دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يترك «التحالف الدولي» شبراً في مدينة الرقة إلا ترك بصماته الإجرامية فيه، مكملاً إخراج السيناريو الإرهابي الذي رسمه عبر أداته المتمثلة بتنظيم داعش الإرهابي، ولعل مكتبة «بور سعيد» إحدى أبرز الأمثلة على ذلك.
وتقع مكتبة بور سعيد في شارع المنصور وسط مدينة الرقة وعلى مقربة من متحفها الأثري، استقطبت مختلف شرائح المجتمع والعشرات من مثقفيه وأدبائه وباحثيه، وتعتبر من معالم المدينة الثقافية وكانت تعج بمئات الكتب في مختلف ألوان الثقافة.
وتأسست المكتبة المعروفة أيضاً باسم «مكتبة الخابور» عام 1957 وكان صاحبها ومؤسسها الحاج أحمد الخابور، الملقب أبو زهرة، رجلاً أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، ولكن حبه وشغفه للقراءة والثقافة دفعاه للتعلم على يد الشيخ الملا «رمضان القشة» الملقب بالحافظ، بحسب ما نقلت مواقع إعلامية معارضة عن مهند ابن الحاج أحمد.
وكشف مهند، أن عمر والده عند افتتاحه للمكتبة لم يكن قد تجاوز 16 سنة ، وأطلق على المكتبة اسم «بورسعيد» تيمناً بالمدينة التي تعرضت للعدوان الثلاثي على مصر، وظل يعمل بها طوال تلك الفترة الطويلة، ورغم دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى الرقة ربيع عام 2013، بقي أبو زهرة يمارس عمله فيها بهدوئه ورزانته المعتادين، لكن التنظيم بدأ البحث «عن قرابين يبطش بها ليدب الخوف والرعب في نفوس المدنيين من أهل المدينة»، وفقاً لمهند الذي أوضح أن العائلة حاولت ثني والده عن عمله في المكتبة خشية عليه، ولكنه كان يرفض مجرد الكلام في هذا الأمر لأنها كانت جزءاً من كيانه وأسلوب حياة، وليست مجرد مصدر عيش.
وروى الابن أن التنظيم وتماشياً مع سياسة مصادرة الحرية قرر حرق المكتبة لأنها تحوي «كتب شرك وكفر، وتمنع دخول الرحمن»، حسب تفكير مسلحيه.
وبعدما أكد مهند، أن الأديب الطبيب عبد السلام العجيلي، أحد رموز الثقافة السورية خلال أكثر من 60 عاماً، كان على رأس مرتادي المكتبة يوميا حتى اللحظات الأخيرة من حياته، أوضح أن العجيلي دوّن في مقدمة أحد كتبه: «حين أكون في الرقّة، هناك مكانان إنْ لم أزرهما يومياً، لا أعتبر أنّني عشت يومًا طبيعياً: هما مكتبة بورسعيد وجسر الرقّة القديم»، كما نقل الخابور الابن.
وبعدما أشار الخابور إلى أن هدف والده كان نشر الثقافة في المدينة، موضحاً أن روادها كانوا يستعيرون الكتب بلا أجر، وبعضهم يجلس في المكتبة ليقرأ ما يحلو له من الكتب، دون أن يغيب فنجان القهوة العربية عن أجواء المكان، لافتاً إلى أن والده الذي أطلق عليه أهل الرقة لقب «صديقُ الثقافة» اتخذ للمكتبة قاعدة ذهبية تقول: «اقرأ الكتاب وإن لم يعجبك فلا تدفع ثمنه».
وأوضح الخابور الابن أن والده تعامل مع حرق داعش للمكتبة برباطة جأش رغم أن التنظيم أجبره مع عدد من الأصدقاء ومسلحي داعش على إخراج الكتب التي كانت بالمئات إلى الجدار الغربي لمتحف الرقة وتم جمع الكتب قبل حرقها، لكنه، ومع اشتداد وطأة المعارك نزح إلى ريف الرقة وعاد بعد أسابيع ليجد أن طائرات «التحالف» قد دمرت المكتبة بأكملها وصار منزله المجاور لها أطلالاً كما هي أغلب بيوت المدينة ومعالمها المدمرة.
ولا يمكن اعتبار مصير المكتبة حدثا فريداً في الرقة فجميع أجزاء المدينة تعرضت للإرهاب مرتين الأولى على يد داعش والثانية على يد التحالف.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة