دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يكن الأمير محمد بن سلمان بحاجة اضافية للتدليل على توجهه وطبيعة اجندته السياسية التي يقدم بها نفسه للعالم لتخطي عقبات العرش السعودي وتجاوز خطوط ال سعود التاريخية الحمراء سواء في الترقي للعرش او في التعامل مع المؤسسات الداخلية المختلفة او في بنية السلطة ذاتها القائمة على توازن دقيق في التحالف العضوي بين ال سعود وال الشيخ، اي بين السيف والوهابية، ولكنه اكد توجهه هذا بامتياز في لقائه الاخير مع الصحفي الامريكي توماس فريدمان!
ونعني هنا تحديدا الحوار الاخير لابن سلمان مع فريدمان في النيويورك تايمز، والذي اكد فيه هذه المغازلة للغرب وجسد فيه المغازلة للصهاينة بوصف خصومه بانهم "هتلر"!
لسنا بحاجة لجهد كبير لاستخلاص دلالات واشارات بن سلمان وانتقاء "هتلر تحديدا" لدغدغة مشاعر الصهاينة والذين يتكئون على هتلر والمحرقة وكل هذه الذرائع الواهية لممارسة الاحتلال والغصب، كما لا يفوتنا ان الحوار كان مع احد اهم كتاب الرأي في امريكا والذين تنضح كتاباتهم انحيازا للصهيونية ووصفها بـ"القضية العادلة"!
الامير بن سلمان اختار طريقه وهو ماض فيه على طريقة الشاب الذي تمرد على الثوابت وترك دراسته ولم يعبأ بأي قيمة مجتمعية او قانون او عرف وذهب ليتزوج من يريد ويعمل ما يحب، دون العبء بمستقبل اسرته او صورتها، ولكن، هل يجوز ذلك في السياسة؟
كل الطرق في مصر، سواء المبدئية اوحتى البراجماتية تؤدي الى حتمية الخروج من العباءة السعودية
ربما يجوز ذلك اذا كان الطريق ثوريا واذا كان لانتشال لاسرة والمجتمع من وحل ممارسات وتاريخ مخز، اما اذا كان الطريق هو الغوص في مزيد من الوحل فهو كارثي ولا سيما اذا ما كانت التداعيات لا تقتصر على بلاده فقط وانما على الاقليم بل والعالم!
ان هناك حلما مشتركا ربما لم يكن معلنا انه مشترك بين السعودية والعدو الاسرائيلي، وهو انكماش مصر واختفائها وراء حدودها.
هذا الحلم عبر عنه بن جوريون صراحة ومارسه ملوك ال سعود فعليا تارة بالحرب على عبد الناصر وتارة بمحاولات الابتزاز والاحتواء لمن تبعوه.
ولكن الاحداث يوميا تنادي من بعيد مصر لممارسة دورها، بل ويتم اللجوء دوما لها وهي في عز ضعفها ولو حتى للوساطة باعتبار قبولها من المسلمات المفروغ منها، او لتصحيح اخطاء الحمقى باعتبارها دوما اخ اكبر.
هذا الدور المصري مستقل تماما عن شخص اي رئيس يعتلي حكمها، ومنفصل عن توجهاته وشخصيته وممارساته، وهذا الدور هو رمانة ميزان اي تسويات او حرب او سلام.
هذا الدور المكتسب لمصر ليس مصدره اصطفاء الهي منصوص عليه او امتياز بشري فضلها الله به عن غيرها، وانما بحكم تاريخ طويل وجغرافيا ثابتة ولافتة، وديموجرافيا بانورامية جامعة وبحكم اختبارات متراكمة في القيادة اثبتت لها اهلية ومنحتها احقية جعلت من ضعفها وتخاذلها بل وانحرافها عن الثوابت هو الاستثناء مهما طالت مدته!
قد يكون هناك جيلا نشأ في مصر على ثوابت مختلفة وتعرض لتشويهات متعمدة وتم خداعه وايصال صورة مخالفة للواقع وتحديدا عن السعودية والعدو الاسرائيلي، بل وعن السياسة بشكل عام باعتبار التعريف الميكافيللي هو التعريف الوحيد او الاصح للسياسة، ولكن هذا الجيل بدأ يستفيق على وقع تداعيات كارثية لهذا الفهم ولهذا الوعي المغلوط.
بدأنا نلمح تمردا على صلف ال سعود والذي جسدته ممارسات ابن سلمان واظهرت ما حاول السابقون اخفاؤه بسبب عجلة الامير وسعاره نحو السلطه، وهذا التمرد تجسد في مصر مؤخرا، عبر اصوات اعلامية انتصرت للبنان ووحدتها وسيادتها ضد الحرب الأهلية التي طلبتها السعودية علنا!
كما لمحنا تمايزا رسميا من خلال تصريحات رئاسية وجولات للخارجية وربما شكلت لبنان كلمة السر في هذا التمايز هذه المرة بعد ان كانت سوريا محطته الاولى.
مشاورات مصر وفرنسا حول قضية استقالة الحريري يمكن ان يتم البناء عليها في دور مصري عروبي
وربما اصبح جليا ان مشاورات مصر وفرنسا والتي امتدت حتى قبرص واختتمت بزيارة سعد الحريري للقاهرة كانت مشهدا ختاميا للمشهد الهزلي السابق وهو ما يمكن ان يتم البناء عليه في دور مصري عروبي (لا سعودي طائفي) على امتداد الساحة العربية ومنها بالتأكيد لبنان، بشرط سلامة النوايا الوطنية للقوى السياسية المختلفة وسلامة النوايا القومية لمصر.
ان سوريا ولبنان وفلسطين وكذلك اليمن كلها ملفات حساسة وحاسمة لأمن مصر وكلها محل للعبث السعودي، وهناك فروق بين التماهي وبين الخضوع التام، فالتماهي قد يساعد السلطة في مصر على التماسك اما الخضوع فهو سير نحو الانهيار المؤكد.
ولكن المأمول من مصر ليس تماهيا ولا خضوعا والمأمول من سلطتها الرسمية ليس تجنبا للانهيار ولا حتى سعيا للتماسك من بوابة التفريط في القيادة والدور الطبيعي.
المأمول هو فقط ان تليق السلطة باسم مصر ودورها وفي هذه الحالة سيصبح الانهيار من المستحيلات وستتوفر ضمانات التماسك تلقائيا.
المأمول من النخبة المصرية ان يكون ولاؤها لمصر باستعادتها للقيادة والدور المفقود، وللعروبة فعلا لا ستارا واستخداما للقومية كذريعة للتبعية والارتزاق من السعودية في اطار رفعها للعروبة على اسنة الرماح في حربها الغير شريفة على المقاومة.
كل الطرق في مصر، سواء المبدئية اوحتى البراجماتية تؤدي الى حتمية الخروج من العباءة السعودية التي تدنست تراكميا ووصلت لاشد درجات الدنس بالتوحد مع الصهيونية، واصبح انتزاع مصر لدورها المستحق حتميا للبقاء لا مجرد ترف او لياقة او وجاهة.
جمهور المقاومة التي استطاعت ان تكسر شوكة الصهاينة ومن يتحالف معهم ويصبح تابعا لهم على استعداد للحرب حتى النفس الأخير مع كل اعدائها.
والمقاومة لم تنكر يوما دور مصر كملهمة للمقاومة ولم تكف يوما عن انتظار عودة مصر لمعسكرها الطبيعي.
لم يتبق في النفق السعودي المظلم الا من فقد عقله وليس مجرد ضميره لان الامور اصبحت جلية وخرجت عن نطاق الالتباسات.
بالتأكيد نأمل مواجهة مصرية للصلف السعودي وانتصار مصر للأمة بتحجيم هذا السرطان، وليس مجرد عودة بعد الانتحار الطوعي السعودي والاحتضار بفضل صمود المقاومة، لان لكل من العودتين مسار، لكن ان تأتي متأخرا خير من الا تأتي، والفرصة لازالت سانحة ونأمل اقتناصها سريعا.
المصدر :
العهد / إيهاب شوقي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة