أعلنت واشنطن في نهاية شهر آب/ أغسطس 2013 أنها ستشن ضربة عسكرية على سوريا بسبب ما زعمت أنه “هجوم كيميائي” على الغوطة في 21 آب من العام نفسه من قبل الجيش السوري.

وأرسلت مدمرات عسكرية محملة بصواريخ كروز إلى البحر المتوسط، وقتها حصل تماما مثل ما يحصل الآن من تهويل إعلامي بشن ضربة على سوريا، وكانت الأغلبية متأكدة من حصول الضربة لأن تصريحات واشنطن كانت واضحة، وقلت يومها أنه من المستحيل أن يحدث هجوم عسكري أمريكي على سوريا لأن هذا سيشعل حربا إقليمية لن يكون بمقدور أحد تحملها ولا أحد يستطيع تحمل نتائجها، وبالفعل خلال ساعات خرج أوباما وقال لن نضرب سوريا لأن الكونغرس لم يوافق، وبعد ذلك قالوا أن سوريا تخلصت من الكيميائي ولا داعي للضربة.

تهدف هذه التصريحات لإعطاء دعم معنوي للمسلحين المؤيدين لواشنطن في سوريا، وتوجيه رسائل للمحور “الروسي — الإيراني — السوري — حزب الله” وهي تدرك تماما أن هكذا عملية ليس من السهل اتخاذ قرارها في البيت الأبيض ولا البنتاغون وخاصة وتحديدا حول سوريا، أما الآن وبعد أن تم القضاء على “داعش” واستعاد الجيش السوري حلب ودير الزور وحمص ومؤخرا الغوطة الشرقية والتي كانت الانتصار الأكبر على أدوات واشنطن في سوريا، وكذلك بعد أن بدأت واشنطن تشعر بضعف أدواتها الجديدة المتمثلة بالقوات الكردية “قسد” وغيرها، فقد بدأت أمريكا محاولة جديدة لتوقيف هذا المد القوي لقوات المحور، وما رافقه من تغير في موازين القوى في سوريا والشرق الأوسط، ولذلك بدأت بأسطوانة جديدة حول استخدام الكيميائي في دوما، وطبعا حلفائها الأطلسيون (وخاصة بريطانيا وفرنسا) جاهزون في التصريحات والدعم بجميع أشكاله.

 

في عام 2013 تراجع أوباما عن الضربة لأن الإدارة الأمريكية أدركت أن هكذا ضربة ستؤدي إلى إشعال الشرق الأوسط المشتعل أساسا ولكن بعد الضربة ستتوسع دائرة الصراع لتشمل من تخاف عليهم واشنطن.

 أما الآن وبعد أن رسخ الأسد تحالفات سوريا الاستراتيجية مع روسيا وإيران والتي كانت موجودة أساسا في عام 2013، فإن أي هجوم أمريكي على سوريا هو سيشكل تهديدا حقيقيا للقوة الروسية والقوة الإيرانية وهذا ما لا تستطيع أمريكا الدخول فيه أبدا وهي تعرف حجم الرعب العسكري والصاروخي والجوي الذي تشكله كل من روسيا وإيران، وقد صرحت موسكو بشكل علني أن أي اعتداء على سوريا سيقابل بضرب القواعد التي أطلقت منها أي صواريخ على سوريا، وهنا نكون أمام حسم مسبق لمجريات الأمور.

 

من جهة أخرى إن مسألة قدرة السلاح الصاروخي الهجومي والدفاعي السوري اليوم على ضرب مواقع التواجد الأمريكي في سوريا أو على السواحل السورية لا تستطيع أمريكا المغامرة بها وخاصة أن سوريا تشتهر بسلاحها الصاروخي الإستراتيجي، وكان “حزب الله” قد تمكن سابقا من ضرب البارجة الحربية الإسرائيلية أثناء حرب تموز 2006، فكيف إذا ستكون قدرة الصواريخ السورية؟؟؟.

 

واشنطن لن تغامر في حرب أو هجوم قد يؤدي إلى فتح جبهات جديدة في الجنوب والشمال السوري، وخاصة بعد أن استعاد الجيش السوري مواقع قريبة من الجولان السوري من سيطرة المسلحين المتحالفين مع واشنطن، وأصبحت إمكانية إشعال حرب وخلط الأوراق متاحة للجيش السوري و”حزب الله” بشكل أكبر وأسهل وهذا العامل تحديدا هو العامل الأقوى في كل ما ذكرناه سابقا، وهذا كان سبب دعم إسرائيل المفتوح والمطلق لمسلحي الجنوب السوري من أجل عدم السماح للجيش السوري من الاقتراب من خطوط التماس مجددا، وقد أدى المسلحون دورا هاما بالنسبة لإسرائيل في محاربة الجيش السوري ومحاولة تدمير كل مواقع الدفاع الجوي السورية التي كانت الهدف الأول للمسلحين، ولكن هذا لم ينفعهم حيث تمكن سلاح الدفاع الجوي السوري من إسقاط الطائرة الإسرائيلية “إف 15” في شهر شباط/ فبراير الماضي.

 

أمريكا التي تدرك أن الأسد اقترب من الانتصار في الحرب السورية على المخطط الذي هدف إلى الإطاحة بالدولة السورية وتفكيك الجيش السوري، وهو الآن يخطط لإخراجها من الشرق السوري، وما حديث ترامب عن انسحاب أمريكي من سوريا إلا قراءة مسبقة لما هو قادم في الشرق السوري، وما هذا التصعيد الأمريكي إلا كرد فعل مسبق على ما هو قادم، ولكن بعد قراءة متأنية من قبل الإدارة الأمريكية لنتائج هكذا هجوم، سينتهي قبل أن يبدأ، إلا في حال تم قصف موقع محدد لمرة واحدة لمدة 10 دقائق والإعلان بعدها أن المهمة تمت بنجاح وانتهى الموضوع.

وتدرك الإدارة الأمريكية أنه وفي حال قامت بحرب على سوريا، فإن النتيجة ستكون التسريع بإنهاء الصراع السوري الدائر منذ عام 2011.

 

نحن هنا لا نتحدث عن أفغانستان وسط آسيا والتي هجمت عليها الولايات المتحدة في عام 2001، ولا نتحدث عن ليبيا التي كانت بلا أي محور يدعمها وبجيش جله قبائلي وغير منظم عندما هاجمها الأطلسي عام 2011، نحن نتكلم عن سوريا في شرق المتوسط، وفي قلب العالم، صاحبة جيش قوي ومتماسك، خاض حروب 7 سنوات ومازال ضد أشرس التنظيمات خطورة في العالم، سوريا صاحبة التحالفات الإستراتيجية الناجحة، وهي في قلب محور عسكري جبار يمتد من روسيا صاحبة الترسانة العسكرية الجبارة مرورا بإيران الدولة القوية صاروخيا وصولا إلى “حزب الله” الذي هزم إسرائيل في عام 2006 بعد حرب 33 يوما دخلت فيها كل أسلحة إسرائيل المتطورة الجوية والفضائية والبرية والبحرية وبالنهاية تمكن “حزب الله” من فرض شروطه والانتصار بشكل مطلق وليس نسبي.

 

توقعوا بين ساعة وأخرى أخبارا من الولايات المتحدة وتصريحات جديدة عن دراسة كذا والنظر في كذا وسوف نعاقب وأيام معدودة وإلى ما هنالك من تصريحات ترفع الأدرينالين عند البعض الذي ينتظر لحظة سقوط الدولة السورية، وقد بدأ البحث عن مخرجا لهذه الضجة الإعلامية التي أوقعوا أنفسهم بها.

  • فريق ماسة
  • 2018-04-11
  • 12337
  • من الأرشيف

ما هي أوراق الرئيس الأسد التي ستمنع الضربة الأمريكية؟

أعلنت واشنطن في نهاية شهر آب/ أغسطس 2013 أنها ستشن ضربة عسكرية على سوريا بسبب ما زعمت أنه “هجوم كيميائي” على الغوطة في 21 آب من العام نفسه من قبل الجيش السوري. وأرسلت مدمرات عسكرية محملة بصواريخ كروز إلى البحر المتوسط، وقتها حصل تماما مثل ما يحصل الآن من تهويل إعلامي بشن ضربة على سوريا، وكانت الأغلبية متأكدة من حصول الضربة لأن تصريحات واشنطن كانت واضحة، وقلت يومها أنه من المستحيل أن يحدث هجوم عسكري أمريكي على سوريا لأن هذا سيشعل حربا إقليمية لن يكون بمقدور أحد تحملها ولا أحد يستطيع تحمل نتائجها، وبالفعل خلال ساعات خرج أوباما وقال لن نضرب سوريا لأن الكونغرس لم يوافق، وبعد ذلك قالوا أن سوريا تخلصت من الكيميائي ولا داعي للضربة. تهدف هذه التصريحات لإعطاء دعم معنوي للمسلحين المؤيدين لواشنطن في سوريا، وتوجيه رسائل للمحور “الروسي — الإيراني — السوري — حزب الله” وهي تدرك تماما أن هكذا عملية ليس من السهل اتخاذ قرارها في البيت الأبيض ولا البنتاغون وخاصة وتحديدا حول سوريا، أما الآن وبعد أن تم القضاء على “داعش” واستعاد الجيش السوري حلب ودير الزور وحمص ومؤخرا الغوطة الشرقية والتي كانت الانتصار الأكبر على أدوات واشنطن في سوريا، وكذلك بعد أن بدأت واشنطن تشعر بضعف أدواتها الجديدة المتمثلة بالقوات الكردية “قسد” وغيرها، فقد بدأت أمريكا محاولة جديدة لتوقيف هذا المد القوي لقوات المحور، وما رافقه من تغير في موازين القوى في سوريا والشرق الأوسط، ولذلك بدأت بأسطوانة جديدة حول استخدام الكيميائي في دوما، وطبعا حلفائها الأطلسيون (وخاصة بريطانيا وفرنسا) جاهزون في التصريحات والدعم بجميع أشكاله.   في عام 2013 تراجع أوباما عن الضربة لأن الإدارة الأمريكية أدركت أن هكذا ضربة ستؤدي إلى إشعال الشرق الأوسط المشتعل أساسا ولكن بعد الضربة ستتوسع دائرة الصراع لتشمل من تخاف عليهم واشنطن.  أما الآن وبعد أن رسخ الأسد تحالفات سوريا الاستراتيجية مع روسيا وإيران والتي كانت موجودة أساسا في عام 2013، فإن أي هجوم أمريكي على سوريا هو سيشكل تهديدا حقيقيا للقوة الروسية والقوة الإيرانية وهذا ما لا تستطيع أمريكا الدخول فيه أبدا وهي تعرف حجم الرعب العسكري والصاروخي والجوي الذي تشكله كل من روسيا وإيران، وقد صرحت موسكو بشكل علني أن أي اعتداء على سوريا سيقابل بضرب القواعد التي أطلقت منها أي صواريخ على سوريا، وهنا نكون أمام حسم مسبق لمجريات الأمور.   من جهة أخرى إن مسألة قدرة السلاح الصاروخي الهجومي والدفاعي السوري اليوم على ضرب مواقع التواجد الأمريكي في سوريا أو على السواحل السورية لا تستطيع أمريكا المغامرة بها وخاصة أن سوريا تشتهر بسلاحها الصاروخي الإستراتيجي، وكان “حزب الله” قد تمكن سابقا من ضرب البارجة الحربية الإسرائيلية أثناء حرب تموز 2006، فكيف إذا ستكون قدرة الصواريخ السورية؟؟؟.   واشنطن لن تغامر في حرب أو هجوم قد يؤدي إلى فتح جبهات جديدة في الجنوب والشمال السوري، وخاصة بعد أن استعاد الجيش السوري مواقع قريبة من الجولان السوري من سيطرة المسلحين المتحالفين مع واشنطن، وأصبحت إمكانية إشعال حرب وخلط الأوراق متاحة للجيش السوري و”حزب الله” بشكل أكبر وأسهل وهذا العامل تحديدا هو العامل الأقوى في كل ما ذكرناه سابقا، وهذا كان سبب دعم إسرائيل المفتوح والمطلق لمسلحي الجنوب السوري من أجل عدم السماح للجيش السوري من الاقتراب من خطوط التماس مجددا، وقد أدى المسلحون دورا هاما بالنسبة لإسرائيل في محاربة الجيش السوري ومحاولة تدمير كل مواقع الدفاع الجوي السورية التي كانت الهدف الأول للمسلحين، ولكن هذا لم ينفعهم حيث تمكن سلاح الدفاع الجوي السوري من إسقاط الطائرة الإسرائيلية “إف 15” في شهر شباط/ فبراير الماضي.   أمريكا التي تدرك أن الأسد اقترب من الانتصار في الحرب السورية على المخطط الذي هدف إلى الإطاحة بالدولة السورية وتفكيك الجيش السوري، وهو الآن يخطط لإخراجها من الشرق السوري، وما حديث ترامب عن انسحاب أمريكي من سوريا إلا قراءة مسبقة لما هو قادم في الشرق السوري، وما هذا التصعيد الأمريكي إلا كرد فعل مسبق على ما هو قادم، ولكن بعد قراءة متأنية من قبل الإدارة الأمريكية لنتائج هكذا هجوم، سينتهي قبل أن يبدأ، إلا في حال تم قصف موقع محدد لمرة واحدة لمدة 10 دقائق والإعلان بعدها أن المهمة تمت بنجاح وانتهى الموضوع. وتدرك الإدارة الأمريكية أنه وفي حال قامت بحرب على سوريا، فإن النتيجة ستكون التسريع بإنهاء الصراع السوري الدائر منذ عام 2011.   نحن هنا لا نتحدث عن أفغانستان وسط آسيا والتي هجمت عليها الولايات المتحدة في عام 2001، ولا نتحدث عن ليبيا التي كانت بلا أي محور يدعمها وبجيش جله قبائلي وغير منظم عندما هاجمها الأطلسي عام 2011، نحن نتكلم عن سوريا في شرق المتوسط، وفي قلب العالم، صاحبة جيش قوي ومتماسك، خاض حروب 7 سنوات ومازال ضد أشرس التنظيمات خطورة في العالم، سوريا صاحبة التحالفات الإستراتيجية الناجحة، وهي في قلب محور عسكري جبار يمتد من روسيا صاحبة الترسانة العسكرية الجبارة مرورا بإيران الدولة القوية صاروخيا وصولا إلى “حزب الله” الذي هزم إسرائيل في عام 2006 بعد حرب 33 يوما دخلت فيها كل أسلحة إسرائيل المتطورة الجوية والفضائية والبرية والبحرية وبالنهاية تمكن “حزب الله” من فرض شروطه والانتصار بشكل مطلق وليس نسبي.   توقعوا بين ساعة وأخرى أخبارا من الولايات المتحدة وتصريحات جديدة عن دراسة كذا والنظر في كذا وسوف نعاقب وأيام معدودة وإلى ما هنالك من تصريحات ترفع الأدرينالين عند البعض الذي ينتظر لحظة سقوط الدولة السورية، وقد بدأ البحث عن مخرجا لهذه الضجة الإعلامية التي أوقعوا أنفسهم بها.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة