ساعات فقط تفصل بين إعلان تحرير الكثير من المناطق وانضمام العشرات إلى قائمة الشهداء على طول تراب هذا الوطن.

كانت أحدث تلك القصص التي حصلت استشهاد المهندس شادي عيسى في منطقة مخيم اليرموك، لم تكن شهادة  شادي استثناء من حيث الزمن بين نهاية الوجود الإرهابي في منطقة واستشهاد بعض من شبان هذا البلد في اللحظات الفاصلة، مشاعر مختلطة من الحزن والحسرة فيما لو كانوا تمكنوا من رؤية نتائج تضحياتهم قبل رحيلهم، لكن هذه قوانين الحروب.

ليست الحروب استثناء في تاريخ سورية، ولكن ربما لم يشهد التاريخ مثيلاً لضحايا هذه الحرب التي طال أمدها، وكثرت ضحاياها، فلكل بيت نصيبه من الأحزان، ولكن وصلت فجائع بعض الأسر إلى خسارة ثلاثة أو أربعة من الأبناء.

لم تنكسر أمهات الشهداء رغم كل فجائعهن، ومازلن يساندن معارك أبنائهن في كل الميادين الحربية.

أم أسامة تستقبل ولديها القادمين من الميدان وكأنها تراهما للمرة الأولى، وتودعهما وكأنها تراهما للمرة الأخيرة لكنها لم تحبط من عزيمتهما يوماً، ولم تبدِ لهما امتعاضها من المهمات التي توكل إليهما بل أكثر عبارة ترددها: إن البلد لن يتحرر ويتعافى إذا لم يدافع عنه كل أبنائه.

بألم وحزن عميق تذهب إلى كل صالات التعازي، فهذا رفيق ولديها، وذاك جارهم، والمحصلة بلد تريد أن تتناهبه الكثير من الدول الطامعة، فعلى سكانه أن يحموه وخاصة أبناؤه الذين لم يغادروه عند الحاجة، ويستشهدون كل يوم وبالعشرات في بعض الفترات التي تشتد فيها المعارك.

 

لا نساوم

في الذكرى الخامسة لاستشهاد الملازم شرف علي أكرم الضاهر كتب أخوه أحمد على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي.. (( لم نستطع إحضار جثمانه وعندما اتصل المسلحون بنا ليفاوضونا عليه صرخت والدتي في وجه الإرهابي المتصل وأمرتنا أن نزغرد لعلي لأنه شهيد)) وقالت لهم: (( الروح طلعت لباريها..علي شهيد ونبت بدالو ألف علي)). ارتقى علي شهيداً في معارك ريف حمص في القصير عام 2013 وهو من مواليد 1985 حي وادي الذهب.

ولا تفارق البسمة وجه أم سعيد التي تلقت نبأ استشهاد ولدها البكر في معارك الشرف والرجولة في حلب منطقة الكليات في صيف 2016 وهو يلبي واجبه الوطني والإنساني بكل تفان وإخلاص تقول: (( لقد قدمته قرباناً لكرامة سورية وحريتها وعزتها بالرغم من مرارة الفقدان والغياب إلا أن سورية تستحق منا الكثير فالوطن الذي لا نحميه ونضحي من أجله لا نستحق أن نكون أبناءه)).

(أم سليمان) والدة شهيد أكدت لمراسلة «سانا»: أن أمهات سورية قدمن على مر التاريخ فلذات أكبادهن وهي تضحية تهون فقط حين تكون في سبيل عزة الوطن وكرامته.

الجريح (أحمد منصور) اعتبر أن الجرحى هم الشهداء الأحياء الذين كانوا شهوداً على ما جرى من معارك وبطولات خاضها أبطال الجيش العربي السوري ضد الإرهاب الأسود، مؤكداً أن الشهادة هي أسمى وأعلى المراتب في الحياة وهي أمنية لكل المقاتلين.

ويقول (أبو ماهر) ضابط متقاعد لمراسل «سانا»: لا يكاد يمر يوم إلا وتسجل صفحة جديدة في تاريخ سورية بدماء شهدائها الذين يسطرون قصص البطولة والنضال ضد طغاة الأرض.

وأشار الأديب (رجب ديب) إلى أن دماء الشهداء أحبطت كل ما يخطط له الأعداء من مكائد ومؤامرات، لافتاً إلى أن دماء الشهداء الطاهرة أعطت للوطن قوة ومنعة وأزهرت مزيداً من الإرادة والعزيمة والإصرار فلقد استعذب أبناء سورية الموت ليحيا وطنهم.

أمهات لشهداء وجرحى

(أم أيمن) أم لشهيد استشهد في دوما تقول وهي تحتضن صورته التي كانت معلقة على أحد الجدران أمامها، كان شجاعاً مقداماً لا يهاب شيئاً، وكان يقول دائماً: كلنا مشاريع شهادة يا أمي، وعندما أستشهد ارفعي رأسك عالياً وزغردي، فسورية غالية وتحتاج التضحية، تقطع حديثها غصة ودموع تخفيها في عينيها: قدمت ولدي قرباناً وفداءً لسورية فهي غالية ومهرها زينة الشباب، الدولة لم تقصر بأداء واجبها وتقديم كل ما تستطيع لنا ولغيرنا من أهل الشهداء، لكن أموال الدنيا كلها لا تعادل قطرة من دماء هؤلاء الشهداء الأبطال، ونتمنى أن تكون هذه الدماء الطاهرة ثمناً لإعادة الاستقرار والأمن والأمان لسورية، كما تمنت أن تستمر الدولة في تقديم الدعم بشتى أنواعه لأطفال الشهداء وتأمين حياة كريمة لهم، متابعة أنها ترى ابنها في عيون ولديه الصغيرين اللذين تركهما وراءه.

(أم بسام) هي والدة شهيد استشهد في جوبر وآخر مخطوف في حلب وحتى الساعة لا تعلم مصيره، بالكاد تكلمت معنا قائلة والدموع تغالبها وتحفر بوجهها الحزين أخاديد من الحزن والألم، وبكلمات ممزوجة بالحسرة واللوعة: لا أريد شيئاً سوى أن تتكحل عيناي برؤية ولدي المخطوف قبل أن يأخذ الله أمانته، أنا خسرت أخاه ومؤمنة بقضاء الله وقدره، وإن الوطن غال ويحتاج للكثير من التضحية والفداء، لكن مطلبي الوحيد من كل جهة مسؤولة في الدولة هي الاعتناء بملف المخطوفين والعمل ما في وسعهم من أجل الحصول على معلومات تثلج صدورنا نحن الأمهات المكلومات وتشفي شيئاً من جراحنا المتقرحة، نحن لا نريد مالاً ولا وظائف ولا أي شيء بل نريد خبراً عن أولادنا ولو كانوا شهداء.

نقدم المزيد

(أم محمد) أم لشهيدين وثالث مصاب تقول: الشهداء اختارهم ربهم إلى جواره وهم أحياء يرزقون مكرمون عنده، ولا شيء يعادل فقداننا لأبنائنا مهما كان، ومع ذلك فقد قدمناهم فداءً لسورية ومازلنا قادرين على تقديم العديد من الشهداء في سبيل نصرة الوطن ورفعته وتحريره من الإرهاب، ونحتسب أولادنا قرابين قدمناهم على مذبح الوطن لأنه مهما كانت أوجاعنا كبيرة فهي تبقى صغيرة أمام وجع الوطن الكبير، وكان لها مطلب أن تكون هناك لجنة مفعلة تعمل بنزاهة لدراسة أوضاع الجرحى الذين كثر عددهم باشتداد هذه الحرب، سواءً كانت الصحية منها أو المادية وإرسال الحالات المستعصية للعلاج في الخارج، فضلاً عن تأمين كل ما يحتاجونه من الأدوية والخدمات الطبية، مشيرةً إلى أن الكثير من الأهل اضطروا لبيع أراضيهم وبيوتهم لعلاج أبنائهم، نعلم أن الضغوط كبيرة ولكن نأمل أن يؤخذ مطلبنا بعين الاعتبار، متضرعة إلى الله إزالة هذه الغمامة السوداء عن سورية.

 

  • فريق ماسة
  • 2018-05-05
  • 14802
  • من الأرشيف

في ذكرى عيد الشهداء: أبناء سورية على خط النار منذ سبع سنوات قوافل الشهداء تسطّر تاريخ سورية

ساعات فقط تفصل بين إعلان تحرير الكثير من المناطق وانضمام العشرات إلى قائمة الشهداء على طول تراب هذا الوطن. كانت أحدث تلك القصص التي حصلت استشهاد المهندس شادي عيسى في منطقة مخيم اليرموك، لم تكن شهادة  شادي استثناء من حيث الزمن بين نهاية الوجود الإرهابي في منطقة واستشهاد بعض من شبان هذا البلد في اللحظات الفاصلة، مشاعر مختلطة من الحزن والحسرة فيما لو كانوا تمكنوا من رؤية نتائج تضحياتهم قبل رحيلهم، لكن هذه قوانين الحروب. ليست الحروب استثناء في تاريخ سورية، ولكن ربما لم يشهد التاريخ مثيلاً لضحايا هذه الحرب التي طال أمدها، وكثرت ضحاياها، فلكل بيت نصيبه من الأحزان، ولكن وصلت فجائع بعض الأسر إلى خسارة ثلاثة أو أربعة من الأبناء. لم تنكسر أمهات الشهداء رغم كل فجائعهن، ومازلن يساندن معارك أبنائهن في كل الميادين الحربية. أم أسامة تستقبل ولديها القادمين من الميدان وكأنها تراهما للمرة الأولى، وتودعهما وكأنها تراهما للمرة الأخيرة لكنها لم تحبط من عزيمتهما يوماً، ولم تبدِ لهما امتعاضها من المهمات التي توكل إليهما بل أكثر عبارة ترددها: إن البلد لن يتحرر ويتعافى إذا لم يدافع عنه كل أبنائه. بألم وحزن عميق تذهب إلى كل صالات التعازي، فهذا رفيق ولديها، وذاك جارهم، والمحصلة بلد تريد أن تتناهبه الكثير من الدول الطامعة، فعلى سكانه أن يحموه وخاصة أبناؤه الذين لم يغادروه عند الحاجة، ويستشهدون كل يوم وبالعشرات في بعض الفترات التي تشتد فيها المعارك.   لا نساوم في الذكرى الخامسة لاستشهاد الملازم شرف علي أكرم الضاهر كتب أخوه أحمد على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي.. (( لم نستطع إحضار جثمانه وعندما اتصل المسلحون بنا ليفاوضونا عليه صرخت والدتي في وجه الإرهابي المتصل وأمرتنا أن نزغرد لعلي لأنه شهيد)) وقالت لهم: (( الروح طلعت لباريها..علي شهيد ونبت بدالو ألف علي)). ارتقى علي شهيداً في معارك ريف حمص في القصير عام 2013 وهو من مواليد 1985 حي وادي الذهب. ولا تفارق البسمة وجه أم سعيد التي تلقت نبأ استشهاد ولدها البكر في معارك الشرف والرجولة في حلب منطقة الكليات في صيف 2016 وهو يلبي واجبه الوطني والإنساني بكل تفان وإخلاص تقول: (( لقد قدمته قرباناً لكرامة سورية وحريتها وعزتها بالرغم من مرارة الفقدان والغياب إلا أن سورية تستحق منا الكثير فالوطن الذي لا نحميه ونضحي من أجله لا نستحق أن نكون أبناءه)). (أم سليمان) والدة شهيد أكدت لمراسلة «سانا»: أن أمهات سورية قدمن على مر التاريخ فلذات أكبادهن وهي تضحية تهون فقط حين تكون في سبيل عزة الوطن وكرامته. الجريح (أحمد منصور) اعتبر أن الجرحى هم الشهداء الأحياء الذين كانوا شهوداً على ما جرى من معارك وبطولات خاضها أبطال الجيش العربي السوري ضد الإرهاب الأسود، مؤكداً أن الشهادة هي أسمى وأعلى المراتب في الحياة وهي أمنية لكل المقاتلين. ويقول (أبو ماهر) ضابط متقاعد لمراسل «سانا»: لا يكاد يمر يوم إلا وتسجل صفحة جديدة في تاريخ سورية بدماء شهدائها الذين يسطرون قصص البطولة والنضال ضد طغاة الأرض. وأشار الأديب (رجب ديب) إلى أن دماء الشهداء أحبطت كل ما يخطط له الأعداء من مكائد ومؤامرات، لافتاً إلى أن دماء الشهداء الطاهرة أعطت للوطن قوة ومنعة وأزهرت مزيداً من الإرادة والعزيمة والإصرار فلقد استعذب أبناء سورية الموت ليحيا وطنهم. أمهات لشهداء وجرحى (أم أيمن) أم لشهيد استشهد في دوما تقول وهي تحتضن صورته التي كانت معلقة على أحد الجدران أمامها، كان شجاعاً مقداماً لا يهاب شيئاً، وكان يقول دائماً: كلنا مشاريع شهادة يا أمي، وعندما أستشهد ارفعي رأسك عالياً وزغردي، فسورية غالية وتحتاج التضحية، تقطع حديثها غصة ودموع تخفيها في عينيها: قدمت ولدي قرباناً وفداءً لسورية فهي غالية ومهرها زينة الشباب، الدولة لم تقصر بأداء واجبها وتقديم كل ما تستطيع لنا ولغيرنا من أهل الشهداء، لكن أموال الدنيا كلها لا تعادل قطرة من دماء هؤلاء الشهداء الأبطال، ونتمنى أن تكون هذه الدماء الطاهرة ثمناً لإعادة الاستقرار والأمن والأمان لسورية، كما تمنت أن تستمر الدولة في تقديم الدعم بشتى أنواعه لأطفال الشهداء وتأمين حياة كريمة لهم، متابعة أنها ترى ابنها في عيون ولديه الصغيرين اللذين تركهما وراءه. (أم بسام) هي والدة شهيد استشهد في جوبر وآخر مخطوف في حلب وحتى الساعة لا تعلم مصيره، بالكاد تكلمت معنا قائلة والدموع تغالبها وتحفر بوجهها الحزين أخاديد من الحزن والألم، وبكلمات ممزوجة بالحسرة واللوعة: لا أريد شيئاً سوى أن تتكحل عيناي برؤية ولدي المخطوف قبل أن يأخذ الله أمانته، أنا خسرت أخاه ومؤمنة بقضاء الله وقدره، وإن الوطن غال ويحتاج للكثير من التضحية والفداء، لكن مطلبي الوحيد من كل جهة مسؤولة في الدولة هي الاعتناء بملف المخطوفين والعمل ما في وسعهم من أجل الحصول على معلومات تثلج صدورنا نحن الأمهات المكلومات وتشفي شيئاً من جراحنا المتقرحة، نحن لا نريد مالاً ولا وظائف ولا أي شيء بل نريد خبراً عن أولادنا ولو كانوا شهداء. نقدم المزيد (أم محمد) أم لشهيدين وثالث مصاب تقول: الشهداء اختارهم ربهم إلى جواره وهم أحياء يرزقون مكرمون عنده، ولا شيء يعادل فقداننا لأبنائنا مهما كان، ومع ذلك فقد قدمناهم فداءً لسورية ومازلنا قادرين على تقديم العديد من الشهداء في سبيل نصرة الوطن ورفعته وتحريره من الإرهاب، ونحتسب أولادنا قرابين قدمناهم على مذبح الوطن لأنه مهما كانت أوجاعنا كبيرة فهي تبقى صغيرة أمام وجع الوطن الكبير، وكان لها مطلب أن تكون هناك لجنة مفعلة تعمل بنزاهة لدراسة أوضاع الجرحى الذين كثر عددهم باشتداد هذه الحرب، سواءً كانت الصحية منها أو المادية وإرسال الحالات المستعصية للعلاج في الخارج، فضلاً عن تأمين كل ما يحتاجونه من الأدوية والخدمات الطبية، مشيرةً إلى أن الكثير من الأهل اضطروا لبيع أراضيهم وبيوتهم لعلاج أبنائهم، نعلم أن الضغوط كبيرة ولكن نأمل أن يؤخذ مطلبنا بعين الاعتبار، متضرعة إلى الله إزالة هذه الغمامة السوداء عن سورية.  

المصدر : الماسة السورية/ تشرين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة