منذ ساعات خلت اعلنت القوات العراقية انتهاء العمليات في مدينة الموصل القديمة لندخل في مرحلة ما بعد تحرير الموصل، وهي مرحلة دقيقة وتحمل في مساراتها الكثير من التساؤلات حول مصير التنظيم الإرهابي الذي اكّد زعيمه ابو بكر البغدادي ومن جامع النوري "دولة الخلافة" التي اعلنها على الملأ ابو محمد العدناني احد كبار قادة التنظيم والمتحدث باسم التنظيم في 29/6/2014 الذي قتل فيما بعد في 30/8/2016، بينما يُشاع خطأً ان البغدادي هو الذي اعلن "الخلافة".

طبعا الهدف من هذه المقدمة هو تصحيح الشائع حول انتهاء "دولة الخلافة" من حيث تم الإعلان عنها اي في جامع النوري وحيث يذهب البعض للربط بين هزيمة التنظيم في الموصل وانتهاء فكرة "الخلافة" من خلال ما تحقق حتى اللحظة في الميدان.
ان ما تحقق في الميدان حتى اليوم يؤشر على تراجعات كبيرة يعيشها تنظيم "داعش" في الجانب العسكري في العراق وسوريا خصوصاً، حيث من الممكن ان نشهد خلال الفترة القادمة والتي لن تكون قصيرة عدم وجود اراضٍ يسيطر عليها التنظيم علناً كما هو الحال الآن، لكن وصول التنظيم الى هذا المستوى من التراجع والإنحدار لن يؤدي الى تحقيق الهزيمة به حيث ارى من واجبي اعادة التذكير بالحيثيات والمقومات التي قام عليها التنظيم والصعود السريع الذي تميز به، حيث قام التنظيم على فكرة الخلافة التي تدغدغ آمال واحلام عشرات الملايين من المسلمين الذين يعيشون املاً بعودة الخلافة التي انتهت بسقوط الخلافة العثمانية، وهو ما عمل عليه التنظيم بشكل حثيث وذكي حيث اطلق على صحيفته الناطقة باسمه اسم "دابق" وهي المعركة التي اتاحت للعثمانيين الدخول الى ارجاء الوطن العربي بعد ان ربحوها بما يشير الى محاكاة سيناريو مشابه وجد طريقاً سهلاً له في عقول الكثيرين.
في اللحظة التي تأكد فيها قادة تنظيم "داعش" انهم باتوا عاجزين عن الإستمرار في مدينة الموصل عمدوا الى تفجير جامع النوري حتى لا يتيحوا الفرصة للمنتصر ان يستخدم المكان والمنبر نفسه الذي استخدمه البغدادي، في اشارة واضحة انهم يريدون ابقاء صورة البغدادي قائمة وراسخة في اي بحث او دراسة او صورة ترتبط بجامع النوري والموصل .

وحتى لا اطيل في مقاربة هذا الجانب، فحيث هناك فكر سلفي تكفيري هناك ارض خصبة لولادة "داعش" وقد يكون بمسميات أخرى مختلفة وهو واقع الحال في سوريا واليمن وليبيا وغير مكان حيث مئات المسميات لتنظيمات تحمل نفس الفكر الذي يحمله "داعش"، وهو الأمر الذي يجب ان نتنبه له كثيراً وهو ما تفعله اميركا المدير التقني لهذه التنظيمات حيث تصنف من تشاء متشدداً ومن تشاء معتدلاً في محاولات باتت مفضوحة وهي في اغلبها محاولات التفاف على الانتصارات العسكرية في الميدانين السوري والعراقي.

اميركا التي تدرك ان تنظيم "داعش" اصبح في آخر ايامه تسعى مع دول تركيا والسعودية وقطر والإمارات لإنتاج بديل لـ "داعش" في العراق عبر انشاء قيادة تحمل مسمّى قادة السنّة العرب عبر تعويم قيادات لم تشارك اصلاً في مواجهة "داعش" وتثبيتهم كحالة امر واقع تُبقي العراق في حالة دولة المكوّنات وليس دولة المُواطنَة، وهو امر يتجاوز خطورة "داعش" في بعده العسكري وتحاول اميركا من خلاله ابقاء الأجواء مهيأة للتقسيم اقله في البعد المرتبط بطرح الإدارات الذاتية على غرار اقليم كردستان العراق الذي جاء نتيجة الإحتلال الأميركي للعراق.

وان كنت فرحاً كالكثيرين بنتيجة تحرير الموصل من وحشية تنظيم "داعش" الإرهابي، الا انه امامنا الكثير من القلق في الحد الأدنى بما يرتبط بمرحلة ما بعد داعش الحالي، حيث من المؤكد ان هذا التنظيم وغيره من التنظيمات التكفيرية اوجدت لنفسها قواعد ارتكاز راسخة وثابتة في اكثر من مكان في العالم وليس في منطقتنا وحسب.
وهذه المرة سأحاول البقاء في العناوين الرئيسية للمرحلة القادمة دون الدخول في مقاربة التفاصيل الميدانية التي سيكون المجال مفتوحا أمامنا لمتابعتها وساحصر الكلام في التوقعات.

في التوقعات، اعتقد ان التنظيم سيذهب اكثر في تثبيت معالم سيطرته ونفوذه في اكثر من مكان منها شبه جزيرة سيناء والاردن ولبنان بشكل يضمن له بقاء صلات نفوذ وتواصل، لكن التوجه الأهم للتنظيم سيكون باتجاه الجزائر وليبيا والنيجر لإقامة وتثبيت مثلث نفوذ في مناطق الصحراء التي ستكون المنفذ الى الأماكن الحضرية والهدف نفسه وهو مصادر الطاقة والمشغل نفسه وهو منظومة النهب الدولي التي تقودها أميركا، ناهيك ان اميركا لا يزال في امكانها التلاعب بالكثير من ملفات المنطقة طالما تمتلك التمويل الخليجي والأدوات الإرهابية .

اذن ومع مشاعر الفرح التي نعيشها بتحرير الموصل، لا يزال امامنا الكثير من الجهد الذي يجب ان يُبذل للإنتقال الى مرحلة تعديل ميزان القوى الإستراتيجي التي دخلنا مراحلها الأولى بعد تحقيق الربط بين الحدود العراقية والسورية، والتي يجب الحفاظ على الإنجازات المرتبطة بها في الميدان وفي السياسة لإختصار فترة المواجهة التي تبدو غير قصيرة.

  • فريق ماسة
  • 2017-07-08
  • 14217
  • من الأرشيف

أين سيتوجه "داعش" بعد تحرير الموصل..؟

منذ ساعات خلت اعلنت القوات العراقية انتهاء العمليات في مدينة الموصل القديمة لندخل في مرحلة ما بعد تحرير الموصل، وهي مرحلة دقيقة وتحمل في مساراتها الكثير من التساؤلات حول مصير التنظيم الإرهابي الذي اكّد زعيمه ابو بكر البغدادي ومن جامع النوري "دولة الخلافة" التي اعلنها على الملأ ابو محمد العدناني احد كبار قادة التنظيم والمتحدث باسم التنظيم في 29/6/2014 الذي قتل فيما بعد في 30/8/2016، بينما يُشاع خطأً ان البغدادي هو الذي اعلن "الخلافة". طبعا الهدف من هذه المقدمة هو تصحيح الشائع حول انتهاء "دولة الخلافة" من حيث تم الإعلان عنها اي في جامع النوري وحيث يذهب البعض للربط بين هزيمة التنظيم في الموصل وانتهاء فكرة "الخلافة" من خلال ما تحقق حتى اللحظة في الميدان. ان ما تحقق في الميدان حتى اليوم يؤشر على تراجعات كبيرة يعيشها تنظيم "داعش" في الجانب العسكري في العراق وسوريا خصوصاً، حيث من الممكن ان نشهد خلال الفترة القادمة والتي لن تكون قصيرة عدم وجود اراضٍ يسيطر عليها التنظيم علناً كما هو الحال الآن، لكن وصول التنظيم الى هذا المستوى من التراجع والإنحدار لن يؤدي الى تحقيق الهزيمة به حيث ارى من واجبي اعادة التذكير بالحيثيات والمقومات التي قام عليها التنظيم والصعود السريع الذي تميز به، حيث قام التنظيم على فكرة الخلافة التي تدغدغ آمال واحلام عشرات الملايين من المسلمين الذين يعيشون املاً بعودة الخلافة التي انتهت بسقوط الخلافة العثمانية، وهو ما عمل عليه التنظيم بشكل حثيث وذكي حيث اطلق على صحيفته الناطقة باسمه اسم "دابق" وهي المعركة التي اتاحت للعثمانيين الدخول الى ارجاء الوطن العربي بعد ان ربحوها بما يشير الى محاكاة سيناريو مشابه وجد طريقاً سهلاً له في عقول الكثيرين. في اللحظة التي تأكد فيها قادة تنظيم "داعش" انهم باتوا عاجزين عن الإستمرار في مدينة الموصل عمدوا الى تفجير جامع النوري حتى لا يتيحوا الفرصة للمنتصر ان يستخدم المكان والمنبر نفسه الذي استخدمه البغدادي، في اشارة واضحة انهم يريدون ابقاء صورة البغدادي قائمة وراسخة في اي بحث او دراسة او صورة ترتبط بجامع النوري والموصل . وحتى لا اطيل في مقاربة هذا الجانب، فحيث هناك فكر سلفي تكفيري هناك ارض خصبة لولادة "داعش" وقد يكون بمسميات أخرى مختلفة وهو واقع الحال في سوريا واليمن وليبيا وغير مكان حيث مئات المسميات لتنظيمات تحمل نفس الفكر الذي يحمله "داعش"، وهو الأمر الذي يجب ان نتنبه له كثيراً وهو ما تفعله اميركا المدير التقني لهذه التنظيمات حيث تصنف من تشاء متشدداً ومن تشاء معتدلاً في محاولات باتت مفضوحة وهي في اغلبها محاولات التفاف على الانتصارات العسكرية في الميدانين السوري والعراقي. اميركا التي تدرك ان تنظيم "داعش" اصبح في آخر ايامه تسعى مع دول تركيا والسعودية وقطر والإمارات لإنتاج بديل لـ "داعش" في العراق عبر انشاء قيادة تحمل مسمّى قادة السنّة العرب عبر تعويم قيادات لم تشارك اصلاً في مواجهة "داعش" وتثبيتهم كحالة امر واقع تُبقي العراق في حالة دولة المكوّنات وليس دولة المُواطنَة، وهو امر يتجاوز خطورة "داعش" في بعده العسكري وتحاول اميركا من خلاله ابقاء الأجواء مهيأة للتقسيم اقله في البعد المرتبط بطرح الإدارات الذاتية على غرار اقليم كردستان العراق الذي جاء نتيجة الإحتلال الأميركي للعراق. وان كنت فرحاً كالكثيرين بنتيجة تحرير الموصل من وحشية تنظيم "داعش" الإرهابي، الا انه امامنا الكثير من القلق في الحد الأدنى بما يرتبط بمرحلة ما بعد داعش الحالي، حيث من المؤكد ان هذا التنظيم وغيره من التنظيمات التكفيرية اوجدت لنفسها قواعد ارتكاز راسخة وثابتة في اكثر من مكان في العالم وليس في منطقتنا وحسب. وهذه المرة سأحاول البقاء في العناوين الرئيسية للمرحلة القادمة دون الدخول في مقاربة التفاصيل الميدانية التي سيكون المجال مفتوحا أمامنا لمتابعتها وساحصر الكلام في التوقعات. في التوقعات، اعتقد ان التنظيم سيذهب اكثر في تثبيت معالم سيطرته ونفوذه في اكثر من مكان منها شبه جزيرة سيناء والاردن ولبنان بشكل يضمن له بقاء صلات نفوذ وتواصل، لكن التوجه الأهم للتنظيم سيكون باتجاه الجزائر وليبيا والنيجر لإقامة وتثبيت مثلث نفوذ في مناطق الصحراء التي ستكون المنفذ الى الأماكن الحضرية والهدف نفسه وهو مصادر الطاقة والمشغل نفسه وهو منظومة النهب الدولي التي تقودها أميركا، ناهيك ان اميركا لا يزال في امكانها التلاعب بالكثير من ملفات المنطقة طالما تمتلك التمويل الخليجي والأدوات الإرهابية . اذن ومع مشاعر الفرح التي نعيشها بتحرير الموصل، لا يزال امامنا الكثير من الجهد الذي يجب ان يُبذل للإنتقال الى مرحلة تعديل ميزان القوى الإستراتيجي التي دخلنا مراحلها الأولى بعد تحقيق الربط بين الحدود العراقية والسورية، والتي يجب الحفاظ على الإنجازات المرتبطة بها في الميدان وفي السياسة لإختصار فترة المواجهة التي تبدو غير قصيرة.

المصدر : عمر معربوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة