دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ربما تكون الحالة التي عاشھا إقليم كردستان العراق منذ عام 1991 وحتى اليوم ھي الحالة المثالية التي يمكن اقتناصھا في زحمة الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة وفي العراق تحديدا. فقد تمتع الإقليم بما يشبه الاستقلال غير الرسمي، ويسعى القادة الأكراد إلى تثبيت ھذه الحالة كأمر واقع من خلال الطرح الفدرالي. وفي ظل نظام عراقي جديد، يبقى من الطبيعي وفي إطار العراق الموحد، أن تلعب الھوية الكردية والبعد الاثني والثقافي دورا رئيسا في المشروع السياسي الكردي.
ومع اقتراب الحسم في معركة الموصل، تعود كردستان العراق مجددا الى الأضواء، وتدخل في صلب النقاش الدائر حول مرحلة ما بعد الموصل وما بعد "داعش"، خصوصاً أنه كان للأكراد (البيشمركة) دور أساسي في معركة القضاء على "داعش"، وزادت الثقة الدولية بھم وحجم المكافآت والمساعدات.
والسؤال هنا، ھل يتمكن الأكراد من تأسيس كيان سياسي خاص بھم في شمال العراق؟
عوامل كثيرة دفعت الى أن يتحول الأكراد عن فكرة تأسيس كيان خاص مستقل عن الدولة العراقية الى الفدرالية، لأن تأسيس ھذا الكيان يصطدم بعقبات كثيرة، عراقية داخلية وإقليمية ودولية:
على المستوى العراقي الداخلي: هناك العلاقة الكردية - الكردية التي اتسمت بالصراع الدموي بين الفصيلين الكبيرين:
الأول: "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال الطالباني الذي يشكل إلى جانب حركة "التغيير" و"الجماعة الإسلامية" و"الاتحاد الإسلامي" جبھة عرفت بـ"الأطراف الأربعة" لتقليص صلاحيات الرئيس والانتقال إلى نظام حكم برلماني.
والثاني: "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني صاحب النفوذ الأكبر في محافظتي دھوك وأربيل.
وبالتالي فإن عدم قدرة الزعيمين وقيادات الحزبين على تجاوز إرث الصراع الطويل بينھما لتشكيل إدارة موحدة لإقليم كردستان المنقسم بين إدارتين أو حكومتين منفصلتين لمدينتي السليمانية منذ عام 1991 وأربيل، جعل الشرخ السياسي القائم في إقليم كردستان وتداعياته على وحدة الموقف الكردي في بغداد يھدد مسار خطوات إعلان الدولة، في ظل الصراع الدائر حول الإدارة وطبيعة نظام الحكم.
أما على المستوى الخارجي:
فإن تمتع الأكراد بفدرالية وكيان شبه مستقل يعني تجاوزا لخطوط حمراء كثيرة رسمتھا دول الجوار ذات العلاقة بالمسألة الكردية، والتخوف من قيام كيان كردي مستقل في العراق يتردد صداه أيضا في طھران ودمشق.
فتركيا كانت ولا تزال واضحة بأن الكيان الكردي الخاص في العراق يعني تدخلا عسكريا من طرفھا، لأن الفدرالية الكردية في العراق ستثير شھية أكراد تركيا بتحقيق كيان مماثل، وھي حالة أكثر تعقيدا وحساسية بالنسبة للحكومة التركية منھا للنظام في بغداد.
وفيما يخص إقليم كردستان العراق، يَجمع الطرفين (التركي والكردي) مرحلة جديدة أساسھا المصالح والتعاون، خصوصا بعد الاعتراف التركي الضمني بالحكومة المحلية، وفتح قنصلية تركية في أربيل. ھذا التحول الكبير من جانب تركيا تقف وراءه أھداف تتجاوز العلاقة بإقليم كردستان إلى أھداف إقليمية تتعلق بالدور والنفوذ والصراعات الإقليمية والطائفية في المنطقة، وأخرى داخلية، منها:
-الاستفادة من صعود الأكراد في العراق وتعاظم نفوذھم ودورھم في صوغ المشھد السياسي العراقي، ومن أجل إيجاد حل لمشكلة حزب العمال الكردستاني. فضلا عن الاستفادة من دورھم في إيجاد حل سلمي للقضية الكردية في تركيا بما يتناسب وسياسات حزب العدالة والتنمية في الداخل والخارج.
- فتح الإقليم أمام المصالح التركية ومشاريعھا الضخمة برغم خطورة ذلك على الإقليم مستقبلا. فقد عمدت تركيا الى تشجيع الاستثمارات التركية في المنطقة الكردية، وھناك أكثر من عشرة آلاف شركة تركية في الإقليم تقوم بتنفيذ سلسلة ضخمة من المشاريع الخدمية والبنية التحتية، وغير ذلك من المشاريع الاقتصادية والتجارية.
والأھم هو اتفاق أربيل وأنقرة على إقامة خط لتصدير النفط وآخر للغاز من إقليم كردستان إلى تركيا من دون موافقة بغداد. ومصلحة تركيا من كل ذلك تعزيز قوة سلطة أربيل إلى أن تصل الى الحد الذي يمكنھا من سحب أربيل من قبضة بغداد وطهران.
أما إيران: فأكثر ما يقلقها هو توثيق مسعود البارزاني علاقاته مع تركيا، وإصراره على تنفيذ استفتاء عام في الإقليم بشأن تقرير المصير وإعلان الدولة الكردية في كردستان الجنوبية، ووجود قاعدة أميركية وأكثر من ثلاثين قنصلية وممثلية أجنبية في أربيل.
وتعتبر إيران أن وجود إقليم كردي موحد في ظل الوضع في العراق قد يكون مقراً ومرتكزا للنشاطات الأميركية والتواجد الإسرائيلي فيه، مما يسهل لـ"إسرائيل" الفرصة لمراقبة إيران.
أميركا فهي تريد العودة الى العراق من خلال بوابة أربيل
وفيما يخص مصلحة أميركا فهي تريد العودة الى العراق من خلال بوابة أربيل ما يشير الى اھتمام أميركي بمستقبل إقليم كردستان (فضلا عن كونه غنيا بالنفط)، وذلك عبر إنشاء أكبر قنصلية لھا في المنطقة. وستكون القنصلية غطاءً لمشاريع تديرھا وزارة الدفاع والمخابرات المركزية الأميركية.
ولكن مسألة استقلال الإقليم ستكون صعبة في ھذا الوقت، ولا يزال القادة الأكراد يتذكرون الخذلان الأميركي للحراك الكردي على مدى أكثر من نصف قرن، ولا يستبعدون تكراره في المرحلة الراھنة، والتضحية بھم على مذبح السياسة عند انقضاء الحاجة منھم.
المصدر :
العهد /سركيس ابو زيد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة