1 • أجّجت " الحربُ على سورية " شهواتٍ سياسيةً و ثقافيّةً و تفكيريّةً و استعراضيّةً واسعةً و مختلفةً عند الكثيرين في الدّاخل و الخارج ، بحكم الضّرورة التّعبيريّة للأشياء الفاعلة و للأشياء المنفعلة معاً ، و هذا طبيعيّ في تداعياتِ الأحداث المؤثّرة و غير العابرة ، التي تميّز السّلوك أكثر ممّا هي تميّز الأفعال..ف السّلوك استجابة ، و الفعل إنشاءٌ ذو قيمة.

2 • فقد انبرى مبكّراً ، و منذ الفصول الأولى لهذه الحرب ، أشخاصٌ و أصواتٌ و أقلامٌ عملت و تعمل على محاولة إنتاج " خطاب عام" يواجه و يتصدّى لأسباب و أدوات و وسائل هذه الحرب ، و لنتائجها المواكبة و مفرزاتها التي هي بطبيعتها لا تقبل الإحصاء و الحصر مع استرسال الواقع و الممكن ، معاً ، في التّوسّع و التّعبير.

3 • و لأنّ الأسرارَ في كلّ حدثٍ ، تكاد تطغى على المعلن ، بوجه عامّ ، فقد بات الحكم على المفاعيل الظاهريّة أكثر عمليّةً و منطقيّة و إمكاناً من الحكم على المضامين الظّاهريّاتيّة ( الفينومينولوجيّة ) .

هذا الحكم الأخير الذي يدخل - بطبيعته - في باب قراءة الأثر المحدّد .. وفق تصنيفاته المسمّاة ، و ذلك إذا كان علينا أن نقبل - و هو ما ينبغي علينا بكلّ تأكيد - أنّ الزّمانيّةالممتدّة على سنوات الحرب قد أحدثت " قطعاً مكافئاً " و أفرزت لها عصراً موضوعيّاً مستقلّاً بجميع عناصره الّلازمة للتّكوين.

4 • و المغالطة الكبرى و العامّة.. الملاحظة حتّى الآن في شخصنةِ النّزعة الثّقافيّة للحرب ، إنّما هي تكمن في اجتزاء مكوّنات أصليّة و متعدّدة ، و فصلها المعرفيّ في إطاره الظّرفيّ العامّ ، مع أنّها لا يُمكن أن تخضع بتاتاً لهذا الفصل أو العزل أو التّفريد الثّقافيّ ..

الأمر الذي يُحيلنا إلى العمل المعرفيّ في إطار مركزيّاتٍ بحثيّة مسؤولة ، تلحظُ الصّورة الكافية و المعبّرة بدلاً من الأشكال " العُرفيّة " القَزمَةِ و المقزّمة في هِمم الباحثين عن الضّوضاء الاستعراضيّة ، و ذلك مهما كانت هذه الضّوضاء تدغدغ جوعَ القارئ الذي يجوع - طبعاً ' إلى "الفهم".

5 • ومن المفهوم حتماً ذلك العدد الكبير من المواضيع التي تُثير اهتمام الشعب السّوريّ بمكوّناته الثّقافيّة و السّياسيّة المتعدّدة و المتفاوتة ..

سواءٌ منها ، تحليل عناصر الحرب و جبهاتها الإسميّة الغزيرة وجوهر مكوّناتها التّاريخيّة البعيدة و القريبة في الزّمان و المكان ، إضافةً إلى الإحداثيّات " الدّيكارتيّة " المقبولة و المفتعلة في مستويات الإسقاط و التّحليل.

6 • إنّ فهمَ " المواطنة " و " العدوان " الواقع على هذه المواطنة ، هو شأنٌ ذو أهمّيّة و قيمة لإتّخاذ الموقف العمليّ الثّقافي ّ- السّياسيّ ، و بطبيعة الحال ، الآخَر الذي ربّما كان مفاجئاً للأمان الثّقافي ّ- السّياسيّ الذي كان " يرفل" فيه " المجتمع "..

7 • و سواءٌ هنا إنْ كنّا نسخر أو كنّا جادّين!.. و هذا أمر من جهة. و أمّا من جهة أخرى فإنّ اختراع الدّلالة الواحدة لـ " الظّاهرة " الواحدة ( العدوّ الإسلاموي ّالصّريح ، مثلاً ، أو العدوّ الثقافيّ و الحضاريّ..) أو ردّها إلى أحد عناصرها سواءٌ منها " الجوهريّة " أو " غير الجوهريّة "، إنّما هو عملٌ ارتجاليّ- ثقافيّ ، سوف يبقى بعيداً عن قيمته المعرفيّة التي كان يمكن أن تشكّلَ مخزوناً دائماً .

8 • لا أتكلّمُ في عموميّات..و لكنّ كلّ جزئيّة في عناصر معرفيّة هذه الحرب ، صارت كلّيّة ينبغي الانتباه إلى حدودها و ملحقاتها النّوعيّة و العضويّة ، التي لا يمكن اختزالها إلى مناسبةٍ من مناسبات القراءة أو الكتابة أو التّحليل.

9 • من الطّبيعيّ هنا ، أنّني لا أعني جائحات الفاقة و الحرمان الاجتماعيّة ، كنتيجة للحصار التّاريخيّ العالميّ اللئيم لحاجات الحياة اليوميّة للمواطنين السّوريين ، فهذا أمرٌ ربّما يستحقّ الحديث من قبل الجميع ، و لو بكيفيّات و استراتيجيّات متباينة أو متباينة جدّاً أيضاً ، تتبع مستوى التّمكّن من آليات المسؤوليّة و الكلام و التّحليل ..

10 • و في هذا فإنّ الكثيرين معذورن في الحديث عمّا آلت إليه الأوضاعُ المعيشيّة اليوميّة ، كأحد أهم آثار العدوان الإسلاموي ّ- العالميّ على سورية..

و لكنّني حتماً أعني تلك الاختراعات التجزيئيّة لشموليّةٍ فاقت حدود الثقافة في التّحليل.

11 • و كلّ اجتهادٍ ثقافيّ أو سياسيّ هو اجتهادٌ ضروريّ و معقولٌ ..

غير أنّ كلّ اجتزاءٍ للعمق التاريخانيّ للحرب و مكوّناتها و جبهاتها و سيكولوجيّة تصميم شعاراتها و برامجها و " جاذبيّاتها " المألوفة و المعروفة أو غير ذلك ..

إنّما هو خطأ استراتيجيّ يدخل في باب المغالطات الكبرى التي يحتاجها " الآخر - العدوّ " كإعلامٍ دعائيّ له يتعيّشُ عليه ، تماماً كما يتعيّشُ على نقيضه الذي يخترعه آخرون.

12 • فليس الفاعل الوحيد - مثلاً - في جاذبيّة الانضواء تحت ظلاميّة " الآخر " ، هو هذا " السّبب " أو ذاك ، كما أنّه ليس الفاعل الخاصّ ذلك " الدّافع " أو ذاك ، تماماً كما أنّه ليس الفاعل العام و الشّامل هذا " الحافز " أو ذاك.

13 • ومن المتّفق عليه " عقلانياً " ، و بما يتجاوز " الثّقافيّ" إلى " المعرفيّ"، أنّ اعتبارَ سببٍ واحد أو دافع وحيدٍ في إعمال " العلّة " المعرفيّة التي تؤدّي" للتّحليل و التأويل ..

إنّما هو ضربٌ من " الاستعجال" بالإعجاب بالذّات الثّقافيّة التي تنشُطُ و تتأجّجُ ، في معرض إغراءِ " نرجسيّةٍ " ..

هي بطبيعتها ملازمة للنّشاط الثّقافيّ وللمثقّفين ، باعتباره نشاطاً نخبويّاً يُشْعِرُ أصحابَهُ بالتَّمَيُّز ، مع كلّ ما يسترسلُون فيه ، في ميدان إرضاء " الذات " إرضائيّة تصعيديّة - عاطفيّة واهمة و كاذبة ، و تمرّ في " لذّة "ممارسة ، في تحصيل الوضع الذي يمثّل حافزاً اجتماعيّاً و ربّما سياسيّاً أيضاً!

14 • و من الواقع في حظيرة الإدراك المباشر و البسيط أنّ " الموت " المأساويّ الشّامل ، ليس مناسبةً لاستعراضات المثقّفين وللَّذَّة الثّقافيّة التي عليها - أو تكاد - أن تستحيل قرفاً ضروريّاً و موضوعيّاً ، جرّاءَ فظاعة الدّمار الهائل الذي تعرّض له " الوطن ُ" بوصفهِ مكاناً ينزلقُ ، بينما هو شيءٌ ما من قبيل إنجازات الخلود.

  • فريق ماسة
  • 2018-03-26
  • 14980
  • من الأرشيف

بعضُ المفصليّات السياسيّة الأساسيّة في " الحرب " على سورية

1 • أجّجت " الحربُ على سورية " شهواتٍ سياسيةً و ثقافيّةً و تفكيريّةً و استعراضيّةً واسعةً و مختلفةً عند الكثيرين في الدّاخل و الخارج ، بحكم الضّرورة التّعبيريّة للأشياء الفاعلة و للأشياء المنفعلة معاً ، و هذا طبيعيّ في تداعياتِ الأحداث المؤثّرة و غير العابرة ، التي تميّز السّلوك أكثر ممّا هي تميّز الأفعال..ف السّلوك استجابة ، و الفعل إنشاءٌ ذو قيمة. 2 • فقد انبرى مبكّراً ، و منذ الفصول الأولى لهذه الحرب ، أشخاصٌ و أصواتٌ و أقلامٌ عملت و تعمل على محاولة إنتاج " خطاب عام" يواجه و يتصدّى لأسباب و أدوات و وسائل هذه الحرب ، و لنتائجها المواكبة و مفرزاتها التي هي بطبيعتها لا تقبل الإحصاء و الحصر مع استرسال الواقع و الممكن ، معاً ، في التّوسّع و التّعبير. 3 • و لأنّ الأسرارَ في كلّ حدثٍ ، تكاد تطغى على المعلن ، بوجه عامّ ، فقد بات الحكم على المفاعيل الظاهريّة أكثر عمليّةً و منطقيّة و إمكاناً من الحكم على المضامين الظّاهريّاتيّة ( الفينومينولوجيّة ) . هذا الحكم الأخير الذي يدخل - بطبيعته - في باب قراءة الأثر المحدّد .. وفق تصنيفاته المسمّاة ، و ذلك إذا كان علينا أن نقبل - و هو ما ينبغي علينا بكلّ تأكيد - أنّ الزّمانيّةالممتدّة على سنوات الحرب قد أحدثت " قطعاً مكافئاً " و أفرزت لها عصراً موضوعيّاً مستقلّاً بجميع عناصره الّلازمة للتّكوين. 4 • و المغالطة الكبرى و العامّة.. الملاحظة حتّى الآن في شخصنةِ النّزعة الثّقافيّة للحرب ، إنّما هي تكمن في اجتزاء مكوّنات أصليّة و متعدّدة ، و فصلها المعرفيّ في إطاره الظّرفيّ العامّ ، مع أنّها لا يُمكن أن تخضع بتاتاً لهذا الفصل أو العزل أو التّفريد الثّقافيّ .. الأمر الذي يُحيلنا إلى العمل المعرفيّ في إطار مركزيّاتٍ بحثيّة مسؤولة ، تلحظُ الصّورة الكافية و المعبّرة بدلاً من الأشكال " العُرفيّة " القَزمَةِ و المقزّمة في هِمم الباحثين عن الضّوضاء الاستعراضيّة ، و ذلك مهما كانت هذه الضّوضاء تدغدغ جوعَ القارئ الذي يجوع - طبعاً ' إلى "الفهم". 5 • ومن المفهوم حتماً ذلك العدد الكبير من المواضيع التي تُثير اهتمام الشعب السّوريّ بمكوّناته الثّقافيّة و السّياسيّة المتعدّدة و المتفاوتة .. سواءٌ منها ، تحليل عناصر الحرب و جبهاتها الإسميّة الغزيرة وجوهر مكوّناتها التّاريخيّة البعيدة و القريبة في الزّمان و المكان ، إضافةً إلى الإحداثيّات " الدّيكارتيّة " المقبولة و المفتعلة في مستويات الإسقاط و التّحليل. 6 • إنّ فهمَ " المواطنة " و " العدوان " الواقع على هذه المواطنة ، هو شأنٌ ذو أهمّيّة و قيمة لإتّخاذ الموقف العمليّ الثّقافي ّ- السّياسيّ ، و بطبيعة الحال ، الآخَر الذي ربّما كان مفاجئاً للأمان الثّقافي ّ- السّياسيّ الذي كان " يرفل" فيه " المجتمع ".. 7 • و سواءٌ هنا إنْ كنّا نسخر أو كنّا جادّين!.. و هذا أمر من جهة. و أمّا من جهة أخرى فإنّ اختراع الدّلالة الواحدة لـ " الظّاهرة " الواحدة ( العدوّ الإسلاموي ّالصّريح ، مثلاً ، أو العدوّ الثقافيّ و الحضاريّ..) أو ردّها إلى أحد عناصرها سواءٌ منها " الجوهريّة " أو " غير الجوهريّة "، إنّما هو عملٌ ارتجاليّ- ثقافيّ ، سوف يبقى بعيداً عن قيمته المعرفيّة التي كان يمكن أن تشكّلَ مخزوناً دائماً . 8 • لا أتكلّمُ في عموميّات..و لكنّ كلّ جزئيّة في عناصر معرفيّة هذه الحرب ، صارت كلّيّة ينبغي الانتباه إلى حدودها و ملحقاتها النّوعيّة و العضويّة ، التي لا يمكن اختزالها إلى مناسبةٍ من مناسبات القراءة أو الكتابة أو التّحليل. 9 • من الطّبيعيّ هنا ، أنّني لا أعني جائحات الفاقة و الحرمان الاجتماعيّة ، كنتيجة للحصار التّاريخيّ العالميّ اللئيم لحاجات الحياة اليوميّة للمواطنين السّوريين ، فهذا أمرٌ ربّما يستحقّ الحديث من قبل الجميع ، و لو بكيفيّات و استراتيجيّات متباينة أو متباينة جدّاً أيضاً ، تتبع مستوى التّمكّن من آليات المسؤوليّة و الكلام و التّحليل .. 10 • و في هذا فإنّ الكثيرين معذورن في الحديث عمّا آلت إليه الأوضاعُ المعيشيّة اليوميّة ، كأحد أهم آثار العدوان الإسلاموي ّ- العالميّ على سورية.. و لكنّني حتماً أعني تلك الاختراعات التجزيئيّة لشموليّةٍ فاقت حدود الثقافة في التّحليل. 11 • و كلّ اجتهادٍ ثقافيّ أو سياسيّ هو اجتهادٌ ضروريّ و معقولٌ .. غير أنّ كلّ اجتزاءٍ للعمق التاريخانيّ للحرب و مكوّناتها و جبهاتها و سيكولوجيّة تصميم شعاراتها و برامجها و " جاذبيّاتها " المألوفة و المعروفة أو غير ذلك .. إنّما هو خطأ استراتيجيّ يدخل في باب المغالطات الكبرى التي يحتاجها " الآخر - العدوّ " كإعلامٍ دعائيّ له يتعيّشُ عليه ، تماماً كما يتعيّشُ على نقيضه الذي يخترعه آخرون. 12 • فليس الفاعل الوحيد - مثلاً - في جاذبيّة الانضواء تحت ظلاميّة " الآخر " ، هو هذا " السّبب " أو ذاك ، كما أنّه ليس الفاعل الخاصّ ذلك " الدّافع " أو ذاك ، تماماً كما أنّه ليس الفاعل العام و الشّامل هذا " الحافز " أو ذاك. 13 • ومن المتّفق عليه " عقلانياً " ، و بما يتجاوز " الثّقافيّ" إلى " المعرفيّ"، أنّ اعتبارَ سببٍ واحد أو دافع وحيدٍ في إعمال " العلّة " المعرفيّة التي تؤدّي" للتّحليل و التأويل .. إنّما هو ضربٌ من " الاستعجال" بالإعجاب بالذّات الثّقافيّة التي تنشُطُ و تتأجّجُ ، في معرض إغراءِ " نرجسيّةٍ " .. هي بطبيعتها ملازمة للنّشاط الثّقافيّ وللمثقّفين ، باعتباره نشاطاً نخبويّاً يُشْعِرُ أصحابَهُ بالتَّمَيُّز ، مع كلّ ما يسترسلُون فيه ، في ميدان إرضاء " الذات " إرضائيّة تصعيديّة - عاطفيّة واهمة و كاذبة ، و تمرّ في " لذّة "ممارسة ، في تحصيل الوضع الذي يمثّل حافزاً اجتماعيّاً و ربّما سياسيّاً أيضاً! 14 • و من الواقع في حظيرة الإدراك المباشر و البسيط أنّ " الموت " المأساويّ الشّامل ، ليس مناسبةً لاستعراضات المثقّفين وللَّذَّة الثّقافيّة التي عليها - أو تكاد - أن تستحيل قرفاً ضروريّاً و موضوعيّاً ، جرّاءَ فظاعة الدّمار الهائل الذي تعرّض له " الوطن ُ" بوصفهِ مكاناً ينزلقُ ، بينما هو شيءٌ ما من قبيل إنجازات الخلود.

المصدر : د . بهجت سليمان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة