دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
انتهت القمة العربية الثامنة والعشرون في البحر الميت ، وخرجت بما لا يلبي طموحات الشعوب العربية ، هذه نتيجة متعارف عليها وأصبحت لازمة وملازمة لكل القمم العربية ، التي لم تعد ومنذ زمن طويل محط اهتمام الجمهور العربي اليائس من قدرة قادته على أن تكون فاعلة في أزماته ومشكلاته .
بعيدا عن نبض الشارع وأحكامه ، إذا عقدنا مقارنة بين هذه القمة الان والقمم التي عقدت مع بداية ما سمي زورا وخفة ( بالربيع العربي ) ( مطلق التسمية تبرأ منها مؤخرا بأكثر من مناسبة ) . سنجد اختلافا ملموسا . فتحت تلك القمم بوابة التدخل الخارجي مرة أخرى بعد سابقة شرعنة التدخل الدولي بقيادة واشنطن بعد غزة العراق للكويت مطلع التسعينات . وفتحت لحلف الناتو الطريق لضرب ليبيا وإسقاط القذافي. ثم تلتها قمة تدعم تكرار السناريو في سوريا . وتحولت قمم سنوات الربيع العربي لمنصة لتهديد ايران ، مع محاولات استبدال الحكومة السورية الحالية بالمعارضة المصنعة في عواصم دول الخليج على غرار هيكل الحكم الليبي ما بعد القذافي ، وجال رموز المعارضة السورية في أروقة القمة وعقدوا اجتماعات مع القادة العرب ، ووقفوا على منصة الحديث ، وقالوا ما يريدون عن استعجال الإطاحة بنظام الحكم في سوريا وضرورة مساندة العرب لهذا التوجه بكل الأساليب . وأكثر من هذا تعرضت المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله للتهديد بالادراج على لوائح الإرهاب .
في إطار قمة الأردن اليوم يبدو أن كل ذلك تغير ، البيان الختامي أكد على أن لا حل عسكريا للأزمة في سوريا ،دعم الحوار السياسي بين مختلف الأطراف المتصارعة فقط ولا دور لأي من الحاضرين في هذا الحوار أو في مسار الحل الذي بات في عهدة دول الإقليم و القوى الدولية ، لا وجود للمعارضين المستعجلين للجلوس على مقعد سوريا ، لا علم على الطاولة سوى العلم السوري ذي النجمتين الخضراوتين اللتين تمثلان رمز الوحدة يوما ما بين سوريا ومصر . لا خطابات لائتلافات تطالب بالتدخل العسكري الخارجي لاستلام الحكم . ولا خطابات عنترية لآخرين تهدد من لا ينصاع لرغباتهم وخططهم .
التغيير واضح والعقلنة في قمة الأردن لها أسبابها ، فقد تغيرت قواعد اللعبة وادوار الاعبين ، وغدا بعض عرب القمة خارج دائرة الفعل في الحرب السورية ، أو بالأدق ابعدوا عن اللعبة بعد أن فشلوا في أداء ادوارهم . وعادوا إلى مربع الجمل النمطية و الكليشهات المعروفة ، والمواقف القديمة التقليدية تجاه الأزمات المعمرة والجديدة كمثل تلك المتمسكة بالمبادرة العربية للسلام .
إعادة القضية الفلسطينية إلى أعلى سلم نقاط البيان الختامي تبدو عودة إلى خطاب ما قبل الربيع المزعوم وفورة أبطاله، وإعلان رسمي لنهاية ملهاته وعبثية طموحات راكبي موجاته. إلا أن تلك العودة تدعو للقلق لانها قد تمهد لاندفاعات بعض الدول نحو ابرام صفقة مع إدارة ترامب ، تكون التسوية الفلسطينية فيها جزءا من تحالف يضم تلك الدول إلى جانب إسرائيل وواشنطن موجها ضد إيران ، تلك مراهنة خطرة براينا ستقود تلك الدول والمنطقة إلى دهاليز سيدفع العرب وحدهم ثمنها .
أما في البيان الختامي لقمة الأردن ، فلم يتم التعرض لإيران أو حزب الله سوى من بوابة اللازمة التقليدية عن أحقية الإمارات العربية المتحدة في الجزر الثلاث ، والدعوة للتفاوض أو التحكيم الدولي بشأنها ، وإدانة التدخلات في اليمن دون تسمية ايران . استطاعت الرياض أخذ إجماع من القمة على حربها في اليمن لدعم ما وصفه البيان بإعادة الشرعية ، تلك التي تسعى المملكة ذاتها لنزعها في سوريا . إلا أن وحدها من يتحمل تبعات الحرب في اليمن حيث الإجماع في قمة عربية لا يفيد عند احصاء نتائج وتداعيات تلك الحرب على من شنها .
دعمت القمة العراق و الحكومة العراقية والجيش العراقي في حربهم على الإرهاب ، دون إثارة شوائب كانت محل اهتمام وتركيز من قبل دول خليجية ، تتعلق بدور الحشد الشعبي و متعلقات بوضع السنة ونفوذه ايران في العراق .
من اللافت أيضا أن البيان الختامي دعا دول العالم الى عدم نقل سفاراتها إلى القدس ولم يوجه تلك الدعوة إلى إدارة ترامب بشكل محدد ، لماذا تجنب المجتمعون دعوة الإدارة الأمريكية للتراجع عن قرارها نقل سفارتها إلى القدس وتركت الجملة عامة ؟ باعتقادنا أن هذه الصيغة سيكون لها مفعولها العكسي ، إذ ستعطي هذه الطريقة المبهمة لمخاطبة ترامب ، مؤشرا على عجز وخوف ونقص جرأة الدول العربية في مواجهة هذا الإجراء.
وعلى الهامش نسجل ملاحظة بخصوص تجاهل القمة العربية كليا رسالة رؤساء ورؤساء حكومات سابقين في لبنان، تلك الرسالة التي أثارت جدلا في لبنان كونها تشوش على تمثيل الرئيس ميشيل عون للبلاد ، والتي أكدت مصادر لبنانية مرارا أنها جاءت بطلب سعودي . تجاهل الأمانة العامة للجامعة العربية للرسالة كليا ، ربما جاء تجنبا لردة فعل الرئيس اللبناني ، وتأكيدا على رغبة القمة والأردن تحديدا بإعطاء طابع العقلنة على أعمال القمة وما نتج عنها والابتعاد عما قد يشوش على أعمالها .
بشكل واضح مرت القمة هادئة ، ولم تثير أي مشكلات أو خلافات أو مواقف تصعيدية ، على خلاف ما ساد في السنوات الست العجاف ، فهل هي بداية مراجعة وعقلنة لكيفية معالجة الأزمات ، أم هي إعلان صامت عن نهاية ربيع الجنون الدموي ، هل عاد التوازن لمؤسسة الجامعة العربية فرضته تطورات الأحداث في المنطقة العربية . أم أن دورها السابق انتهى أم هو استعداد لدور جديد .
المصدر :
كمال خلف/ رأي اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة