دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لعبت تركيا حتى الآن على حبل الخلافات الروسية الأمريكية في سوريا واستفادت من موقعها الجغرافي وعضويتها في حلف شمالي الأطلسي في استثمار الخلاف الأمريكي الروسي لمصلحتها ما جعلها تسيطر على منطقة عفرين بعد شهرين ونصف من المعارك مع المسلحين الأكراد.
غير ان هذا لا يلغي حقيقة أن تركيا دولة متأرجحة وأساس قوتها العسكرية يأتي من كونها عضوا في حلف الناتو، أما قوتها الاقتصادية فهي تحت سيف الاستثمارات الغربية الكبيرة في قطاعات الإنتاج في تركيا وعلى انواعها.
في الظاهر يبدو اردوغان متفوقا على الأمريكي والروسي وتمكن من استغلال خلافاتهما لمصلحته الآنية في عفرين، لكن ما يخفى بين الطرفين الروسي والأمريكي والتحضيرات الجارية بين الطرفين لعقد لقاء قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، لا تعتبر أخبارا سارة بالنسبة لتركيا التي عليها ان تقلق من اي تقارب بين الأمريكي والروسي، خصوصا أن المهمة التي تمت في عفرين حتى منبج غير كافية بالنسبة لأردوغان كونها لا تنهي المسلحين الأكراد ولم يتم لحد الان نزع سلاحهم.
أمريكا وروسيا تظاهرتا بعدم التدخل في معارك عفرين. فبينما لم تقم روسيا بأي عمل يعيق تقدم قوات الجيش التركي وحلفائه من مجموعات المعارضة السورية المسلحة، لم تقدم امريكا على أي خطوة لدعم حلفائها الأكراد في تلك المنطقة رغم انهم قاتلوا بسلاحها وبذخائر قدمتها لهم واشنطن، ورغم هذا الواقع تبدو الصورة في الغرب معاكسة، لأن روسيا وأمريكا بهذا العمل أصبحتا تديران السياسة التركية بكل تفاصيلها أثناء وبعد معركة عفرين، حيث تغير الوضع كليا مع إبعاد تيلرسون عن منصب وزارة الخارجية في امريكا وهو الذي كان زار تركيا في 15 شباط الماضي عارضا على اردوغان مشروع اتفاق بين تركيا وأمريكا في سوريا، وتم في هذه الزيارة التوافق على تشكيل لجان عمل تهتم بتسوية الخلافات بين الطرفين في سوريا، وفعلا عقد الاجتماع الأول يومي 8-9 آذار وكان اجتماعا حادا ولم يؤد إلى أية نتيجة إيجابية. وقد زعمت تركيا انه تم التوافق على إخلاء المسلحين الأكراد من منبج ما يجنب تركيا عملية عسكرية موسعة ضد المسلحين الأكراد على طول الحدود التركية السورية، بينما نفت الولايات المتحدة نيتها الانسحاب من منبج، وفي غمرة هذا الجدال تم إعفاء تيلرسون من منصبه وألغي اجتماع 18 آذار بين الطرفين، وتجاهلت الإدارة الأمريكة تركيا كليا.
اردوغان الذي يمر بأوقات عصيبة رغم ارتفاع شعبيته بعد انتصاره بعفرين يميل الى استرضاء الروسي أكثر، وقد تقرر عقد اجتماع ثلاثي يضم إيران وروسيا وتركيا يوم 4 نيسان المقبل لبحث التعاون في سوريا وينتظر الروس من اروغان استكمال التعاون معهم في الشمال السوري في وقت تعرف فيه تركيا انها لا يمكن لها إغضاب روسيا التي تحتفظ بعلاقات مفتوحة مع الأكراد الذين يهددون بشن حرب عصابات في عفرين ومنطقتها.
وتعتمد تركيا على قواتها الجوية للسيطرة على حركة المسلحين الأكراد وتجنب الوقوع بمستنقع حرب عصابات على الأرض في وقت تسيطر فيه روسيا على الأجواء السورية وهي عندما قررت تأديب تركيا ومنع سلاح الجو التركي من دخول سوريا فعلت ذلك بكل قوة.
الولايات المتحدة الأمريكية لا يزعجها ان يشن المسلحون الاكراد حرب عصابات ضد الجيش التركي في عفرين، وهذا ما يدركه اردوغان وبالتالي يجعله اكثر التصاقا بالسياسة الروسية واكثر ارتهانا لها.
روسيا تعلم ان أي حل للأزمة السورية يجب ان يمر بتوافق بينها وبين أمريكا، ورغم أجواء الحرب الباردة السائدة حاليا بين الطرفين، هناك لقاء قمة بين بوتين وترامب كما صرح الأخير بداية الأسبوع الماضي، وتخشى تركيا أن يشكل هذا اللقاء نقطة اتفاق أمريكي روسي تحد من قدرتها على استغلال الخلاف بين الطرفين في سوريا وفي حال حصول اتفاق بين الطرفين خلال هذا الاجتماع المرتقب، لن تشجع روسيا تركيا على الاستمرار في حربها ض الأكراد، وهذا ما يضع تركيا أمام أزمة كبيرة في منبج فهي لا تستطيع مهاجمة أمريكا هناك وفي نفس الوقت سوف تظهر عمليتها في عفرين مثل الغارق بمستنقع استنزاف طويل في حال عدم تمكنها من السيطرة على منبج. وفي وقت تسيطر فيه أمريكا على حقول النفط في شرق سوريا وتعزز كل من روسيا وإيران تواجدهما في هذا البلد تبدو تركيا الخاسر الأكبر بل أن دخولها في عفرين أصبح ورطة بالنسبة لها، وعلى عكس ما يبدو في الظاهر يتعمق المأزق التركي في سوريا الى مستوى وصول نيران الحرب السورية الى داخل تركيا، من هنا تبدو خطة اروغان الجذرية التي تهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في الشمال السوري يوطن العرب مكان الأكراد، وهذا الحل الجذري ليس بسهل التطبيق في الظروف الحالية.
المصدر :
نضال حمادة/ العهد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة