دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يخطئ من يعتقد بأن التصعيد الأخير للأزمة السورية ،و الذي أثاره إطلاق العملية التركية "غصن الزيتون "على طول الحدودأي مصير ينتظر الأكراد في سورية؟ السورية الشمالية و التي أسفرت عن إصابات من قبل الجانبين التركي و الكردي ، كان مفاجئا للمتابع الدقيق لهذا الصراع...كما لا يمكن إنكار حقيقة أن المواجهة التركية الكردية، و التي أسفرت حتى الآن عن مقتل عدد كبير من المدنيين، ما هي سوى مثال قوي عن سياسات واشنطن ذات الوجهين و التي تستخدم حليفا سابقا للولايات المتحدة كورقة مساومة.
و بالعودة إلى آب 2016 ، أظهرت أنقره للعالم أنها دخلت سورية بهدف ثابت في ذهنها لا يرتبط أبدا بمحاربة الدولة الإسلامية (داعش).و في ذاك الوقت، حين شنت تركيا اعتداء على جرابلس ، لم يتردد العديد من خبراء الإعلام بالتصريح علنا أن أنقره باتخاذها هذه الخطوة كانت تلاحق مجموعات مسلحة كردية .
و بشكل خاص، علقت صحيفة Le Figaro الفرنسية على التدخل التركي في سورية، و أشارت إلى أن هجوم أردوغان على جرابلس لم يكن هدفه تدمير داعش، و لكن عوضا عن ذلك رمى إلى التصدي للتقدم الكردي في سورية حيث كانت هذه الخطوة أصلا من ضمن الأوراق، و استخدمت داعش كذريعة. و بنفس الوقت، لاقى هذا الرأي الدعم من الصحيفة الألمانية Tagesspiegel و التي أشارت بأن أردوغان كان في البداية يدعم الإسلاميين في قتاله ضد دمشق، و لكن عندما بدأوا يفقدون السيطرة على الأراضي السورية ، قرر القائد التركي التدخل مباشرة ، ما جعل من الواضح في تلك المرحلة أنه كان يستخدم القتال ضد داعش كذريعة من أجل أعمال عسكرية مستقبلية ضد أكراد سورية. و علاوة على ذلك و في عام 2016 أيضا أكدت الصحيفة السويسرية Tagesanzeiger على حقيقة أن الهدف الأساسي من الغزو التركي لسورية هو محاولة منع خلق كيان كردي ذي حكم ذاتي ضمن حدودها.
و لا داعي للقول أن أهداف أنقره لم تكن سرا بالنسبة لواشنطن التي كانت وقحة بما فيه الكفاية لنشر رأيها علنا في مجلة Foreign Policy مشيرة إلى أن الحملة التي أطلقتها أنقره قد تكون بداية مرحلة جديدة من التعاون الأميركي التركي في سورية. و هذه المجلة الناطقة بلسان واشنطن اعترفت علنا أن دوافع أردوغان من أجل الدخول بشكل مباشر في الحرب السورية لا تتوافق كليا مع تلك التي لواشنطن، و هي في تضارب مباشر مع تلك التي تملكها القوات الكردية التي تحالفت مع الولايات المتحدة. كما تمت الإشارة بشكل واضح بأن واشنطن تدرك آمال أنقره بمساندة أميركا لها في الضغط على القوات الكردية من أجل إجبارها على احترام الخطوط الحمرالإقليمية ، مثل البقاء شرق نهر الفرات، و لكن واشنطن كانت و لا تزال محجمة عن الالتزام بهذه التعهدات.و قالت مجلة Foreign Policy :
"هذه التحركات تملك آثارا كبيرة محتملة على الحرب في شمال سورية. فقد تزيد من التوترات بين الأتراك و حزب الاتحاد الديمقراطي على المدى القصير، الأمر الذي ستعالجه الولايات المتحدة و تستخدمه في إستراتيجيتها المعادية للدولة الإسلامية . و لكن في نهاية المطاف، لا تملك واشنطن سوى خيار احتضان أنقره، حليف الناتو، عوضا عن ميليشيات مثيرة للجدل هي عدوة تركيا. و جعل تركيا حليفا كاملا في القتال ضد الدولة الإسلامية سيمنح واشنطن سطوة أكبر على حلفائها الأكراد".
و بقراءة هذه الأسطر يمكن للمرء أن يخلص إلى أن واشنطن كانت مدركة تماما لحقيقة أن الأكراد السوريين وضعوا أنفسهم في صدام مع تركيا، و لكن عوضا عن الحيلولة دون وقوع الأحداث المأساوية التي نشهدها اليوم، فضلت الاحتفاظ بالهدوء حيال الصدام المستقبلي بين حليفيها الإقليميين. و حينها لمحت صحيفة The New York Times لقرائها أن واشنطن قد تتخلى عن دعمها للقوات الكردية في سورية في أية لحظة، و ذكرت أن نائب الرئيس السابق جو بايدن أعلن بأنه ينبغي على الأكراد العودة إلى شرق الفرات أو يعرضوا أنفسهم لخطر خسارة الدعم الأميركي.
و مرات كثيرة تمت مناقشة خطورة أن تكون حليفا أميركيا في أي منطقة في العالم ، و مع ذلك لا يزال هناك حلفاء يصابون بالدهشة عندما يجدون أنفسهم ضحايا خيانة جيوسياسية ، كما تمت الإشارة إلى أن حلفاء واشنطن يدفعون أثمانا غالية من الدماء عبر مغامرات عسكرية لا تحصى حين تطوعوا للقتال في صف الولايات المتحدة في العراق و سورية و أفغانستان و مناطق أخرى في العالم.
و مؤخرا تم الافصاح عن أهداف واشنطن في سورية خلال مؤتمر صحفي مشترك بين نائب الرئيس الأميركي مايكل ريتشارد بينس و الملك الأردني عبد الله في عمان. و قد أشار بشكل خاص إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بحضورها العسكري الثابت في سورية، لا من أجل مقاتلة داعش فحسب و لكن لكبح الخطوات العدائية المزعومة من قبل إيران في المنطقة و التي تبدو محاولات لمواجهة مطامح واشنطن في المنطق. و تجدر الإشارة إلى أنه لم يرد ذكر لخطط واشنطن بشأن حماية الأكراد من تركيا.
و لهذا، فكل ما يمكن تذكره هو مدى خطورة محاولة الاشتراك في مغامرات واشنطن العسكرية الكبيرة ، فالطريقة الوحيدة لإنقاذ الدماء الشابة لأمة ما تكمن بالابتعاد عن مغامرات كهذه. و ما من شك بأن هذه التدخلات ستبقى شغل واشنطن الأساسي لسنوات قادمة.
بقلم الصحفي مارتين بيرغير ـ ترجمة رنده القاسم
المصدر :
الماسة السورية//مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة