دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تعاني عدة عائلات سورية في بلدان اللجوء من عرقلة السلطات الأوروبية لإجراءات عودتهم إلى سورية، حيث تسمح السلطات الألمانية مثلاً للعائلات التي ترغب بالعودة عن طريق "فك اللجوء" لكن في نفس الوقت ترفض فك لجوء الأطفال في العائلة، ما جعل الأهالي يقفون مرعوبين ولكن مكتوفي الأيدي أمام احتمال فصلهم عن أولادهم.
"وكالة أنباء آسيا" تحدثت إلى عدد من العائلات والأشخاص السوريين المقيمين في ألمانيا لتسليط الضوء على معاناتهم:
هناك دائماً ..لكن!
"مجتمعات جديدة نظيفة من الحقد الأعمى الذي قضّ مضجعنا هي ما نبحث عنه" يقول الستيني الحاج محمد القادم من ريف حلب إلى ألمانيا، ويكمل: "أردنا أن نرفض ما جرى ويجري في سورية، أن ننفي تهمة الموت عنا، عبر قدومنا إلى هذه البلاد، أردنا أن ننزع الخوف من أعين أبنائنا الحائرة مما رأت من دموية الحرب في سورية، ولكن، هناك دائماً (لكن)، لم نحسب حساب الغربة، فأنا لحد الآن وبعد سنتين من وجودي هنا لم أستطع أن أتعلم كلمة واحدة ..لا أستطيع أن أعمل، اشتقت إلى (شغل الأرض)..لم أستطع أن أفهم قوانين البلاد.. لم أستطع أن أنسجم مع كلمات أحفادي ممازحين (لا تضربوني والله بسجنكن وبشكيكن للمشرف)، لا أخفي أنني نادم على قدومي"، لا يعرف الحاج محمد إن كان خياره باللجوء إلى ألمانيا موفقاً ولكن الذي يعرفه أنّه قد يموت دون القدرة على العودة إلى سورية.
أما عن حرية القرار والمقدرة على اتخاذه يقول أبو جمال القادم من ريف حمص: "لم أكن أتصور أنني لا أستطيع أن أقرر.. هل أبقى هنا أم لا.. سمعت عن عدة عائلات أرادوا العودة ..وقدموا طلب "فك لجوء" وهنا تمت المفاجأة، حيث قُبل طلبا الأب والأم لكن الأبناء تم رفض قبول فك اللجوء خاصتهم...ومازاد الطين بلة أنّ الوالدين وقفوا مكتوفَي الأيدي أمام عدم موافقة السلطات -في البداية- قبول لجوئهم من جديد أو طي فك لجوئهم كي لا يبتعدوا عن أبنائهم".
"أشعر بالعجز" !
ينفي رياض سعد الدين، القادم من ريف إدلب، رغبة أبنائه بالعودة إلى سورية ويقول: "أنا أتمنى العودة إلى سورية اليوم قبل الغد ولكنّ العراقيل تنزل علينا من كل حدبٍ وصوب، غريبةٌ هي القوانين هنا كيف للدولة أن تسأل أطفالاً عن رغبتهم بالعودة؟ هل يستطيع الأطفال اتخاذ قرار كهذا؟ وهل من المعقول أن تستجيب السلطات لأطفال في 12و13 من العمر ..أحس بأنني عاجز وأنني لست ربّ هذه الأسرة".
ضائعة هي الوجهة للعائلات السورية المشتتة بين القوانين الألمانية في احترام الإنسان والطفل بشكل خاص، وبين ما نشأوا وتربوا عليه من معايير دينية وأعراف وتقاليد تحكم علاقاتهم الزوجية وأساليبهم في تربية أبنائهم، كالمثل الشعبي (الله يرحم من بكاني وبكا الناس عليي ولا ضحكني وضحك)، أما موضوع منع عودة اللاجئين أو أبنائهم الذي فيه لَبْسٌ، فلا يوجد هناك قوانين صريحة أو جهات رسمية تمنع العودة، ولكن العراقيل توضع هنا وهناك، مشبوهة التوجه، كما قال بعض اللاجئين، عن إنّ الحكومة الألمانية تكلّفت مبالغ كبيرة على الأطفال وليس بهذه البساطة يغادرون ألمانيا، وعن حاجة تجديد هذا المجتمع الهرم وبثّ دم الشباب في عروقه، فكيف تسمح الحكومة هنا بعودة الأطفال وقد قُدمت أناملهم السمراء على طبق من ذهب، لتصير سواعد عتيّة تحمل هذه الدولة الصناعية الكبرى.
العودة تهريباً
يتناقل اللاجئون روايات عن عائلات غادرت ألمانيا (تهريب)، دون علم السلطات الألمانية، من أجل تجنب مصير العائلات التي تم رفض فك لجوء أطفالها دون ذكر الأسباب الصريحة، ويقول السيد قتيبة صالح القادم من اللاذقية: "من خلال عملي مع المشرفين الألمان كمترجم، ومن خلال الناشطين الألمان الذين يساعدون اللاجئين..تعرّفت على عدد من الإشكالات التي تواجه اللاجئين وبالأخص الذين يريدون العودة رغم قلّتهم، كصعوبة تعلم اللغة وبالتالي صعوبة إيجاد عمل والاندماج في المجتمع الألماني المنفتح والمختلف تماماً عن المجتمع السوري المحافظ، والتذمر من القوانين التي تجبر الآباء على اتباعها، فهنا في ألمانيا الدولة مسؤولة عن الطفل منذ ولادته إلى أن يكبر، وهناك قوانين صارمة سارية على كل قاطني ألمانيا سواء كانوا من أصول ألمانية أو غير ألمانية (ممنوع ضرب الطفل، ممنوع سبّه وشتمه، ممنوع الاقتراب من الأطفال في سن معينة خوفاً عليهم من التحرش أو أو..)، كل هذه القوانين غير مفهومة من قبل عدد كبير من اللاجئين، فيتم تذمر اللاجئين من مشرفي دائرة الرعاية التي تزور مراكزهم لمراقبة الأهل، وعادة تكون هذه الفترة لدراسة الأشخاص عن قرب، ففي حالة السبّ والشتم يتم التنبيه وتسجيل (نقطة) في ملف الأهل، أما إذا كان هناك ضرب مؤذ فيتم فصل الأطفال فوراً، وإذا كان وضع الطفل بعد الفصل أفضل لا يعيدونه، وتتم زيارته بشكل شبه دوري من قبل الأهل، وبسبب كل هذه العوامل قد يحدث هروب لبعض العائلات من هنا إلى دولٍ عربية أو إسلامية".
فصلٌ لأسباب موجبة
من جهتها، السيدة سكينة صالح المتمتعة بالجنسية الألمانية منذ الصغر تؤكد على عدم وجود قوانين تمنعها من السفر والمجيئ إلى سورية، وتقول: "خلال الأزمة قرّرت زيارة أمي في سورية ولم تكن ابنتي قد أتمت الشهر من العمر، لكن طبيبي منعني بصفة غير رسمية، بسبب عمر ابنتي الصغير وعدم استكمالها اللقاحات..لكن ذلك لم يثنيني عن الزيارة التي تمت بدون أي عراقيل، وبالنسبة للأطفال وفصلهم عن الأهل يكون حسب نسبة الضرر الملحق بالطفل وفيما إذا كان متكرراً أم لا، فحالات الفصل غالباً تكون عند الأهل مدمني الكحول أو المخدرات".
وكما كل الآلام المختبئة في قلوب الفقراء، تبقى الآمال التي صنعتها مخيلاتهم، ويبقى توقهم لردم تلك الفجوة الوجدانية التي صنعتها الحرب السورية وأطفأت بعضاً من بريق طفولة أطفالها.
المصدر :
آسيا _ ديالا جمعة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة