دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في الظاهر وفي الاعلام، يُحَضِّر الاميركيون معركتهم في الشرق السوري لمحاصرة داعش والقضاء عليه، فقد زادوا مؤخراً عدد مستشاريهم العسكريين والأمنيين ونشروا المزيد من القواعد الجوية الصغيرة أو "نقاط الاسناد الجوي" والتي ستخدم معركتهم هذه، ودفعوا بوحدات من قوات "سوريا الديمقراطية" غرب نهر الفرات عبر انزال سريع غرب مدينة الطبقة، وهم الان يوجهون ويساندون تلك الوحدات للتقدم شرقا نحو تضييق الخناق على داعش في الرقة، والهدف المعلن محاصرة التنظيم في عاصمته السورية، وعبر اكمال مناورة فكي الكماشة مع الوحدات الكردية الاخرى المتقدمة اساسا شرق النهر من اتجاه أرياف الرقة الشمالية والشمالية الشرقية، يبدو المشهد على الارض وكأن محاصرة الرقة على الطريق وهزيمته فيها قاب قوسين او أدنى
من جهة اخرى، وفي الجنوب الشرقي من الرقة، يخوض الجيش العربي السوري مدعوماً بوحدات الدفاع الوطني معركة شرسة للدفاع عن آخر تواجد لوحداته هناك في مدينة ومطار دير الزور، وهذه المعركة هي في الظاهر أيضا بمواجهة داعش، ولكن عمليا هي في مواجهة "تنظيم دولة الاميركيين" والاميركيين الذين لم يوفروا اية فرصة حتى الان الا واستغلوها للضغط على وحدات الجيش المذكور بهدف اضعاف فعاليته ومنعه من السيطرة ومن هزيمة داعش، والعديد من الغارات الجوية الاميركية المدمرة على أغلب المواقع الاستراتيجية في محيط المطار والمدينة، "والتي حصلت جميعها عن طريق الخطأ"، خير دليل على ذلك.
القوات السورية في دير الزور تعرضت للعديد من الغارات الاميركية
اذا اعتبرنا أن الهدف الاميركي في معركة الرقة هو هزيمة داعش وتسهيل نشر وحدات من المجموعات المعارضة للدولة وللجيش العربي السوري مكان التنظيم، فأين يكمن الهدف الاميركي من معركة اضعاف هذا الجيش في مواجهة داعش في دير الزور؟ و هل سيعمد الاميركيون الى طرد التنظيم الارهابي من الرقة قبل اجبار الجيش العربي السوري على الانسحاب من دير الزور؟
للأميركيين أكثر من هدف من دير الزور
لا شك أن لتواجد الجيش العربي السوري في دير الزور أهمية استراتيجية تتخطى هذا التواجد الضعيف جغرافيا كمساحة من الناحية الميدانية، وتتجلى هذه الأهمية بما يلي:
اولا: تثبيت نقطة الارتكاز العسكرية السورية الوحيدة في الشرق السوري، والتي يعتمد عليها هذا الجيش لتكون قاعدة رئيسية لتحرير مناطق الرقة ودير الزور حتى الحدود مع العراق، انطلاقا من المطار ومن قدرته، بعد تنفيذ الحد الادنى من الصيانة المطلوبة، على استقبال عدد كبير من القاذفات والطوافات وتأمين تغطية جوية واسعة، وأيضا انطلاقا من دعم مجموعة كبيرة من القبائل والعشائر ابناء دير الزور (المدينة والارياف) للجيش العربي السوري، والذين ذاقوا الامرَّين من داعش ومن انحسار سلطة الدولة في تلك المنطقة لفترة طويلة.
ثانيا: في الترابط الميداني والعسكري الذي يؤمنه مع الجيش العراقي، وامتدادا مع ايران عبر بغداد، وما لذلك من اهمية لمحور مقاومة الارهاب ومقاومة الغطرسة والاحتلال الاميركي، وايضا هناك مصلحة حيوية واستراتيجية للدولتين من الناحية الامنية والعسكرية، ستنتج حكما من التواجد الشرعي السوري في دير الزور وامتدادا الى الحدود مع العراق.
استنادا لما ذكر اعلاه، فانه من الطبيعي ان يعمد الاميركيون الى الوقوف بوجه تمدد الجيش السوري شرقا، والى كسر مشروع أو مخطط الترابط الميداني الاستراتيجي العراقي - السوري قبل طرد داعش من الرقة، حيث يعتبرون - وهم مصيبون في ذلك طبعا - انه سيصعب على اي مجموعة معارضة بديلة عن داعش مهما كانت ارتباطاتها ( اكراد او قبائل او جيش حر او جيش سوريا الجديدة وما الى ذلك من تسميات)، ومهما كانت قدراتها او تجهيزاتها، أن تقف بمواجهة الجيش العربي السوري في دير الزور أولاً، او في مواجهة تقدمه نحو تخوم الرقة ثانياً، اعتبارا من تدمر فالسخنة أو اعتبارا من ضفاف بحيرة الاسد شرق حلب فمسكنة فالطبقة.
لا خيار للاميركيين في مواجهة الجيش العربي السوري القوي في الشرق، الا بمهاجمة وحداته في دير الزور
من هنا، لا خيار للاميركيين في مواجهة ما يمكن ان يشكله تواجد الجيش العربي السوري القوي في الشرق، الا بمهاجمة وحداته في دير الزور قبل اكمال عملية طرد ومهاجمة التنظيم الارهابي في الرقة، فهل ستكون هذه المهاجمة هذه المرة واضحة كما حدث في استهداف قاعدة الشعيرات العسكرية بعد ان خلقوا مبرر الاسلحة الكيميائية في خان شيخون، مع خلق مبرر قريب من ذلك لقصف مطار ومواقع الجيش السوري في دير الزور، ام انهم سوف يبحثون عن مناورة اخرى لتغطية استهداف وحداته، لن تكون بعيدة عن دعم داعش المباشر في اكثر من نقطة ومنها دير الزور والقريتين شرق حمص، او على طريق حلب في السملية واثريا وخناصر، وذلك بالتزامن مع دعم المجموعات الارهابية الاخرى وتوجيهها للضغط على الجيش العربي السوري وحلفائه في الجنوب وفي الشمال؟
المصدر :
شارل أبي نادر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة