دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تكاد تكون الاتفاقيات التي تمخضت عنها زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض الاسبوع الماضي هي الحدث الأبرز والأكثر جدلا في الأوساط السياسية والشعبية العربية والخليجية . إنها الأكثر جدلا ليس بسبب ضخامة المبالغ التي تم التوقيع عليها فحسب ولكن بسبب السياقات السياسية التي سبقتها وما صرح به الرئيس الأمريكي ترامب أثناء وبعد الحملة الانتخابية والتي شكلت جملة من الإهانات والاستقواء والاستضعاف للدول الخليجية.نعم ما صرح به السيد ترمب من أن على هذه الدول أن تدفع لأمريكا وأنها أي الدول الخليجية ما كان لها أن تبقى لولا الحماية الأمريكية شكل سابقة غير مسبوقة في الإستهتار والإنتقاص من سيادة الدول واستخدام أساليب ومصطلحات تعوزها أدنى درجات اللياقة السياسية دون أن يجد ردا أو دفاعا من قبل هذه الدول .لقد سخر ترامب من سيادة دول الخليج ولمح إلى أن أموالها منهوبة وسيادتها منقوصة في الوقت الذي أبدى منتهى التأني وضبط النفس واستعداده للقاء زعيم كوريا الشمالية والتحاور معه فيا ترى لماذا هذه الازدواجية في التعامل ولماذا هذا الاستقواء على دول الخليج العربي؟ولماذا غير الرئيس ترامب لهجته من دول الخليج وبدأ باستخدام عبارات في منتهى الدبلوماسية بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي لواشنطن الشهر الماضي؟
الحقيقة أن زيارة الأمير محمد بن سلمان لواشنطن شكلت منعطفا كبيرا في اتجاهات ومواقف الرئيس ترامب ونعتقد أن هذه الزيارة وما تبعها من غزل أمريكي وتصريحات حميمية عن العلاقات بالمملكة العربية السعودية تعكس مضمون الرسالة التي حملها محمد بن سلمان للرئيس الأمريكي والتي عبرت السعودية عن استعدادها لتلبية ما يطلبه ترامب من دفع المليارات لأمريكا ولكن بطريقة أكثر احتراما وأقل إهانة وفجاجة من الإسلوب الذي طرحةأثناء الحملة الانتخابية .وقد تم الدفع ولكن على شكل اتفاقيات تجارية ومبيعات أسلحة وقد تحققت للرئيس الأمريكي المهزوم داخل بلده والمهدد بالخلع من السلطة نفس النتيجة محققا انتصارا كبيرا خارج حدود بلده.إن ما حققه ترامب في هذه الاتفاقيات وحسب تصريحاته أثناء وجوده في السعودية سيخدم المصالح الأمريكة وسيزيد من فرص العمل والاستثمار وسيتمكن ترامب من تمويل تعهداته ووعوده بصيانة المرافق العامة والمطارات والطرق السريعة وووو. نعم لقد شكلت هذه الاتفاقيات ثاني أكبر عملية سطو في التاريخ بعد سرقة العراق وكنوزه وذهبه وآثاره ونفطه.
السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هنا ماذا لو رفض العرب أن يدفعوا لأمريكا؟ماذا لو لم يستجيبوا لتهديدات ترامب؟ هل كانت هذه الدول ستزول مثلا؟أم أنه سترفع امريكا غطائها ودعمها للأنظمة السياسية لهه الدول؟وهل هذه الدول والأنظمة من الهشاشة بمكان لدرجة أن تهديدات أو “تهويشات”(Bluffing) دفعت قيادات هذه الدول إلى الهرولة والقبول بما يمليه ترامب عليها؟الحقيقة أن تجاوب الدول الخليجية مع طلبات ترامب قد فاجأ لا بل أذهل الساسة الأمريكيان أنفسهم خصوصا وأن شعبية ترامب تواجه انخفاضا ملحوظا أمام إخفاقاته في التعامل مع ملف كوريا الشمالية، وأمام قراراته التنفيذية التي أبطلتها المحاكم ،وقراراته بإقالة عدد من كبار المسؤولين في إدارته.الرئيس الأمريكي يواجه احتمالات تنحيته عن السلطة لأسباب تتعلق بأهليته السياسية والنفسية فكيف تمكن من تحقيق إنجاز كبير في الحصول على ما يقارب نصف تريليون دولار من السعودية وهنالك المزيد قادم من الكويت حيث تحدثت الأنباء عن دعوة الرئيس ترامب لزيارة هذه الدولة التي تدين بالفضل لأمريكا التي حررتها من الاحتلال العراقي.
ليس لدينا أدنى شك بأن لو لم تتجاوب الدول الخليجية لمطالب ترامب فإنها ستتأثر بعلاقات باردة نسبيا مع العم سام ولكنها ستبقى موجودة ولن تتعرض لا للتقسيم ولا للإطاحة بأنظمتها السياسية كما يحلو للبعض أن يروج لذلك. علاقات أمريكا مع دول الخليج ليست محورها المال فقط فهذه الدول عبارة عن مناطق استراتيجية تدور في الفضاء الأمريكي وهي تشكل مناطق حيوية من النواحي الجيوسياسيةللولايات المتحدة.من جانب آخر فإن العلاقات الخارجية للولايات المتحدة تستند لخطط طويلة الأمد ومصالح لا يرسمها الرئيس فقط ولكن تشترك عدة مؤسسات في ذلك.الرئيس ترامب استطاع تحقيق هذا الانجاز بطريقة الابتزاز السياسي أو بالمفهوم الشعبي “خاوه” وقد كان بإمكان هذه الدول الخليجية أن تقول لا ونحن متأكدون من أنه لن يحصل الكثير لهذه الدول ، ولكن على ما يبدوا أن الرئيس ترامب استطاع أن يستغل الورقة الإيرانية واسطوانة الإرهاب للحصول على المال اللازم من الدول الخليجية لتمويل جزء معتبر من وعوده الانتخابية في الوقت الذي تعاني فيه نسبه ليست صغيرة من مجتمعات هذه الدول من البطالة والفقر!! ومن المثير للدهشة أننا تطالعنا بعض المقالات لبعض الكتاب العرب والخليجيين عن تمكن هذه الدول من تحقيق انتصارات مهيبة لدول الخليج من خلال الاتفاقيات مع أمريكا وتحقيق مكتسبات لم أستطع فهمها والوقوف عليها !!!
المصدر :
رأي اليوم/أنيس الخصاونة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة