بعد معارك طويلة على درب عودة نفوذ الدولة السورية إلى الشرق الاستراتيجي، يأتي كسر حصار «داعش» على مدينة دير الزور خطوة أولى لمرحلة جديدة في هذا الطريق. خطوة سوف تجعل من كامل مناطق وادي الفرات وصولاً إلى مدينة البوكمال الحدودية في مرمى دمشق القريب. التحرك شرقاً لا يندرج ضمن الحسابات العسكرية والسياسية فقط؛ فأبناء الشرق الذين عانوا ويلات «داعش» لسنوات، لهم النصيب الأكبر من كسر السواد الذي حاصرهم. صور الفرح الذي عمّ أبناء الدير الصامدين فيها، أمس، وملامحُ حرّاسهم السُمر وهم يرقبون رفاقهم مقبلين عبر الصحراء، سوف تكون «زوادة» المقاتلين في معاركهم المقبلة، التي ستعيد للسوريين شرقهم المحنّى بالشمس

 

جاء إعلان النصر في معركة كسر حصار دير الزور أمس ليكرّس بدء مرحلة جديدة من العمليات في الشرق، بعد اختتام الجزء الأهم والأكبر من معارك البادية الوسطى. الإنجاز الميداني المهم كان هدفاً لدمشق منذ سنوات، غير أن معارك متعددة وحاسمة في حلب وحماة وطوق دمشق ودرعا احتلّت الأولوية طوال تلك الفترة، وكان لزاماً إنهاء تلك المعارك بالنار والمفاوضات، لضمان التفرغ لحرب «داعش» الضرورية للاقتصاد كما لضمان استعادة النفوذ في الشرق، بما يحمل ذلك من أبعاد جيوسياسية.

 

وهي معركة أعلنت دمشق أهدافها بشكل واضح حين انطلاقها، موضحة وقتها أن أولويتها الوصول إلى دير الزور، وبعدها نحو وادي الفرات حتى الحدود العراقية.

الوصول إلى الحدود انطلاقاً من دير الزور أصبح هدفاً متاحاً، ولكن بعد الانتهاء من تثبيت الشريان الموصل إلى المدينة، وخوض عدد من المعارك الفرعية المهمة لضمان أمن أيّ تحرك نحو الشرق؛ فبعدما وصلت القوات الزاحفة عبر البادية إلى القسم الغربي المحاصر في دير الزور، الممتد من «اللواء 137» إلى أحياء المدينة الغربية ومدخلها الشمالي الغربي، فإن مهمات كبيرة أصبحت ملقاة على عاتقها، تبدأ من كسر حصار المطار ومحيطه، ولا تنتهي باستعادة الريف الغربي للدير، الذي لا يزال ملعباً واسعاً وناشطاً لتنظيم «داعش».

 

 

وتشير معطيات الميدان إلى أن مهمة الجيش وحلفائه الأولى سوف تتركز في بناء خط دفاعيّ عصيّ على الاختراق، على جانبي الممر الموصل إلى «اللواء 137». المهمة المستعجلة تعدّ ضرورة لا غنى عنها، إذ إن تنظيم «داعش» ــ رغم سرعة انهياره خلال الأيام الأخيرة أمام تقدم الجيش ــ ما زال يحتفظ بقدرة عسكرية عالية في طوق ذلك الممر، وخاصة في محيط حقل الخراطة الغربي وجنوبي تل الصنوف، ونقاط طريق السخنة ــ دير الزور المحصورة بين الشولة والبانوراما. وبدت تلك القدرة العسكرية واضحة من خلال الهجمات التي شنّها أمس، خلال ساعات النهار الأخيرة، على مواقع الجيش المستحدثة في محيط «اللواء 137»، وعلى طول خط الجبهة الممتد من الشولا حتى كباجب.

وفي سياق هذه المعطيات، يعمل الجيش على إخراج التنظيم من بلدتي كباجب والشولا، اللتين سبق أن وصلتهما قوات الجيش، قبل انسحابها تحت ضغط هجمات «داعش». وأوضح القائد الميداني لقوات الجيش على هذا المحور، أمس، أن أهمية السيطرة على كباجب تأتي من «ارتفاعها عن المناطق المجاورة وكثافة التحصينات التي أقامها فيها تنظيم «داعش»»، مضيفاً أنها سوف «تمكن الجيش من التوجه نحو قرية الشولا وتحريرها، إيذاناً بفتح الطريق (الرسمي) إلى دير الزور».

ومن المتوقع أن يلعب سلاحا الجو السوري والروسي دوراً مهماً في حماية الممر الآمن نحو المدينة وتأمين طريقها الرسمي، لكون المناطق المحيطة به ــ من الشرق والغرب ــ مناطق مفتوحة يسهل رصد أيّ تحرك عسكري واسع فيها. وفي خطوة تساعد على إضعاف نقاط التنظيم في محيط الشولا وكباجب وحقل التيم النفطي، أطلقت قوات البحرية الروسية العاملة قبالة السواحل الروسية عدداً من صواريخ «كاليبر» المجنّحة، استهدفت أبرز المواقع وكتل الأبنية التي تتيح لتنظيم «داعش» التحصّن داخلها.

وهو سيناريو تكرر في عدد من المناطق التي احتوت على نقاط مشابهة، كما في عقيربات ومحيطها، و«محطة T3». كذلك حملت تلك الصواريخ رسالة معنوية أرادت موسكو إيصالها إلى حلفائها من جهة وإلى «شركائها» الغربيين في مكافحة الإرهاب، لا سيما أن معارك البادية شهدت مشاركة روسية ناشطة على جانب التغطية الجوية وعناصر القوات الخاصة. وضمن هذا السياق، أشادت الرئاسة الروسية بـ«الانتصار الاستراتيجي المهم جداً»، بالتوازي مع توجيه الرئيس فلاديمير بوتين برقيات تهنئة إلى قيادتي الجيشين الروسي والسوري، وإلى الرئيس بشار الأسد.

الإنجاز الاستراتيجي لدمشق وحلفائها انعكس أمس من خلال الأجواء الاحتفالية التي رافقت بثّ بيان قيادة الجيش حول فكّ الحصار، والصور الأولى للقاء القوات المتقدمة مع تلك المرابطة في «اللواء 137»، إذ قال بيان الجيش إن «فكّ الطوق عن مدينة دير الزور تحوّل استراتيجيّ في الحرب على الإرهاب»، لافتاً إلى أن هذا الإنجاز «يؤكد قدرة الجيش السوري وحلفائه وإصرارهم على إلحاق الهزيمة الكاملة بالمشروع الإرهابي... وإسقاط المخططات التقسيمية لرعاته وداعميه». وشدد على أنه «يشكل قاعدة انطلاق مهمة لتوسيع العمليات العسكرية في المنطقة ومحيطها، للقضاء على ما تبقى من بؤر لتنظيم (داعش)». كذلك، أجرى الرئيس الأسد أمس اتصالاً هاتفياً بكبار القادة العسكريين والأمنيين في دير الزور، بينهم رئيس اللجنة الأمنية في دير الزور، رفيق شحادة، وقائد «الفرقة 17» حسن محمد، وقائد «اللواء 104» في الحرس الجمهوري عصام زهر الدين، إلى جانب عدد من عناصر حامية المطار العسكري، مثنياً على صمودهم وتضحياتهم التي أفضت إلى تحقيق «نصر مدوٍّ على الفكر التكفيري الإرهابي المدعوم إقليمياً ودولياً».

  • فريق ماسة
  • 2017-09-06
  • 11831
  • من الأرشيف

مفتاح الشرق بيد دمشق

بعد معارك طويلة على درب عودة نفوذ الدولة السورية إلى الشرق الاستراتيجي، يأتي كسر حصار «داعش» على مدينة دير الزور خطوة أولى لمرحلة جديدة في هذا الطريق. خطوة سوف تجعل من كامل مناطق وادي الفرات وصولاً إلى مدينة البوكمال الحدودية في مرمى دمشق القريب. التحرك شرقاً لا يندرج ضمن الحسابات العسكرية والسياسية فقط؛ فأبناء الشرق الذين عانوا ويلات «داعش» لسنوات، لهم النصيب الأكبر من كسر السواد الذي حاصرهم. صور الفرح الذي عمّ أبناء الدير الصامدين فيها، أمس، وملامحُ حرّاسهم السُمر وهم يرقبون رفاقهم مقبلين عبر الصحراء، سوف تكون «زوادة» المقاتلين في معاركهم المقبلة، التي ستعيد للسوريين شرقهم المحنّى بالشمس   جاء إعلان النصر في معركة كسر حصار دير الزور أمس ليكرّس بدء مرحلة جديدة من العمليات في الشرق، بعد اختتام الجزء الأهم والأكبر من معارك البادية الوسطى. الإنجاز الميداني المهم كان هدفاً لدمشق منذ سنوات، غير أن معارك متعددة وحاسمة في حلب وحماة وطوق دمشق ودرعا احتلّت الأولوية طوال تلك الفترة، وكان لزاماً إنهاء تلك المعارك بالنار والمفاوضات، لضمان التفرغ لحرب «داعش» الضرورية للاقتصاد كما لضمان استعادة النفوذ في الشرق، بما يحمل ذلك من أبعاد جيوسياسية.   وهي معركة أعلنت دمشق أهدافها بشكل واضح حين انطلاقها، موضحة وقتها أن أولويتها الوصول إلى دير الزور، وبعدها نحو وادي الفرات حتى الحدود العراقية. الوصول إلى الحدود انطلاقاً من دير الزور أصبح هدفاً متاحاً، ولكن بعد الانتهاء من تثبيت الشريان الموصل إلى المدينة، وخوض عدد من المعارك الفرعية المهمة لضمان أمن أيّ تحرك نحو الشرق؛ فبعدما وصلت القوات الزاحفة عبر البادية إلى القسم الغربي المحاصر في دير الزور، الممتد من «اللواء 137» إلى أحياء المدينة الغربية ومدخلها الشمالي الغربي، فإن مهمات كبيرة أصبحت ملقاة على عاتقها، تبدأ من كسر حصار المطار ومحيطه، ولا تنتهي باستعادة الريف الغربي للدير، الذي لا يزال ملعباً واسعاً وناشطاً لتنظيم «داعش».     وتشير معطيات الميدان إلى أن مهمة الجيش وحلفائه الأولى سوف تتركز في بناء خط دفاعيّ عصيّ على الاختراق، على جانبي الممر الموصل إلى «اللواء 137». المهمة المستعجلة تعدّ ضرورة لا غنى عنها، إذ إن تنظيم «داعش» ــ رغم سرعة انهياره خلال الأيام الأخيرة أمام تقدم الجيش ــ ما زال يحتفظ بقدرة عسكرية عالية في طوق ذلك الممر، وخاصة في محيط حقل الخراطة الغربي وجنوبي تل الصنوف، ونقاط طريق السخنة ــ دير الزور المحصورة بين الشولة والبانوراما. وبدت تلك القدرة العسكرية واضحة من خلال الهجمات التي شنّها أمس، خلال ساعات النهار الأخيرة، على مواقع الجيش المستحدثة في محيط «اللواء 137»، وعلى طول خط الجبهة الممتد من الشولا حتى كباجب. وفي سياق هذه المعطيات، يعمل الجيش على إخراج التنظيم من بلدتي كباجب والشولا، اللتين سبق أن وصلتهما قوات الجيش، قبل انسحابها تحت ضغط هجمات «داعش». وأوضح القائد الميداني لقوات الجيش على هذا المحور، أمس، أن أهمية السيطرة على كباجب تأتي من «ارتفاعها عن المناطق المجاورة وكثافة التحصينات التي أقامها فيها تنظيم «داعش»»، مضيفاً أنها سوف «تمكن الجيش من التوجه نحو قرية الشولا وتحريرها، إيذاناً بفتح الطريق (الرسمي) إلى دير الزور». ومن المتوقع أن يلعب سلاحا الجو السوري والروسي دوراً مهماً في حماية الممر الآمن نحو المدينة وتأمين طريقها الرسمي، لكون المناطق المحيطة به ــ من الشرق والغرب ــ مناطق مفتوحة يسهل رصد أيّ تحرك عسكري واسع فيها. وفي خطوة تساعد على إضعاف نقاط التنظيم في محيط الشولا وكباجب وحقل التيم النفطي، أطلقت قوات البحرية الروسية العاملة قبالة السواحل الروسية عدداً من صواريخ «كاليبر» المجنّحة، استهدفت أبرز المواقع وكتل الأبنية التي تتيح لتنظيم «داعش» التحصّن داخلها. وهو سيناريو تكرر في عدد من المناطق التي احتوت على نقاط مشابهة، كما في عقيربات ومحيطها، و«محطة T3». كذلك حملت تلك الصواريخ رسالة معنوية أرادت موسكو إيصالها إلى حلفائها من جهة وإلى «شركائها» الغربيين في مكافحة الإرهاب، لا سيما أن معارك البادية شهدت مشاركة روسية ناشطة على جانب التغطية الجوية وعناصر القوات الخاصة. وضمن هذا السياق، أشادت الرئاسة الروسية بـ«الانتصار الاستراتيجي المهم جداً»، بالتوازي مع توجيه الرئيس فلاديمير بوتين برقيات تهنئة إلى قيادتي الجيشين الروسي والسوري، وإلى الرئيس بشار الأسد. الإنجاز الاستراتيجي لدمشق وحلفائها انعكس أمس من خلال الأجواء الاحتفالية التي رافقت بثّ بيان قيادة الجيش حول فكّ الحصار، والصور الأولى للقاء القوات المتقدمة مع تلك المرابطة في «اللواء 137»، إذ قال بيان الجيش إن «فكّ الطوق عن مدينة دير الزور تحوّل استراتيجيّ في الحرب على الإرهاب»، لافتاً إلى أن هذا الإنجاز «يؤكد قدرة الجيش السوري وحلفائه وإصرارهم على إلحاق الهزيمة الكاملة بالمشروع الإرهابي... وإسقاط المخططات التقسيمية لرعاته وداعميه». وشدد على أنه «يشكل قاعدة انطلاق مهمة لتوسيع العمليات العسكرية في المنطقة ومحيطها، للقضاء على ما تبقى من بؤر لتنظيم (داعش)». كذلك، أجرى الرئيس الأسد أمس اتصالاً هاتفياً بكبار القادة العسكريين والأمنيين في دير الزور، بينهم رئيس اللجنة الأمنية في دير الزور، رفيق شحادة، وقائد «الفرقة 17» حسن محمد، وقائد «اللواء 104» في الحرس الجمهوري عصام زهر الدين، إلى جانب عدد من عناصر حامية المطار العسكري، مثنياً على صمودهم وتضحياتهم التي أفضت إلى تحقيق «نصر مدوٍّ على الفكر التكفيري الإرهابي المدعوم إقليمياً ودولياً».

المصدر : الماسة السورية/ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة