دعا نبيل العربي وزير خارجية مصر الى مراجعة السياسة الخارجية لبلاده على نحو يليق بتاريخها ومكانتها في العالم ويكفل رفع الحصار عن قطاع غزة. ولمح العربي في مقال نشرته له صحيفة "الشروق" التي تطرح رؤيته لإعادة بناء السياسة الخارجية المصرية في الفترة المقبلة، بعد ثورة 25 يناير، إلى أن من حق مصر أن تلغي معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل إذا تبين أن الأخيرة تخل بأحكام المعاهدة.

 وهنا نص مقال العربي: "كانت الثورة البيضاء العظيمة التى قادها شباب 25 يناير وشاركت فيها جميع فئات الشعب المصرى لحظة تاريخية فارقة، وسوف تبقى دائما شعلة مضيئة تنير الطريق لجميع شعوب العالم.

 هذه الثورة أفرزت العديد من الدروس المهمة التى يلزم دراستها بعناية، ولا شك أن المحللين السياسيين فى أروقة الحكومات ومعاهد الدراسات سيعكفون على دراستها لسنوات طويلة.

 نحن فى بداية مرحلة جديدة يرجو الجميع أن تنعم فيها مصر بحكم رشيد يحقق الديمقراطية السليمة واحترام حقوق الإنسان والمساواة للجميع بدون أى نوع من التفرقة أو التمييز.

 المطلوب إقامة دولة عصرية علمانية يحكمها القانون الذى يطبق على الجميع وهذا يقتضى إلغاء الكم الهائل من القوانين التى قام ما يطلق عليهم بـ «ترزية» القوانين بصياغتها خلال السنوات الماضية. بمعنى أن الإطار الدستورى والقانوني الذى حكم مصر لما يزيد على خمسين عاما يجب إعادة النظر فيه بعمق وجدية وشفافية.

 هذا الموضوع يطرح نفسه بشدة بعد نجاح ثورة 25 يناير فى إبراز ضرورة مراجعة الأوضاع الداخلية وتعديل الدستور والقوانين واللوائح التى أعاقت التطبيق السليم لروح العدالة والحق الطبيعي في احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تنادي بها المواثيق الدولية.

لم تكن سياسة مصر الخارجية فى السنوات الأخيرة تعالج بأسلوب علمي عصري يؤدى إلى اتخاذ القرارات بعد دراسة متأنية لجميع أبعاد المسائل المطروحة بواسطة خبراء متخصصين. وكانت لا تعدو أن تكون ردود أفعال للأحداث وكانت القرارات تتخذ بأسلوب فردي وقد يكون أيضا أحيانا عشوائيا يتم بدون الدراسة المطلوبة.

 مصر لها وزن كبير ولها دور تاريخي مهم ولها إسهامات فى جميع المجالات الدولية وليس فقط فى العالم العربي ومحيطها الأفريقي. ولا يليق بمصر أن تتسم سياساتها الخارجية والمواقف التى تتخذها بالارتجالية أو بمخالفات جسيمة لقواعد أساسية في القانون الدولي مثل الموقف الذى تتبناه مصر تجاه الحصار المفروض على قطاع غزة والذى يتعارض مع قواعد القانون الدولى الإنساني التي تحرم حصار المدنيين حتى فى أوقات الحروب. هذا الأسلوب في اتخاذ قرارات تتعلق بالأمن القومي لا يتفق مع مكانة مصر وتاريخها.

 

لذلك أتمنى أن تقرر الدولة إنشاء مجلس أمن قومي دائم يشرف على اتخاذ القرارات التى تتعلق بالسياسة الخارجية. وهذا التوجه لا يمس اختصاص وزارة الخارجية الأصيل فى معالجة الشؤون الخارجية، ولكن العديد من المسائل طبيعتها متشعبة متشابكة وتحوى جوانب تخرج من اختصاص وزارة الخارجية بحيث يلزم رأى أكثر من جهة فى الدولة.

 جميع الدول المتقدمة في عالمنا المعاصر أنشأت مجالس أمن قومي منذ سنوات وقد أزف الوقت لأن تقدم مصر على اتخاذ هذه الخطوة الاستراتيجية المهمة.

 يهمني على وجه الخصوص الإشارة إلى بعض الجوانب القانونية التي تحدد الإطار العام للسياسة الخارجية:

 أولا: إن القانون الدولي يقضي بأن الدول حديثة النشأة مثل حالات الاستقلال من الاستعمار أو حالات انفصال دولة فيحق للدولة الحديثة طبقا لقواعد التوارث الدولي أن تعلن عدم التزامها ببعض تعهداتها الدولية وهو ما يطلق عليه في القانون الدولي مبدأ Doctrine of Clean Slate وهذا المبدأ لا ينطبق على الاتفاقيات التى تتعلق بالحدود. فاستقرار الحدود الدولية له قدسية فى القانون الدولي ولا يجوز المساس بها.

 ثانيا: أما الدول التى يتغير نظامها الداخلي فقط، وهذه هي الحالة التى تنطبق على مصر اليوم، فعليها الاستمرار في احترام التزاماتها التعاقدية وهو ما أكده البيان الدستوري الذي صدر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولكن من حق مصر التحقق من أن الأطراف الأخرى فى هذه المعاهدات تحترم هذه الالتزامات ولا تخالفها.

 فالقانون الدولى يسمح للدول بإعادة النظر فى التزاماتها الدولية فى حالتين:

 1- إذا كان هناك تغير جوهري في الظروف Fundamental Change of Circumstances.

 وهو ما أقدمت عليه مصر مرتين في تاريخها الحديث:

 الأولى: عندما قامت حكومة النحاس باشا فى أكتوبر 1951 بإلغاء معاهدة 1936. والثانية: في آذار (مارس) 1976 عندما قرر الرئيس السادات إلغاء معاهدة الصداقة التى أبرمت مع الاتحاد السوفييتي عام 1971 .

 2- أما إذا كان هناك إخلال جوهري Material Breach بأحد أحكام معاهدة فإنه يحق للطرف الآخر وقف Suspend أو إنهاء Terminate المعاهدة طبقا لجسامة مخالفة الطرف الآخر لأحكامها وهو ما ينطبق على جميع التزامات مصر الدولية بما فى ذلك التزاماتها النابعة من معاهدة السلام مع إسرائيل إذا تبين أن هناك إخلالا بأحكام هذه المعاهدة من جانبها.

 

ثالثا: وفى إطار العلاقات الدولية وحتى تدخل مصر القرن الواحد والعشرين لابد من الإقدام على عدة خطوات حتى تصبح مصر دولة تحترم وتلتزم بقواعد القانون الدولى الإنسانى ومن أهم هذه الخطوات:

 ـ قبول الاختصاص الإلزامي العام لمحكمة العدل الدولية. مصر تقبل منذ عام 1957 الاختصاص الإلزامى فيما يتعلق بإدارة قناة السويس طبقا لاتفاقية القسطنطينية لعام 1888.

 ـ التصديق على النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية ICC.

 ـ الدخول فى البروتوكولات الإضافية لجميع اتفاقيات حقوق الإنسان بما فى ذلك بروتوكولات جينيف.

 هذه بعض مقترحات أسوقها بإيجاز وكلها تصب فى سعى الارتقاء بمصر دوليا ورفع شأنها بين الدول. لابد من الإقدام على مراجعة شاملة لسياسة مصر الخارجية بهدف التحقق من أن معاهدات مصر مع الدول الأخرى تحترم من الجانبين على قدم المساواة وتطبق تطبيقا سليما ليس فيه إجحاف بحقوق مصر السيادية".

  • فريق ماسة
  • 2011-03-07
  • 12236
  • من الأرشيف

وزير خارجية مصر الجديد:يحق لمصر إلغاء معاهدة السلام إذا أخلت إسرائيل بأحكامها

دعا نبيل العربي وزير خارجية مصر الى مراجعة السياسة الخارجية لبلاده على نحو يليق بتاريخها ومكانتها في العالم ويكفل رفع الحصار عن قطاع غزة. ولمح العربي في مقال نشرته له صحيفة "الشروق" التي تطرح رؤيته لإعادة بناء السياسة الخارجية المصرية في الفترة المقبلة، بعد ثورة 25 يناير، إلى أن من حق مصر أن تلغي معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل إذا تبين أن الأخيرة تخل بأحكام المعاهدة.  وهنا نص مقال العربي: "كانت الثورة البيضاء العظيمة التى قادها شباب 25 يناير وشاركت فيها جميع فئات الشعب المصرى لحظة تاريخية فارقة، وسوف تبقى دائما شعلة مضيئة تنير الطريق لجميع شعوب العالم.  هذه الثورة أفرزت العديد من الدروس المهمة التى يلزم دراستها بعناية، ولا شك أن المحللين السياسيين فى أروقة الحكومات ومعاهد الدراسات سيعكفون على دراستها لسنوات طويلة.  نحن فى بداية مرحلة جديدة يرجو الجميع أن تنعم فيها مصر بحكم رشيد يحقق الديمقراطية السليمة واحترام حقوق الإنسان والمساواة للجميع بدون أى نوع من التفرقة أو التمييز.  المطلوب إقامة دولة عصرية علمانية يحكمها القانون الذى يطبق على الجميع وهذا يقتضى إلغاء الكم الهائل من القوانين التى قام ما يطلق عليهم بـ «ترزية» القوانين بصياغتها خلال السنوات الماضية. بمعنى أن الإطار الدستورى والقانوني الذى حكم مصر لما يزيد على خمسين عاما يجب إعادة النظر فيه بعمق وجدية وشفافية.  هذا الموضوع يطرح نفسه بشدة بعد نجاح ثورة 25 يناير فى إبراز ضرورة مراجعة الأوضاع الداخلية وتعديل الدستور والقوانين واللوائح التى أعاقت التطبيق السليم لروح العدالة والحق الطبيعي في احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تنادي بها المواثيق الدولية. لم تكن سياسة مصر الخارجية فى السنوات الأخيرة تعالج بأسلوب علمي عصري يؤدى إلى اتخاذ القرارات بعد دراسة متأنية لجميع أبعاد المسائل المطروحة بواسطة خبراء متخصصين. وكانت لا تعدو أن تكون ردود أفعال للأحداث وكانت القرارات تتخذ بأسلوب فردي وقد يكون أيضا أحيانا عشوائيا يتم بدون الدراسة المطلوبة.  مصر لها وزن كبير ولها دور تاريخي مهم ولها إسهامات فى جميع المجالات الدولية وليس فقط فى العالم العربي ومحيطها الأفريقي. ولا يليق بمصر أن تتسم سياساتها الخارجية والمواقف التى تتخذها بالارتجالية أو بمخالفات جسيمة لقواعد أساسية في القانون الدولي مثل الموقف الذى تتبناه مصر تجاه الحصار المفروض على قطاع غزة والذى يتعارض مع قواعد القانون الدولى الإنساني التي تحرم حصار المدنيين حتى فى أوقات الحروب. هذا الأسلوب في اتخاذ قرارات تتعلق بالأمن القومي لا يتفق مع مكانة مصر وتاريخها.   لذلك أتمنى أن تقرر الدولة إنشاء مجلس أمن قومي دائم يشرف على اتخاذ القرارات التى تتعلق بالسياسة الخارجية. وهذا التوجه لا يمس اختصاص وزارة الخارجية الأصيل فى معالجة الشؤون الخارجية، ولكن العديد من المسائل طبيعتها متشعبة متشابكة وتحوى جوانب تخرج من اختصاص وزارة الخارجية بحيث يلزم رأى أكثر من جهة فى الدولة.  جميع الدول المتقدمة في عالمنا المعاصر أنشأت مجالس أمن قومي منذ سنوات وقد أزف الوقت لأن تقدم مصر على اتخاذ هذه الخطوة الاستراتيجية المهمة.  يهمني على وجه الخصوص الإشارة إلى بعض الجوانب القانونية التي تحدد الإطار العام للسياسة الخارجية:  أولا: إن القانون الدولي يقضي بأن الدول حديثة النشأة مثل حالات الاستقلال من الاستعمار أو حالات انفصال دولة فيحق للدولة الحديثة طبقا لقواعد التوارث الدولي أن تعلن عدم التزامها ببعض تعهداتها الدولية وهو ما يطلق عليه في القانون الدولي مبدأ Doctrine of Clean Slate وهذا المبدأ لا ينطبق على الاتفاقيات التى تتعلق بالحدود. فاستقرار الحدود الدولية له قدسية فى القانون الدولي ولا يجوز المساس بها.  ثانيا: أما الدول التى يتغير نظامها الداخلي فقط، وهذه هي الحالة التى تنطبق على مصر اليوم، فعليها الاستمرار في احترام التزاماتها التعاقدية وهو ما أكده البيان الدستوري الذي صدر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولكن من حق مصر التحقق من أن الأطراف الأخرى فى هذه المعاهدات تحترم هذه الالتزامات ولا تخالفها.  فالقانون الدولى يسمح للدول بإعادة النظر فى التزاماتها الدولية فى حالتين:  1- إذا كان هناك تغير جوهري في الظروف Fundamental Change of Circumstances.  وهو ما أقدمت عليه مصر مرتين في تاريخها الحديث:  الأولى: عندما قامت حكومة النحاس باشا فى أكتوبر 1951 بإلغاء معاهدة 1936. والثانية: في آذار (مارس) 1976 عندما قرر الرئيس السادات إلغاء معاهدة الصداقة التى أبرمت مع الاتحاد السوفييتي عام 1971 .  2- أما إذا كان هناك إخلال جوهري Material Breach بأحد أحكام معاهدة فإنه يحق للطرف الآخر وقف Suspend أو إنهاء Terminate المعاهدة طبقا لجسامة مخالفة الطرف الآخر لأحكامها وهو ما ينطبق على جميع التزامات مصر الدولية بما فى ذلك التزاماتها النابعة من معاهدة السلام مع إسرائيل إذا تبين أن هناك إخلالا بأحكام هذه المعاهدة من جانبها.   ثالثا: وفى إطار العلاقات الدولية وحتى تدخل مصر القرن الواحد والعشرين لابد من الإقدام على عدة خطوات حتى تصبح مصر دولة تحترم وتلتزم بقواعد القانون الدولى الإنسانى ومن أهم هذه الخطوات:  ـ قبول الاختصاص الإلزامي العام لمحكمة العدل الدولية. مصر تقبل منذ عام 1957 الاختصاص الإلزامى فيما يتعلق بإدارة قناة السويس طبقا لاتفاقية القسطنطينية لعام 1888.  ـ التصديق على النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية ICC.  ـ الدخول فى البروتوكولات الإضافية لجميع اتفاقيات حقوق الإنسان بما فى ذلك بروتوكولات جينيف.  هذه بعض مقترحات أسوقها بإيجاز وكلها تصب فى سعى الارتقاء بمصر دوليا ورفع شأنها بين الدول. لابد من الإقدام على مراجعة شاملة لسياسة مصر الخارجية بهدف التحقق من أن معاهدات مصر مع الدول الأخرى تحترم من الجانبين على قدم المساواة وتطبق تطبيقا سليما ليس فيه إجحاف بحقوق مصر السيادية".

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة