التصعيد التركي ردّاً على تقدّم الجيش السوري وحلفائه في إدلب، يشي بأن أنقرة تراهن على الاحتفاظ بجبهة النصرة أملاً بالاستناد إليها لتحقيق مكاسب خاصة في الأراضي السورية وقت "عملية السلام". لكن هذا الأمر قد يدفع إلى تراجع تركيا خطوة عن تفاهمات سوتشي وآستانا، والتحرّك خطوتين نحو مجموعة جنيف.

التصعيد التركي ضد طهران وموسكو أتى على خلفية تقدم الجيش السوري في إدلب

على حين غرّة، تستدعي وزارة الخارجية التركية سفيري روسيا وإيران، طالبة من بلديهما الضغط على سوريا لوقف عمليات تقدّم الجيش السوري وحلفائه في إدلب. فالمباحثات التركية مع البلدين تحضيراً للقاء سوتشي قبل آخر الشهر، لم يمضِ على انسجامها وقت طويل. ولم يعكّرها سوى رفض أنقرة للرغبة الروسية في دعوة وفد من الكورد السوريين إلى سوتشي مع الوفود الأخرى.

استكمال العمليات ضد جبهة النصرة في إدلب وغيرها، هو حجر الزاوية في التفاهمات التي أدّت إلى تقارب الدول الثلاثة وتباعدها الملموس عن مجموعة دول جنيف الغربية والخليجية. وقد يكون الأساس في هذه التفاهمات والتعاون المتعدد بين موسكو وتركيا وإيران، هو التزام تركيا بمواجهة النصرة على الرغم من أنها وجدت في كل استحقاق لهذه المواجهة سبُل التأجيل إلى أمد لاحق.

وفي أغلب الظن أن تركيا لم تصعّد ردّها في بداية تحرّك الجيش السوري نحو إدلب، ظنّاً منها أن الجيش السوري وحلفاءه غير قادرين على التقدّم بسرعة إلى ما وصلوا إليه في استعادة مطار أبو الضهور، وتركيز النقاط في سنجار لمحاصرة جيب واسع يمتد نحو ريفي حلب وحماة الذي تسيطر عليه فصائل عديدة أبرزها هيئة تحرير الشام.

لعلّ السبب الآخر في عدم التصعيد التركي في بداية تحرّك الجيش السوري، هو المراهنة التركية على إمكانية المقايضة في مهادنة تقدّم الجيش السوري إلى وسط مدينة إدلب، مقابل مهادنة الجيش التركي في احتلاله و"درع الفرات" منطقتي عفرين ومنبج.

لكن عندما تأكدت أنقرة أن سوريا تتباحث مع الوحدات الكردية وترفض الاحتلال التركي لأراضٍ في سوريا كما ترفض موسكو وطهران، عندها اتخذ تصعيدها طابع التهديد بالتراجع عن العمل المشترك لمسار آستانا ولقاء سوتشي والتلويح بما سماه وزير الخارجية التركي المعارضة المعتدلة في إدلب.

وزارة الدفاع الروسية كشفت عن إنطلاق الطائرات المسيّرة من منطقة حركة أحرار الشام وفصائل "المعارضة المعتدلة جنوبي غربي منطقة خفض التصعيد في إدلب" لضرب قاعدتي حميميم وطرطوس، في ردّ غير مباشر على وزير الخارجية التركي بشأن ما سماه المعارضة المعتدلة.

وهي ألمحت إلى أن النصرة وأحرار الشام لا تقدر على تنفيذ هذه العملية من دون تدخّل دولة مؤهلة لذلك، في إشارة إلى تركيا على الرغم من اتهام البنتاغون في سجال ثنائي بين واشنطن وموسكو يلمح أيضاً إلى مشاركة تركيا بشكل أو آخر.

في صدد التقارب المستجد مع باريس وواشنطن بمقدار التباعد عن موسكو وطهران، أعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو لوكالة الأناضول بعد أن أرسى قواعد الخلاف عن موسكو وطهران، أن أنقرة "ستعقد اجتماعاً في تركيا لوزراء خارجية الدول التي تشاطر بعضها البعض المواقف من الأزمة السورية"، واكتفى بتسمية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

بينما لم يستثنِ دونالد ترامب أو إيمانويل ماكرون إردوغان وتركيا من نقد ما سماه كل منهما على حدة احتكار جهود العملية السياسية في آستانا وسوشي، بل اتهما تركيا وأردوغان إلى جانب روسيا وإيران بالسعي إلى إنشاء مسار موازٍ لمباحثات جنيف وتقويض عملية السلام، بحسب تعبيرهما.

هيئة التفاوض الناتجة عن الرياض2 التي تقوم بجولة على بعض العواصم العربية والغربية الرافضة لسوتشي، تضم فصائل من الجماعات المسلّحة في انتقالها من نيويورك إلى واشنطن للتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية وجماعات ضغط أخرى. وتكاد تنحصر المهمة المباشرة لهذا التنسيق في "التحذير من مخاطر مسار العملية السياسية في جنيف"، فضلاً عن مساعي الجيش السوري لإنشاء وقائع وموازين جديدة على أرض المعركة في سوريا. وهو ما يعيبه مولود جاويش أوغلو على الجيش السوري وعلى موسكو التي لا تضغط مع إيران لمنعه.

تركيا التي تتآلف مع حركة الاستدارة في اتجاه والاتجاه العكسي، قد تشعر في أوقات الشدّة بمخاطر استفحال الإصابة بفقدان المناعة.

 

  • فريق ماسة
  • 2018-01-10
  • 10630
  • من الأرشيف

لحماية النصرة، إردوغان يقطع التفاهم مع روسيا وإيران؟

التصعيد التركي ردّاً على تقدّم الجيش السوري وحلفائه في إدلب، يشي بأن أنقرة تراهن على الاحتفاظ بجبهة النصرة أملاً بالاستناد إليها لتحقيق مكاسب خاصة في الأراضي السورية وقت "عملية السلام". لكن هذا الأمر قد يدفع إلى تراجع تركيا خطوة عن تفاهمات سوتشي وآستانا، والتحرّك خطوتين نحو مجموعة جنيف. التصعيد التركي ضد طهران وموسكو أتى على خلفية تقدم الجيش السوري في إدلب على حين غرّة، تستدعي وزارة الخارجية التركية سفيري روسيا وإيران، طالبة من بلديهما الضغط على سوريا لوقف عمليات تقدّم الجيش السوري وحلفائه في إدلب. فالمباحثات التركية مع البلدين تحضيراً للقاء سوتشي قبل آخر الشهر، لم يمضِ على انسجامها وقت طويل. ولم يعكّرها سوى رفض أنقرة للرغبة الروسية في دعوة وفد من الكورد السوريين إلى سوتشي مع الوفود الأخرى. استكمال العمليات ضد جبهة النصرة في إدلب وغيرها، هو حجر الزاوية في التفاهمات التي أدّت إلى تقارب الدول الثلاثة وتباعدها الملموس عن مجموعة دول جنيف الغربية والخليجية. وقد يكون الأساس في هذه التفاهمات والتعاون المتعدد بين موسكو وتركيا وإيران، هو التزام تركيا بمواجهة النصرة على الرغم من أنها وجدت في كل استحقاق لهذه المواجهة سبُل التأجيل إلى أمد لاحق. وفي أغلب الظن أن تركيا لم تصعّد ردّها في بداية تحرّك الجيش السوري نحو إدلب، ظنّاً منها أن الجيش السوري وحلفاءه غير قادرين على التقدّم بسرعة إلى ما وصلوا إليه في استعادة مطار أبو الضهور، وتركيز النقاط في سنجار لمحاصرة جيب واسع يمتد نحو ريفي حلب وحماة الذي تسيطر عليه فصائل عديدة أبرزها هيئة تحرير الشام. لعلّ السبب الآخر في عدم التصعيد التركي في بداية تحرّك الجيش السوري، هو المراهنة التركية على إمكانية المقايضة في مهادنة تقدّم الجيش السوري إلى وسط مدينة إدلب، مقابل مهادنة الجيش التركي في احتلاله و"درع الفرات" منطقتي عفرين ومنبج. لكن عندما تأكدت أنقرة أن سوريا تتباحث مع الوحدات الكردية وترفض الاحتلال التركي لأراضٍ في سوريا كما ترفض موسكو وطهران، عندها اتخذ تصعيدها طابع التهديد بالتراجع عن العمل المشترك لمسار آستانا ولقاء سوتشي والتلويح بما سماه وزير الخارجية التركي المعارضة المعتدلة في إدلب. وزارة الدفاع الروسية كشفت عن إنطلاق الطائرات المسيّرة من منطقة حركة أحرار الشام وفصائل "المعارضة المعتدلة جنوبي غربي منطقة خفض التصعيد في إدلب" لضرب قاعدتي حميميم وطرطوس، في ردّ غير مباشر على وزير الخارجية التركي بشأن ما سماه المعارضة المعتدلة. وهي ألمحت إلى أن النصرة وأحرار الشام لا تقدر على تنفيذ هذه العملية من دون تدخّل دولة مؤهلة لذلك، في إشارة إلى تركيا على الرغم من اتهام البنتاغون في سجال ثنائي بين واشنطن وموسكو يلمح أيضاً إلى مشاركة تركيا بشكل أو آخر. في صدد التقارب المستجد مع باريس وواشنطن بمقدار التباعد عن موسكو وطهران، أعلن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو لوكالة الأناضول بعد أن أرسى قواعد الخلاف عن موسكو وطهران، أن أنقرة "ستعقد اجتماعاً في تركيا لوزراء خارجية الدول التي تشاطر بعضها البعض المواقف من الأزمة السورية"، واكتفى بتسمية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا. بينما لم يستثنِ دونالد ترامب أو إيمانويل ماكرون إردوغان وتركيا من نقد ما سماه كل منهما على حدة احتكار جهود العملية السياسية في آستانا وسوشي، بل اتهما تركيا وأردوغان إلى جانب روسيا وإيران بالسعي إلى إنشاء مسار موازٍ لمباحثات جنيف وتقويض عملية السلام، بحسب تعبيرهما. هيئة التفاوض الناتجة عن الرياض2 التي تقوم بجولة على بعض العواصم العربية والغربية الرافضة لسوتشي، تضم فصائل من الجماعات المسلّحة في انتقالها من نيويورك إلى واشنطن للتنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية وجماعات ضغط أخرى. وتكاد تنحصر المهمة المباشرة لهذا التنسيق في "التحذير من مخاطر مسار العملية السياسية في جنيف"، فضلاً عن مساعي الجيش السوري لإنشاء وقائع وموازين جديدة على أرض المعركة في سوريا. وهو ما يعيبه مولود جاويش أوغلو على الجيش السوري وعلى موسكو التي لا تضغط مع إيران لمنعه. تركيا التي تتآلف مع حركة الاستدارة في اتجاه والاتجاه العكسي، قد تشعر في أوقات الشدّة بمخاطر استفحال الإصابة بفقدان المناعة.  

المصدر : الميادين / قاسم عزالدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة