً هذه السنة (2018) بصفتها سنة الخواتيم». ومن شأن الأيّام القليلة المقبلة أن تقدّم مؤشراتٍ على المسار الذي ستسلكه مجريات جنوب البلاد، في ظلّ مواصلة الجيش استعداداته اللوجستيّة تحسّباً لاحتمال فتح جبهة درعا من جديد. وفي خلال الأسبوعين الأخيرين حظي ملفّ درعا بحضور كبير على طاولات معظم القوى المنخرطة في المسألة السوريّة. وتدور نقاشات ومفاوضاتٌ شائكة وراء الأبواب المغلقة، سواء في ذلك ما يدور بين أطراف «حلف دمشق» وما يدور بين موسكو وكلّ من واشنطن وعمّان وباريس وحتى تل أبيب. وتشير معطيات متقاطعة إلى أنّ دمشق تسعى إلى الخروج بمكتسبات ميدانيّة من أي توافق تنجح موسكو في الوصول إليه مع اللاعبين المؤثرين في جبهات الجنوب. ويعني ذلك عدم الاكتفاء باتفاق موضعي يُدخل الجنوب في حالة «ستاتيكو» فحسب، بل يتضمن رسم خطوط سيطرة جديدة، وضمانات بإعادة فتح المعابر الحدوديّة مع الأردن تحت سلطة الحكومة السوريّة. وتسيطر المجموعات المسلّحة على قرابة 2500 كلم مربع من مساحة محافظة درعا، فيما يسيطر الجيش على قرابة 1200 كلم مربع تأخذ شكل لسان يمتّد من غباغب (ريف درعا الشمالي) إلى مدينة درعا (مركز المحافظة). وإضافة إلى درعا، تنحصر سيطرة المجموعات المسلّحة في أجزاء من محافظة القنيطرة (380 كلم مربع)، وفي قاعدة التنف تحت غطاء أميركي، إضافة إلى مثلث «مورك، كفر زيتا، اللطامنة» في ريف حماة الشمالي. كما تنتشر مجموعات مسلّحة في مناطق «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي بمساحة 2250 كلم مربع، ومناطق «غصن الزيتون» (عفرين ومحيطها) بمساحة 2280 كلم مربع. وتخضع أجزاء واسعة (5400 كلم مربع) من محافظة إدلب لسيطرة مجموعات معظمها «جهاديّة»، وتتصل بها حوالى 100 كلم مربع من ريف اللاذقية الشمالي. فيما يسيطر الجيش وحلفاؤه على قرابة 650 كلم مربع من ريف إدلب الجنوبي الشرقي علاوة على بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين. وتتنازع «جبهة تحرير سوريا» و«جبهة النصرة» السيطرة على قرابة 2500 كلم مربع من مساحة محافظة حلب (الريف الغربي والشمالي الغربي). وما زالت هذه الخاصرة تشكّل مصدر خطر على سكّان حلب، وتواصل المجموعات استهداف المدينة بقذائف وصواريخ مستمرّة. وتفيد معلومات «الأخبار» بأنّ «حركة نور الدين زنكي» قد تلقّت أخيراً تحذيراً تركيّاً بضرورة «ضبط هذا المحور في شكل تام» بصفتها المجموعة الأكبر نفوذاً في ريف حلب الغربي. وتضمّن التحذير تلويحاً بـ«رفع الغطاء عن مناطقها، وإخراجها من قائمة التفاهمات المتفق عليها مع موسكو». «داعش» بلا «ولايات» خروج عناصر «داعش» في شكل نهائي من دمشق ومحيطها أفضى إلى خسارة التنظيم المتطرّف «ولاية دمشق». ونتيجة ذلك باتت تسمية «الولايات» أشبه بـ«حالة رمزيّة» تحضر في بيانات التنظيم ووسائل إعلامه فحسب. ويقتصر الوجود الميداني لـ«داعش» في الوقت الراهن على ثلاثة جيوب أصغرها لا تتعدى مساحته 250 كلم مربع في محافظة درعا، وأكبرها جيب كبير في البادية (نحو 7500 كلم مربع)، هو ما تبقى من «ولاية البادية». إضافة إلى جيب ثالث شرق الفرات بمساحة تقارب 5000 كلم مربع، هو بقايا «ولاية الخير». فيما تسيطر «قوات سوريا الديموقراطيّة» على ما يقارب 40.000 كلم مربع، محافظة بذلك على كونها ثاني قوّة مسيطرة في الجغرافيا السورية.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة