سبع سنواتٍ مضنية أرهقت العالم وجميع أطراف الصراع الدولي، سطعت فيها نجوم وخفتت أخرى، صمود سوريا وانتصارها بثَّ في عروق النظام الجديد دماءً وروحًا جديدة، أعادت للإنقسام الدولي حيويته وشراسته، حروبٌ أساسها أنابيب نفطٍ وسكك حديد، مسالك وممراتٌ مائية، محمية بأقوى أنظمة الدفاع العسكري، محفوفة بمخاطر كسر الإرادات وفرض الهيمنة.. ساحاتٌ ساخنة أهمها سوريا، وأخرى تهدأ وتَستَعر دون أن تتوقف، كوكبٌ نَظّم صراعاته وحصرها في قلب العالم القديم، ليرسم من هناك قواعدَ وتوازنات جديدة، تطرق أبواب الشرق الأوسط أولًا لتطال الطوق الأول والإقليم الأول لتصل إرتداداته وتداعياته وحصيلة معاركه كافة أرجاء الكون...

 

حربٌ مبتكرة وجديدها جيوش إرهابية برداءٍ ديني عقائدي، وأخرى مقنعة بأعلام دولٍ امتطت خيول الديمقراطية والحرية، وهبت لنجدة "معارضين" حالمين بـ"مجدٍ" يرفعون أعلامه على خراب أوطانهم ودماء شعوبهم وفاءً لفواتير الفنادق وشهرة العدسات والشاشات، فكانوا هدايا الشيطان لأعداءٍ ما نالوا يومًا من الشام ولا من شاهقاتها ومن طهر ترابها.

 

سنواتٌ من الصمود الإسطوري السوري، أطاحت بأحلام العروش الحاقدة والسلاطين البائدة، وهزمت حمائم وصقور ساسةٍ ما فتئوا يصرخون "إرحل" حربًا لا سلمًا، واليوم بعدما ثبتت سوريا نصف أركان نصرها، وثبت أعداؤها نصف هزيمتهم بسقوط وإنهيار دولة الخلافة وبمغادرة تنظيم "داعش" أرض المعركة مهزومًا ليبقى فكرة، بل ذكرى سيئة لمن يتفكرون، نراهم اليوم "يتعقلون" وينادون بالسلام وينخرطون في نسخٍ جديدة توّجت سلسلة جولات جنيف، مونترو، زيورخ، ميونخ، موسكو، أستانا، بلقاء سوتشي ومؤتمر الحوار السوري.. ما يجعلنا نتساءل.. هل حان وقت السلام، وإلى أي سلامٍ يسعون؟

 

وفي ظل ثنائيات هزيمة "داعش" وبقاء "جبهة النصرة"، وبقاء القوات الأمريكية بعد زوال "داعش" والتي تذرعت بمحاربتها لتبرر وجودها – اللا شرعي أصلًا-، وثنائية استمرار تعويلها على الأكراد بعد فشل مشاريع التقسيم والفدرلة ووقف إرسالياتها وشحناتها لتسليحهم – بحسب ترامب -، ووجود قوات الإحتلال التركي على الأرض السورية والمراهنة على تعقله ودوره الأممي كدولةٍ ضامنة، ناهيك عن المراهنة على قبول العدو الإسرائيلي ببقاء عناصر حزب الله والحرس الثوري في الجنوب السوري مع قبوله إنهاء الحرب السورية وبقاء الرئيس الأسد، بالإضافة إلى قبول معارضة المنصات بتشكيل وفدٍ موحد بالدعم السعودي الفاقد أصلًا لكافة عناصر قوته بعد سلسلة هزائمه في كل جبهات عدوانه على "الأشقاء" ومحاولات عزل إيران وزعزعة إستقرار لبنان، وبالسقوف العالية للمعارضة على الرغم من إهترائها وتشرذمها ووصولها إلى أسوأ حالات ضعفها.

 

ثنائيات لا يمكن تجاهلها وإعتبار أن الولايات المتحدة قد أقرّت بهزيمتها وبضرورة إنهاء الحرب وبـ"إنقاذ أرواح الأبرياء" - يقول ترامب -، ولا يمكن التعويل على تصريحات المراوغ - المنافق أردوغان إذ يلمح إلى إمكانية الإتصال والحوار مع الرئيس بشار الأسد، ولا يمكن المراهنة على تعقل وحكمة أيهود باراك السابق الذي طالب نتنياهو الحالي بالإستقالة، وبتخليه عمّن أفرط في دعمهم وفي حمايتهم وبتسليحهم ومداواتهم في مشافيه، ولا يمكن المراهنة على المفاوضات السورية – السورية في سوتشي مع أعداء وخونة الشعب السوري.

 

هي دون شك مرحلة قاسية تأتي بعد إنتهاء مرحلة "داعش"–عسكريًا، تحتاج فيها بعض الأطراف لهضم واستيعاب هزيمتها، فالحسم العسكري للدولة السورية وحلفائها في محور المقاومة وبالمشاركة الروسية القوية، أسفر بعد سبع سنوات إلى القضاء على نصف الإرهاب الموجود على الأرض السورية، وقصم ظهر نصف الفريق المهاجم، ودفع الجميع للإقتراب نصف خطوة من الحل السياسي الحقيقي، وأطاح بنصف المعارضات وبأدوار دولها الداعمة كفرنسا وقطر والسعودية، وقصّر نصف المسافات بين مصر وإيران وتركيا، وعلّه يفعل الشيء نفسه بين إيران والسعودية، بعد أن قدم خلاصة الصراع الدولي حول سورية لتنعكس سلمًا أكثر منه حربًا في غير ساحات كاليمن وفي مياه الخليج العربي وأوكرانيا وبحر الصين الجنوبي.... إلخ.

 

ومع عدم الإفراط بالتفاؤل، تبدو الفرصة المتاحة اليوم لإنهاء الحرب ونجاح السوريين في لقاء سوتشي نصف فرصة، ونصفها الآخر يأتي لتهيئة النفوس والأجواء المحلية والإقليمية والدولية لتقبّل نتائج الحراك والصراع الدولي، بعد الإنتهاء من وضع الأسس والعناوين الرئيسية للتوازن الدولي الجديد، الذي يحتاج لسنواتٍ قادمة كي تتبلور معالمه وتتضح خفاياه وأسراره ونتائجه.

تستحق سوريا كل السلام، وكل التضحية والوفاء.. ولن يكون الحوار السوري– السوري الحقيقي في موسكو أو باريس أو بكين، فمكانه الطبيعي على أرض سوريا عاصمة الياسمين والسلام.

  • فريق ماسة
  • 2017-11-25
  • 13173
  • من الأرشيف

سوتشي.. من نصف الحرب إلى نصف السلام

 سبع سنواتٍ مضنية أرهقت العالم وجميع أطراف الصراع الدولي، سطعت فيها نجوم وخفتت أخرى، صمود سوريا وانتصارها بثَّ في عروق النظام الجديد دماءً وروحًا جديدة، أعادت للإنقسام الدولي حيويته وشراسته، حروبٌ أساسها أنابيب نفطٍ وسكك حديد، مسالك وممراتٌ مائية، محمية بأقوى أنظمة الدفاع العسكري، محفوفة بمخاطر كسر الإرادات وفرض الهيمنة.. ساحاتٌ ساخنة أهمها سوريا، وأخرى تهدأ وتَستَعر دون أن تتوقف، كوكبٌ نَظّم صراعاته وحصرها في قلب العالم القديم، ليرسم من هناك قواعدَ وتوازنات جديدة، تطرق أبواب الشرق الأوسط أولًا لتطال الطوق الأول والإقليم الأول لتصل إرتداداته وتداعياته وحصيلة معاركه كافة أرجاء الكون...   حربٌ مبتكرة وجديدها جيوش إرهابية برداءٍ ديني عقائدي، وأخرى مقنعة بأعلام دولٍ امتطت خيول الديمقراطية والحرية، وهبت لنجدة "معارضين" حالمين بـ"مجدٍ" يرفعون أعلامه على خراب أوطانهم ودماء شعوبهم وفاءً لفواتير الفنادق وشهرة العدسات والشاشات، فكانوا هدايا الشيطان لأعداءٍ ما نالوا يومًا من الشام ولا من شاهقاتها ومن طهر ترابها.   سنواتٌ من الصمود الإسطوري السوري، أطاحت بأحلام العروش الحاقدة والسلاطين البائدة، وهزمت حمائم وصقور ساسةٍ ما فتئوا يصرخون "إرحل" حربًا لا سلمًا، واليوم بعدما ثبتت سوريا نصف أركان نصرها، وثبت أعداؤها نصف هزيمتهم بسقوط وإنهيار دولة الخلافة وبمغادرة تنظيم "داعش" أرض المعركة مهزومًا ليبقى فكرة، بل ذكرى سيئة لمن يتفكرون، نراهم اليوم "يتعقلون" وينادون بالسلام وينخرطون في نسخٍ جديدة توّجت سلسلة جولات جنيف، مونترو، زيورخ، ميونخ، موسكو، أستانا، بلقاء سوتشي ومؤتمر الحوار السوري.. ما يجعلنا نتساءل.. هل حان وقت السلام، وإلى أي سلامٍ يسعون؟   وفي ظل ثنائيات هزيمة "داعش" وبقاء "جبهة النصرة"، وبقاء القوات الأمريكية بعد زوال "داعش" والتي تذرعت بمحاربتها لتبرر وجودها – اللا شرعي أصلًا-، وثنائية استمرار تعويلها على الأكراد بعد فشل مشاريع التقسيم والفدرلة ووقف إرسالياتها وشحناتها لتسليحهم – بحسب ترامب -، ووجود قوات الإحتلال التركي على الأرض السورية والمراهنة على تعقله ودوره الأممي كدولةٍ ضامنة، ناهيك عن المراهنة على قبول العدو الإسرائيلي ببقاء عناصر حزب الله والحرس الثوري في الجنوب السوري مع قبوله إنهاء الحرب السورية وبقاء الرئيس الأسد، بالإضافة إلى قبول معارضة المنصات بتشكيل وفدٍ موحد بالدعم السعودي الفاقد أصلًا لكافة عناصر قوته بعد سلسلة هزائمه في كل جبهات عدوانه على "الأشقاء" ومحاولات عزل إيران وزعزعة إستقرار لبنان، وبالسقوف العالية للمعارضة على الرغم من إهترائها وتشرذمها ووصولها إلى أسوأ حالات ضعفها.   ثنائيات لا يمكن تجاهلها وإعتبار أن الولايات المتحدة قد أقرّت بهزيمتها وبضرورة إنهاء الحرب وبـ"إنقاذ أرواح الأبرياء" - يقول ترامب -، ولا يمكن التعويل على تصريحات المراوغ - المنافق أردوغان إذ يلمح إلى إمكانية الإتصال والحوار مع الرئيس بشار الأسد، ولا يمكن المراهنة على تعقل وحكمة أيهود باراك السابق الذي طالب نتنياهو الحالي بالإستقالة، وبتخليه عمّن أفرط في دعمهم وفي حمايتهم وبتسليحهم ومداواتهم في مشافيه، ولا يمكن المراهنة على المفاوضات السورية – السورية في سوتشي مع أعداء وخونة الشعب السوري.   هي دون شك مرحلة قاسية تأتي بعد إنتهاء مرحلة "داعش"–عسكريًا، تحتاج فيها بعض الأطراف لهضم واستيعاب هزيمتها، فالحسم العسكري للدولة السورية وحلفائها في محور المقاومة وبالمشاركة الروسية القوية، أسفر بعد سبع سنوات إلى القضاء على نصف الإرهاب الموجود على الأرض السورية، وقصم ظهر نصف الفريق المهاجم، ودفع الجميع للإقتراب نصف خطوة من الحل السياسي الحقيقي، وأطاح بنصف المعارضات وبأدوار دولها الداعمة كفرنسا وقطر والسعودية، وقصّر نصف المسافات بين مصر وإيران وتركيا، وعلّه يفعل الشيء نفسه بين إيران والسعودية، بعد أن قدم خلاصة الصراع الدولي حول سورية لتنعكس سلمًا أكثر منه حربًا في غير ساحات كاليمن وفي مياه الخليج العربي وأوكرانيا وبحر الصين الجنوبي.... إلخ.   ومع عدم الإفراط بالتفاؤل، تبدو الفرصة المتاحة اليوم لإنهاء الحرب ونجاح السوريين في لقاء سوتشي نصف فرصة، ونصفها الآخر يأتي لتهيئة النفوس والأجواء المحلية والإقليمية والدولية لتقبّل نتائج الحراك والصراع الدولي، بعد الإنتهاء من وضع الأسس والعناوين الرئيسية للتوازن الدولي الجديد، الذي يحتاج لسنواتٍ قادمة كي تتبلور معالمه وتتضح خفاياه وأسراره ونتائجه. تستحق سوريا كل السلام، وكل التضحية والوفاء.. ولن يكون الحوار السوري– السوري الحقيقي في موسكو أو باريس أو بكين، فمكانه الطبيعي على أرض سوريا عاصمة الياسمين والسلام.

المصدر : ميشيل كلاغاصي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة