دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ثلاثة أبطالٍ من عائلة «جبارين» يُجبرون الكيان الصهيوني على الاستنفار بعد تنفيذهم لعمليةٍ فدائية في محيط المسجد الأقصى. عمليةٌ دفعت وزير الأمن الصهيوني للاعتراف بأنها تجاوزت الخطوطَ الحمراء.
في المقلب الآخر إرهابيون يقتلون سائحتين أجنبيتين بعد ساعاتٍ من الهجومِ على مركزٍ أمني مصري في «الغردقة» المصرية. طبعاً لا ندري إن كان الرئيس المصري سيتحفنا كالعادة بتصريحٍ أن الإرهابيين عائدون من سورية، لكن ما يهمنا في الحدثين المتباينين أن الأول أحيا فينا فكرة أن الحق لا يموت مهما كثر الخونة حوله، أما الثاني فهو أنه أعاد التأكيد أن الإرهاب فكرة لن تنتهي إلا بموتها، لكنه أثبت أيضاً أن الإرهاب كان ولايزال الوسيلة الأسهل التي يستخدمها رعاته لمعاقبةِ مخالفيهم.
في القدس ليست العملية الأولى ولن تكونَ الأخيرة، وفي مصر كذلك الأمر، لكن الفرق أننا إذا أردنا أن نعرف الرأي الحقيقي للمتاجرين بالقضية الفلسطينية فلنشاهد ردة فعلهم على عملية القدس التي تمت إدانتها حتى من رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» ذات نفسه.
أما ما جرى في مصر فإن إدانة العملية قد لا يعني بالضرورة صك براءةٍ لمن يدينها، فالقطريون أدانوا والأتراك و«الإسرائيليون» قد يدينون لكن هل لأحدٍ أن يقنعنا أنهم أبرياء.
قدرُ المصريين أن يبقوا تحت الإرهاب، حتى عندما كانت العلاقات بينهم وبين القطريين والأتراك في أوجها زمن الرئيس السابق «محمد مرسي» كان الإرهاب يأتيهم من الفرع الثاني لشركة دعم الإرهاب العالمية، أي فرع «آل سعود وشركائهم»، وسيستمر هذا الحال لأجلٍ ليس قريباً ما دام أن ولاة أمرِ المصريين أخذوا قرارهم بالاستدارة عن مكانة مصر ودورها، بينما سيبقى مستعربو النفط يمارسون هوايتهم في كيد المكائد حتى لبعضهم البعض، فما الجديد؟ زارَ وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» منطقة الخليج في محاولةٍ للبدءِ بوساطةٍ لحلِّ الأزمة بين القطريين من جهة وما بات يسمى الحلف الرباعي بقيادة «آل سعود» من جهةٍ ثانية.
هنا يطرح البعض تساؤلاً منطقياً: هل حقاً أن هؤلاء بحاجةٍ لوساطات، ألا يكفي تلقيهِم أمراً أميركياً من مبدأ توقفوا، فيتوقفون؟ الجواب ببساطة نعم، لكن هذا في حال افترضنا أن الأميركي فعلياً يلعب دوراً لرأب الصدع لا تعميقه وهو ما لا يبدو منطقياً لأنه يسعى أكثر لصبِّ الزيت على النار، لكنه مضطر لإخراج الأمر بالنهاية بطريقةٍ يبدو فيها ليس متدخلاً بقرارات الحلفاء بل يتركهم يسيرون بهدوءٍ نحو المصير المرسوم الذي قد يجعل من قطر مستقبلاً دولة ذات مساحة واسعة قياساً بما سينتج عن تشظي باقي المشيخات.
لم يكن غريباً أن يخرج معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بدراسةٍ تؤكد فيها أن المرحلة القادمة ستحمل المزيد من العنف في مملكة «آل سعود» تحديداً في المناطق التي تشكل خزاناً نفطياً هائلاً، كذلك الأمر لم يعد خافياً الصراع الخفي الذي يعيشه «أحفاد شخبوط» لجهة الصراع على السلطة بعد أن غادر الأمير في رحلة تبدو «بلا رجعة».
هذا في الإطار الداخلي لكل مشيخة، أما في الإطار الخارجي فإن الأميركي يدرك أن كلتا الجهتين أجبن من البدء بمعركة سيكونون هم ذات نفسهم وقودها، أي إنه ما زال يسير على فرضية رفع حرارة التسخين للدرجات التي تناسب طموحاته المالية التي كان آخرها ما جناه من اتفاق مع القطريين لاستثمارات تعدت 130 مليار دولار وهي الصفقة التي فيما يبدو أزعجت «آل سعود» لأنهم بدوا وكأنهم يلتقون صفعة جديدة تُضاف لانتكاساتهم السابقة في العراق واليمن وسورية، لكن ضمن هذا الإطار الذي رسمه الأميركي كحدود للنزاع بين حلفائه كيف يمكن للملف السوري أن يتأثر سلباً أو إيجاباً؟ انتهت اجتماعات جنيف كما بدأت، فلا تقدم ولا إنجاز لكن اللافت فعلياً أن جنيف بدأ تدريجياً يسحب البساط من تحت أقدام «آستانة» تمهيداً لإلغائه حتى ولو طال الوقت ليتبلور هذا الإلغاء.
كذلك الأمر فإن إخفاق المعارضات السورية في التوحد في وفدٍ واحد رغم أن هذا المطلب بات جوهرياً لإتمام الحل السياسي المنتظر يبدو انعكاساً لحال التوتر التي يعيشها الداعمون الأساسيون، بل إن الأمر لا يتعلق فقط بالحالة السياسية لكنه بدأ يتجسد فعلياً على الأرض في عدة مناطق جديدة بدأت تشهد حرب فصائل إرهابية مختلفة التبعية كان جديدها ما أكدته مصادر أهلية عن ارتفاع نسبة التوتر بين الفصائل الإرهابية في منطقة «أبو الظهور» كُبرى بلدات الريف الشرقي لـ«إدلب».
هذا التلاشي المتدحرج للتأثير الفعلي لوفود المعارضات السورية وصدام الداعمين أظهر اجتماعات جنيف الأخيرة وكأنها الخطوة الأولى في إعادة تعويم القيادة السورية كطرف أساسي لا يمكن بعد اليوم البناء على فرضية رحيلها هذا الأمر بدأ يتجسد حتى من خلال التصريحات المتعاقبة للقيادات الغربية كان آخرها كلام الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» عن المقاربة الجديدة حيال ما يجري في سورية، لكن السؤال هنا: إلى أي حد يمكن للفرنسيين أن يذهبوا بعيداً في هذا الأمر؟ لا تُخفي المصادر الدبلوماسية الفرنسية أن هناك نهجاً جديداً سيبدأ بالتبلور قريباً حيال الملف السوري، بل إن هذا الأمر عملياً هو بانتظار وضع النقاط على الحروف من القيادات الأمنية الفرنسية التي فيما يبدو تمكنت من استعادة السيطرة على الملف السوري بعد أن كان حصرياً بيد الخارجية الفرنسية منذ عهد السيئ الذكر «لوران فابيوس».
لكن في الإطار العام هم يحذرون من عملية الإفراط في التفاؤل كالحديث عن قرب إعادة فتح السفارات كما يروج البعض، تحديداً أن فتح السفارات يبدو بالنسبة للسوريين مطلباً ثانوياً تجاه ما هو أهم أي رفع العقوبات الظالمة عن الشعب السوري، وهو الأمر الذي لا تزال فرنسا ترفضه. إن الدور الذي ستلعبه القيادات الأمنية الفرنسية في وضع العلاقات السورية الفرنسية على المسار الصحيح سيكون بالتدرج من خلال تبادل المعلومات الأمنية وصولاً لما هو أهم لكن ما يرفع منسوب التفاؤل هما أمران أساسيان:
الأول: إن القيادات الأمنية الفرنسية كانت منذ عهد الرئيس الفرنسي الأسبق «نيكولا ساركوزي» تتعاطى مع ما يجري في سورية بصورة مختلفة عن القيادات السياسية لأنها تعي حجم المعلومات التي يمتلكها الأمن السوري وهو صاحب عقود من الحرب على المتطرفين.
الثاني: وهو سبب اقتصادي يمكننا تلخيصه بعبارة.. عين باريس على كعكة إعادة الأعمار، انطلاقاً من بديهية أساسية مفادها: لا تحاسبونا على ما فعل السفهاء منا. بمعنى أن القيادة الفرنسية الحالية تريد التبرؤ من السمعة الإجرامية التي ورثتها تحديداً خلال فترة الرئيس السابق «فرانسوا هولا ند».
هذه المقاربة الفرنسية هي ترجمة واقعية لكلام الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» خلال استضافته الرئيس الأميركي «دونالد ترامب»، بل اللافت أن الجميع ركز على جملة ثانوية وهي «عدم اشتراط رحيل الأسد» وتناسى ما هو أهم بالحديث عن اتفاق لبلورة خريطة طريق متكاملة حيال إنهاء الحرب في سورية مستمدة من نجاح وقف إطلاق النار في الجنوب السوري برعاية أميركية روسية.
بالتأكيد فإن خريطة الطريق تلك ستتضمن الدور الذي سيلعبه بعض التائبين في عملية إعادة الأعمار، تحديداً أن التحولات في المواقف تحمل دائماً أثماناً سياسية لم تستطع حتى الأمم المتحدة تحمل تبعاتها عندما أعلن المبعوث الدولي «ستيفان ديمستورا» أن لا رفع للعقوبات الأوروبية حالياً، فهل تُبادل باريس دمشق المشاركة بإعادة الأعمار برفع العقوبات؟ يبدو الترحيب الذي أبداه الدكتور «بشار الجعفري» بعودة أي دولة تريد فعلياً المشاركة بالحرب على الإرهاب بمنزلة وضع الكرة في ملعب القيادة الفرنسية ومن سينحو نحوها، لكن على هذه الدول أيضاً أن تتذكر أن القيادة السورية لاتمتلك الكثير من الوقت لقراءة بيانات فعل الندامة تحديداً أن «رأس المال» الذي أوصل ماكرون للسلطة يبدو وكأنه بدأ يعد الملفات الاقتصادية التي سيشارك بها عند عودة العلاقات تحديداً أن الشركات الفرنسية الكبرى كانت موجودة في سورية حتى لحظة اندلاع الأحداث فماذا ينتظرنا؟
بدأت عمليات الاختبار الجدي للتفاهم الروسي الأميركي حيالَ اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، هذا الأمر ترافق مع اكتساح الجيش العربي السوري للبادية السورية وصولاً لـ«السخنة» والعين على «دير الزور»، أي إن ملامح ترسيخ التفاهمات بدأت ترتسم إلا أن حدثت بعض المفاجآت لكنها حكماً تبدو مفاجآت قادرة أن «تزعج» لا أن تبدل في المعطيات، هذا الأمر يمكننا قراءته من خلال ما يجري ومن لم يستطع قراءته فالمشكلة تبدو فيه وبمعنى آخر: فرنسا ماكرون تسعى لتكون البوابة الأوروبية نحو سورية، بينما لا يزال بعض «صغار السياسة» في لبنان يفكرون؛ هل يجوز شرعاً التواصل مع القيادة السورية؟ تستحقون الشفقة.
المصدر :
فراس عزيز ديب - الوطن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة