عندما تندلع الحروب يكون هناك مستفيد ومتضرر من اندلاعها. وعندما تقف أمام نهايتها يكون هناك مستفيد ومتضرر، هذا يفعّل وهذا يحاول أن يعيق وإنْ لم يستطع فيخرّب.

عندما نضع هذه المعادلة على أرض الحرب العالمية في سوريا، ونقف أمام سلوكها الآن منحدر النهاية، (وإن كنا لا نعرف كم ستطول)، فإننا نعرف بداهة أن المتضرر الأول هو سوريا التي خسرت الكثير لكنها استطاعت أن تربح حرباً عالمية ضدها وعلى أرضها وأن تحقق انتصارين: استمرار الدولة بكل مؤسساتها، ووحدة أراضيها، وعليه، فمن مصلحتها إنهاء الحرب للعودة إلى البناء. بالمقابل هناك المستفيدون من الحرب الذين لا يريدون انتهاءها. وعلينا أن نتوقع منهم صنوفاً من محاولات التخريب والتشدد. ثمة مستفيدون كبار، أصحاب استراتيجيات – على تدرج أحجامهم- وهناك مستفيدون صغار، يوجهون بالريموت كونترول وربما أحيانا بغضب ردات الفعل وقطع الرزق. هؤلاء لا يؤثرون في نتيجة الأمور ولكنهم يزعجون كالقذى في العين.

ثلاثة دوائر جيوبوليتيكية – اقتصادية تحكم هذه الحرب العالمية الثالثة

الدائرة العالمية وفيها صراع نظام عالمي كان اسمه جديداً عام 90 وخاض معركة الحياة أو الموت على الأرض السورية فلفظ أنفاسه لصالح نظام جديد آخر. أول المستفيدين منه روسيا، وعلى كل المستويات (كما أميركا في الحرب العالمية الثانية). لذلك فمن مصلحة روسيا إنهاء الحرب. وأكبر الخاسرين فيه أميركا، بمعنى خسارتها عرش الآحادية العالمية، لكن ذلك لا يعني أن قبولها بذلك يمكن ان يكون مجانياً ولا بد من تحصيل مصالح تعوض هذه الخسارة. مصالح ستتركز على الاقتصاد، في ظل حكم رئيس حمله إلى الحكم تصور شعبي بأنه قادر على حل الأزمة الاقتصادية. دون أن تعدم تحقيق أهداف سياسية ترضي حلفاءها الإسرائيليين وجماعتها من العرب. مما يفسر استراتيجياً التصعيد مع إيران، كما يفسر تكتيكياً سلوكيات معينة على الأرض السورية من مثل دعم "قسد"، التأخر في إخلاء قاعدة التنف لأجل الحصول على تعهدات روسية- سورية بشأن الحدود مع العراق. والتأخر في إنجاز قرار نقل الفصائل التي تتمركز على الحدود الأردنية – السورية، إلى دير الزور كما كشف الناطق باسم أسود الشرقية الذي أعلن أن جماعته لا تريد الذهاب للقتال في صفوف "قسد".

وراء أو إلى جانب العملاقين (بعد ان أعادت سورية الروسي عملاقاً)، قوى كبيرة أخرى، في عالم لم يعد إلى الثنائية بل إلى تعددية قطبية. وهنا تتقاطع مصالح كثيرة، فلا يريد أي طرف للحرب أن تنتهي من دون أن يأخذ حصته مما بعدها. لذا فإن حصول تفاهم روسي- أميركي ليس بالأمر السهل، ولا بالأمر الكافي. خاصة عندما يعلن الرئيس السوري أننا قررنا التوجه شرقاً. نفهم الكثير من الإيجابيات هنا ومن الصياح هناك، من مثل الصياح الفرنسي خاصة، والأوروبي عامة.

في هذا السياق الدولي أيضاً يقف “سادة العالم” الأقوى من الحكومات والسياسيين: الشركات العابرة للقارات والتي لم تعد مروية بالصالصة الأميركية على حد تعبير شيللر عام 90، بل تعددت صالصاتها بتعدد أقطاب التوازن الدولي. الشركات تبقى في دائرة المسكوت عنه وتاتي في ثنايا الصحف وأخبارها، لكنها في الحقيقة هي المحرك الأول والأهم. و تتحدد رغبتها في إنهاء الحرب أو استمرارها بقدر ما تحصل عليه من مكاسب، خاصة فيما يتعلق بالغاز السوري الذي سيشكل الحيز الأكبر من غاز الشرق الأوسط والعالم. والذي لن تفصله الشركات عن استثماراتها في كامل حوض المتوسط.

من العالمي إلى الإقليمي، وهنا تتقاطع إيران وتركيا و"إسرائيل"، الأولى حليفة استراتيجية منذ عقود يرتبط مصيرها بمصير سوريا وخاضت مع الدولة السورية حرب الوجود لكليهما، لذا فإن مرحلة الشد الأقوى وعض الأصابع الدامي في مرحلة ما قبل الحسم النهائي ستطالها أكثر مما تطال سوريا نفسها. أما الثانية فقد أرادتها سوريا صديقاً يصلي ساعة يشاء في مساجدها، فأصرت على أن تكون عدواً يعد بالصلاة في المسجد الأموي على روح الدولة السورية. كان حلم السلطان بالدولة الأخوانية التي ستعيد العثمنة أقوى من أي اعتبار. لكنه سقط أمام انتصار عنوانه بقاء الدولة السورية بكامل مؤسساتها، وأمام خيار أميركي- كردي يهدد السلطان بتقسيم تركيا بدلاً عن سوريا. لذا هو بين الحاجة إلى انهاء الحرب لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية (خاصة وأن تركيا هي الدولة المتوسطية الوحيدة التي لا تملك الغاز) وبين الرعب من إنتهاء الحرب بهزيمة لمعسكر تركيا في صفوف المعارضة (من إخوان ومجالس وتنظيمات عسكرية عديدة )، خاصة إذا كان ذلك سيقترن بتركيز وجود كردي مدعوم أميركياً. وكل ذلك سيتوقف على من سيهزم “الارهاب!!!!”، ذاك الذي كان بالأمس ثورة.

أما الثالثة، "إسرائيل" فاسهل الأعداء على التحليل: تريد إنهاء كل الجيوش العربية لتهود عسكرياً، تريد إنهاء كل الاقتصادات لتهود اقتصادياً، تريد إنهاء الدول للعودة إلى ما قبل المجتمع وما قبل الدولة، إلى الهويات الفرعية من دينية وعرقية كي تؤمن عملية التدمير الذاتي وتكسب من خلال أحقاد هذه العملية عملاء ومتعاونين، كما تؤمن تبريراً منطقياً ليهودية الدولة. ولذا فإنها لا تريد إنهاء الحرب إلا بشرطين متلازمين معلنين: ضمان أحزمة أمنية على الحدود والتعهد بعدم السماح بإعادة بناء قوة الجيش السوري.

بقي النظام الرسمي العربي منه من راهن أخوانياً وإرهابياً كقطر الصغرى، ومنهم من راهن وهابياً كالسعودية الكبرى ومنهم من التحق بأحد الرهانين سراً أو علناً. ومنه دول أخرى إنقسمت من الداخل بوضوح بين قوى مؤيدة لسوريا وقوى مؤيدة للمشروع الأميركي –السعودي – الإسرائيلي. في كل ذلك لم يكن النظام العربي إلا لاعباً صغيراً. وحكامه كبار فقط بالمليارات التي دفعوها ليدمروا سوريا (كانت تكفي لبناء العالم العربي كله كأحدث دول العالم). لكن هؤلاء اللاعبين الصغار هم آخر من يستمر في اللعب لأنهم لا يملكون صفارة وقف المباراة. ويبقى من هم أصغر من الصغار جماعاتهم ، الذين تعودوا خلال السنوات الماضية على الأعطيات والمخصصات والرواتب مقابل شيء واحد: التخريب وكما تستعمل أميركا بعض الدول كأدوات ضغط لتمرير مخططاتها، فإن هذه الدول ستقوم بدورها بالضغط على الحكومات، وإن لم تستطع فعلى تشغيل مجاميعها ضد كل عملية تقارب سوري –عربي، سواء مع دول المغرب العربي أو مع دول سوريا الطبيعية أو مصر.

  • فريق ماسة
  • 2017-10-11
  • 9954
  • من الأرشيف

من هم المتضررون من انهاء الحرب على سورية؟

عندما تندلع الحروب يكون هناك مستفيد ومتضرر من اندلاعها. وعندما تقف أمام نهايتها يكون هناك مستفيد ومتضرر، هذا يفعّل وهذا يحاول أن يعيق وإنْ لم يستطع فيخرّب. عندما نضع هذه المعادلة على أرض الحرب العالمية في سوريا، ونقف أمام سلوكها الآن منحدر النهاية، (وإن كنا لا نعرف كم ستطول)، فإننا نعرف بداهة أن المتضرر الأول هو سوريا التي خسرت الكثير لكنها استطاعت أن تربح حرباً عالمية ضدها وعلى أرضها وأن تحقق انتصارين: استمرار الدولة بكل مؤسساتها، ووحدة أراضيها، وعليه، فمن مصلحتها إنهاء الحرب للعودة إلى البناء. بالمقابل هناك المستفيدون من الحرب الذين لا يريدون انتهاءها. وعلينا أن نتوقع منهم صنوفاً من محاولات التخريب والتشدد. ثمة مستفيدون كبار، أصحاب استراتيجيات – على تدرج أحجامهم- وهناك مستفيدون صغار، يوجهون بالريموت كونترول وربما أحيانا بغضب ردات الفعل وقطع الرزق. هؤلاء لا يؤثرون في نتيجة الأمور ولكنهم يزعجون كالقذى في العين. ثلاثة دوائر جيوبوليتيكية – اقتصادية تحكم هذه الحرب العالمية الثالثة الدائرة العالمية وفيها صراع نظام عالمي كان اسمه جديداً عام 90 وخاض معركة الحياة أو الموت على الأرض السورية فلفظ أنفاسه لصالح نظام جديد آخر. أول المستفيدين منه روسيا، وعلى كل المستويات (كما أميركا في الحرب العالمية الثانية). لذلك فمن مصلحة روسيا إنهاء الحرب. وأكبر الخاسرين فيه أميركا، بمعنى خسارتها عرش الآحادية العالمية، لكن ذلك لا يعني أن قبولها بذلك يمكن ان يكون مجانياً ولا بد من تحصيل مصالح تعوض هذه الخسارة. مصالح ستتركز على الاقتصاد، في ظل حكم رئيس حمله إلى الحكم تصور شعبي بأنه قادر على حل الأزمة الاقتصادية. دون أن تعدم تحقيق أهداف سياسية ترضي حلفاءها الإسرائيليين وجماعتها من العرب. مما يفسر استراتيجياً التصعيد مع إيران، كما يفسر تكتيكياً سلوكيات معينة على الأرض السورية من مثل دعم "قسد"، التأخر في إخلاء قاعدة التنف لأجل الحصول على تعهدات روسية- سورية بشأن الحدود مع العراق. والتأخر في إنجاز قرار نقل الفصائل التي تتمركز على الحدود الأردنية – السورية، إلى دير الزور كما كشف الناطق باسم أسود الشرقية الذي أعلن أن جماعته لا تريد الذهاب للقتال في صفوف "قسد". وراء أو إلى جانب العملاقين (بعد ان أعادت سورية الروسي عملاقاً)، قوى كبيرة أخرى، في عالم لم يعد إلى الثنائية بل إلى تعددية قطبية. وهنا تتقاطع مصالح كثيرة، فلا يريد أي طرف للحرب أن تنتهي من دون أن يأخذ حصته مما بعدها. لذا فإن حصول تفاهم روسي- أميركي ليس بالأمر السهل، ولا بالأمر الكافي. خاصة عندما يعلن الرئيس السوري أننا قررنا التوجه شرقاً. نفهم الكثير من الإيجابيات هنا ومن الصياح هناك، من مثل الصياح الفرنسي خاصة، والأوروبي عامة. في هذا السياق الدولي أيضاً يقف “سادة العالم” الأقوى من الحكومات والسياسيين: الشركات العابرة للقارات والتي لم تعد مروية بالصالصة الأميركية على حد تعبير شيللر عام 90، بل تعددت صالصاتها بتعدد أقطاب التوازن الدولي. الشركات تبقى في دائرة المسكوت عنه وتاتي في ثنايا الصحف وأخبارها، لكنها في الحقيقة هي المحرك الأول والأهم. و تتحدد رغبتها في إنهاء الحرب أو استمرارها بقدر ما تحصل عليه من مكاسب، خاصة فيما يتعلق بالغاز السوري الذي سيشكل الحيز الأكبر من غاز الشرق الأوسط والعالم. والذي لن تفصله الشركات عن استثماراتها في كامل حوض المتوسط. من العالمي إلى الإقليمي، وهنا تتقاطع إيران وتركيا و"إسرائيل"، الأولى حليفة استراتيجية منذ عقود يرتبط مصيرها بمصير سوريا وخاضت مع الدولة السورية حرب الوجود لكليهما، لذا فإن مرحلة الشد الأقوى وعض الأصابع الدامي في مرحلة ما قبل الحسم النهائي ستطالها أكثر مما تطال سوريا نفسها. أما الثانية فقد أرادتها سوريا صديقاً يصلي ساعة يشاء في مساجدها، فأصرت على أن تكون عدواً يعد بالصلاة في المسجد الأموي على روح الدولة السورية. كان حلم السلطان بالدولة الأخوانية التي ستعيد العثمنة أقوى من أي اعتبار. لكنه سقط أمام انتصار عنوانه بقاء الدولة السورية بكامل مؤسساتها، وأمام خيار أميركي- كردي يهدد السلطان بتقسيم تركيا بدلاً عن سوريا. لذا هو بين الحاجة إلى انهاء الحرب لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية (خاصة وأن تركيا هي الدولة المتوسطية الوحيدة التي لا تملك الغاز) وبين الرعب من إنتهاء الحرب بهزيمة لمعسكر تركيا في صفوف المعارضة (من إخوان ومجالس وتنظيمات عسكرية عديدة )، خاصة إذا كان ذلك سيقترن بتركيز وجود كردي مدعوم أميركياً. وكل ذلك سيتوقف على من سيهزم “الارهاب!!!!”، ذاك الذي كان بالأمس ثورة. أما الثالثة، "إسرائيل" فاسهل الأعداء على التحليل: تريد إنهاء كل الجيوش العربية لتهود عسكرياً، تريد إنهاء كل الاقتصادات لتهود اقتصادياً، تريد إنهاء الدول للعودة إلى ما قبل المجتمع وما قبل الدولة، إلى الهويات الفرعية من دينية وعرقية كي تؤمن عملية التدمير الذاتي وتكسب من خلال أحقاد هذه العملية عملاء ومتعاونين، كما تؤمن تبريراً منطقياً ليهودية الدولة. ولذا فإنها لا تريد إنهاء الحرب إلا بشرطين متلازمين معلنين: ضمان أحزمة أمنية على الحدود والتعهد بعدم السماح بإعادة بناء قوة الجيش السوري. بقي النظام الرسمي العربي منه من راهن أخوانياً وإرهابياً كقطر الصغرى، ومنهم من راهن وهابياً كالسعودية الكبرى ومنهم من التحق بأحد الرهانين سراً أو علناً. ومنه دول أخرى إنقسمت من الداخل بوضوح بين قوى مؤيدة لسوريا وقوى مؤيدة للمشروع الأميركي –السعودي – الإسرائيلي. في كل ذلك لم يكن النظام العربي إلا لاعباً صغيراً. وحكامه كبار فقط بالمليارات التي دفعوها ليدمروا سوريا (كانت تكفي لبناء العالم العربي كله كأحدث دول العالم). لكن هؤلاء اللاعبين الصغار هم آخر من يستمر في اللعب لأنهم لا يملكون صفارة وقف المباراة. ويبقى من هم أصغر من الصغار جماعاتهم ، الذين تعودوا خلال السنوات الماضية على الأعطيات والمخصصات والرواتب مقابل شيء واحد: التخريب وكما تستعمل أميركا بعض الدول كأدوات ضغط لتمرير مخططاتها، فإن هذه الدول ستقوم بدورها بالضغط على الحكومات، وإن لم تستطع فعلى تشغيل مجاميعها ضد كل عملية تقارب سوري –عربي، سواء مع دول المغرب العربي أو مع دول سوريا الطبيعية أو مصر.

المصدر : الميادين / د.حياة الحويك عطية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة