تتسارع الأحداث الميدانية على الساحة السورية بين الجيش السوري والحلفاء من جهة والجماعات المسلحة الإرهابية من جهة أخرى. ففيما تسير الأمور على جبهة جنوب العاصمة وفق خطين متوازيين:

الأول اتفاقات بخروج المسلحين، والثاني حسم عسكري في الحجر الاسود ومخيم اليرموك، تجري مفاوضات على جبهتي ريف حمص الشمالي وريف حماه الجنوبي لإخراجهم منهما. وقد كان اتفاق لوقف إطلاق النار تم الاتفاق عليه الاثنين الماضي بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة من أجل البدء بجولة جديدة من المفاوضات تهدف لإخلاء هذه المنطقة ودخول الجيش السوري اليها. وسواء تم التوصل الى اتفاق اخلاء أو لم يتم ذلك، فان الحسم العسكري قد تم اتخاذه لإنهاء الجماعات المسلحة هناك.

ومهما يكن من أمر، ان هي الا بضعة أسابيع حتى تكون مناطق جنوب العاصمة وريفي حمص الشمالي وحماه الجنوبي خالية من وجود تلك الجماعات، ما يعني ان بعد شهر رمضان المبارك ستكون فترة حافلة باستحقاقات كبيرة. وتتعلق هذه الاستحقاقات بمناطق ثلاث خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر لثلاثة لاعبين اقليميين: تركيا في الشمال والكيان الاسرائيلي في الجنوب، والولايات المتحدة الاميركية في الشرق والشمالي الشرقي ( مناطق شرق الفرات)، سنسعى في هذه المقالة الى تسليط الضوء على الاستحقاق في الشمال.

لقد بات من الواضح أن ثمة تفاهمات قد أُبرمت بين روسيا من جهة وتركيا من جهة أخرى. صحيح أن هذه التفاهمات لم تتضح بحرفيتها وبنودها بشكل رسمي، الا أن توقف العمليات العسكرية للجيش السوري على أبواب محافظة ادلب وعدم استكمالها باتجاه معرة النعمان منذ ما يزيد عن الشهر، في مقابل ارسال تركيا مراقبين اولا ثم أرتالا عسكرية ثانياً ويضاف اليها نشر مراقبين اتراك عند بلدة العيس، كل ذلك يفضي إلى إمكانية رسم تصور عن الحدود المتفق عليها للعمليات العسكرية شرق وشمال ادلب.

واذا ما أضفنا الى ذلك الضوء الأخضر الروسي غير الخفي للعلمية التركية في منطقة عفرين، ثم المفاوضات الجارية حاليا لدخول تركيا الى تل رفعت والتي يبدو ان اتفاقاً روسياً تركياً قد تم بخصوصها، فان كل ذلك يشير الى ان روسيا قد أعطت تركيا كل المكاسب المتفق عليها وفق التفاهم المبرم بينهما. وبناء عليه فإن المرحلة المقبلة ينبغي أن تكون على موعد مع قيام تركيا بتنفيذ تعهداتها وفق التفاهمات المعقودة مع روسيا.

على رأس هذه التعهدات تفكيك "جبهة النصرة" المصنفة إرهابية، فعلى الرغم من حصول تركيا على كل ما يمكن الحصول من الجانب الروسي، فانها الى الآن لا يبدو أنها نفذت تعهداتها المتعلقة بـ"النصرة"، اذ أن الاشتباكات التي جرت بينها وبين "جبهة تحرير سوريا" لم تفض إلى إنهاء "النصرة،" بل انها بشكل أو بآخر ادت الى ترسيخ نفوذ "النصرة" في ادلب وان كان على حساب تراجع نفوذها في مناطق اخرى. على ان المطلوب هو تفكيك "النصرة" ومحاسبة قياداتها لا مجرد تفكيكها ودمجها في فصائل اخرى فان هذا ليس من شأنه ان ينهي الجبهة الارهابية وان أضعفها الى حين حيث يمكن إعادة تجميع هذه العناصر لاحقاً.

تشير المعطيات ان تركيا بالفعل تسعى لحل جبهة "النصرة" لا ضربها، وهذا ما دفع ببعض قيادات الجبهة، كعادتها، الى نفي هذه التداولات. على أن النفي الذي جاء على لسان أحد مسؤولي "هيئة تحرير الشام" المدعو "يوسف الهجر" يحمل في طياته نقاطا لا تصب في خانة أن تركيا تنفذ ما يتعلق فيها بالتفاهم مع روسيا. اذ ان "الهجر" ذكر في  تصريحات نقلتها تنسيقيات بعض الجماعات المسلحة أن علاقة "هيئة تحرير الشام" مع "الدولة الجارة تركيا"، حسب توصيفه، هي علاقة متوازنة ومستمرة بما يحقق الاستقرار والامن.

إن التجارب السابقة مع تركيا غير مشجعة لناحية التنصل من التزاماتها وذلك كفيل بالدفع لطرح سؤال كبير يتعلق بالخطوات غير المتوازنة المرتبطة بتنفيذ التفاهمات معها.

إن الانتهاء من ملفات جنوب العاصمة وريفي حمص الشمالي وحماه الجنوبي سيضع ملف ادلب على الطاولة، وبالتالي سيضع تركيا أمام الاستحقاق الكبير المتعلق بالالتزام بتعهداتها، فهل ستلتزم ترميا بهذه التعهدات؟

بحسب المعلومات الميدانية المتوفرة، فإن الجيش التركي يقوم بإرسال ارتال عسكرية تنتشر على طول المناطق بين محافظة ادلب والمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري، ما يعني ان تركيا تقوم برسم خطوط تماس فاصلة تمنع الجيش السوري لاحقا من القيام بعملية عسكرية باتجاه ادلب. وهذا يعني ان تركيا تجهز لوجستيا لإضعاف الخيار العسكري للجيش السوري عند ظهور تخلفها عن تنفيذ تعهداتها المتفق عليها مع روسيا.

  • فريق ماسة
  • 2018-05-04
  • 12562
  • من الأرشيف

جبهة ’النصرة’ والتزامات تركيا.. استحقاقات كبرى في سورية

تتسارع الأحداث الميدانية على الساحة السورية بين الجيش السوري والحلفاء من جهة والجماعات المسلحة الإرهابية من جهة أخرى. ففيما تسير الأمور على جبهة جنوب العاصمة وفق خطين متوازيين: الأول اتفاقات بخروج المسلحين، والثاني حسم عسكري في الحجر الاسود ومخيم اليرموك، تجري مفاوضات على جبهتي ريف حمص الشمالي وريف حماه الجنوبي لإخراجهم منهما. وقد كان اتفاق لوقف إطلاق النار تم الاتفاق عليه الاثنين الماضي بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة من أجل البدء بجولة جديدة من المفاوضات تهدف لإخلاء هذه المنطقة ودخول الجيش السوري اليها. وسواء تم التوصل الى اتفاق اخلاء أو لم يتم ذلك، فان الحسم العسكري قد تم اتخاذه لإنهاء الجماعات المسلحة هناك. ومهما يكن من أمر، ان هي الا بضعة أسابيع حتى تكون مناطق جنوب العاصمة وريفي حمص الشمالي وحماه الجنوبي خالية من وجود تلك الجماعات، ما يعني ان بعد شهر رمضان المبارك ستكون فترة حافلة باستحقاقات كبيرة. وتتعلق هذه الاستحقاقات بمناطق ثلاث خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر لثلاثة لاعبين اقليميين: تركيا في الشمال والكيان الاسرائيلي في الجنوب، والولايات المتحدة الاميركية في الشرق والشمالي الشرقي ( مناطق شرق الفرات)، سنسعى في هذه المقالة الى تسليط الضوء على الاستحقاق في الشمال. لقد بات من الواضح أن ثمة تفاهمات قد أُبرمت بين روسيا من جهة وتركيا من جهة أخرى. صحيح أن هذه التفاهمات لم تتضح بحرفيتها وبنودها بشكل رسمي، الا أن توقف العمليات العسكرية للجيش السوري على أبواب محافظة ادلب وعدم استكمالها باتجاه معرة النعمان منذ ما يزيد عن الشهر، في مقابل ارسال تركيا مراقبين اولا ثم أرتالا عسكرية ثانياً ويضاف اليها نشر مراقبين اتراك عند بلدة العيس، كل ذلك يفضي إلى إمكانية رسم تصور عن الحدود المتفق عليها للعمليات العسكرية شرق وشمال ادلب. واذا ما أضفنا الى ذلك الضوء الأخضر الروسي غير الخفي للعلمية التركية في منطقة عفرين، ثم المفاوضات الجارية حاليا لدخول تركيا الى تل رفعت والتي يبدو ان اتفاقاً روسياً تركياً قد تم بخصوصها، فان كل ذلك يشير الى ان روسيا قد أعطت تركيا كل المكاسب المتفق عليها وفق التفاهم المبرم بينهما. وبناء عليه فإن المرحلة المقبلة ينبغي أن تكون على موعد مع قيام تركيا بتنفيذ تعهداتها وفق التفاهمات المعقودة مع روسيا. على رأس هذه التعهدات تفكيك "جبهة النصرة" المصنفة إرهابية، فعلى الرغم من حصول تركيا على كل ما يمكن الحصول من الجانب الروسي، فانها الى الآن لا يبدو أنها نفذت تعهداتها المتعلقة بـ"النصرة"، اذ أن الاشتباكات التي جرت بينها وبين "جبهة تحرير سوريا" لم تفض إلى إنهاء "النصرة،" بل انها بشكل أو بآخر ادت الى ترسيخ نفوذ "النصرة" في ادلب وان كان على حساب تراجع نفوذها في مناطق اخرى. على ان المطلوب هو تفكيك "النصرة" ومحاسبة قياداتها لا مجرد تفكيكها ودمجها في فصائل اخرى فان هذا ليس من شأنه ان ينهي الجبهة الارهابية وان أضعفها الى حين حيث يمكن إعادة تجميع هذه العناصر لاحقاً. تشير المعطيات ان تركيا بالفعل تسعى لحل جبهة "النصرة" لا ضربها، وهذا ما دفع ببعض قيادات الجبهة، كعادتها، الى نفي هذه التداولات. على أن النفي الذي جاء على لسان أحد مسؤولي "هيئة تحرير الشام" المدعو "يوسف الهجر" يحمل في طياته نقاطا لا تصب في خانة أن تركيا تنفذ ما يتعلق فيها بالتفاهم مع روسيا. اذ ان "الهجر" ذكر في  تصريحات نقلتها تنسيقيات بعض الجماعات المسلحة أن علاقة "هيئة تحرير الشام" مع "الدولة الجارة تركيا"، حسب توصيفه، هي علاقة متوازنة ومستمرة بما يحقق الاستقرار والامن. إن التجارب السابقة مع تركيا غير مشجعة لناحية التنصل من التزاماتها وذلك كفيل بالدفع لطرح سؤال كبير يتعلق بالخطوات غير المتوازنة المرتبطة بتنفيذ التفاهمات معها. إن الانتهاء من ملفات جنوب العاصمة وريفي حمص الشمالي وحماه الجنوبي سيضع ملف ادلب على الطاولة، وبالتالي سيضع تركيا أمام الاستحقاق الكبير المتعلق بالالتزام بتعهداتها، فهل ستلتزم ترميا بهذه التعهدات؟ بحسب المعلومات الميدانية المتوفرة، فإن الجيش التركي يقوم بإرسال ارتال عسكرية تنتشر على طول المناطق بين محافظة ادلب والمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري، ما يعني ان تركيا تقوم برسم خطوط تماس فاصلة تمنع الجيش السوري لاحقا من القيام بعملية عسكرية باتجاه ادلب. وهذا يعني ان تركيا تجهز لوجستيا لإضعاف الخيار العسكري للجيش السوري عند ظهور تخلفها عن تنفيذ تعهداتها المتفق عليها مع روسيا.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة